حتى لا تتحوَّل الثقافة إلى حوار طرشان

 

في قراءات ما يدُبَّج في الصحافة، من أراء واتجاهات، كان يطيب لي أن أتوجه، إذا ما سطَّر /أحدهم/ مقالة، في هذه الصحيفة أو تلك، بسؤاله عمَّا إذا أطلع على مقالة أخرى شاركته الصفحة وتوضعت إلى جانب مقالته، وكان سؤالي /خبيثاً/ بعض الشيء، إذ لا أشير به لمقالته، بقدر ما أحاول استبيان رأيه في المقالة الأخرى وكان جوابه يأتيني على الدوام في أنه لم يطلع على المسطور بجانبه، حتى تهيأ لي أنَّ كلاً منا لا يقرأ سوى مقالته دونما اهتمام بما يُطرح إلاَّ إذا تناول به /أحدهم/ أحدهم الأخر.

وكنتُ على الدوام أجد لهذا الـ /أحدهم/ وهو كُثر، عذره وعذري له، في أن المسطور إلى جانب مسطوره، موضوعاً، ليس بذي أهمية، أو أنه لا يشتغل عليه، أو أنه لا يشغل اهتمامه ولا يسترعي انتباهه. وعلى الرغم من فجاجة هذا العذر، فإن ما تشكَّل لدي من قناعات، كان على نحوٍ من سطوعٍ في عالم الصحافة.. ولهذا السطوع حكايته المعروفة من قبل كلِ مَنْ ألف /الطرس والقرطاس/.

وهكذا، استهوتني فكرة الكتابة بأسماء متعددة، فرحتُ اختار من الأسماء /ما شابَهَ/ الموضوع أو /ما كان منه مدانيا/.  ليس لأنني متكبرٌ على هذا السطوع، أو أنني لا أهواه ولا أتوق إليه، وإنما، لجعل مقالتي مجرد رأي مطروح للمناقشة وبعيدٌ كل البعد، عن كون /المكتوب يُقرأ من عنوانه/ وغالباً ما يكون الأخير اسماً ساطعاً تحددت متجهات قلمه ومكرورات رأيه واستهدافاته، وبات حق /النجومية/ عليه، الحضور الدائم على شاشة الصحافة، على الأقل بين مسطوريين! على نحوِ ردٍ على رد للرد المردود عليه، بغفلة منه ولنقص في الرد وغموض في فهم المسطور الذي تطلب كل ذلك.

في المتابعات لمثل هكذا رد على الرد، ورد على رد الرد، كان يستوقفني ما قدمتُ به، إذ أنه، في غالب الأحيان، كان يقف وراء عدم التبصر والتمعن والإمعان في المسطور لجانب مسطراتنا، وطالما أننا /تقفز إلى الشكل/* مباشرة، فإن العنوان، الاسم، كان يعني على الدوام، موقفاً، من قبل القارئ، كائن ما كان، موقفاً مؤيداً أو رافضاً، مستنكراً أو مثنياً، يستحق الردَّ أو لا يستحقه، حتى أنه في كثير من الأحيان، كان يأتي الرد متسرعاً ويكتفي بالمرور مرور الكرام على المسطور، يختصره بجملة أو جملتين، بل وفي أحيان كثيرة، يكتفي بالعنوان الذي استنسبته إدارة التحرير، والتي كانت على الدوام أيضاً، أكثر الذين يقرؤون ما يسطر وبتمعن أكثر مما يجب، فمسؤولية التحرير، تبقى تفرض على الإدارة، الغوص لأعماق ما يكتب أكثر بكثير من القارئ، متصفحاً كان أو كاتباً لرأي أو اجتهاد أو اتجاه..

في المتابعات أيضاً، لما كان يشغل الصحافة، في فترة، وحيال كل حدث، كنتُ ألمحُ، أن ما يكتب في مجمله كان مكروراً من حيث أنه لا يأتي كتقاطع لمعلومات وثيقة وموثقة وإنما يأتي على نحوٍ من رأي في ما كتب، وأنه في الغالب كان يأتي على نحوٍ من العنوان، الاسم، والأمثلة على ذلك كثيرة وأقربها ما قيل في /روجيه غارودي/ إبان محنته مع الصهيونية ـ القانون الفرنسي، أو قضية /كارلوس/ بعد تسليمه للسلطات الفرنسية أو في مسألة /الزواج المدني الاختياري/ وفي/قانون الانتخاب/ مؤخراً أو في /الكوتا النسائية/ التي ما تزال على بساط البحث وقضايا كثيرة كثيرة كانت تنتهي بانتهاء الحدث وصخبه، فالصحافة، تبقى تصفحاً للحدث أعلاماً، على خلاف القضايا والآراء والاتجاهات فهذه الأخيرة تبقى على صلة بالحدث أفلَ أم لم يأفل، وهي بحد ذاتها معلوماتية الانطلاق، منهجية الربط والعقل، استمرارية الطرح باستمرارية الاستقصاء والتتبع لما استجد بها من معلومات ولما أظهره تتابع الأحداث ولما قام وتوضع على أرض الواقع ومتجهاته وأساليبه المقترحة والمتواجدة لمدة بانطلاقه أو إعاقته.. الخ.

في العمق، من المُلْمَحِ إليه أعلاه، تكمن المأساة، وهي، أنه على الرغم من كونها كذلك، فهي متنوعة متفرعة متعددة، ومَتداخلة، متشابكة، حتى لتبدو في كثير من وجوهها، المتضادة والمتناقضة، أعقد من فكِّ خيط من /شلة حرير/؟!.

ففي المعارك الدائرة على الصفحات، يبدو أن ما تقدم، يبقى مؤشراً على أننا مُراوحون في المكان، ونصرُّ على أن لا نبرحه، عبر الكيفية التي نطالع فيها منطلقات وأدوات وأساليب ما يُكتب، في الرد على الرد، وفي المكرور،.. والمسألة تبقى في أننا نعتبر أن النقد، وحتى النقض، لما نسطرْ، هو على أي نحوٍ أخذ به ومن أية زاوية نُظر إليه ومن أي مستوىً، يبقى هجوماً شخصياً، وبهدف النيل الشخصي، وليس من أي منطلق آخر، على نحوٍ من تقاطع معلوماتي استجدَّ في معلوميته محاكمته ومعلوماته، كمنهجية المحاكمة، في.. الخ وهذا بحدِّ ذاته إن دلَّ على شيء فإنما يدل على فسحة نرجسية تتيح لنا تنفساً فردياً عميقاً ترتاح به من عناء هذا /الأخر/ الناقد أو الناقض أو..

في القناعات، لهكذا فهم للنقد والنقض، نفتقر، في الواقع، للعودة لما استقرت عليه قناعاتنا، في محاولة لإعادة صياغتها من جديد، وفق ما تكشَّفَ منها من أخطاء أو ما أكَّد صحته وصوابيته في التجربة، في الممارسة، في التطبيق، في ما انتهى إليه الحدث، وفي مجريات ما ينحى إليه المسطور من آرائنا، يأتي هذا المسطور، رداً أو رداً على رد أو رداً على ردِّ الرد، على نحوٍ من اختلاق المعجزات والخوارق لتأكيد تلك القناعات، دون اهتمام أو إلمام، بما توضع منها على أرض الواقع، وبما يتطلب في أسوء الأحوال ضرورة إعادة النظر فيها منطلقاً ومنهجاً وغاية.

في القناعات، وفي محاولات تأكيدها، نحاول جاهدين لدعم مرتكزات توجهاتنا الاقتناعية هذه، لا على نحوِ منطق ومنهج المحاكمة، وإنما في جدولة المراجع والمصادر التي تؤيد إلى هذا الحدِّ أو ذاك، ما نحن ماضون في سبيله، وعلى نحوٍ لا نستبعد به مجزوء المرجع ولا حتى مشطور المصدر، وكأننا بذلك ندل دون انتباه، لسعة إطلاعنا، بما يفيد عمق معرفتنا وتالياً نفاذ بصرنا للأصقاع المجهولة من بصيرتنا، والمسألة بكليتها تبقى على هذه الحال، إغفالٌ غير مقصود لما يأتي مناقضاً لاستهدافاتنا، فمهما بلغ عدد مراجعنا ومصادرنا، المؤيدة لما نذهب إليه، فإن هناك، من المراجع والمصادر، الأكثر مما أوردنا، وبها ما يدحض ويناقض ما نسعى إليه والأكثر من ذلك أيضاً، أن ما نذيِّل به مقالاتنا وأبحاثنا وآراءنا، يبقى على أية حال أيضاً أقلُّ بكثير مما لم نطَّلع عليه. إننا والحال، نجتزئ المعرفة تحت مظاهر عدة، ونحتكر الحقيقة، والتي هي في مختلف الأحوال، قناعاتنا، التي غدت مطلقاً نخشى مساءلته أو مقاربته، والمسألة، بكليتها، لم تكن، في ثقافة القضايا والآراء والاتجاهات و..، كذلك في يوم من الأيام، ذلك أن الثقافة تبقى، على أي نحوٍ أخذت به، أرقى أشكال الديمقراطية، وأن هذه في ما هو معوَّل عليها، تبقى المقدرة عل التطور، بما يعنيه هذا الأخير من قدرة على التكييف والانسجام في الكثرة والتعدد في الوحدة، بكل ما يعنيه هذا أو ذاك من تبدل وتغير لا يبقى على حال، ومن دون أن يعني سلخاً للجد ورؤية ما لا يرى.

في المحصلة، النرجسية التي هي على نحوٍ من القناعات وهذه كاحتكار للحقيقة، كانت وما تزال وراء الأزمة الثقافية التي نحيا، ألا وهي اختلاط المفاهيم في المصطلحات المتداولة، وتحديداً عبر مقولة /القفز إلى الشكل/ مما يحيل فعلاً/ حسم النقاشات بإحالة الاختلافات إلى اتهامات../*، ذلك أنه في المحصلة أيضاً، وفي المكرور من الطروحات، وفي الرد على الرد،.. يتضح أننا في تحليل الحدث، فكأننا والحال، في وادٍ، والحدث في وادٍ أخر، فإذ ما توضعت النتائج على الأرض، أخذ المسطور فيه، على عاتقه، بيان عوامل وأسباب وطرق ووسائل.. ما توضع، مبرراً في ذلك ما كان قد انتهى إليه أحدنا في مكروره، وبشكل يأتي به هذا  على نحو من مجاملة ومسايرة ومداهنة.. وكأننا في هذا نتبضَّع مما جرى لمدِّ السطوع بطاقة السطوع في المسافة الزمنية التي تفصل بين مسطورين.

في مجريات المنوه عنه، الخاصة والعامة، يبقى علينا أن ننعم النظر ونمعن في ما نحن آيلون إليه، والتجربة، كما يقال، خير برهان، والمهم في الموضوع، مدى توضيع خلاصتها مسلكاً هو في المحصلة منهجاً في المحاكمة.

في المنطلق، وعلى النسق الذي واجهتُ فيه مشكلة /القفز إلى الشكل/ كنت قد تقدمتُ في مطلع الثمانينيات من إحدى الدوريات الرائجة، لنشر خلاصة سنوات من البحث والدرس والتمحيص، في واحد من تلك الموضوعات الرائجة في ذلك الزمن، ولم أتتبع إذ ما نشرت تلك الدورية، خلاصتي تلك، حتى جاءني صديق ينبئني بذلك، وكان قد أطلع عليها مخطوطاً على أوراقي، وأذاع في وسطي المحيط ذلك على الرغم من أن العنوان ـ الاسم، كان مستعاراً، وصفق الجميع مهنئاً ومثنياً على ما تضمنته تلك الخلاصة، ولم يمضي على ذلك شهور، حتى جاءني أحدهم شاتماً لاعناً ذاك الذي /مسح بي الأرض../ في رده على خلاصتي المنوه عنها، حاملاً معه ذلك الرد، فعكفت عليه دارساً، فإذ به يتجنى عليَّ كثيراً ويقلبُ ما تضمنته دراستي رأساً على عقب ويجتزأ من مقالتي تلك أجزاءً تطيح بما حاولت بيانه من الأسباب والنتائج،.. ورحت أبين في ردي ذاك الاجتزاء، وتناولت تلك الدورية، وما كنتُ قد قرأتُ ما نشرته من دراستي ـ للاستشهاد بما ورد في المقالة، وكم كانت المفاجئة عظيمة، إذ تبين لي أن منضد حروفي شاء أن يتدخل في الموضوع، فراح /يسلخ جلده عن عظمه/ بعدما نتف ريشه ونشره يمنة ويسرة فقدم فقرة على أخرى وألغى ثالثة واختصر في الأسباب وأتى بنتائج ما اختصره، فإذا بالدراسة مجرد خربشات على الورق، فإذا ما قلتُ مثلاً /ليس المجتمع أساسه الفرد/ أكل صاحبنا /ليس/ وأبقى على /المجتمع أساسه الفرد/ وهكذا دواليك حتى عذرت ذاك المفكر على تهجمه، شاكراً برسالة مني /تجنيه/ عليَّ مرفقاً خلاصتي المخطوطة بالرسالة وفي قلبيَ غصة من أولئك الأحبة الذين أثنوا على المنشور من خلاصتي في تلك الدورية، لأنهم لو أطلعوا عليها لأنقذوا الدراسة والدارس وذاك الناقد من عناء الرد..

في المنطلق أيضاً، وعلى الصعيد العام، طالعتنا جريدة السفير، بما استوجب هذا التقديم وهذا الإسهاب وحتى هذا الأمثلة. وذلك في الردود المتبادلة بين كل من الدكتورة نعيمة شومان والأستاذ منير درويش، حول موضوعات كان قد تطرق كل منهما لها، تحت عناوين مختلفة /الإسلام بين كينـز وماركس وحقوق الإنسان/ و /الدول الإسلامية وقضايا الواقع الراهن/ التي اعتبرت رداً على الأولى، بينما جاء الرد على هذه الأخيرة تحت عنوان /الإسلام بين كينـز وماركس.. إيضاحات حول ملاحظات/ ليأتي الرد على رد الرد تحت عنوان /من أجل حوار أفضل/، نعود ونؤكد مع الأستاذ منير درويش،.. /أن الحوار ساحة واسعة تتسع لجميع الآراء والاتجاهات../ بل ونضيف أن الحوار بما هو بحث ودرس ونقاش هو شكل من أشكال الوسائل الديمقراطية لبلوغ الوحدة في النظر لمجمل القضايا المطروحة والتي وإن اختلفت مستويات الرؤية وزواياها وأوجهها، في تداول وجهات النظر، تعود في الحال الموضوعية، لوحدة في المفاهيم، حيث تكون الأخيرة غاية من أبرز غايات الديمقراطية بحثاً ودرساً ونقاشاً وحواراً.. وتداولاً، فالمداولة هنا تعني دون أدنى شك تداول الأمكنة مستويات وأوجه وزوايا، ذلك أن تشبثَ كلٍّ منا في موقعه، وفي رؤيته للقضايا من خلال انكسارها في موشور الذات، يُبقي، على اللون الأبيض /القضايا/ المنكسرة في الموشور الذاتي، في التجربة العملية، لوناً أحمراً ليس إلاَّ، بينما يسمح، تبادل الأمكنة لأوجه هذا الموشور وزوايا ومستويات الرؤية، برؤية اللون الأبيض محللاً في الموشور الذاتي لألوان الطيف الضوئي،.. هكذا الحوار، إذ لا يعقل، أن يصرَّ كل منا، وهو في موقعه ومستواه وزاوية رؤيته للقضية /الضوء الأبيض/ على أنه ليس هناك من ألوانٍ / وجهات نظر/ أخرى، بل إن الأبيضَ، هو هذا الأحمر أو الأزرق الذي يراه وما دونه باطلٌ وتزيغٌ للحقيقة /الاقتناع/..

والديمقراطية، من حيث هي تداولٌ.. وبما هو معوَّلٌ عليها، ليست بذي قيمة إذ ما بقيت في حدود الشكل ـ الموقع ـ المكان ـ مستوى الرؤية ـ وجهتها ـ زاويتها، الديمقراطية، من حيث هي كذلك، هي، في الثقافة، أرقى ما يمكن أن يعوَّل عليها، إذ هي، بتداول الأمكنة والمستويات ووجهات وزوايا الرؤية، شكلٌ من أشكال الصهر والبلورة والصقل للأخر بالأخر في وحدة المفاهيم، حيث الأبيض في التحليل الضوئي ليس لوناً واحداً، إنه جملة من الألوان، لكل منها توتره وطول موجته و..

من هنا، يبدو أنه من الضروري، وحتى لا يتحول الحوار بحثاً ودرساً.. إلى جدل بيزنطي غالباً ما /يتطور/ إلى مماحكات ومهاترات وملاسنات حتى يبلغ درجة التهكم والشتم والسباب.. أو كما عبَّر عنه الأستاذ درويش /حسم النقاشات بإحالة الاختلافات إلى اتهامات../ جدير بنا أن نؤكد على ضرورة فسح المجال رحباً لكل الآراء وبشكل لا يسمح، بما قدمنا له، بل ضرورة القراءة الفاهمة المتبصرة الواعية المدركة المميزة.. لما يكتب ولما يقال، في حال من هذا النوع لا نعود نتلمس تهكماً متأدباً على نحوٍ من /أنني لأعجب كيف صوَّر السيد درويش البحث وحوَّله إلى مقارنة بين النظامين السابقين وأوضاع البلدان الإسلامية في الوقت الراهن../ أو على نحوٍ من /.. أني أتساءل، ما إذا كان الكاتب يدرك أنه ـ من دون قصد منه ـ يصب في هذا التحليل، في القالب الصهيوني../ أو كما تمنى الأستاذ درويش /.. لو أن الكاتبة قرأت ملاحظاتي قراءة دقيقة../ بعد تساؤله على نسق تساؤل الدكتورة شومان /.. لقد تحولت ملاحظاتي عن الأوضاع الراهنة.. إلى هجوم على الإسلام../.

وبغض النظر عن المطروح، من وجهات نظر وتبريرات و.. ، فإننا والحال أمام ظاهرة لا تنبئ بالمعوَّل على الحوار، لا لشيء سوى أننا لا نكاد نقرأ إلاَّ الذات ذاتنا، إذ كيف يمكن لنا أن نفهم كيف حول الأستاذ درويش بحث الدكتورة شومان لمقارنة بين النظامين السابقين حسب تعبير د. شومان /أو كيف حولت الدكتورة شومان بحث الأستاذ درويش إلى هجوم على الإسلام/ وفق ما ذهب إليه الأستاذ درويش / ألا يعني هذا أن كلاً منهما، وهما ها هنا مثالٌ لا أكثر على ما نعاني منه، لم يفهم الأخر، أو لم يقرأ الأخر، أو أن الأخر لم يتمكن من أن يوصل ما يريد إلى ذاك الأخر، فأخطأ في التعبير أو في الصياغة أو في رصف الفكرة إلى جانب أخرى منطقياً أم أننا جميعاً ما زلنا نتصفح ما يكتب دون تفاعلٍ، ونبقى بذلك خارج الحدث، في وادٍ أخر، لا نبرحه، ويبقى على أية حال، وادُ الذات التي تأبى على الذات الأخرى مقاربتها أو مساءلتها أو.. أي أننا ما زلنا في القناعات ـ الحقيقة المطلقة التي نأبى أبداً العودة لها، لإعادة صياغتها من جديد في ضوء المتوضع على الأرض.. وإننا في المكرور من آرائنا لا نقف أبداً إلاَّ على عتبة الرأي الأخر دون الولوج إليه والتفاعل معه والفعل به وحتى الانفعال به.. وليس في كل ما تقدم ما يمس أو يقلل من شأن أيٍ من الأستاذين المحترمين، على الرغم من قسوة الهجوم، وعلى الرغم من كونهما، بتساءل كل منهما عن الكيفية التي حوَّل بها الأخر بحثه، قد /فتَّقا/ جراحات الثقافة ونزفها المستمر حتى غدت بلا جدوى، وبقيت في حدود السطوع وفي حق النجومية ليس حصراً بالأستاذين ها هنا وإنما في العموم من كتَّابنا ومثقفينا والاستثناء قليل بالطبع.

وإن كنت مع الأستاذ درويش ـ دون أن يعني ذلك أنني ضد الدكتورة شومان ـ في حتى لا تتحول /.. الاختلافات إلى اتهامات/ فإنني أكبر على الاثنين معاً، ما وصم به كلٌ منهما الأخر، ومهما يكن التبرير، فهذا يبقى فكرة ناقصة لا هي تقنع ولا يقتنع بها أحد.

والأجدر بالثقافة وهي، على ذي الحال، أن تقف عند الحدود التي وصلت إليها، لأنها تكون قد أخطأت هدفها وتناست المعوَّل عليها في زحمة اضطراب /الأنا/.

جورج معماري

 


* التعبير للسيد الرئيس حافظ الأسد في مؤتمر لحزب البعث، / لست بعثياً./

* التعبير للأستاذ منير درويش