حيث نجح الأسد فشل الجميع

الأستاذ حرفوش ،
تحية
إن كنت تقرأ ردود الفعل على ما تكتب ، فبالله عليك أجبني ، لأنه يكفيك أن تكون كاتباً في الحياة لتكتب بعيدا عن الحقيقة مليارات الكيلومترات ، لا لشيء ، سوى لأنك تكتب وفق أجندة محددة الأهداف سلفا ، ولأنه ما من عاقل يكتب ما تفضلتَ به إلا ليؤكد مرارا وتكرارا على أن الصحافة لم تعد كما قيل عنها كسلطة رابعة تعكس أراء العامة من الناس بقدر ما هي اليوم أقرب ما تكون لشعراء البلاط ، أو في أقرب تشبيه للشاعر الكبير / المتنبي / والذي كان يبحث من خلال شاعريته عن منصب سياسي يغنيه عن التملق حتى لكافور الإخشيدي الذي هجاه في النهاية المأساوية التي انتهى إليها ، أقول ماعرفتك أكثر من شاعر بلاط لا يتقن الشعر ،بأنواعه ، بقدر ما يتقن تشويه الحقائق كما جامعته العربية التي انفردت ببيان يُحمِّل النظام السوري حتى / مسؤولية الهجوم الكيمائي المفترض / لا حظ مفردة ( المفترض ) ، أقول ذلك من انطلاقك من جملة تخرصات لا قيمة لها في عالم الحقائق ، فمثلا تنطلق بداية من القول : (اذا كان الرئيس بشار الأسد قد «نجح» في شيء … فهو في الانقلاب الذي أحدثه في نسق تفكير إدارة الرئيس باراك أوباما حيال هذه الأزمة وحيال احتمالات التدخل العسكري فيها…) لجهة حدوث انقلاب في تفكير السيد أوباما ، فهذه ميزة إيجابية محسوبة للرئيس بشار الأسد ، أما على صعيد التدخل العسكري ، فهذه مسألة أمريكية بحتة ، فأوباما يعمل وفق المصلحة الأمريكية التي تمليها عليه مؤسساته المعنية بالقرار السياسي ، فهو ليس بدكتاتور على ما أعتقد ليعود إليه قرار الحرب والسلم بناءً على مزاجية خاصة به ، على نسق صدام حسين مثلا ، كذلك أقول لك ، كما الرئيس بشار الأسد الذي وإن كان هو المُقرر للحرب والسلم السوريين ، فهو يعود بمجمل قراراته ، لمؤسسات أكثر فعالية من تلك التي للرئيس أوباما ، مؤسسات تتخذ من المصلحة السورية كمصلحة فوق مختلف المصالح الأخرى كائنة ما كانت ، وهذه نقطة قد تكون قد غفلت عنها قصدا في مقالتك هذه .
تقول ( نحن إذن أمام أوباما جديد ) وهذه مسألة أخرى تضع أوباما على محك طروحاته في رغبته عدم ( توريط قواته في أي عمل عسكري خارج حدود بلده، وهو الذي جاء إلى البيت الأبيض مع وعد بسحب القوات من المناطق التي تورطت فيها في ظل إدارة جورج بوش، وخصوصاً من العراق وأفغانستان…) وتمضي في تحليلاتك لما قاله السيد أوباما من أن هناك ( جهات تطالب بعمل فوري، لكن التسرع في أمور قد تكون نتيجتها سيئة سيغرقنا في اوضاع صعبة، ويمكن أن يجرنا إلى تدخلات معقدة جداً ومكلفة ولن تؤدي إلا إلى تأجيج مشاعر الحقد في المنطقة (.. . ولم تتساءل من هي تلك الجهات التي تطالب أوباما بالتدخل الفوري في الشأن السوري وأنت أقرب الناس إليها وتعرفها جيداً وقد تكون أحد مستشاريها الصحافيين ، وتعرف أن تلك الجهات إذ تطالب أوباما بالتدخل العسكري ، فهي تقدم له من الإغراءات ما يفوق حتى تصوراته للحلول المطروحة للخروج من المديونية التي قاربت حتى تاريخه ، وفي حدها الأدنى الخمسة والعشرين تريليون دولار أمريكي ، ولم تشأ أيضا تسميتها على نسق المتنبي الآنف الذكر ( إن سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكمُ الم ) لأنك تخشى سطوتها المادية أولاً ووهابيتها ثانيا ،كما ولم تمعن النظر فيما تورده من تأكيدات لوزير دفاعه، في تساؤلك عن (ما الذي تغير خلال هذه الأيام القليلة ودفع أوباما إلى اتخاذ قراره بوضع خيار اللجوء إلى القوة على الطاولة لمعاقبة النظام السوري؟ ..) حيث أكد هاغل وفق ما أوردته ( إن هناك قناعة تامة وقليلاً من الشك لدى معظم حلفاء الولايات المتحدة في أن النظام السوري خرق أبسط حدود السلوك الإنساني المقبول باستخدامه أسلحة كيماوية ضد شعبه..) مردفا قول الأخير ( أن أي رد من جانب الولايات المتحدة سيكون بالتفاهم مع المجموعة الدولية وضمن حدود القانون الدولي…) مع العلم أن ما صدر مؤخرا بصدد الضربة العسكرية المتوقعة هو خارج بكليته عن الإجماع الدولي وعن الشرعية الدولية ، ولكنك كبقية شعراء السلطان تعمل على تحريض وتبرير التهديد الأمريكي دون النظر في العواقب التي قد تتمخض على هذا التحريض الذي تعمل عليه تحت غطاء أن ( المسؤوليات الدولية الملقاة على عاتق الولايات المتحدة ولا الدور الذي يتولاه باراك أوباما كقائد لأكبر قوة عسكرية في العالم تسمح بموقف المتفرج على هذه المأساة المتمادية التي بلغت حداً من الخطر أصبح يهدد أمن منطقة الشرق الأوسط بأسرها…) فأية مسؤوليات ملقاة على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي ، وفق تعبير الخميني /الشيطان الأكبر/ الذي يتحمل وزر ملايين الضحايا في مختلف بقاع العالم ، أية مسؤوليات هي تلك التي يفوضها بها العالم سوى أن تكف عن إزاء الشعوب المتعبة والمنهكة من الاستنزاف الأمريكي لثرواتها الوطنية ، ومنها مملكتك العربية ( السعودية ) العتيدة التي تخشى من انقلاب الأوضاع فيها فتسارع للإستنجاد بالغربي الذي لم يكن في يوم من الأيام سوى العدو الدود لكل ما هو عربي خاصة ومسلم عامة !!
تقول مبررا التدخل الأمريكي بتحريض سعودي تحت غطاءٍ واهٍ من ( أن النظام السوري، مثل أي نظام آخر، هو الذي يتحمل مسؤولية حماية أرواح مواطنيه المدنيين. وإذا لم يستطع القيام بذلك ومنع جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكب على أرضه (وبصرف النظر عمّن يرتكب هذه الجرائم)، يصبح من واجب المجتمع الدولي التدخل لوقف هذه الارتكابات، من دون أي اعتبار لمسألة السيادة الداخلية …) دون أن تتساءل من يهدد أرواح المواطنين السوريين ، هل هو النظام السوري أم التكفيريين الذي ترسلهم وتمولهم وتجيشهم مملكتك المترهلة والمتآكلة تلقائيا والتي ستكون اللقمة السائغة السهلة لمن جندتهم لذبح السوريين وقتلهم واغتصاب براءتهم وأعراضهم وتشريدهم .. ألم تتساءل لماذا تُسقِط مقولة من استخدم السلاح الكيميائي ، ومن زود القتلة به ، ومن دربهم عليه وسهل دخوله كبقية الأسلحة الكبرى التي كانت تكفي لمقاتلة جيوش العالم كله لو وزعت على من يفقهون فن القتال وشرف أن تكون مقاتلا مخلصا للقضية التي تدفع في سبيلها أغلى ما عندك ، الم تتساءل وأنت تكتب مقالتك محرضا الأمريكيين على غزو بلدٍ عربي عن أعداد الضحايا التي يمكن أن تسقط نتيجة ذلك وأنت المدعي أن التدخل يبقى لحماية الشعب السوري من قاتليه ،على نسق التدخل الأمريكي في العراق دفاعا عن الديموقراطية والحرية التي أودت بالعراق حكومة وشعبا وأرضا ومصيرا ، أتراه الحقد التاريخي الذي تحمله مملكتك على كل من هو من الشام والعراق أو تراهاعا أجندة اسرائيلية بثوب بني سعود تعمل من النيل الى الفرات لتأمين عدوٍ لا يؤتمن تاريخيا وقد نبذته مختلف شعوب الأرض .. ولماذا أبقيت السؤال خارج السيادة الوطنية بحجة أن النظام يبقى متذرعا بها لتغطية جرائمه وفق رؤيتك الخاصة المحولَّة في فهم معنى السيادة الوطنية والقومية التي تتبرأ من أمثالكم يا صحفيَّ العزيز ،
لتثق ، وردا على ما جاء بنهاية مقالتك من صلاحية المجتمع الدولي حول ردع الأنظمة الحاكمة من قتل شعوبها ، واتهامك للنظام السوري بالقول ( لقد فاقت الارتكابات التي أقدم عليها النظام السوري في مواجهاته مع المعارضة كل مستويات العنف والقتل التي يمكن أن يرتكبها أي نظام. وجاء استخدام الأسلحة الكيماوية في غوطتي دمشق ليبدد كل الأوهام التي كانت ما تزال تراود البعض من أن بشار الأسد لا يمكن أن يفعل ذلك! تكفي مراجعة مسلسل المجازر لتؤكد لنا أنه فعلها وأكثر.. ) أقول لتثق أن التاريخ لن يرحم من تآمر على سورية ، وأن الشعب السوري لن ينسى من موَّل وجيش كل قذارات الأرض لتفتك به ، وإن غدا لناظريه قريب ، ومن يعش يرى .
راجيا منك وللمرة الثانية أن تجيبني إن قرأت ردي وتعليقي على ما جاء في مقالتك ..