رسائل في الحب من / قصة حب /

ما بيننا كان عتمة ، أرى صوتكِ وأشتم تمنياتك ، أبحث عنك ، فلا أجد إلا ذاتي المعذبة بعذاباتك ، يلفني وهم يرى عن بعدٍ ، نورا ينمو ويكبر ، أرسم وجهك عليه ، وأحدثه عنك،، أوقن أنك لي ، متى لامستُ تفاصيل جسدك العاري ، متحسساً تضاريسه ، لتلفحني أنفاسك وتنثرني بعيدا عنكِ ، أحنو عليك وانتِ بين يدي ، أحنُّ اليك وأنتِ مني النبض والشريان ، ألجأ اليك وقد عرَّتني الحياة من كل شئ ، تأبى يداك المشبكتان على نهديكِ تطويقي ، تُجَنُّ لهفتي ، وأنا أراكِ عارية أمامي راسما تضاريس الجسد بقبلات تبحث عنك ، تتلمس خفايا الجسد شهوتي ، لألج جنانكِ ، ودون حراك لا تأبهين لجنوني ، كنتِ بقايا جسد عارٍ أمامي أنهكته عتمته ولفه صقيع وحدته ، أحرقتُ كلَّ أمالي وأوقدتُ آهاتي وأضرمت نيران حبي لعلك تتدثرين بي ، أضاء شغفي ما حولي ، أدركتُ متأخرا أنني أقمتُ تمثالا صليته أيامي ولم يكن إلا وهما جفت به الحياة ..
(2)
أذكره ، ذاك الصباح ، مشرقا وعلى شفتيكِ يطبع قبلتكٍ الأولى ، كما أنت ، في إغفاءة نشوةٍ الحب ، تستزيدين قبلاته ، مغمضة العينين ، وعلى وجنتيك آهٌ بدت أطول من عمرٍ أنتِ به ، وشعاعه يتغلغل في صدركِ النديّ، مُرتشفاً قهوته سلاف رضاب نهديك ، وعلى موسيقاها طوقت ذراعيكِ عيناه ، راقصة في لهفة ناعسة تتوق اليه ، كان صباحا لم يدرك أن قبلتك الأولى هي الأخيرة الباقية نبضاتها على شفتيه حنيناً دافئ الذكرى وعلى قلبه نبضٌ توقف ليعلن وفاته .
(3)
أتذكرين ،كيف كنا نرى النور آملين أن يغمرنا بألوانه ، كيف تطلعنا الى نجمتنا وقد سقطت شهابا يخط طريقه لموت حتمي ، والى ربيعنا الذي تيــبست أزهاره قبل أن تنبت ، وذي المسافات تفصلنا ، ونحن في كلينا هواجس لاتنام ، تؤرق فينا أحلامنا ، دون أن توقظنا ، تحدق بإغفاءة تدثر فينا أمانينا ، والجرح الذي لا يزال نازفا في عروقنا يقتل فينا نبض حياتنا ، أليس بين اشراقة شمس وأخرى إغماضة عين ينبلج فجرها أملا ؟ يقتلني أسى عينيك ، وقد تجمدت في توقها للتحرر من جليد لطخة صفراء رغم تدفق إحمرار لا يلبث أن يتساقط قطرا على خديك باكيا آلامه وأحزانه وشقاءه وتعبه ، كسيحا يفتقر لما يجول في خاطره ، وقد أثقلته شقاوته وطفرات ثورته على ذاته وسوط تأنيب روحه كيف آل سكونه لحراك ، فانكفأ منكسرا متهدما يجلله غبار التقاليد …
(4)
أبحث عنك ، لألقاك ، أحدثك ، أنت أمامي الآن ، أركض لاهثا وقد أضناني التعب ، تتقطع كلماتي ، أحاول وصلها ، أتلقط أنفاسي ، لا تعبائين بي ، تتضجرين من حبي ، مدركا أنك تتوقينه ، تحاولين تلقط أنفاسك أنت أيضا ، تتهربين من خواطرك ، مخافة آخرين ، تتوهمينهم ، وهم لا يعباؤن بك ، أنت بهم وهم لسواك ماضون ،تفوتك الفرصة الضائعة في عمر ناهز الهجران ، تعتقدين أنك به تتصالحين مع ذاتك ، تاركة إياك على مفترق طرق ، لا أنت بالعائدة ، ولا أنت من الآتي ، تتآلمين ، تبكين ،تتنهدين ، تصلبينني على صبري ، أبكيك ، أحاول لملمة بقاياك ، تتأففين ، تصرّين على ما أنت به ، أرحل عنك ، تتوهمين عودتي ، يطول بعادي ، تتوقين للقاء ، تتعثرين بانتقاء الأعذار ، تثورين إن فقدت الأمل ، أعود ، لتعود حكايتنا للقائنا الأول ، عندما أقول أحبك ، لا تسأليني السبب ، هو أنت ، دون سواك ، أتماهي حبا ، أنكسر في عواطفي ، وتنطوي لهفتي على ذاتها ، مخلفة قلبي مشرع الأبواب ، تعتقدين أنني لك ، وقد أسرني حبك ، واصدر حكمه بأبديته ، تخطئين ، تدركين ذلك ، تتخطفني نساء أخريات ، كملاذ أخير..
(5)
أسترجع منهنَّ ذاتي ، مكَسَّرَ الآمال ، تصهرني آلامي ، أبقى على يقين وهمٍ أنك آتية عبر الزمن ، في كل الأوقات ، أرقب نبضي ، عساه ينبئني بتسارع خطواتك نحوي ، اقلب أوراق الذكرى ، وعلى كل منها حشرجة يومي الأخير، أنكبُّ عليها رغم تلفها ، تكسرت هي الأخرى ، تكاد صفرتها تفتتها ، أخاف عليها ، لأنك فيها ، لتبقين ذاكرة فرحي وحزني ، ما زلتُ أخاف عليك ، ر غم جراحاتي النازقة أيامي ،
يؤنبني ماضيَّ ، فهو الآخر شقي بك ، أهدهده على كفيّْ الآتي ، ويلفه الحاضر متألما عليه ، يبكيني وأبكيه ، نحاول معا تقبل غصة الفراق ، فقد حان موعد لقائنا الأخير ، يدير لي ظهره مبتعدا ، وئيد الخطى ، مبرح الآلام ، مُقرح الذكرى , أعانق الحاضر مودعا ، شابكا ذراعي بمن أحببت على الدوام ، إنه الآتي السليم *
• ـ السليم : مَنْ تجرع السم رويدا رويدا ، فما عادت لدغات الأفاعي مؤثرة به .
(6)
حلمتُ يوما أنني أحببتك ، وفي دواخلك فقدت النور ، ولفني سراب الوهم ، تسمّرتُ مكاني ، امتشقتُ رجولتي ، هاجمني وهم شبح مخيف ، أعتقدته نبؤة الآتي ، أدور حولي ، خواء كل ما كان ، تتسلل برودة في عروقي ، أتدفأ بك ، ألجأ لنارك، كمن يتدفأ بضوء القمر ،
يوم لم تكوني فيَّ ، يعودني يذكرني بتلك الخوالي ، تهزمني بلذيذها ، أتغطى بآهاتها ، أتمناها أن تعود ، منصهرا في جحيم جمرات شهوتها ، ولهفة قبلاتها ، .. قالت لي مرة : تتألم إن فارقتني ، سأبقى في ذاكرتك حتى موتها ، لقد صدقت ، كانت لحوحا في بحثها عني ، ألوم قلبي كثيرا يوم ضجر منها ، ..
لم أعلم أنها كانت تنبئني عنك ، كأنك عضال سيسلخ عني ذاتي ، أسفت لها وعليها كثيرا ، كيف كانت تذروها رياح حبي لك ككثبان رمل في تيه العاصفة
(7)
في رقصتنا الأخيرة ، كنا ثنائي تانغو ، أتعبه انسجامه مع الآخر ، خطواتك ، قصت حكاية جسد ، اصم ابكم تبعثرت كلماته حروفا ، عيناك تحدقان في المجهول ، بعماءُ ثقبٍ أسودٍ غارتْ به الرؤيا ،
ايقاعي كان رائعا ، ولهيبه سعيرٌ يصهر لهفتي و التياعي عليك ، رغم لحنه المأزوم بإيقاع ضاجٍّ في تتبعه حركتك التائهة بين ثنائية وانفراد ، فشلنا في اختيار ألوان لوحتنا ، سيمفونية ضاعت فيها الوتريات بين صديح أبواقها وقرقعة طبولها ، قيثارة تقطعت بها الأوتار حتى غدت فاغرة الفم ببلاهة الاعصار .
(8)
كلما ضجت عاطفتي ، كنت أكتب اليك ما تفيض به من شغف ولهفة ما فتُرتْ لحظة ، أحدثك من خلالها متوهما أنك تسمعين صوتي ..
أرَّختك في ذاكرتي حروف كلمات ، تراكبت حتى غدت أشعارا أتقن الجميع قراءتها .. إلا أنت !
كلما حاولت الابتعاد عنك قلتُ : ” اللحظة .. حلوة كانت أم مُرة ، لا تدعها تسكنك ، فهي عابرة لا محالة ” .. أردفُ قائلا : ” لن يكون الأمس أكثر روعة من الغد ” كان تفاؤلي كبيرا ، رغم أنه كان متَّـــــبِعاً أهواءك ، لم تكن لكلماتي ، أصداءً في قلبك ، كانت عابرة همومك الكثيرة المتوَهْمة ،
(9)
أحاول جاهدا أن أرصف تذكاراتي ، كنت فيها بكل تفاصيلها ، قلت لك ” كما كل الورود ، لن تتمكني من اخفاء عطرك ” أعجبك الاطراء ، لكنه كان عابرا كغيره سماءك المُغْبَرّة ، وسريعا ما كان يلفه النسيان ،وأدرك ذلك متألما …
، لم يكن هيامي بك ليتركني ، كان يُلِحُّ عليَّ أن أقتفي أثرك أينما وجدته ،
“روعة الحب أنه لا يعرف المستحيل ..” هكذا توهمتُ ، ” في حنيني اليك أدخل المجهول باحثا عني ..” وكلما ثارت كرامتي وانتشت رجولتي بكبرياء ، أدركتُ أني أحاول المستحيل ، متلفتا حولي لأرى تلك التي تهيم في الحب باحثة عنه ، ايقنت أنها ملاذي الآمن من عبثية البحث عنك , لكنني ” كلما حاولت كتابة النثر ، فاجأني المقفى باتهام الخيانة .. ” ففي كل امرأة كنت أراك، وقد اختصرتهنّ جميعاً على حدٍ سواء
(10)
يوم رحلت متخفية بجلباب مراجعة الذات ” آلمني شعري عندما تنهد قائلا : هجرتني قافيتي ، وما عادت تداعبني حروفا وكلمات .. يوم رحلت جف نبض الشعر في قلبي وبكى قلمي صفحة بيضاء ..” لقد كنت أنت تلك الصفحة التي لم تترك لي أية ذكرى أعانقها يوم تتيبس الحياة في شراييني وأوردتي ، ” قلت أفتقدك لكن بلغة الانتظار ، طأطأت رأسي وانتابني حزن شديد .. ” هكذا اذن ، قالت لي أيامي مُرْدِفَةً ” الحياة لا تحتمل الانتظار ، والجروح لا تندمل إلآ بالكي ..” ورددت كلماتي قولها : ” ماتت ملهمتي في الشعر ليلزم الصمت حدادا .” خلَّفتُكِ كما أنت ،دونما تغيير، متدثرة بأوهام العرف والتقليد ،
ستقلّــبين الذكريات يوما ، ولن يكون لها سواي خليلاً “.. وستلهمك تلك الحكاية الكثير مما فاتك.
الخاتمة
قلَّبَتْ أوراقها واحدة فأخرى ، وقد قررت نحرها دفعة واحدة ، أوقدت نارها منتزعة إياها من أيامها ، لمحت ما كتبه على ظهيرها، تذكرت أخطائها .بكى سرها حقيقتها .