5 ـ رد على محمد كريشان

5 ـ سورية في مربع المقاومة والممانعة منذ عقود، كما تقولون، فلماذا لم يتكالب عليها الجميع في ما تسمونه المؤامرة الكونية إلا الآن؟

ليس هناك من عاقل يمكنه طرح مثل هذا السؤال لأنه يكون قد تجاهل التاريخ القريب والبعيـد ، فإن لم يكن متجاهلا فهو ليس على علم بوجود علمٍ هو علمُ التاريخ أصلا ، هنا تكمن المشكلة الكبرى لتي يعاني منها كل من يتنطح لتقييم المواقف السورية إزاء الكيان اليهودي الصهيوني في المنطقة ..

بداية أتحداك أن تذكر لي من هو الرئيس السوري الذي وطئت قدماه البيت الأبيض ، بما يفيد أن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية كانت على ما يرام في يوم من الأيام ، وبما يفيد أن سورية لم تكن على الدوام في المربع الأول الممانع والمقاوم طالما أن الولايات المتحدة والعلاقة معها تعكس ماهية العلاقة مع كيان الاغتصاب

سورية كما تقول هي في مربع الممانعة والمقاومة ، ليس الآن بل منذ تأسيس الدولة السورية ، منذ أن أعلن الملك فيصل مملكته وعاصمتها دمشق ، منذ أن ظهر للعلن وعد بلفور ، والمتابع للدور الذي لعبته سورية في كل مراحل حياتها السياسية يتبين وبجلاء أنها لم تكن سياسة مرتجلة في مرحلة دون سواها ، كانت وعلى اختلاف تلك المراحل ذات توجه واحد وإن اختلفت الأساليب والمسميات ، من هنا كانت سورية مستهدفة ، كدولة ، منذ قيامها، فلا شك أنك تذكرـ وسؤالك لا يدل على ذلك ـ موقف كل من فرنسا وبريطانيا من المؤتمر السوري الأول والمنعقد في دمشق لتقرير مصير سورية والعراق ، حيث استثني العراق من الوحدة السورية في ذلك الحين ليس لشيء سوى أن وحدة سورية والعراق كانت تشكل مفصلا يصعب معه قيام ( دولة إسرائيل ) لأنه يشكل دورة حياة اجتماعية اقتصادية يُستغنى فيها عن كل ما هو غرب .. و لك أن تراجع جملة الوثائق التاريخية التي تبحث هذا الشأن ومنذ ذلك التاريخ ، فمنذ ذلك التاريخ وسورية مستهدفة من قوى الغرب المتأمرك حاليا للدفاع عن (إسرائيل ) ،،

وعبر مراحل الانتداب الفرنسي والبريطاني كانت سورية مستهدفة لأن ما كان يجري كان يوحي للسوريين أن المواقف الأمريكية من سورية في ظل الانتداب لم تكن سوى محاولة أمريكية للدخول على خط المنطقة في الصراع الدائر بين أوروبا العجوز والعالم ( الأمريكي ) الجديد على اقتسام مناطق النفوذ في العالم العربي ، كان لا بدًّ لهذا الصراع من أن ينتهي لصالح الولايات المتحدة الأمريكية طالما أن ( مشروع مرشال ) قد قوض الاستقلال الذي كانت تتباهى به دول أوروبا وتتحف العالم بمقولات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، كانت سورية في السياسة الأمريكية حجر الزاوية في ترسيخ سيطرتها على العالم العربي أو في لمصطلحات السياسية الراهنة الشرق الأوسط ، لكن سورية بقيت الرقم الصعب في المعادلة السياسية العالمية الخاصة بالشرق الأوسط ، خاصة بعد ظهور الدولة العدو في الجنوب السوري /فلسطين / ، هكذا كانت السياسة الأمريكية تحاول بشتى الطرق الهيمنة على الوضع السوري عبر الانقلابات المتكررة ، والتي حفلت بها مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، والتي تميزت بإقصاءات كثيرة لقوى وشخصيات سياسية ، حتى بدى الأمر وكأنه متاهة للسياسة الأمريكية ، والتي كانت تذهل من موقف مختلف الحكومات التي اصطنعتها عبر الديموقراطية تارة والانقلابات العسكرية تارة أخرى ، حيث كانت القضية المركزية ـ فلسطين ـ تشكل العمود الفقري لكل السياسات التي اتبعتها تلك الحكومات على اختلاف أطيافها اليمينية واليسارية ، حيث كانت القاعدة هي الشعب السوري وليست حكوماته ، هذا الشعب الذي أجبر جميع حاكميه على العمل في مربع المقاومة والممانعة لكل ما يصب في الخندق المعادي للوحدة ومقولتها تحرير فلسطين ومرتكزها / نعمل وطنيًّاَ لننتج قوميا / ..

ومع بدايات السبعينات ، وبروز عامل جديد في السياسة السورية ـ الحركة التصحيحية والرئيس الراحل حافظ الأسد ـ ، كانت الهجمة على سورية عبر محاور عدة ، الانقلابات الفاشلة ، الحرب الأهلية في لبنان ، ، فشل محاولات الوحدة بين سورية ومصر وليبيا تارة وبين سورية والعراق ومصر أو ليبيا ، بروز صدام حسين في العراق وعدائيته لسورية ، والحرب على إيران ، خروج مصر من محور الممانعة والمقاومة ، والاستهداف كان ، الحيلولة دون أي نوع من أنواع الاستقرار السياسي الذي كانت سورية تسعى إليه بشتى الطرق والوسائل ، والذي تحقق عبر العقود الثلاثة التالية ، بالرغم من كل ما تقدم .

تتساءلون :/ فلماذا لم يتكالب عليها الجميع في ما تسمونه المؤامرة الكونية إلا الآن؟ / ببساطة متناهية ، لأنها الدولة الوحيدة التي لم تعترف بدولة الاغتصاب لا في السر ولا في العلن ولأنها الرقم الصعب في حياة كيان ليس له حياة بيننا ولأنها الوحيدة المحتضنة لكل مقاومة شريفة ولأنها الحجر الأساس في كل ما يمت لشرق المتوسط بصلة ولأنها كذلك ، كان لابد لمختلف أجهزة استخبارات الغرب وأمريكا أن تستغل حادثة حرق مواطنك “البوعزيزي ” لنفسه وتطيح ـ كعادتها ـ بأربعة أنظمة موالية لها في محاولة للنيل من سورية الدولة والشعب ، ( الربيع) الذي روجت له هذه الاستخبارات كان ربيعا غربيا صهيونيا هدفه سورية من الداخل وتفتيت أمنها وأمانها ووحدة شعبها وإثارة العنعنات الطائفية والعرقية والمذهبية واستنزافها اقتصاديا وسياسيا والأهم من كل ذلك تفتيت بنيتها العسكرية الضاربة باعتبارها القوة الأقوى في هذا الشرق وليس هذا وحسب بل استهداف تلاحمها مع المقاومة اللبنانية ومع حماس ـ والتي انتهت لأحضان العدو الصهيوني بعدما خرجت من دمشق ـ الخروج من دمشق هكذا يعني خروجا من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي ..

هل يكفي ما تقدم ، أم أنك بحاجة لمزيد من الحجج إجابة لسؤالك / فلماذا …الان / ، الآن وقد نضجت كافة العوامل والأسباب التي تطرح فكرة الإطاحة بالدولة السورية والتي تمَّ استهدافها عبر برقع الحرية والديموقراطية وعلى بساط ربيعك العربي الذي يبقى برقعا يخفي حقيقة أن أمريكا والدول التي تدور في فلكها غربية كانت أم عربية ، تسعى جاهدة لإقامة محيط آمنٍ (لإسرائيل ) ، محيط وهَّابي يقسمُ المقسم أصلا لكيانات غير قادرة حتى على وأد نفسها ولتبقى دولة الاغتصاب هي المهيمنة على المنطقة ، أقول سياج وهابي يعيد شرق المتوسط لغابر التاريخ ، سياج ، جلَّ اهتماماته بأي قدم تدخل الحمام .. سياج وهابي بمواجهة آخر شيعي يستهدف هذا الكيان اليهودي ، هذه هي المعادلة الوهمية التي أرادت الصهيونية العالمية بثها في منطقتنا لتزرع فيها الأحقاد والضغائن كل منا على الأخر ليستمر مسلسل الرعب اليومي الذي تشهد سورية بعضا من فصوله برعاية مشيخات النفط وتمويلها وتسليحها وتدريبها لكل من أوت نفسه لشيطان القتل والذبح وهتك الأعراض واستباحة كل ما هو أخلاقي ..

سورية لم تستهدف الآن كما تزعمون سورية كانت وما تزال وستبقى مستهدفة طالما بقيت في مربع الممانعة والمقاومة ، وهي على هذا العهد ماضية في مواجهة الباطل إلى أن / نكبر ، نحن السوريون ، في جامعنا الأموي قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا / .

5 ـ على ذكر المقاومة والممانعة، هل تذكرون متى جرت آخر مواجهة بينكم وبين الإسرائيليين؟

سؤال كغيره من أسئلتك ، التي لا تنم عن شيء سوى أنك تقتحم علما لا شأن لك به ، فإن كنت تشير الى أن معركة 1982 قد مضى عليها ما يقارب الثلاثين عاما ، فعلى الأقل أنها جرت على أرض عربية وبقوات سورية سطرت ملاحم عز وانتصار في البر والجو ، وما لك في هذا السياق من أن تسأل الصهاينة عما قام به بواسلنا في تلك المعركة ، وهذا شرف لسوريا ولجيشها بالدفاع عن الأرض العربية ، وقبل أن استطرد في الإجابة على سؤالك ، أريد أن أسألك متى جرت آخر معارك قطرك أو سعوديتك أو حتى تونسك مع العدو الغاصب لجنوبنا السوري ، وما هو الجهد الذي بذلته دولك في سبيل هذه القضية المركزية في مستقبل الأمة، هل تأخذ على سورية أنها سطرت على الأرض معارك عدة مع هذا العدو بينما تلوذ به قطرك من سورية وعلى سورية ، هل تستطيع أن تقول لي ما التضحيات التي قدمتها قطر فيما تحاول مذمتنا به دون علم ، أو مملكتك السعودية التي ما كانت لتبذل من مالها قرشا واحدا إلا مخافة أن يطالها الغضب العربي باعتبارها بيت المسلمين ومحجتهم ومرتع الصهاينة وكل أعداء الأمة من الأمريكيين والأوروبيين !!

أما لماذا كان لبنان ساحة المعركة فلهذا شرح طويل ، لا أعتقد أنك بقادر على تحمل ما يطرحه من حقائق إن على الصعيد السياسي ـ الذي تحاول كعادتك في تساؤلاتك الساذجة الهروب منه ـ أوعلى الصعيد العسكري ..

كما تعلم فقد انتهت معركة 1973 إلى ما انتهت إليه نتيجة خروج مصر من المعركة ، لأن السادات لم يردها معركة تحرير بل معركة تحريك للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي ، ومع ذلك ، فقد استمرت المعركة كمعركة استنزاف الى أن استنفزت سورية قدرتها على المتابعة والعرب المتفرجون قابعون في مواخيرهم، لم يتجرأ أيا منهم على مدها بما تحتاجه من مقومات الاستمرار .. أتساءل هنا : هل خاضت إحدى مشيخاتك معركة واحدة من هذه المعارك حتى على إحدى مطبوعاتكم الأنيقة الفاخرة ؟.

هكذا انتهت معركة تشرين لاتفاقية وقف لإطلاق النار ، لكن المعركة استمرت على جبهات أخرى لم تكن سورية ملتزمة يها باتفاقيات دولية ، / حيث سورية الوحيدة من الدول العربية وكثير من دول العالم التي تحرص على أن يكون توقيعها محترما وله ثقل الاحترام الذي بات طابعا سوريا نفخر به ، فسورية أهل للثقة في ما تقوله وتفعله بمحض إرادتها وباستقلالية قرارها ، ولا عيب في ذلك في ظل معادلات سياسية دولية/ ، يمكن لسورية أن تلعب من خلالها دورا محوريا في معركة المصير ..

تتساءل متى كانت آخر المعارك التي خاضتها سورية مع العدو ، سأقول لك إن كنت تتناسى معركة 2006 قبل أن تتكالب عليها قوى الغرب وأمريكا ، قبل أن تخرج جزيرتك وعربيتك علينا بربيع عربي لم يأتي بجديد سوى أنه أطلَّ علينا برموز طالما تغنت باستعادة القدس وها هي تقبع في أحضان تل أبيب مثالها قطرك التي سوقت لهذا الكيان ما يكفي لتطبيعه في ذهن المواطن العربي عبر ما تبثه جزيرنك من مقابلات مع رموزه ، مثالها الآخر إخوانك المسلمون في مصر وخالد مشعل الذي أبى إلاَّ أن يكون آخر من تطاول على من آوته واحتضنته وحمته وبسطت له كل ما أمكنها لممارسة دوره في ما كان يدعيه من تحريرٍ لكامل التراب الفلسطيني ..

كان يمكن أن يكون لأسئلتك نكهة السؤال لو لم تكن مذيعا في شبه جزيرة مشيخاتها بيادق بيد من تذمنا في مقاتلته وعراكه ، وتأخذ علينا أن آخر معاركنا معه كانت يوم كنت لم تزل طالبا لم يكن على دراية بأن فلسطين تعاني من الاغتصاب وأن قطر كانت مرتمية في أحضان مغتصبيها ..

على الصعيد العسكري ، والذي لم ولن تفقه منه حتى اسمه ، فالمعركة التي تخوضها سورية الآن هي مع هذا الكيان الذي أصبحت قواته ، من خلال تمويل وتسليح وتجنيد قطرك وسعوديتك ، على أرضها عبر مجاهدي قاعدتك وشذاذ آفاق سعوديتك من المرتزقة والقتلة وتجار المخدرات ومهربي الأسلحة و”هرطوقي ” حوريات جنتك ، سورية اليوم تخوض معركة من أشرس المعارك التي يمكن لها أن تخوضها ..

لو لم تكن على جهل تام بما أنت سائله ، لكان عليك أن تفهم كيف أن المعركة مع كيان الاغتصاب ، ليست سوى معركة مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ومن لفَّ لفهما ، وهذا ما لا قدرة لسورية في منازلته وإن كانت ـ سورية ـ ترغب في ذلك إن أسعفتها إمكاناتها المحدودة ، إن كنت تعلم ، (إسرائيل ) تستطيع إن خسرت طائرة أن تستعيدها مع طيارها ببضع دقائق ، فحاملات الطائرات الغربية تنتشر في كل ناحية من نواحي البحر الأبيض المتوسط ، كذلك هي حال خسارتها لدبابة أو حتى لجندي من جنودها ، لكن قل لي بربك إن حسرت سورية لطائرة متى يمكنها استعادة مثيلتها ؟ وهل تملك قطرك أو سعوديتك الجرأة على تعويض سورية ما قد نخسره في معركة كهذه ؟ هل تملك مشيخاتك الجرأة لدفع ما تدفعه الآن من أموال لقتل السوريين وذبحهم وتشريدهم ، لو كانت سورية تخوض معركة الغزة والسيادة والكرامة ، هل لك أن تقول لي كم ستكون سورية قوية وقادرة على خوض هكذا معارك ، لو كانت تكاليف هذه الحرب القذرة التي تخوضها قطر والسعودية وتركية وكل قوى قوى التكالب على سورية ، هل تعلم أن تكاليف حربكم على سورية حتى حزيران الماضي قد بلغت ( 240) مليار دولار أجل مائتان وأربعون مليار دولار لم تكن بكافية لتحرير فلسطين فحسب ، بل كانت كافية لتوحيد الأمة العربية ، مائتان وأربعون مليارا دفعتها قطرك وسعوديتك لشراء الذمم ، ذمم من ليس له ذمة من بعض السوريين الذين يدعون المعارضة، إضافة لشراء ثلاثة أرباع الصحف والاذاعات والقنوات الفضائية العربية والعالمية إضافة لشراء المرتزقة وتسليحهم وتدريبهم ودفع رواتبهم وتوصيل الغذاء والكساء والسلاح لهم ، بل وشراء بعض ذمم رؤساء الدول التي حظيت بمقعد لها بمؤتمرات( المعارضة ) في ليبيا وتونس وباريس واسطنبول مع تكاليف مختلف الرحلات التي يقوم بها مسؤلوا لفيف المعارضين ..

سؤال أترك الإجابة عليه لحلقة قادمة