إلى #نبيل فياض

إ# لى نبيل فياض
( 1 ـ 2 )
قرأتُ ، مصادفةً، متأخرا ، مقالتك المؤرخة بتشرين الأول لعام 2014 ، والتي تبررون فيها عدم انخراطكم في صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي ، على الرغم من توافق جملة من المواقف التي تطلقونها في مختلف المناسبات التي تتطلب توضيح مواقفكم ، مما يجري من أحداث على الساحة السورية خاصة والعربية عامة ، وفي السياق ، رددتم عدم امكانية انخراطكم في صفوف الحزب لجملة نقاط ، هي موضوع هذا الرد ، الذي وإن جاء متأخرا ، لكنه يأتي كردٍ إيضاحي ، وليس كدعوة ، للانضمام لحزب لا يعبر في وضعه الراهن عن أيٍة مضامين لها علاقة بما نادى به أنطون سعادة ، فالقوميون الاجتماعيون اليوم بمجملهم خارج إطار التنظيمات القائمة اليوم ، ومن هو منضبط بنظام أيٍ منها يحكمه منطلقان الأول هو النظام الحزبي والثاني ، إن لم تكن مصالحه البعيدة كل البعد عن متطلبات العضوية ، فجهله بالحزب عقيدة ونظاما ..
أولا : تقولون ” تأليه الفرد المؤسس – فالسوريون القوميون لم يقدّموا شخصية مؤدلجة ترفع لها القبعة بعد المؤسس الزعيم أنطون سعادة! وما يزالون إلى اليوم محبوسين ذاتياً ضمن أفكار المؤسس التي مضى عليها أكثر من نصف قرن! هذا غير أنهم يتعاملون مع عبارات المؤسس وكتبه وكلماته كما يتعامل الوهابيون مع القرآن أو صحيح البخاري! ”
يحكم هذه النقطة بالذات مفهومان ، الأول يتناقض ومناداتكم ـ كما قدمتم ـ بالأمة السورية ” مناداتنا بالأمة السورية لا الأمة العربية؛ ونقدنا الدائم لحزب البعث على اعتبار أن سوريا ليست عربية..” ولست أدري على أية قواعد فكرية ارتكزتم عليها في هذه المناداة ، ولا أريد هنا أن أدخل في مجال ذلك لأن ما تفضلتم به ، يتطلب منكم الاجابة على تساؤلنا ..
والثاني ، لا يمكن رده إلا الى نقص في فهم القومية الاجتماعية التي تحارب النزعة الفردية بأي شكل جاءت أو ظهرت به ،” من الأول رأينا أن النزعة الفردية والرأي النفعي الفردي الشخصي هما مرض من أعظم الأمراض، وصعوبة من أعظم الصعوبات الداخلية التي يجب أن نتغلب عليها لنواجه العالم الخارجي كوحدة متينة وإرادة واحدة.. ” ولكم في هذا الصدد أن تطلعوا على ما قاله سعادة بهذا الخصوص ، على الرغم من اعتباره أن ” العوامل الفاصلة في التاريخ هي العوامل النفسية والفردية ” أما لجهة تأليه المؤسس ، فهذه مسألة حاربها سعادة قبل غيره وتحديدا عندما اعترض بعض القوميون الاجتماعيون على فكرة زواجه ، ومناداته باستمرار باعتبار المبادئ كقواعد ارتكاز الفكر ، أما عدم ظهور أية شخصية “مؤدلجة ” بعد سعادة فهذه مسألة تتطلب منكم إيضاح معنى أو مفهوم مصطلح “مؤدلجة ” ذلك أن معناها كما نفهمه ، يتناقض تماما مع ما تزعمونه منها فتراث الحزب المكتوب بأقلام قومية اجتماعية كبير جداً إن كنتم تقصدون من هذا المصطلح مفهوم “المعقدن” ، أي الذي تفهم القومية الاجتماعية وكتب بها أو اجتهد في بعض مضامينها ، أما اذا كان المقصود عدم ظهور شخصية تحلُّ محل سعادة ، أو تقدم طرحا جديدا لفكره على نسق لينين أو تروتسكي أو ماو أو ستالين أو غيرهم من مفكري الماركسية أو الاسلاموية ، فهذه أيضا مسألة لها تاريخ طويل من الصراع على السلطة في الحزب، ليس المجال متاحا لبحثها ، حيث يمكنكم العودة اليها في دراستنا المطولة عن / الأحزاب السورية ـ الحزب السوري القومي الاجتماعي نموذجا / والمنشورة على صفحتنا الشخصية وعلى موقعنا الرسمي ، من جهة ، ومن جهة أخرى هناك فارق بين المؤسس ورئيس الحزب ، فالحزب قائم بالأساس على فكرة التعاقد مع المؤسس صاحب الدعوة الى القومية الاجتماعية والمقبلين عليها ، وهذه مسألة جوهرية في فهم معنى الانخراط في عضوية الحزب ، والتي ما يزال القوميون الاجتماعيون يعملون في ضوء مفهومها العقدي من جهة ومعانيها التنظيمية من جهة ثانية ، أما رئيس الحزب ، المتعاقد أساسا مع سعادة كصاحب الدعوة الى القومية الاجتماعية ، فليست له أية صفة لها علاقة بالعقيدة القومية الاجتماعية ، بمعنى أنه لا يملك من الصلاحيات ما يمكنه من تعديل أية خاصة من خصائص الفكر القومي الاجتماعي وتبقى صلاحياته منحصرة برئاسة السلطة التنفيذية في الحزب الى جانب السلطات الحزبية الأخرى القضائية والتشريعية ، هذه مسألة كان عليكم ، أستاذنا الكريم ، التنبه لها ، فليس هناك في الحزب تأليه لسعادة بقدر ما هو كمؤسس وصاحب دعوة يبقى التعاقد معه هو القاعدة التي تقوم عليها ” ديموقراطية ” الحزب في اختيار رؤسائه والذين بلغوا في تعدادهم أكثر من خمسة عشر رئيسا عبر تاريخ الحزب بعد اغتيال الزعيم المؤسس ، يضاف لما تقدم أن الزعامة شيء والرئاسة شيء آخر ، فالأولى كما أسلفنا لها الحق والصلاحية في تأطير القضية القومية الاجتماعية بمستجدات الأحداث أو التطور الفكري وإيضاحه ، كما حدث في تغيير اسم الحزب من ” الحزب السوري القومي ” الى ” الحزب السوري القومي الاجتماعي ” حيث لم يكن ممكناً إضافة الاجتماعي أبان مرحلة الانتداب منعاً للريط بين الحزب والحركة النازية التي كانت تحمل ذات المعنى وإن استبدلت الاجتماعية بالاشتراكية ، ولأن العقيدة السورية القومية هي اجتماعية بالضرورة ، هكذا هو الفارق بين الزعامة والرئاسة والتي امتاز بها الحزب عن غيره من الأحزاب الأخرى التي ظهرت قبله ” الحزب الشيوعي السوري ” الذي تولاه ” ملكا ” خالد بكداش وأورث زعامته لزوجته من بعده ، وتلك التي ظهرت بعده و البعث في قيادته القومية خير مثال على ما ندعيه التي تمثلت في ميشيل عفلق حتى وفاته..
أما لجهة رفضكم للماركسية بأية صيغة جاءت بها ، فهذه مسألة لا تشارككم بها القومية الاجتماعية ، والتي لا ترفض الماركسية إلا في أمميتها التيلا تأخذ بالأمة واقعا اجتماعيا بحتا و تلغي الحدود الطبيعية للأمة وصفات وخصائص الأخيرة ، أما من حيث اعتبار ديكتاتورية الطبقة العاملة فسعادة يعتبر “الشيوعية والرأسمالية صنوان ” من حيث أن كلاهما ديكتاتورية مقَنعة الأولى بالطبقة العاملة والثانية بالرأسمالية على اعتبار أن ” الدولة الديموقراطية هي دولة قومية حتما ” وهي الحتمية الوحيدة التي استخدمها سعادة في كل آثاره ، والتي كان يرفضها في الماركسية كنهج تاريخي .. ما تبقى من الماركسية لا ترفضه القومية الاجتماعية وتحديدا في فهمها للتطور التاريخي الانساني والذي تأخذ به القومية الاجتماعية حتى في أطوره المختلفة وإن كانت ـ من منطلق الأمة ـ تأخذ مصطلح ” دورة الحياة الاجتماعية ـ الاقتصادية ” بديلا لمصطلح ” التشكيلة الاقتصادية ـ الاجتماعية “التي تقول بها الماركسية ، يضاف لما تقدم تناقض القومية الاجتماعية كما الماركسية مع مختلف التيارات الفكرية الغربية بدئا من ” سان سيمون ” وانتهاءً “بماكس فيبر” ..
ـ تقولون ” غياب ثقافة الصيرورة بالتالي عن أدبيات الحزب. وأي فكر في هذا العالم إن لم يخضع لمقولة ” تغيّر الأفكار بتغير الأزمان ” سينتهي كما انتهى الإسلام ” بعونه تعالى “!!
هذه مسألة أخرى ، مطالبون أنتم بإيضاحها وتحديدا مصطلحكم ” ثقافة الصيرورة ” أو ” تغيّر الأفكار بتغير الأزمان ” فأي تغيير تطالبون به وقد أثبتت الأحداث منذ نشأة الحزب وحتى تاريخه صحة التوجهات التي قال بها ، والتي تتصدرها مناداتكم بالأمة السورية ورفض ثقافة البعث وغيره من الأحزاب العروبية التي ما تزال تتمسك بعروبيتها التي أثبتت فشلها الذريع في الوحدة من جهة وفي تصحيح المسار التاريخي للشعوب الناطقة بالعربية ، وبعدما كشفت الوثائق المفرج عنها حديثا ضلوع المخابرات البريطانية والأمريكية من بعدها بالترويج لهذا النزوع العربي
الذي لم ينتج سوى الأزمات والتخلف واستهزاء العالم أجمع بــ” العرب والعروبة ”
ليست القومية الاجتماعية سوى دعوى للتطور والتقدم وقد يتضح ذلك بقول سعادة ” كلما صعدنا قمة بدت لنا آفاق قمم أخرى ” أو “أن المبادئ قواعد لانطلاق الفكر ” أو ” لم يوجد العقل الإنساني عبثاً.
لم يوجد ليتقيد وينشل. بل وجد ليعرف، ليدرك، ليتبصر، ليميز، ليعين الأهداف وليفعل في الوجود. وفي نظرتنا أنه لا شيء مطلقاً يمكن أن يعطل هذه القوة الأساسية وهذه الموهبة الأساسية للإنسان.العقل في الإنسان هو نفسه الشرع الأعلى والشرع الأساسي. هو موهبة الإنسان العليا. هو التمييز في الحياة، فإذا وضعت قواعد تبطل التمييز والإدراك، تبطل العقل، فقد تلاشت ميزة الإنسان الأساسية وبطل أن يكون الإنسان إنساناً وانحط إلى درجة العجماوات المسيرة بلا عقل ولا وعي.”
“ثقافة الصيرورة ” أو” التغير بتغير الزمن ” مسألة ليست حتمية ، هي مسألة تتعلق أساسا بمنطق النظرية ومدى استيعابها لمنطق التطور التاريخي ، والقومية الاجتماعية ، بمنطقها لم تتطلب حتى تاريخه أي نوع من أنواع التغيير ، ليس لأنها لا تقبل التغيير أو التطور بل لأنها قد استوعبت ظروف وأوضاع المنطقة والعالم ولم تفرط في تصوراتها عن المستقبل الانساني الذي يبقى في عهدة أجيال لم تولد بعد ،

# ـ تقولون :” – رفضنا المطلق والواضح للعدائية الشوفينية التي تتبدى في مواقف الحزب من اليهود بشكل عام! وقد أثبتت حوادث كثيرة أن غالبية اليهود، خاصة في الولايات المتحدة وكثيراً من الإسرائيليين، أشرف وأنظف وأطهر من معظم العرب، بمن فيهم بعض السوريين الذين باعوا أنفسهم للشيطان الوهابي!”
هذه مسألة أخرى مطالبون بضرورة تقصيها في الفكر السوري القومي الاجتماعي ، ذلك أن الفكر السوري القومي الاجتماعي ينطلق في استبعاده لليهود من نسيج المجتمع السوري ، لعلة في ذاتهم ،حيث أن مبدأ القومية الاجتماعية قائم على أن الأمة السورية هي ” وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع الى ما قبل الزمن التاريخي الجلي “هذه الوحدة القائمة على مبدأ التفاعل بمختلف أشكاله بين مكونات الشعب السوري، اليهود ، هم المكون الوحيد الذي بقي خارج هذا المبدأ ، وبقوا ضمن “الغيتو” الذي أحاطوا به أنفسهم ، من حيث أنهم اعتقدوا أنهم ” شعب الله المختار ” والذي فضله ” يهوا” على بقية شعوب الأرض ،هذا المنطق الاستعلائي ، لم يقتصر على من عاش على الأرض السورية بل امتد ليشمل مختلف الشعوب التي عاشوا بين مكوناتها ، ولك في ” بروتوكولات صهيون ” خير مثال على ما ندعيه .. كذلك من منطلق أولي ، بديهي ، لم يفطن له أي من المفكرين الذين ميزوا بين الصهيونية واليهودية ، فكلاهما (الصهيونية واليهودية ) ينطلق من قاعدة ذهبية في توجهاتهما هي “أن كل يهودي يؤمن بأن فلسطين أرض الميعاد وإلا لما كان يهوديا “، ففلسطين تبقى مستهدفة ” توراتيا ” من اليهودي كائن ما كان انتماءه وتوجهه ، هذا من حيث المنطلق ، أما من حيث التاريخ ، فلن نأتي على ذكر تاريخهم الأسود للدلالة على ما فعلوه، بل نكتفي من التاريخ الحديث ، في رد “كوهين ” متزعم ” الانتفاضة” ضد الجنرال ديغول بعد حرب حزيران وموقف ديغول المعلن ضد اسرائيل عندما سأله ديغول عما يكون فرنسيا أم اسرائيليا ، فأجابه الطالب كوهين قائلا ” أنا يهودي أولا وإسرائيلي ثانيا وأحمل الجنسية الفرنسية ثالثا ” ولك أيضا من تحذير الرئيس الأمريكي ـ على ما أعتقد روزفلت ـ من تغلغل اليهود في أجهزة الحكم الأمريكي وتحديدا الاعلام ..هذا بعض ما نبه اليه فكر سعادة، ناهيك عن التراث الأدبي الذي عكس نظرة مختلف الشعوب الأخرى لهم ، شكسبير مثلا ، في تاجر البندقية ولك في ” الطاعون ” مثالا آخر على ما تقدم .. فليس الرفض القومي الاجتماعي لليهود مبني على أي قاعدة عنصرية أو دينية أو حتى نزوع قومي ” شوفيني ” بقدر ما هو استجابة لواقع فرضه الآخر ” اليهودي ” على كل المتعاطين معه ، كلينتون ومونيكا اليهودية ” أستير ” القرن العشرين ، والشبكة اليهودية التي كانت وراء تلك الفضيحة المدوية ، ولا أعتقد أنك تغفل ما تعانيه الولايات المتحدة من اسرائيل في مسائل التجسس والتنصت على مختلف مسؤولي الحكم فيها وعلى ما تبقى من دول العالم ، خُذ الجاسوس “بولارد ” والذي ما تزال “اسرائيل ” تطالب بالافراج عنه بكل القحة التي عُرفت عن اليهود ، وهو مثال فاضح لما يكنه اليهود لشعوب تبذل في سبيلهم كل ما تملك من قوى ..
تقولون :” رفضنا المطلق أيضاً اعتبار قبرص جزءاً من الأمة السورية! فالواقع الحالي يقول إن النظر إلى قبرص كجزء من أمتنا هو دعوة إلى استعمار جديد ترفضه الأخلاق والمعاهدات الدولية!”
في كتابه “نشؤ الأمم ” يبين سعادة لما قبرص هي جزء من الأمة السورية ، ذلك في دراسته للبناء المادي الذي قامت على أساسه الأمة السورية ، فما عليكم والحال إلا العودة الى ذلك المؤلف العظيم والرائع لتتفهموا معنى البيئة ومن ثم لتنتقدوا كون قبرص جزءا من الأمة ، دون النظر لما تقول به وتعنيه لكم “الأخلاقيات الاتفاقيات الدولية” والتي تتلمسون نأنتم قبل غيركم ، ما تعنيه من مصالح وأهداف ليس لها صلة يأي نمط أو مستوى أخلاقي ، ونذكركم بما قاله معاوية ـ على ما أعتقد أيضا ـ يوما ” إني أسمع صياح الديكة من هناك .. ويقصد قبرص التي تبعد أقل من ستين كيلو مترا عن الساحل السوري ..
ـ تقولون أيضا :” عصب الحياة اليوم هو الاقتصاد! وبسبب هذا العصب تدعو كيانات كثيرة إلى نوع من الاستقلال الذاتي غير المسبوق: كاليفورنيا ذات مرة، اسكوتلندا قبل أيام، وكاتالونيا اليوم! فماذا عن الثقافة الاقتصادية التي قدّمها الحزب السوري بحيث يضمن ولاء مكونات الوطن السوري المختلفة لهذا الكيان العريق؟”
في مؤلفه الرائع ، والمومأ اليه أعلاه ، والذي نطالبكم بالعودة اليه لفهم معنى الأمة ، يقسم سعادة المراتب الثقافية في التاريخ الى ثلاث مراتب ، ويقول ” والحالة الثانية (ويقصد مرتبة تحصيل الرّزق واستدرار موارده) ..هي الحالة التي تحاول سورية الخروج منها الى المرتبة الثالثة “. أي أنها خارج مرتبة / التنظيم الاجتماعي والاقتصادي / والتي تشكل أساس حضارة القرن العشرين” وهي المرحلة التي لا يصح من خلالها وضع اسس اقتصادية تواكب ما تقتضيه مثلا النظرية الاقتصادية الكلية أو حتى الجزئية ، خشية أن تحكم صياغاتها المُسبقة مستقبل الأمة بالذات ، لكنه ، يضع أسسا يمكن البناء عليها اقتصاديا ، هذا من الوجهة العامة ، أما من حيث قولكم ” فماذا عن الثقافة الاقتصادية التي قدّمها الحزب السوري بحيث يضمن ولاء مكونات الوطن السوري المختلفة لهذا الكيان العريق؟” فعلى ما أعتقد أن الاجابة تبقى في مبادئ الحزب الاصلاحية وأبرزها ” الأمة مجتمع واحد ” بمعنى أنه مجتمع خالٍ من الطبقات والاثنيات والعرقيات والطوائف والمذاهب والأقليات على اختلافها ،بما يعني أيضا أن الوحدة الاجتماعية تقوم على التساوي في الحقوق والواجبات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية .. دون أي انتقاص من أهمية العامل الاقتصادي في دولة قومية هي ديموقراطية حتما ، ولأن الاقتصاد في هذه الدولة يبقى اقتصادا قوميا ، لا يمكن بناءه في حال التجزئة القومية ، أي تجزئة ” الدورة الاجتماعية ـ الاقتصادية ” ولأنه في هذه الحال أيضا يكون اقتصادا كيانيّا يفتقر الى التكامل.. في الدولة القومية والتي هي ديموقراطية حتما ، كما أسلفنا ، يكون الاقتصاد قائما على مبدأ ” تنظيم الاقتصاد على أساس الانتاج ..” بمعنى أنه اقتصاد غايته تأمين احتياجات الأمة غير المحدودة من موارد محدودة ،فهو اقتصادٌ سياسي في هذه الحال ، كما أنه اقتصاد اجتماعي حيث ـ ووفق المراتب الثقافية ـ يكون الاقتصاد وفق معادلة أكبر انتاج بأقل زمن وجهد ، يقول في مؤلفه ” نشؤ الأمم “مؤكدا على أهمية الاقتصاد ” حيث هو” الرابطة الاجتماعية الأولى” ، “أو الأساس المادي الذي يقيم عليه الانسان عمرانه” ويضيف كون ” الاقتصاد هو نقطة الابتداء في بحث حالات الاجتماع حتّى إنّنا نرى الحالة الاقتصاديّة تؤثّر على الحالة البيولوجيّة أحياناً ” مؤكدا أن “التّطوّر الاجتماعيّ هو دائماً على نسبة التّطوّر الاقتصاديّ” من هنا تأتي أهمية العامل الاقتصادي في حياة الشعوب وتوقها المستمر لتأمين احتياجاتها المادية ، ما وجدت اليه سبيلا.. هذا الفهم لأهمية الاقتصاد يستتبعها سعادة في ” إلغاء الاقطاع ( والذي يتطلب عودتكم لما يعنيه في المحاضرات العشر ) وتنظيم الاقتصاد على أساس الانتاج ( بما يعنيه من ضرورة بلوغ الانتاج سد الحاجات المتنامية في موارد محدودة لأعلى مستوى في ظل أقل زمن وأقل جهد ) ، كما ويمكنكم العودة لما قدمناه من إيضاح لنظرة القومية الاجتماعية الاقتصادية تحت عنوان (اجتهاد في مصطلح الاقتصاد القومي الاجتماعي )
ـ تقولون :” أخيراً؛ ليس عدونا هو اليهودية بل الوهابية السعودية! الحزب علماني دون أدنى شك، لكنه لم يجرؤ على حد علمي على نقد البنى المعرفية التي قامت عليها الوهابية والإسلام عموماً! مجاملة هؤلاء تعني أنك تخافهم! وأن تخافهم تعني أنهم سيغزونك في عقر دارك! وأن تغزا في عقر دارك أصعب كثيراً من أن تغزي الوهابية بفكرك النير الواضح!!” ونفيدكم بهذا الصدد ما نبه اليه سعادة في مؤلفه “نشؤ الأمم ” منذ قيام دولة آل سعود في شبه الجزيرة العربية 1936 وتحذيره من الحركة الوهابية من جهة ،حيث يقول ” ونحن نرى في نشوء الدّولة الوهّابيّة العامّة في القرن الماضي وعودتها الآن إلى الوجود بعد أن كانت قد قضت عليها الدّولة العثمانيّة مصداقاً لقول ابن خلدون المذكور آنفاً.”
وما تناوله في مؤلفه أيضا ” الاسلام في رسالتيه “من نقد للفكر الديني برمته ،وتحديدا لمقولة محمد عبدو وجمال الدين الأفغاني ” لا قيام للدين إلا بقيام دولته” أنتم ، مطالبون بالعودة لتراث القومية الاجتماعية بدئا من سعادة وحتى تاريخه والاطلاع قبل توجيه النقد لهذا الفكر .
وتفضلوا بقبول فائق احترامي وتقديري لمجهودكم في الصراع الفكري ، الذي نادى به سعادة في مؤلفه أيضا الحامل هذا العنوان .