دراسة في الحدث السوري
تنويه
( نشرت هذه الدراسة في العام 2014 وأعيدَ نشرها في عام 2015 ، واليوم ، وقد ذكرني بها بعض الأصدقاء بعدما أبدوا إعجابهم بما تناولته قبل أربعة أعوام ، أعيد نشرها للتأكيد على أننا عندما نتحدث لا نملي تمنيات بل مسارا لوقائع على الأرض ، )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما بجري على الساحة السورية من أحداث ، بات واضح المعالم لكل مهتمٍ به على أية حالة كان بها ، في التفاصيل والجزئيات وفي الخطوط العريضة والعموميات ، وما يقال أو يُكتب وما يسمع ويُرى ، لا يعدو كونه ضجيج المجنزرات وأزيز الطائرات والرصاص على وقع القذائف والصواريخ واختلاط الدم بالتراب وتخريج دفعاتٍ من المقاتلين الذين هم بالأساس عاطلون عن العمل ويبحثون عن لقمة عيشهم بالطريقة المتاحة لهم ، إضافة لنشيء جديد تختلط في رؤيته الذ كورية مشاهد القتل والذبح والخطف واستباحة الأعراض والمحرمات وجهاد النكاح واللباس الأفغاني الذي بات اللباس الرسمي لمختلف المسلحين على الأرض السورية هذا إذا تغاضينا عن ألوف من تجار المخدرات والسلاح والرقيق الأبيض والدعاة الذين امتهنوا حتى الدين والقيم ومختلف الفضائل التي كانت ـ وإلى حدٍ ما ـ تحول دون تفشي ظواهر اجتماعية أقلها الدعارة …
هل يكفي ما تقدم ؟ ونحن منهكون بما يجري مورثين أجيالاً لم تولد بعد وزر الخراب والدمار الاقتصادي ( تقدر خسائر الدولة السورية مما يجري ب250 مليار دولار أمريكي حتى نهاية العام الحالي ) والسياسي والاجتماعي والنفسي و.. بكل ما تزره هذه الحياة التي انقلبت رأسا على عقب وبات القول المأثور :
/أرى المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يُعمّر فيهرم/ …هو اليومية التي تطالع كل فرد منا !!!
ويبقى السؤال ، لما كل هذه الصورة السوداوية القاتمة التي لا تحبط همم إلاَّ الذين آلوا على أنفسهم خوض معركة الحياة بالرغم من البشاعة التي تتصف بها إذ أننا حيال واحدة من حالتين ، فإما انتصارا يلملم ما تبقى من يومياتنا في محاولة لبناء مستقبل مثقلٍ بكلِّ شيء حتى ذاته ..أو انكسارٍ لا يُبقى ولا يذر من كل ما تعلمناه من تجارب الحياة والتاريخ …لكنها الحقيقة الماثلة أمام أعيننا والتي لا يمكن تجاهلها تحت أي مسمى كان ..
وعليه فما تقدم يجيز لنا أن نسأل لما كل هذا ؟ ولماذا نحن ، نحن بالذات ؟! السوريون بكل مسمياتهم ونزوعاتهم وشرزماتهم وتآكلهم بعضهم ببعض ؟!!
لما نحن ؟!!! لأننا كنا وما زلنا نبض التاريخ الذي يكتبه هذا الشعب وهذه الأمة العصية على الموت ، فمن سورية نهض هذا المسمى وإليها يؤوب كلما أتعبته الأقدار ، لتتبوء سورية سدته على الدوام ، فمن هنا بدأ ومن هنا يعود ليجدد شبابه كلما هرم .. قدر سورية أن تكون كذلك .. لكن السؤال يبقى لما نحن ؟
ثلاث وقائع لا يمكن دحضها أو تجاهلها أو تغيبها مهما كانت أسباب هذا وذاك :
1سوريةوأكرانية
لم يكن / الربيع العربي / فكرة طارئة التهبت باحتراق / بو عزيزي / ، ولم يكن / العربي / سوى هدف عملت لبلوغه دوائر استخباراتية عدة وأخرى علمية في السياسة والاجتماع والاقتصاد…
البداية كانت في عام 1993 عندما / اتجهت إدارة كلينتون لتشكيل مجموعة عمل أكاديمية، في إطار مركز السياسة العالمية بجامعة جورج ميسون، بإشراف من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وبقيادة الأكاديمي الأمريكي تيد روبرت جير لبناء قاعدة بيانات عن حالات عدم الاستقرار المفضية لفشل الدول، وبناء مقاييس كمية لتلك الظاهرة، وهو ما استكملته اللجنة في عام 2001 بإثبات أن طبيعة نظم الحكم، ومستوي الاندماج في النظام الاقتصادي العالمي، ومستوي التنمية البشرية بالدولة هي المحددات الأساسية لظاهرة عدم الاستقرار السياسي، والأزمة التي يمر بها نموذج الدولة القومية علي امتداد الدول النامية…/
ولم تكن الخلاصة التي انتهت اليها هذه اللجنة سوى مجموعة من القرارات تتعلق بشكل اساسي ب( المنتج العالمي ) اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وبالتحديد ما كانت منظمة التجارة العالمية قد قدمته من معلومات ميدانية عما سبق وانتهت اليه اللجنة المذكورة أعلاه ، والذي يبقى حبيس الدرج الأسفل من مكتب الرئاسة الأمريكية في البيت الأبيض ..
الطارئ ، في كل ما تقدم هو ما انتهى اليه / الربيع العربي / على الساحة السورية ، بعدما اوتي ثماره في كل من تونس وليبيا واليمن ومصر .. مصطدما بعقبة كأداء تمحورت حولها قوى اقليمية ودولية حالت دون ذاك / الربيع / والهدف المنجز منه في البلدان المذكورة أعلاه ، وانقلب السحر على الساحر وأخذت الأحداث على الساحة السورية منحى لم يكن بالحسبان ، خاصة بعد أن تأكد للغرب الأوروبي والأمريكي فقدان زمام المبادرة ليس على صعيد الساسة الدولية ـ الفيتو الروسي الصيني ـ فحسب وإنما على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي ، حيث غدا المنتج العالمي في التطور من اقتصاد صيني سريع النمو آخذا في تطوره ابتلاع السوق العالمية ومرتبطا سياسيا ببروز الدور الروسي على صعيد السياسة الدولية أضف الى ذلك بروز منظمة شنغهاي ومنظومة دول البريكس ، مما دفع بذاك الغرب للتخوف من بروز عالم فعلي جديد يحول دون تحقيق اوروبا المتصابية لأهدافها من التودد للأمريكي المراهق تاريخيا ، وتاليا توحيد الجهود بغية وقف الانهار المتوقع لسياسة القطب الواحد خاصة وأن منابع الطاقة الجديدة تقع تحت تصرف هذا العالم الناشئ بعد اكتشاف النفط والغاز السوري ـ القريب من اوروبا ـ والحيلولة دون الغاز القطري و أوروبا عبر سورية في محاولة للحيلولة دون روسيا ودول اوروبا الغربية والبدء بوضع العصي بدواليب العلاقة الروسية السورية يضاف لما تقدم انفتاح القوة العسكرية الروسية على البحر المتوسط عبر القاعدة البحرية المتواجدة على الساحة السورية ، والتي كانت الهدف مما تطورت اليه الأحداث في سورية، يضاف لكل ما تقدم تشكل محور قوي معادي ( لإسرائيل ) يمتد من الخليج وحتى شبه جزيرة سيناء والممتد من ايران العراق سورية لبنان والمقاومة الفلسطينية ، وهذا بحد ذاته ما دفع بالسياسة الغربية لافتعال الأزمة الأوكرانية في محاولة للحيلولة دون انفراد روسيا بتطورات الأحداث الميدانية على الأرض السورية ، باشغالها كما اتفق على تسميته بالحديقة الخلفية الروسية ، مع الخشية من تطور أحداث مشابهة في الشمال الصيني وتحديدا في منطقة ايغور ذات الأغلبية المسلمة مع امكانية تطور ذلك لمناطق أخرى نظرا لما تشكله الصين من تجمع كبير لمختلف الديانات والأعراق ذات النزعة الانفصالية مثلها في ذلك مثل جمهوريات الاتحاد الروسي الذي يضم مختلف الأقليات العرقية والدينية ( جمهوريات أسيا الوسطى ) مما يهدد بحرب كونية جديدة تستنفذ مختلف طاقات العالم الذي استقر على مدى نصف قرن ونيف بعد حرب مدمرة طفت خلالها وبعدها الولايات المتحدة الأمريكية على سطح السياسة الدولية، وازدهرت في ظلها اوروبا على حساب ما تبقى من البشر الموزعين على مختلف بقاع الأرض ( تستهلك أوروبا وأمريكا الشمالية ما يقارب الثمانين بالمئة من اللحوم بينما العشرين المتبقية تستهلكها بقية شعوب الأرض ) ..
2 ـ داعش والنصرة
كان / الجيش الحر/ بداية لبروز تنظيمات مسلحة تلقت كامل الدعم المادي / تجيشاً وتسليحاً / والمعنوي / إعلاميا / من دول الجوار السوري التي رأت أن لا بد وان تكون شريكة في تقاسم ( الكعكة ) السورية على اعتبار أن المصير الذي ينتظر ( النظام ) ليس بأفضل حال مما انتهى اليه في مختلف دول ( الربيع العربي ) ، كانت الطموحات كبيرة والانتصار غير المكلف لم يكن سوى إثارة للشهية ، مما دفع ما بعد الجوار للمشاركة الجدية بكل ما تحتاجه ( الثورة ) وعلانية وبكل قحة بعدما تكشفت للدولة السورية حقيقة ما كانت تخفيه /نصائح/ تركيا و/ وإغراءات/ دويلة قطر وما انتهت اليه جامعة الدول العربية وتقرير الدابي وطرد سورية من مجلس الجامعة واحالت الملف السوري للأمم المتحدة واصطدامه بالفيتو الروسي الصيني المزدوج وسلسلة اجتماعات /أصدقاء سورية / ومن ثم بروز مجلس استنبول وبعده الاتلاف السوري المعارض وما كرت بعده السبحة من محاولات يائسة بقيت مجرد قفزة بالهواء ..
لم يؤدِ ما سمي /بالجيش الحر/ ولا حتى المجموعات المنشقة عنه ، ما كان متوقعا منه خاصة وأن شراء عناصره لم يسعفه سوى ببعض الانتهازيين الذين ما لبثوا أن انقلبوا عليه مشكلين مجموعات تتلقى دعمها من مختلف الجهات الداعمة ماديا ومعنويا وبعد أن أودع مؤسسه في سجون الدولة السورية ، كان لابد والحال هي هذه، من بروز /جبهة النصرة / كمجموعة متشددة في منهجها وفي عناصرها وفي عملياتها التي تقصدت دب الرعب في قلوب المواطنين السوريين وتأييد مختلف الداعمين لها على اختلاف مسمياتهم ، كانت /جبهة النصرة / المسمى الجديد للقاعدة العدو اللدود المفترض لأمريكا والذي كان لا بدَّ من تجميل صورته حتى يكون مقبولاً لدى مختلف الأطراف التي سبق واتخذت موقفا معاديا للقاعدة ، حيث دخلت هذه في سباق لدعم هذه الجبهة المتشددة فكريا وسلوكيا في رفض الآخر كائنٌ من كان ، مما جعلها في المقام الأول من الجماعات المسلحة التي تستحق في حربها ضد / النظام السوري / كل الدعم والتأييد وليظهر (الجولاني )على شاشات التلفزة بصورة المنظر اسلاميا واستراتيجيا وتكتيكيا على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والفلسفية والاجتماعية ..
على هذه الحال من الانتصار الوهمي والمتوهم تحقيق بعض مآربه ، بقيت الدولة السورية قادرة على صدِّ هجمات مختلف المجموعات بما فيها النصرة ، على الرغم من الضعف الذي ظهر في كثير من مناحي الحياة السورية ، كانت الدولة قادرة على اثبات وجودها في مجالات مختلفة منها وبقيت تمارس دورها الاعتيادي على الرغم من مختلف التصدعات التي ظهرت في بعض جوانبها على صعيد فرار بعض العسكريين والمسؤولين وهروب الرأسمال الوطني وتوقف مختلف النشاطات الاقتصادية وانتشار المجموعات المسلحة على مساحات شاسعة من الأرض السورية بغية تشتيت ما تبقى من الجيش السوري وانهاكه وافشاء اسراره للقاصي والداني حتى بات مكشوفا للجميع من حيث العديد والعتاد بفضل مختلف المتآمرين عليه ضباطا ومسؤولين ارتهنوا كليا ،خيانة وتواطؤاً، للعدو والغريم والشامت .. وعلى الرغم من كل ذلك كان وما يزال يقوم بالدور التاريخي الموكل اليه ولم تعد مقولة الحسم العسكري مستبعدةً من الحل السياسي المطروح على كل صعيد ومحوره عدم امكانية الحسم العسكري وأن الحل السياسي هو الحل الأمثل ، لكن الواقع لم يكن قد أخذ هذا المنحى ، بل على العكس تماما ، بقي الحسم العسكري هو القول الفصل في مختلف المعارك التي كانت تجري على الأرض والتي بات من خلالها الجيش السوري بمختلف أجنحته هو المقرر الوحيد لمتجهات سير المعارك ، حتى أنه بات في الكثير منها قادرا على دحر خصومه واحدا تلو الآخر متوسعا في نشر قواته على كثير من المناطق التي أُخِذَتْ منه على حين غُرة ،ولم يعد من أحدٍ يشك في أن الحسم العسكري هو الحل الوحيد لما يجري على الأرض السورية ، وإن الاتفاق الضمني الأممي ـ على أن تكون سورية هي مقبرة الارهاب العالمي ـ وإن يكن على حساب الشعب السوري ومستقبل أجياله .. ـ هو الحل الأمثل للتخلص من هذه الظاهرة التي تلبست بالإسلام السياسي في محاولة لتأمين البيئات الحاضنة لها ، وفي مختلف المجالات المتاحة لها ولهم ..
كان لابد وهذه هي الحال التي وصلت لها ( الثورة ) السورية من بروز ما هو أخطر من كل ما تقدم ، كان لا بد من التدخل لإنقاذ ماء الوجه على الأقل ولتأمين بعض العملاء والمتآمرين والخونة والمتواطئين في بعض المراكز التي تتيح لهم البقاء على الصلة التي هم عليها بمعلميهم الكبار .. كان لا بدَّ من ظهور ( داعش ) السفاح والمجرم والقاتل ومرتكب الموبقات وكل ما حفل به تاريخ الشر الانساني ، لم يعد الموكل ( لداعش) مجرد ( نظام ٍ ) سوري أنهكته الحرب وأتت على الأخضر واليابس في كل مآلاته الحياتية ،بل كان لا بد من انقاذ من سبق وتورطوا في هذه الحرب القذرة التي لم تأتي أوكلها سوى خرابا ودمارا وخيبات أمل وتشرد وانتهاك حرمات وأعراض ومقدسات و..و..و..
من هنا تأتي داعش لتنقذ ما يمكن انقاذه من المتورطين ، دولاً وليس أفرادا ، وهذا ما نراه مؤخرا في حرب العالم على ( داعش ) باعتبارها الأفضل والأقل اجراما من / خرسان / هذه الأسماء التي على ما يبدو أنها استعيدت واستنبطت من حروب جمهوريات أسيا الوسطى ـ ما يمكن استنباطه لجعله مقولة هذا العصر ..لكن /خرسان / ليست سوى النصرة في مسمى جديد ، فقادتها ليسوا سوى رجالات الظواهري ـ الذي قيل في يومٍ ما أنه نزيل أحد السجون السرية الأمريكية بعد أن تمَّ قتل أسامة بن لادن ـ وأنه يأتمر بأوامر المخابرات المركزية الأمريكية ، ومهما يكن الأمر ، ف / خرسان/ تبقى الورقة البديلة ل /داعش / في ما لو أتيح لمن وراءها فرصة استكمال الحرب على سورية ..
في مختلف الأحوال ، وعلى افتراض القضاء على داعش والنصرة ، بداية ، وعلى /الجيش الحر/ ومختلف المجموعات المسلحة ـ والتي فاق تعدادها وفق آخر المعلومات على الألف ـ تاليا، فإن المستقبل ، وحتى الانتصار المفترض ، له من المخلّفات على مختلف الأصعدة ما لا طاقة للجيل الحالي على تجاوزه وسيبقى منوطاً بجيل آخر التخلص من آثاره ونبعاته
3 ـ شخصنة الحدث السوري
بعد أربع سنوات على حرب لم تبقِ ولم تذرْ على الأرض السورية ، يحق لنا أن نسأل :هل كان بالإمكان تجنب كل الذي حصل بمجرد تنحي الرئيس السوري ؟ طالما أنه كان و ما يزال يشكل العمود الفقري للحرب الكونية على سورية، والتي اتضحت معالمها لكل ذي بصيرة!!
ويبقى الجواب في ما انتهت اليه دول /الربيع العربي/ ، بدئا من تونس بفرار زين العابدين أو في ليبيا بمقتل القذافي أو حتى في مصر برحيل مبارك وكذلك في اليمن باستقالة علي عبدالله صالح.. اذ ما تزال هذه الدول تعاني من أزمات لم تتبين نتائجها حتى هذا اليوم !!
لم تكن النتائج المذهلة التي نطالعها كل يوم قد ظهرت للعيان في بداية الأحداث السورية التي بدأت بمطلب متواضع هو تنحي /بشار الأسد/ عن رئاسة الجمهورية حيث يؤوب كل أمرٍ الى مجراه الطبيعي وسياقه المتصل بماضيه ومستقبله على حدٍ سواء ، لكن وفي التفاصيل ـ حيث يكمن الشيطان ـ نتبين أن الأمر لم يكن على ذلك النحو الذي تم اختصاره /بتنحي الرئيس/ ، ولم يكن ليجدي/تنحي الرئيس / في الحيلولة دون هذا الخراب الذي طال كل مرافق الحياة السورية والدولة السورية ، اذ تُبين الوقائع أن ذلك لم يجدِ في أية دولة شهدت/ ربيعا عربيا / بل وعلى العكس تماما نتبين أن الحال كان واحداً في أيٍ منها ،وإن اختلفت في التفاصيل واحدة عن الأخرى ، مع ملاحظة أن الدول التي عصفت بها رياح ذلك الربيع كانت كلها تسير في الركب الأمريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام ، مما يعني أن المستهدف الوحيد من ذلك الربيع كان الدولة السورية، إذ أنها الدولة الوحيدة التي ناصبت ـ تاريخيا ـ العداء لأمريكا في مختلف العهود الناظمة للحركة السياسية للدولة السورية ،فالبراغماتية الأمريكية لا تعرف صديقا ولا تصدق قطعا مع من تتبناه حاكما، فتاريخها يشهد أنها تبقى على صلة وثيقة بمصالحها على حساب أيٍ كان ..
كان لا بدَّ من ايجاد الصيغة التي يمكن للولايات المتحدة العبور من خلالها للساحة السورية ـ والتي صرح سفيرها في ذلك الحين ” أنه لم يتمكن وخلال سنوات خدمته في دمشق من ايجاد رأس جسرللعبور اليها ” فكان اختصار الهدف بشخصنته ، فليأتي من يأتي لكن يجب الاطاحة ببشار الأسد !!! مستغلة بذلك داء المذهبية العضال في التحريض لبلوغ الهدف ..
كان المخطط التأمري يستهدف ، كما اتضح في ما بعد، على الساحة الدولية كلٌ من ايران وروسيا ومن ثم الصين ، لتستمر أمريكا في قيادة العالم وتسخيره لمصالحها لمئة عام أخرى ،وشرق أوسطيا ضمان استمرارية بني صهيون في المنطقة ، لتحويلها لمنطقة نفوذ أمريكي مطلق ومغلق على أية دولة في الجوار الاقليمي بعد اغلاق القاعدة البحرية الروسية على المتوسط والتضييق على الأخيرة بمد أنابيب الغاز والنفط الخليجي الى أوروبا كي تتحرر الأخيرة من العبء الروسي الجاثم فوق صدرها بحيث تتمكن أوروبا من العودة للعب دورها الاستعماري تحت السيادة الأمريكية ، بل والأكثر من ذلك، اغراء تركيا بعضوية عالم عربي بدل من العضوية الأوروبية ، حيث جذورها العثمانية ما تزال معشعشة في تراب المذهبية القاتلة ، فمن بحر مرمرة وحتى المحيط الأطلسي يمكن لتركيا أن تقيم امبراطوريتها العثمانية اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا بما يكفل قيام طوق محكم حول دولة بني صهيون والتي يمكنها مشاركتها في خيرات العالم العربي ويحول دون تمدد ايراني محتمل في المنطقة ، بل والأكثر إغراءاً كان امكانية تمدد / الربيع العربي/ اتجاه الشرق ماراً بدول أسيا الوسطى الى الصين حيث الغول وليس ـ التنين ـ الصيني المنافس القوي لسيادة أمريكا في الشرق الأسيوي والغربي الجنوبي لأمريكا ..
كل تلك الأهداف تم اختصارها بشخصنة الحدث وبمقولة واحدة / تنحي الرئيس / ، لكن الرئيس لم يتنحَ ، مما دفع لارتدادات قلبت السحر على الساحر ، فغرقت ليبيا في فوضى المليشيات وتونس بالاغتيالات ومصر بالإطاحة بالإخوان وفي اليمن بالاستقرار والتخبط بالخروج من مأزق القاعدة والحوثيين والحراك الجنوبي ، وفي خضم هذه الارتدادات ازدادت الهجمة شراسة وبات الجهر بالعداء للأسد معلنا وبالاسم ، وبات التسليح والتجييش والتمويل أوسمة على صدور المطالبين زورا وبهتانا بالديموقراطية والحرية للشعب السوري..
لم تكن شخصنة الحدث السوري مجرد ستارٍ لما يجري ، بل كانت أيضا في المضمون لما يجري ، ذلك أن الرئيس السوري يتمتع بمواصفات لم يتمتع بها أي رئيس عربي ، فجلَّهم أميّون وأكثرهم مأجورون وبضعة منهم لا يجدون سوى الابتسام أمام الكمرات وهم بذلك لا يضحكون سوى على أنفسهم وهم أكثر العالمين بما في دواخلهم من هشاشة وأنهم يفتقرون بشكل أو بآخر لكاريزما القيادة ، لماذا الأسد ؟!! لأنه نهجٌ للمقاومة والممانعة ـــ وهذان المصطلحان بحاجة ماسة لبيان مفهوميهما ذلك أنهما ما زالا يتعرضان لكثير من الاستخفاف من قبل أولئك الذين وجدوا أن الارتهان للمخططات الاستعمارية أقل كلفة من السيادة القومية واستقلال القرار الوطني ـــ ولأنه ، ومنذ ما قبل غزو العراق أشار لما يمكن أن ينتج عن تلك الحرب مستشرفا ما يجري اليوم من أحداث يقول/… علينا ان لا نخلط بين قضية شخص او اشخاص وقضية وطن لا يوجد شخص فى العالم يستطيع ان يختصر اى وطن مهما يكن هذا الشخص … وما دمنا قد اجتمعنا فهذا يعنى ان لدينا الامكانيات لان نقوم بعمل ما ، أي خيار اخر نأخذه سندفع ثمنه في المستقبل البعيد وليس القصير واخشى في تلك الحالة ان تقرأ الاجيال المقبلة ان بغداد دمرت اول مرة في عام/1258/ عندما اجتاحها هولاكو على خلفية ضعف الدولة العباسية العربية وتم اجتياحها في بداية القرن الحادي والعشرين على خلفية ضعف النظام العربي او فشل قمة عربية ولكنها في هذه المرة لن تكون وحدها بل ستكون معها دول عربية عديدة…/
في المحصلة ، ما استشرفه الرئيس الأسد هو ما نعيشه اليوم ، وعليه يمكن لنا أن نفهم لما / تنحية الأسد / كانت وما تزال الهدف الذي يسعى له مختلف المتآمرون على سورية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقتطفات من كلمة سيادة الرئيس في مؤتمر قمة شرم الشيخ :
- ـ …فى الحقيقة الجميع سيكون فى قلب هذا الخطر وسيكون مستهدفا ربما ليس مباشرة ومن المرحلة الاولى ولكن على مراحل
- … البعض يصور ان المشكلة هي اما في رئيس العراق او في النظام العراقي
- كلنا نعرف ماهى الاقنعة التى استخدمت فى البداية طرحت الولايات المتحدة موضوع عودة المفتشين ولاحقا تحدثت عن تطبيق قرارات الامم المتحدة وقرارات مجلس الامن ثم تبعتها فى الحديث عن اسلحة الدمار الشامل ولحقها الحديث عن المشكلة فى وجود النظام ومن ثم بدأوا يتحفوننا بالحديث عن الديمقراطية ومن ثم حقوق الانسان والان يبشرون بالتنمية التنمية التى ستحل فى العراق وفى منطقتنا بشكل عام بعد هذه الحرب ولا نستغرب ان يصدر مصطلح كالمصطلحات الامريكية الجوفاء التى نسمعها دائما مصطلح يسمى الحرب التنموية او التنمية بطريقة الحرب كل هذه الامور التى طرحت هى عبارة عن اقنعة استخدمتها الولايات المتحدة لكى تخدع العالم
- القضية هى اعادة رسم الخريطة بالشكل الذى يناسبهم ويناسب طبعا اسرائيل وهذا جانب اخر من الموضوع القضية هى تدمير البنية التحتية للعراق وعلى رأسها العلماء
- هم يدعون الخوف علينا كيف يخافون علينا من العراق ولا يخافون علينا من اسرائيل من يقوم بقتل العرب هل العراق ام اسرائيل
- فلو قام اى واحد منا بسجن/100/ الف من المواطنين الذين تظاهروا ضد سياسة الولايات المتحدة لاصبح زعيما ديمقراطيا فى العالم العربى وفى المنطقة اما من يسجن شخصا مخطئا يوالى الولايات المتحدة فهو ضد الديمقراطية ومعتد على حقوق الانسان واما اذا استطاع اى شخص ان يقوم بحرمان مواطن فلسطينى من ابسط حقوقه فهو سوف يتحول الى داعية سلام وداعية ديمقراطية وداعية حقوق انسان
- عام/1990/ وقفنا مع الكويت ضد الموقف العراقى وليس ضد العراق واليوم نقف مع العراق ونقف مع الكويت ولكن سنقف ضد اى طرح يؤدى او يهدف الى تدمير العراق
- في العالم اليوم ثلاثة عناصر تؤثر فى موضوع الحرب سلبا وايجابا عنصر دولي عنصر اقليمي وعنصر عراقي محلى بدون تدخل في العنصر المحلى العنصر الدولي يستند الى العنصر الاقليمي اذا ضعف العنصر الافليمي فسوف يشتد الجانب الداعي للحرب في العنصر الدولي والعكس صحيح
- ان هذه القضية لا تنفصل اليوم عن القضية الفلسطينية فشلنا فى معالجة القضية العراقية يعنى فشلنا في معالجة القضية الفلسطينية لا يمكن ان نفصل بين القضيتين اليوم هذه الحرب ان حصلت سوف تكون تغطية على الجرائم الاسرائيلية
- وربما ستؤدى الى تقسيم العراق بهدف ان تصبح اسرائيل دولة شرعية ف اسرائيل التي تدعى الديمقراطية دولة ذات لون واحد تصبح شرعية عندما يصبح حولها دويلات مشابهة تكسب الشرعية السياسية والاجتماعية