2 ـ رد على محمد كريشان

2 ـ بعد سقوط أكثر من ثلاثين ألف قتيل من الشعب السوري وجرح وتشريد مئات آلاف آخرين، ما هو عدد الضحايا الذين قد يدفعكم يوما إلى مراجعة حساباتكم؟

كان الأجدر بك أيها المتسائل أن تطرح هذا السؤال على من يسلح ويمول ويجند شذاذ أفاق العالم للقتال في سورية ، كان الأجدر بك أن تنطلق في السؤال من أن العالم اليوم لم يعد كما تتصوره أنت ومن لفَّ لفك ، أعمى وغبي، ويمكن أن تتلاعب فيه قنوات إعلام ليس بالمضلل وحسب وإنما المُسْتَخِفِّ بالعقول والذي لم يتعظ بعد عام وأكثر من أنه إعلام فشل فشلاً ذريعا في إيهام العالم من أنَّ دعايته ترقى لأن تكون من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بعد أن أعلن مموِّليه جهارا نهارا دعمهم المطلق ( للمجاهدين من أجل الحرية ) في سورية على غرار ما كان يُروج له زمن بن لادن في أفغانستان ، وأنهم ، ولا ريب في ذلك ، سينقلبون على مموليك وأسيادهم من الصهاينة المتأمركين والمتفرنسين والمتأتركين وغيرهم ممن يضمرون العداء المطلق للعرب والعروبة ولكل من يمتُّ لهذه المنطقة بصلة ،

كان الأجدر بك أن تنطلق في سؤالك من حقيقة أن الواغل في في سفك الدم السوري ، لم يعد مختفيا وراء شعاراته ، فشعار الحرية والديمقراطية ، أصبح / شي عار / على مموليه بعدما ثبت ، بما لا يقبل الشك ، أن من يدافعون عن ” الحرية والديموقراطية ” لا يفقهون شيئا مما “يدافعون” عنه ، فهم مجرد قتلة ، وفارين من وجه العدالة وتجار مخدرات وسارقي قوت الشعب ومغتصبي كرامته وشرفه وذابحي أمانه واطمئنانه واستقراره ، هؤلاء هم من تدعمهم عصابات البترودولار التي لا تفقه هي الأخرى أي معنى من معاني الحرية والديموقراطية والتي ما تزال تعيش في عصر البطريركية حيث الانسان هو رجل وما عداه مجرد كائنات خُلقت لمتعته ، طفلاً كان أم امرأة متعلماً كان أم جاهلا ، عربيا كان أم أجنبيا ، مسلما كان أم “أعجميا “.. ،

كان الأجدر بسؤالك / ..ما هو عدد الضحايا الذين قد يدفعكم إلى مراجعة حساباتكم ؟ / أن يوجَه لمن يعلمون علم اليقين أن القتلى من الشعب السوري هم مواطنون سوريونأولا و قبل أي شيء آخر ، قتلوا بدم بارد على يد أولئك المجتمعين على موائد العمالة والانتهازية والوصولية في مختلف عواصم العالم ، ومنها الدوحة والرياض وتونس وبنغازي والقاهرة وأنقرة… ، وأن القتلة ليسوا بسوريين بل سعوديون وليبيون وتونسيون ومصريون وصوماليون وباكستانيون وأتراك وشيشانييون وأفغان وأردنيون ولبنانيون وحتى عراقيون …، وأن القتلى من السوريين هم من قواتنا المسلحة وعائلات لم تتمكن من اللجوء لمناطق آمنة تسيطر عليها الدولة ، استباحت بها عصابات الغدر والقتل على الهوية ، كل عرف وتقليد وقيم وفضائل ونواميس تمت للإنسانية بصلة ، عصابات تحرق مقاتليها إن لم تتمكن من سحبهم من أرض المعركة ، عصابات ذبح واغتصاب وسرقة واختطاف وطلب فدية وتجارة سلاح ومخدرات وتهريب وكل ما قد تعرفه البشرية من شرور ..

كان الأجدر بسؤالك أن يوجه لمتسائله ، لأنك أكثر الذين يعرفون ويعلمون مالذي يجري في كواليس الجزيرة وأخواتها ، وكيف يؤتى بالمتفزلكين ممن امتهنوا الثقافة على اشكالها الدينية والاجتماعية والثقافية والعسكرية ، وكم يُدفع لهم ليظهروا على شاشات بث البغض والكراهية والتحريض الطائفي والمذهبي وما شاكله من مفردات الحقد التاريخي والجهل والأمية والتخلف والذي لا يتورع عن الافتاء بأمور لا علاقة له بها ، دينية كانت أم اجتماعية أم ثقافية ..الخ

فحوى سؤالك الأول ، هو تحميل الدولة السورية مسؤولية سفك الدم السوري بما يعنيه ذلك من تبرئة العصابات المسلحة من ذلك ، فالسؤال هو صك اتهام وتبرئة في آن واحد ، لكن كيف يمكن فهم ذلك ؟ دون أن نتبن منطلقات الاتهام والتبرئة ، فالاتهام قائم على جهل بما هو حادث ، فالحدث السوري لم يكن مجرد عارض ، لم يكن مجرد ارتداد “لثورات ” شعوب عربية ضد حكامها المستبدين ، وليس مجرد موجة في بحر عربي راكد لمدى زمني قارب في بعضه النصف قرن ، وليس مجرد مطالبات بالحرية والديمقراطية ، ليس الحدث السوري أيا من ذلك ، الحدث السوري ، كان هدفا ، أُسقطت ، لتحقيقه ، أنظمة أمريكية بامتياز ، لقد تخلت أمريكا كعادتها عن عملائها في سبيل تحقيق أهدافها ، أطاحت بكل من زين العابدين ومبارك وعلي صالح وحتى القذافي في سبيل إيهام العالم “بربيع ” ، بعد ما يقارب العامين نتلمس نتائجه، وأولى هذه النتائج صعود مدٍّ متطرف كان مُعتبرا ، لما قبل هذا “الربيع ” ، من ألدِّ أعداء الولايات المتحدة الأمريكية والتي شنت ، من أجل اجتثاثه ، حربين، ونشرت مقولات الحرب ضد الإرهاب في مختلف أنحاء العالم ، والتي لم تسفر إلا عن سقوط ملايين الضحايا من (قتلى وجرحى ومعاقين ومشردين ) وصفقات سلاح وبترول بما في ذلك انتعاش صندوق النقد والبنك الدوليين ، في ظل فوضى اقتصاد عربي و ركود اقتصادي في عالم الغرب …

لقد كان” الربيع العربي ” مستهدِفا تدجين هذا المد المتطرف ومن ثم إثبات أنه لن تكون لشعاراته المعادية لأمريكا و( إسرائيل ) أية قيمة أو معنى على أرض الواقع ، والتي ستثبت فشله على الصعيدين القومي والوطني والاقتصادي والاجتماعي ، مما يدفع به صاغرا لطلب مساهمة أعدائه السابقين في محاولة تخطيه لأزماته الداخلية في سبيل بقائه في السلطة بما يعطي الطمأنينة والسلام لمن ادعى زمنا بعدائيًّته لهم ، هذا المد المتطرف باع شعاراته في سبيل السلطة ، ولا يستطيع أحد ، مهما بلغت به المكابرة ، أن ينفي ذلك ، والأمثلة على ذلك كثيرة .

عبر التدجين والفشل ، وبمقولة فرق تسد ، سطى المد المتطرف على السلطة ، وظهرت أُولى نتائجه في صراع غير مسبوق بين الفرق الاسلامية كافة وبين هذه والمسيحية دون اليهودية التي باتت عبر ( اسرائيل ) صديقة من يخطب ودها من تلك التيارات المتطرفة التي رأت في الشيعة عدوها اللدود ناهيك عن صراع عرقي اثني كياني مشرقي مغربي شمالي جنوبي …

كان الهدف من ” الربيع ” المتطرف اغتيال الوحدة العربية وتقسيم المقسم أصلاً ، وذلك بإقامة جدار متطرف يمتد من خليج اسكندرون وحتى المغرب العربي للحيلولة دون مدٍّ شيعي مزعوم يستهدف ( اسرائيل ) بالتحديد ، ولم يكن ذلك ممكنا دون النيل من سورية ولبنان ممثلا شرعيا لحزب الله ، بعدما تمَّ إقصاء العراق المنهك بتمزقه العرقي الطائفي المذهبي المناطقي ، أما الاردن فيكفي التلويح له بالمظاهرات والمسيرات والاقتتال القبلي الكياني بين الفلسطيني والاردني الشركسي اساسا ..

في خضم هذه الأحداث ، كانت الدبلوماسية السورية قد وضعت استراتيجيتها في مواجهة ما كان ينتظرها من ارتدادات هذا المخطط الاجرامي الاستعماري الذي بدأ في الهجوم الأمريكي على برجي التجارة ومن ثم احتلال أفغانستان والعراق وظهور رأس الحربة الأمريكية حزب العدالة والتنمية التركي واغتيال الحريري ..الخ

كان المخطط أكثر من واضح للدبلوماسية السورية ، والتي كانت تدرك شراسة الهجمة وهمجية أدواتها واستهدافاتها ، وكانت بهدوئها المعتاد تحاول درء الخطر ما أمكن ومحاولة تحجيمه حتى تتضح الصورة لكل مراقب ومعني بما تمر به سورية ، وكان ، والحال هي هذه أن يسقط من السوريين ما سقط وأن يُقضى على عصابات الترهيب وإن تكن التكلفة عالية ، اجتماعيا واقتصاديا ، أما لجهة الثقافة ، فالوحيد الذي نبه لخطورة ما تحمله هذه المؤامرة هو سيادة رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد عندما حذر من تداعيات هذه الأزمة على مستقبل السوريين وكيف على الدولة معالجة نتائجها بداية من الانقسام الطائفي والمذهبي الذي بات قاب قوسين أو ادنى من هذا المجتمع الذي لم يعرفه من قبل هذه المؤامرة التي باتت تهدد العالم بأسره بحرب لا تُبقي ولا تَذر، فهذه المؤامرة التي بدأت ، لم تعد الأطراف التي شاركت بإزكاء نارها ، بقادرة على وأدها فلقد فلت زمام الأمور من يدها ، وباتت مهددة بتداعيات ما أثمت به أياديها …