حُمُىّ الانتخابات اللبنانية

 

 

تتغير الأسماء ويبقى حال الوطن والشعب على ما هو عليه، وما من معركة انتخابية جرت حتى الآن، إلاّ وكان الطرح الشعاراتي الحالي عنوانا لها !! ومع ذلك يحق لنا السؤال عما يميز معركة انتخابية عن أخرى؟

من جهة أولى، لم تغير أية معركة انتخابية تلك القناعات التي دفعت لانتخاب هذا المرشح أو ذاك، إذ نكاد نتلمس معالم وتفاصيل الصورة البرلمانية القادمة، حتى بمتغيرات الوجوه المتوقعة، إذ لن يكون هناك سوى قلة جديدة، وقد لا تزيد عن عدد الأصابع ، بعضها أسعفه الحظ،  وبعضها الآخر أسعفته اللائحة التي انضوى تحتها ، وهذا جديد بالاسم أما المضمون فهو على غرار سابقه، وهو ذا التغير المقبل، مما يجعلنا في مستوى علم اليقين مما نقول !

من جهة ثانية،  وطالما أن المعركة الانتخابية، هي على غرار سابقاتها، فإن النهج المتبع في كسب الأصوات هو أيضا على ذات النهج والذي كان ولا يزال المحك العملي لتقييم المرشح وتصنيفه في أية خانة هو، ذلك أن الحملة الانتخابية تحمل الكثير الكثير من ملامح المرشح الشخصية والأهداف والوعود التي تكون على الدوام بما يتناسب والمطروح من المشكلات والهموم اليومية للمواطن ، وفي هذا المجال لا نكاد نتلمس أية فروقات بين طرح وآخر، وعليه تبقى الحملة الانتخابية على غرار مرشحها، الذي ينهج الهجوم الشخصي ، كأفضل أسلوب للدفاع عن الوضع الذي تعاني منه حملته الانتخابية إضافة لما يعتبره محركا ومحرضا للناخبين بل وما يمكن له أن يكون مجرد ذر للرماد في العيون ، وهجمة مضللة ..

بعض الذين يعانون من أزمة ذاتية أو انتخابية أو منهجية أو ممن يفتقرون لتبريرات خوضهم المعركة مع هذه اللائحة أو تلك يلجون أبدا باب الهجوم الشخصي والذي يصل أحيانا مستوى يضع فيه المرشح نفسه على طاولة التشريح لا لائحة الترشيح ، فيظهر على حقيقته قبل أن يصل إلى الندوة البرلمانية ، وفي هذا المستوى يبقى على الناخب أن يقف مستدركا مواقفه السابقة ومتلمسا أي مرشح ينتخب..

في الهجوم الشخصي، المفتقر للبراهين والأدلة والعينات والبينات، نتلمس بعض ما تقدم، بل والأكثر من ذلك، نتلمس بعض ما يعانيه المرشح المهاجم  على صعيد القناعات بشخصه وقبل أية قناعات أخرى، إذ يكاد أن ينسى هذا المرشح أن ما يخوض من خلاله معركته لانتخابية هو ذاته ما يهاجمه، إذ كيف يمكن لمرشح اعتمد الطائفة والمذهب قاعدة لوصوله مقعد البرلمان أن ينعت آخر بالطائفية والمذهبية، بل وكيف يمكن لنا فهم الاتهام باعتماد العائلية وهو من يعتمد العائلية في نجاحه، وإذا ما تجاوزنا ما تعنيه كل من هذه الأقانيم الثلاث، الطائفية والمذهبية والعائلية،كيف يمكن لنا فهم الاتهام بنقص التجربة السياسية بناءً على العمر الزمني ، المقاس بالسنين ، خاصة إذا كان المهاجم قد دخل المعترك السياسي معتمدا تركة سلف سياسي جعلته في الموقع السياسي الذي تنطح له بسنين لو اعتمدت لما كان قدر له أن يخوض معتركا كهذا، بل وكيف يمكن لنا أن نفهم ذلك إذا كان المهاجم يمجد ويمدح ويبارك ضرورة دخول دماء جديدة للندوة البرلمانية، وهل هذه الدماء هي دماء الكهول أم هي دماء الشباب المفعم بالحيوية والنشاط ورؤى المستقبل بكل ما تعنيه من تطلعات، فإذا لم يكن هذا ما يباركه فهل يكون ما يباركه هو تلك الدماء التي أعيتها التجربة السياسية عن كل ما له صلة بالمشكلة السياسية العامة واستغرقت كليا بالخدمات اليومية والتي هي في كل الأحوال قفزا فوق القانون ، وإذا كان هذا ما يباركه، فهل لمهاجم كهذا أن يبين لنا كيفية دخوله البرلمان، يوم دخله شابا وكان لبنان يعاني من محنة الحرب الأهلية التي عصفت به لسنوات وكانت بالتالي تتطلب من الخبرة السياسية ما لم يكن يتمتع به، خاصة وأن أقطاب تلك الحرب كانوا من دهاقنة السياسة..

وهل يغيب عن مثل هكذا متهم ومهاجم أن هانيبال قد قاد جيشه وهو ابن السابعة عشر وأثبت بالتجربة أنه كان المؤهل لمثل هكذا قيادة كان قد سبقه إليها اسكندر المقدوني وهل يتناسى مرشحنا المهاجم والمتهم أن أليسار عندما قادة الشعب الصيدوني لتبني أقوى مدينة على شاطئ البحر المتوسط لم تكن قد تجاوزت عمر الشباب، وحتى لا نستغرق في التاريخ فيضيع الحاضر منّا، نتساءل عن الكيفية التي يدير بها ملك المغرب بلاده، بل وكيف يقود الملك الأردني الشاب أردنَّه إلى مستقبل فيه كل تطلعات الشعب ؟

إن ما يمكن قوله في هذا المجال أن سورية الأسد تطلع اليوم، وفي ظل قيادة الرئيس بشار الأسد لمستقبل، هو أبداً على خطى الراحل الكبير والعظيم ، لكنها خطى الشباب الديناميكي الفذ والحيوية الناشطة لمواكبة حركة المستقبل ورؤى كان وما يزال شعب سورية يتوق لها ويعمل.

ثم كيف يمكن لنا فهم مرشحنا المهاجم بهجومه على أحزاب،هو نفسه، كان يتطلع لها ولتعاونه معها، وهي أحزاب أثبتت على مدى زمني طويل أنها قادرة على فعل المستحيل على الرغم من ضعف الإمكانيات وتوالي الأزمات والملاحقات والسجون والتشريد.. وهي نفسها التي حققت نصر الجنوب، وهل ينسى مرشحنا أنه هو زعيم إرث حزبي سياسي بقي على مدى تاريخه لا يتجاوز حدود منطقته وينكفئ إلى دائرة منافع غالبا ما تضيق حتى لا تكاد تتجاوز هموم مؤيديه ومريديه..

بعض ما تقدم، على خصوصيته، يتجاوز هذه الخصوصية إلى ما تحمله معها كل معركة انتخابية من خروج على المألوف وكشفٍ لما هو خافٍ عن العيون ولما يعانيه البعض من أزمات نفسية وشخصية حين يجد نفسه محاصرا بقوى تمنى أن يكون في سياق قوتها، لكنه والحال، ولما تقدم، وجد نفسه خارجها فانساق إلى حيث المال وسلطانه، عسى هذا الأخير أن ينقذه مما تورط به .