الضربة القاضية للزمن الأمريكي

بداية ، لا أدعي وقوفي على ما يجري في كواليس الأجهزة المعنية بالتهديد الأمريكي لسورية ،وأن كل ما لديَّ هو بعض ما تناقلته وكالات الأنباء من مصادر بنسبتها الكبرى مشكوك بصحتها ونسبة ضئيلة منها يمكن الوثوق بها لدرجة يمكن اعتمادها في تحليل ما يجري وصولاً لما بمكن أن يحدث ، إذن ، من الوقائع التي على الأرض وصولاً لنتائجها المتوقعة في المدى المنظور .. 1 ـ شكلت معركة القصير منعطفا حادا في صيرورة الحدث السوري لصالح الجيش العربي السوري، بما وضع كثير من نقاط ما يجري على حروف كانت لعهد قريب مبهمة الى حدٍ كبير ، ولا أريد الدخول هنا في تفاصيل قد تبعدنا عن محتوى هذا التحليل .. 2 ـ تزامنت نتائج معركة القصير بتموضع الجيش السوري بمواقع كانت محسوبة بالمطلق على مسلحي النصرة ومن لفَّ لفها ، كما وتبعتها مباشرة جملة من العمليات النوعية التي ساهمت بدرجة عالية بالقضاء على أعداد كبيرة من مرتزقة السعودية وقطر ما أدى بالضرورة لإرباك خصوم الدولة السورية ومسلحيهم .. 3 ـ انكفاء القوات السورية لداخل المدن الكبرى ، كانت الخطوة الأكثر جرأة في مواجهة حرب عصابات من المرتزقة الذين تصوروا أنهم قد سيطروا على مساحات شاسعة من الأرض السورية ، فارتدت عليهم مقولة حرب العصابات في الانتشار الواسع وإطالة خطوط الإمداد التي أرادوها فخا للجيش العربي السوري فوقعوا به هم أنفسهم.. 4 ـ ـ ادعاء كل مجموعة أنها الوحيدة المتمكنة على الأرض دون سواها ، مع أن حقيقة الأمر غير ذلك ـ بمفهوم حرب العصابات التي تستهدف انتشاراً واسعا للجيش النظامي وإطالة خطوط إمداده بغية إنهاكه للانقضاض عليه بما يسمى /الهجوم الاستراتيجي / بعد مرحلة /الدفاع الاستراتيجي/ التي تكون قد أنهكت الجيش وحققت استقرارا في قواعد ارتكازها التي سيطرت عليها سابقا ـ ، وهنا المفصل الرئيس في تحركات الجيش العربي السوري الذي أدرك هذه المقولة ، فجعلها محدودة لدرجة أنهكت العصابات المسلحة وقضت على أعداد مهولة منهم في مختلف المعارك التي خاضوها هذا على الصعيد الميداني ، أما على المستوى السياسي ، فما يواجهه القيمين على المجموعات المسلح هو 5 ـ استحالة الوصول لمعارضة موحدة نظريا ، وتاليا وحدة المسلحين ، وحقيقة أنهم خارجون على أية سلطة سياسية وعن كل ما يمت للمعارضة الخارجية بصلة وبنسبة كبيرة قد تصل الى 95% من مجموعهم ، على الرغم من أن التمويل عدة وعتادا لم ينقطع عن أية مجموعة صغيرة كانت أم كبيرة .. 6 ـ نهاية الحلم الأمريكي ـ الغربي ـ الخليجي بتبؤ الإسلاميين مقاليد الأمور فيها ،بداية ، الحركة التصحيحية في مصر وارتدادات هذه الحركة في تونس (حركة تمرد التونسية ) ، والتحول الذي طرأ على صيرورة الحكم في قطر، والذي يفيد أن المال السياسي لا يصنع انتصارا ولا حدثا تاريخيا ذو أهمية ..، وفي السعودية التي شهدت حركة (تمرد ) خجولة وبعض تحركات للأمراء من العائلة الحاكمة تعترض بشكل أو بآخر على احتكار آل سعود لكل ما هو حيوي في شبه جزيرة العرب ، مع استمرارية الحراك البحريني رغم كل ما يعترضه من صعوبات .. 7 ـ أمام ما تقدم ، كان لابدَّ من وقف الانهيار الحاصل في المخطط الأمريكي الغربي الإسرائيلي ـ الخليجي عند وضع يحفظ في حده الأدنى حفظ ماء الوجه السعودي دوليا ،وذلك بدفعه للمجموعات المسلحة للخروج من هذا المأزق بالانقضاض على العاصمة بعدما استحال الوضع لكارثة محدقة بالمجموعات المسلحة على مختلف الصعد والمستويات السياسية والعسكرية ، فكان الهجوم على قرى الساحل تمهيدا لإفراغ العاصمة من ثقلها العسكري ، استعدادا لهجوم يحقق بعض التقدم .. 8 ـ جاءت الضربة الاستباقية التي بدأتها القوات السورية لتكشف أن خدعة الساحل لم تأتي أكلها ، على العكس من ذلك ، كانت مدمرة لكثير من القوى المسلحة التي تخاطفتها قذائف الجيش السوري وفرق مشاته ، فانقلب السحر على الساحر وتحول الهجوم المعاكس الذي بدأته القوات السورية لذعر في صفوف العصابات المتناحرة حول من يتحمل مسؤولية ما جرى .. 9 ـ عنصر المباغتة التي ضربت به القوات السورية المسلحين المجتمعين في جوبر ضربة موجعة نظرا لأعدادهم الكبيرة ( ما يزيد عن 25000 مسلح ) جعلت المتوهمين دخول العاصمة في حالة هستيرية لم يكن من نتائجها سوى ضرب صاروخين برؤوس كيميائية لوقف تقدم الجيش السوري على محوري الزبلطاني ساحة العباسيين ، لكن الصاروخين أخطأ هدفهما فسقطا حيث لم يكن متوقعا لهما أن يسقطا مما زاد في حالة الهستيريا التي سادت مختلف قطَّاعات المسلحين .. 10 ـ وجود اللجنة الدولية للتحقيق في استخدام السلاح الكيماوي ، في سورية أيقظ في ذهنية المسلحين طلب المساهمة بوقف تقدم الجيش عن طريق تسجيلات مرتجلة تدعي استخدام الجيش العربي السوري لهذا السلاح ، مما استدعى فعليا وقف الجيش لتقدمه لإتاحة الفرصة للجنة الدولية للقيام بدورها في المناطق التي تمَّ الاتفاق عليها مع السلطات السورية .. 11 ـ محاولة المسلحين إعاقة عمل اللجنة ، بهدف إطالة زمن هدنة غير معلنة يطالب بها المسلحون، لم يجد له صدى في دوائر القيادة العامة للجيش حيث استمرت عملية / درع العاصمة / في التقدم نحو أهدافها المرسومة لها إن في جوبر و معضمية الشام في الجنوب الغربي من العاصمة السورية ، كذلك تجاوزا ( درع الساحل ) المتجه هجوميا باتجاه حلب .. 12 ـ ميدانيا ، القيادة السياسية والعسكرية السورية ماضية في تحقيق أهدافها على الأرض السورية غير عابئة بالتهديد الأمريكي ـ الغربي ـ الخليجي لأسباب عدة أبرزها : ا ـ محدودية الخسائر التي يمكن أن تجنيها أمريكا من (الضربة) المحتملة لأماكن تواجد القوة السورية الفعلية ، والتي تعمل القيادة السورية ـ بالضرورة ـ على تحريكها بالسرعة التي يتطلبها المدى الزمني للوسائل المتاحة للإدارة الأمريكية في عمليتها المتوقعة .. ب ـ كون العملية العسكرية المتوقعة ، غير محسوبة النتائج في حال قيام أمريكا بها ، والتي تدرك أمريكا قبل سواها ، من الدول المنضوية تحت جناحها ، أنها ستشعل المنطقة بأكملها بما فيها إسرائيل المتورطة فعليا في ما يجري على الساحة السورية .. ج ـ أن التحذيرات الروسية والإيرانية وبقية الدول التي ترى بما تهدد به أمريكا ، لا يعدو كونه مغامرة أمريكية طائشة لكسب معركة خاسرة في الأساس الذي قامت عليه ، ذلك أن المعركة على الأرض السورية ، ليست كمعركة كوسوفو أو أفغانستان أو حتى العراق ، فسورية كانت وما تزال محور العالم الذي يحدد معالم العالم الجديد ، ما قبل الضربة وحتى ما بعدها ، فالحليف الروسي الذي أعلن جهارا أنه لن يُجرَّ لمعركة ليست في صالحه استراتيجيا ، لن يقف مكتوف الأيدي حيال ما تخسره سورية على الأرض دون الأرض ، فهو على استعداد للتعويض السريع لما قد تخسره سورية في العتاد ، مع يقينه أن سورية ليست بحاجة للرجال ، فما تملكه كافٍ لها ويزيد عن الحاجة ، كذلك على مستوى الحليف الإيراني ، والذي قد تعنيه دمشق كما طهران ،فمصيره مرتبط بمصيرها ، وهو ليس كبقية العرب الذين ينسون بسرعة فضائل دمشق ،التي وقفت معه على مدى ثمانية أعوام في حرب ضروس قادتها بجنود عراقيين الدول ذاتها التي تحاول استفراد سورية اليوم .. ولا يجب أن ننسى المقاومة اللبنانية ، وما يمكن أن تقدمه لظهيرها السوري في المعركة القادمة ، فما تخشاه تل أبيب هو هذه
المقاومة وظهيرها الممانع والمقاوم السوري ـ الإيراني ، طالما أن الهدف من كل ما جرى ويجري على الأرض السورية كان وما يزال القضاء على هذا المحور المقاوم الممانع للمخططات الأمريكية الغربية الخليجية والتي تصب في نهايتها في مصلحة إسرائيل، إذا ما بدت هذه المصلحة مهددة في عمقها ، فما الذي تجنيه أمريكا والغرب والخليج من هذا التهديد ..؟! د ـ تقرُّ الإدارة الأمريكية ، بأن العملية العسكرية محدودة زمانيا ومكانيا ، بما يعني أنها ستكون محددة النتائج بوقف تقدم الجيش السوري شمالاً وجنوباً ، بما يتيح الفرصة لعصابات النصرة تنفساً عميقا في المناطق التي تسيطر عليها والتي لم تجد لها الدوائر الأمريكية أسماءً على مجمل الخرائط التي كانت متداولة ما قبل الحدث السوري ، والتي تمَّ إسقاطها بعده ، على خرائطها الخاصة ، مدركة أن ليس لها تلك الأهمية الإستراتيجية في تقرير نتائج ما يجري على الأرض السورية .. بما يعني أيضا التمهيد لتقدم العصابات المسلحة لمناطق ، أبرزها وأهمها دمشق ، ذلك أن سقوط دمشق يعني سقوط كامل الأرض السورية بيد من يسيطر على العاصمة . وبما يعني أيضا أن العملية العسكرية المتوقعة ليست بأكثر من دعم لوجستي للمسلحين الذين عجزوا حتى اللحظة من الدخول لمناطق إستراتيجية يمكن لها أن توفر لهم مكانا في الحلول السياسية المطروحة على الصعيد الدولي .. 13 ـ في الخلاصة ، المعادلة المطروحة هي على النحو التالي : ضربة عسكرية× وقف تقدم الجيش السوري = دعم لوجيستي لعصابات مسلحة ( النصرة على وجه الخصوص باعتبارها الأكثر حركة ودموية من باقي المسلحين ) وهذا ما يمكن أن تخشاه القيادة الأمريكية من وقوع أسلحة غير مستحبة ملكيتها من قبل هذه الجبهة .. معادلة من الدرجة الأولى قد تتحول لمعادلة من الدرجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة وصولا للدرجة السادسة عشر والتي يبدو فيها الهابط صاعد والخاسر رابح والمتقدم متراجع عبر مصفوفة لا متناهية من الاحتمالات التي قد لاتخطر ببال من يهولون لهذه الضربة .. وعليه فإن ما اعتقده ، بل وقد أجزم فيه ، أن كل ما يهول به اليوم ليس أكثر من حملة إعلامية لجسِّ نبض الأطراف المتصارعة كلٌ على طريقته ، ولحفظ ماء الوجه للبعض أو هو محاولةٌ أمريكية لخلق ذرائع الانتهاء من التورط الغربي الأمريكي في ما سمي ( الربيع العربي ) أو الشرق الأوسط الجديد في حقيقته ، وحتى لا أكون من الغافلين عن الغباء الأمريكي والبداوة الخليجية ومحاولة أوروبا أخذ بعض الجرعات لتجديد شبابها المتهالك ، أقول أن نسبة هذا الغباء لا تتجاوز 5% مقابل العقل السوري الذي يعمل هادئا رغم المخاطر المحدقة به والذي يصل لنسبة 95% في رؤيته لما يجري ويتعامل معه . في الخلاصة أعتقد أن التهويل الأمريكي ليس بأكثر من 95% منه إعلاميا و5% منه جنونا لن يُبقي لأمريكا وإسرائيل أثرا في المنطقة الشرق أوسطية . ومن يعش يرى