الأقليات في سورية الطبيعية ـ #الأكراد نموذجا

الأقليات في سورية الطبيعية
“الأكراد” نموذجاً
( 1 من 2 )
تعريف :
الأقلية : هي كل مجموعة تنسب لنفسها: نسباً أو ديناً أو لغةً أو حدثاً تاريخيّاً معيناً تختصُّ به ويميزها عن سواها من المجموعات الأخرى.
تمهيد :
ليس أدلُّ على ما نحن ذاهبون لدراسته ، أن سمته الرئيسة تبقى في كونه يقبل انضواء أفراداً و مجموعات أخرى إليه تحت أي مسمى يصلح لأن يكون مدخلاً له ، وفي أنه ليس منعزلاً أو منغلقاً على ذاته ، مهما أُطنب في ذلك ، وتحت أية مبررات ، مهما بدت مقنعة للعامة ، وأنه لا يخرج عن سياق التطور الانساني في الانتشار والتوسع على مدى جغرافيا الكرة الأرضية ، تحت عوامل عدة تقتضي ذلك ، وأنه يعاني من خللٍ في المرتكزات التاريخية اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا وحتى عدديّاً في ما هو ذاهبٌ اليه في اثبات ما يدعيه ، وأنه أيضاً ، يحمل في ذاته تناقضاتٍ تعمل على الإجهاز عليه في قبول أو رفض ما يدعيه ممن يشملهم تعريفه .
إن ما يمكن أن يُطلق عليه مصطلح ” أقلية ” إنما هو في الواقع من الضرورات السياسية البحتة التي اقتضتها عوامل تاريخية محددة الأهداف، أبرزها يبقى في جوهره البحت أنه ليس في صالح من يدَّعون أنه يعمل لخدمتهم في حياتهم جيلا بعد جيل ،بما يتطلبه من تضحياتٍ على صعيد الأفراد أو المجموعة نفسها بحيث تبقى مبررات ذلك مرهونة بالنتائج التي ، وكما يدلُّ عليها تاريخ الصراعات ، أنها غالبا ما تنتهي لقبض الريح، ذلك أنه يعمل على تسخيرهم لخدمة أغراض ليست في باطنها سوى تجيير مجموعهم لخدمة أغراض سواهم ، سواءً أكانوا أفرادا أو مجموعات أو دولٍ لها من المصالح ما يقتضيه هذا ” التمايز” الموهوم الذي يعلنه المجموع المنضوي تحت مختلف شعاراته ،
وليس أدلُّ على ما ندعيه ، سوى أن صراعا دام ما يزيد على أربعة عشر قرناً ما زال حتى تاريخه مراوحا في نقطة الصفر ، بما يعني أنه خارجٌ على منطق الحياة سياقا وصيرورة ، وعلى غير ما انتهى اليه سواه من الصراعات التي لم تدم سوى فترات قصيرة جدا وانتهت الى تحقيق ما هدفت اليه ، بحيث يمكن القول أن بعضا من تضحيات جيل واحدٍ فقط أدت في ما أدت اليه أن تنعم الأجيال التالية بنعيم ما تاق اليه جيل واحدٌ سابقٌ لها .
إن للحياة منطق لا يمكن تجاهله في سياق صيرورتها ، مهما بدى ما نهدف اليه ساميا ومشوقا وقابلا للتحقق ، إن الشرط اللازم والكافي لأي مشروع اجتماعي ، تاريخي أو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو.. هو أن يبقى موافقا لسياق مجرى التطور تكيُّفا وتبدلا و تغيرا في المكان والزمان المعنيان في صيرورته . دون ذلك ، يبقى ما نحن مقبلون عليه ، هدر للطاقة والزمن وضياعٌ في متاهة الدائرة المفرغة وكموجة بحرٍ لا تثور إلاَّ لترتمي في أحضان ذاتها ، فغالبا ما تكون النتائج كارثية بارتدادها على ذاتها محطمة أصنامها ناكرة لمعتقداتها التي أودت بها لنار التهلكة ، أو كما ذهب اليه مثل الثورة الفرنسية الشهير ” كنا نقطع الأشجار لنقطف الثمار ” .
فإن لم يكن للنتائج على أرض الواقع ، أيُّ معنى ، فإن منطق الحياة يصحح المسار بالنكسات المتتالية المؤلمة والمميتة بآنٍ واحد ..
ما تقدم ، يلخص مسار مختلف “الأقليات” الخارجة على منطق الحياة ، إذ أن تاريخها ما يزال تاريخ صراعات لم تجن منها سوى ويلات جيل بعد جيل ، دون أخذ بالنتائج كدليل على مخالفتها هذا المنطق وضرورة إعادة النظر في مرتكزات ما هي آخذتٌ به ، عوامل ووسائل وغايات .
ما تقدم أيضاً يتماهى مع مختلف ” الأقليات” المنتشرة على مدى جغرافيا الكرة الأرضية ، بدئاً مما انتهى اليه الهنود الحمر في أمريكا وما انتهت اليه الحروب الدينية في أوروبا وما آلت اليه الصراعات العرقية في أفريقيا ” رواندا” على سبيل المثال ، وفي آسيا بين السيخ والمسلمين في مانيمار أو الهندوس والمسلمين في شبه القارة الهندية ” الهند والباكستان ” وفي الشرق الأوسط وتحديدا سورية الطبيعية .
“الأكراد ” نموذجاً
مقدمة :
يعود مصطلح ” الأكراد ” في أصوله الى اللغة الزردشتية ، وهي الديانة التي كانوا يعتنقونها قبل الاسلام والتي ظلت عبر التاريخ مصدرا لمختلف عاداتهم وتقاليدهم على الرغم من تعارضها مع كثيرٍ من تقاليد وعادات الدين المحمدي الذي فُرض عليهم بعامل الفتح العربي لسورية الطبيعية ،لذا كان الزواج عندهم لا يأخذ بالقاعدة المحمدية / مثنى وثلاث ورباع ../ ويندر الطلاق عندهم وتتمتع المرأة في المجتمع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجال كما وتندر عندهم الخيانة الزوجية رجالا ونساءً وهم خليط / هندو أوروبي / كما هي الحال في سورية الطبيعية عموما ، أما المصطلح في حد ذاته فمعناه في اللغة العربية ” الجبليون ” أي سكان الجبال ، حيث المنطقة التي يشغلونها منذ عهد الدولة الميدية التي يعودون في جذورهم التاريخية الى عهد قيامها في 5000 عام قبل الميلاد ، أو كما تشير مصادر أخرى الى أن جذورهم تعود الى “كاتيو أو”كاشيو” 5000 قبل الميلاد ، ولم تأتي تسميتهم بهذا المصطلح عبثا ، ذلك أنها مستقاة من المنطقة الوعرة التي يقطنون بها وتشمل المنطقة الواقعة في شمال شرق سورية الطبيعية حيث ملتقى سلسلة جبال زاغروس وطوروس ، وهي منطقة صعبة التضاريس على الرغم من السفوح السهلية الخصبة التي تمتد اليها ، وقد أطلق عليها العثمانيون اسم ” كردستان ” وهي تسمية تعني ” ألأرض الكردية ” على غرار أوزباكستان / نسبة الى قبائل الأوزباكية / و / طاجاكستان نسبة لقبائل الطاجيك / .. وهي تسميات كان يطلقها العثمانيون على الأقوام الخاضعة لهم بعامل الاحتلال العسكري .
ويمكن اعتبارهم أكبر مجموعة ” أقلوية ” في سورية الطبيعية إذ يبلغ تعدادهم ما يقارب الأربعين مليون موزعين وفق تقسيم “الدولة الحديثة” التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى وفق مخططات فرنسية ـ بريطانية على غرار معاهدة سايكس بيكو ، على كل من تركيا (20 مليون ويزيد وفق بعض الاحصائيات الكردية ) والعراق ( 5 مليون ونصف ) وفي إيران ( 7 مليون ) وفي سورية (3 مليون ) كما وتوجد في أذربيجان ” أقلية كردية ” هُجِّرت بعوامل سياسية كما هو الحال في أوروبا التي تضم أكثر من مليونين منهم أيضا بعامل التهجير القصري الذي فرضته العصبية القومية الطورانية ما بعد الحرب الأولى .
لل”أكراد ” نشيد وطني وضع عام 1938 تأتي مقدمته للدلالة على جذرهم التاريخي ” نحن أبناء كسرو .. ” وأبرز ما فيه هو ” ديننا إيماننا هو الوطن ..” للدلالة على انتمائهم للأرض التي ولدوا وعاشوا فيها ، بغض النظر عن الانتماء الديني حيث سبعون بالمئة منهم إسلام سنة ويتوزع الباقون على المسيحية واليزيدية واليهودية ..
لل”أكراد ” علم أبيض تتوسطه شمس صفراء ذات واحد وعشرين شعاعا ترمز الى عيد النيروز ، وهو عيد وطني وإن اصطبغ بطابع ديني يعود في جذوره الى الزرادشتية ..
يتميز ” الأكراد ” بطيبتهم وبساطتهم فهم بمجملهم أميون ، ومن أبرز شخصياتهم صلاح الدين الأيوبي ، وابن تيمية ، وعيد الرحمن الكوكبي وحسني الزعيم ،ومحمد عبدو، وقاسم أمين ، وعباس محمود العقاد ، والسرهودري المستشرق الكبير ، ومن الممثلين ، سعاد حسني ، وغيرهم كُثُرْ ممن لعبوا أدوارا مشهود لهم فيها على ساحة الشرق الأوسط عموما وسورية الطبيعية تحديدا.
تعتبر القبيلة هي الوحدة السياسية في التقسيمات الاجتماعية لديهم ، وكما تدل عليه مختلف الإمارات التي ضمتهم عبر التاريخ ونواتها القبيلة ، ولم يعرف ” الأكراد ” عبر هذا التاريخ الطويل الدولة بمعناها المؤسساتي ..
بنتيجة التاريخ الطويل من الصراعات يرفض ال”أكراد” أن يحكمهم غير المنتمي لهم ، فكل من هو غير “كردي ” هو “رومي” بمختلف مسمياته ، رفضوا التعريب كما رفضوا لتتريك ، كما الفرسنة (نسبة للفرس ) ، لهم مراس صعب غير منفتحين على العالم بكل أشكاله ، لا يثقون بأحد ولم يقدموا للآخرين ما يمكنه من توطيد ثقته بهم ، اعتنق ال “أكراد ” الزردشتية منذ فجر التاريخ أو الإغستا وهو الدين الذي كان يدين به كثير من المسحيين واليزيدين وهؤلاء من الأكراد الأقحاح اضافة لـ “أكراد ” يهود ففي عام 247 قبل الميلاد وحتى 224 قبل الميلاد كان هناك إمارة يهودية داخل المجموعة الكردية وأطلق عليها ( امارة ادببيان ) وكان دخولهم الاسلام في عام 18 هجرية بعامل الحرب بعد أن هزموا كغيرهم من الأشوريين والكلدانيين والأرمن و.. أما دخول “أكراد” اذربيجان الاسلام فكان صلحا بعد دفعهم 800 الف درهم..
يمكن القول أن مختلف المعارك التي خاضتها موجات الاحتلالات كانت تمر على هذه البقعة التي انتشر فيها ال “أكراد” عبر التاريخ بدئا من هجمات الأوغوس والتركمان والمغول والتتار وأخرهم كان العثمانيين وكان التتار أكثرهم شراسة إذ أنهم لم يتركوا حيا فقد أشاد تيمورلينك أبراجا من جماجم الفرس بلغت 70000 سبعين الف جمجمة وكانت وصيته الى قائد حملته : أقتل كل من تقابله من اللور والأكراد لأنهم قوم مشاغبون سيثورون عليك..”
كان “الأكراد ” ضحية شيوخهم عبر تاريخهم ومن أبرز ما يعيق تقدمهم كانت خلافات شيوخهم على المكاسب التي كانوا يجنونها نتيجة تجيير قبائلهم لخدمة أغراض ليست في صالح قبائلهم ، ولعل الخلاف بين الطالباني والبرزاني أكبر دليل على ما نذهب إليه ، حيث لم يُحسم الاقتتال بينهما إلا بوساطة أمريكية ، تقاسم الطرفان نتائجها المادية ، كما وأن الخلافات القائمة اليوم بين مختلف فصائلهم المسلحة تعود الى ذات الجذر القبلي الذي كان وما يزال رهنا بشيوخهم والذين يحولون دون وحدتهم الداخلية واقتتالهم الدائم في ما بينهم على الرغم مما يتعرضون اليه من مؤامرات تهدد وجودهم كليّاً ، فبدئا من سنة 1512 حيث الملا ادريس البدليسي ( أو كما يطلق عليه الأكراد لقب مولانا ادريس ) هو الشيخ الذي تعود اليه الكلمة الأخيرة في مختلف شؤونهم ،الذي ترافقت سلطته مع بداية تشكيل الامبراطورية الصفوية واندلاع حربها مع العثمانيين والتي استمرت قرنين من الزمن حيث كانت المنطقة التي يقطنها ال”أكراد” هي ميدان الحرب بين الصفويين والعثمانيين ، لذا كان لابدَّ من تجيرهم لصالح العثمانيين عبر الملا البدليسي الذي تآمر مع العثمانيين عليهم مجندا القبائل والعشائر ال “كردية” للحرب ضد الصفويين مقابل 25000 أوقية ذهب قبضها البدليسي من العثمانيين وفق ما جاء على لسان محمد أمين زكي أهم مؤرخ كردي ومؤلف كتب / تاريخ الكرد وكردستان وتاريخ الامارات الكردية وكتاب مشاهير الأكراد / .. الى الملا كاريكار أنصار الاسلام 2001 الى البرزاني حاليا والذي تم تحيده في الصراع الدائر اليوم بين القوى الوطنية وداعش والنصرة وأخواتها بتزكية من تركية وعبر السعودية التي دفعت له أكثر من 8 مليار دولار للوقوف بوجه المد الشيعي في العراق ..
لل”أكراد ” تاريخ حافل بالصراعات مع الدولة الاسلامية بدئا من الخلافة الراشدة وانتهاء بالدولة العباسية مرورا بالدولة الأموية، كذلك كانت صراعاتهم مع الإمبراطورية العثمانية منذ بدء نشأتها على يد سليم الأول:
(1) ـ الصراع مع الدولة السلامية :
لل” أكراد ” تاريخ حافل بالمآسي مع مختلف الدول والدويلات التي تتالت عبر التاريخ الاسلامي بدئا من ولاية “عياط بن غنم ” أول والي اسلامي تمت توليته عليهم ، حيث ثار ال”أكراد ” عليه في زمن خلافة عمر بن الخطاب فأرسل لهم قائده ” قيس بن سلمى الأشجعي ” الذي / قاتل مشركي الأكراد قتالا شديدا فقاتل المقاتلة وسبى الذرية وجمع الرثة / كما جاء على لسان الطبري…
ويختصر محمد أمين زكي ( وهو كردي متعصب لكرديته كما تعصبه للإسلام وكذلك ميوله العثمانية بعد أن خدم في الجيش العثماني ) تاريخ الـ “أكراد” قائلاً : ” ارتكب المسلمون بحق الأكراد مذابح شنيعة وجنايات مريعة يندى لها جبين التاريخ ” ويضيف ” لم يستسغ الأكراد الاسلام لمدة طويلة وثاروا عليه ..”
كان تمردهم الثاني في السنة الثالثة من خلافة عثمان بن عفان ، يضيف الطبري قائلاً : ” أن اربعة عشرة انتفاضة كردية خلال الخلافتين الراشدة والأموية ..” قامت في وجه الدولة الاسلامية، ففي سنة 25 هجرية 666 ميلادية ثار الأكراد في إقليم الأهواز ثورتين متتاليتين وكان والي البصرة أبو موسى الأشعري الذي أعمل السيف في رقابهم وفي سنة 83 هجرية 702 ميلادية ثار الأكراد في عهد مروان بن عبد الملك حيث تولى الحجاج أبو يوسف الثقفي إخمادها وأباد منهم الكثيرين وفي سنة 722 ميلادية ثار الأكراد تحت راية الضحال قيس 127 هجرية واستمرت ثورتهم حتى سقوط الخلافة الأموية على يد أبو مسلم الخرساني وهو كردي و يعتبر من القادة الكبار في التاريخ الاسلامي ومن مؤسسي الدولة العباسية والذي قتل على يد ابو جعفر المنصور، فقام الأكراد بثورتهم عليه سنة 148 هجرية فأرسل لهم خالد بن برمك والي الموصل الذي قضى على ثورتهم وفي سنة 163 هجرية ثار الأكراد في عهد الخليفة المهدي الذي عين ولده هارون الرشيد واليا على اذربيجان وفي سنة 192 هجرية ساند الأكراد ثورة بابك الخرمي في عهد هارون الرشيد والتي استمرت ما يقارب الثلاثين سنة وفي سنة 225 ثار الأكراد على الخليفة المعتصم والذي قضى على ثورتهم بصعوبة شديدة وفي سنة 262 هجرية شارك الأكراد في ثورة يعقوب الصفار وساهموا في تأسيس الدولة الحمدانية سنة 281 وفي سنة 282 هجرية اشترك الأكراد في مختلف الحركات التي قامت في اقليم همزان وفي سنة 252 شارك الأكراد في الثورة التي قامت ضد المعتز كما ساهموا في ثورة الزنك التي قامت في وجه المعتمد ..
أسس الأكراد أول دولة منفصلة عن الخلافة العباسية وسميت بالدولة الروادية ومن ثم الدويلة الشدادية الكردية والدولة الحسناوية الكردية والدولة العيارية العنازية والدولة الدوستكية ..
وللـ”أكراد” صورة بغيضة في الاعتقاد الاسلامي فقد روى عمر بن الخطاب عن رسول الله قوله عن الأكراد :” جيل من الجن كشف عنهم الغطاء وقد سمو بالأكراد لأنه لما غزى سليمان عليه السلام الهند سبى منهم ثمانين جارية وأسكنهم جزيرة وخرج عليهن جن من البحر فوقعهنَّ فحملن بأربعين غلاما فلما كثروا أخذو بالفساد وقطع الطرق فشكى الناس ذلك لسليمان فقال” إكرودوهم” الى الجبال فسمو بذلك أكرادا،(( لنلاحظ أن مصطلح “” إكردوهم “”ـ بمعنى أطردوهم ـ يأتي مرادفا للمكان ـ الى الجبال ـ بحيث يعتقد العامة أن ال” أكراد ” تعني المطرود أو المنفي وهذا خطأ يقع به مختلف المتشددين من المسلمين )) وروى الكيليني في الكافي عن ابي الربيع الشافي ( ويرد هذا في رياض المسائل لعلي الطبطبائي وجواهر الكلام للشيخ الجواهري وفي تهذيب الأحكام للطوسي ) قوله “سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت أنه عندنا قوم من الأكراد وأنهم لا يزالون يأتون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم فقال:” يا أبا ربيع لا تخالطوهم ولا تبايعوهم فإن الأكراد قوم من الجن كشف عنهم الغطاء فلا تخالطوهم ” وعن أبي هريرة قال :” تقاتلون قوما نعالهم الشعر وسوف يدخلون الاسلام و تقاتلوهم ..” ومن تفسير ابن كثير، كما ذكر شرف خان البدليسي “أن النبي دعى الكرد الى عدم التوحد والفرقة حتى يوم القيامة لان هلاك العالم سيكون بتوحدهم..”
(2) الصراع مع تركيا :
لم يكن موقف الـ”أكراد ” من السلطنة العثمانية بأحسن من موقفهم من الدولة الاسلامية ، لكنهم هاهنا وقعوا في التباس شيوخهم عليهم ، فكما ذكرنا أعلاه ، أن العثمانيين أحسنوا استقطاب شيوخ الـ”أكراد” فجير هؤلاء مجموعهم لخدمة الأغراض العثمانية ، وعلى الرغم من أن مختلف قبائلهم تعاملت مع العثمانيين ، إلا أن هؤلاء تلاعبوا بهم شرَّ تلاعب ، فمنذ عهد السلطان سليم الأول كان الـ”أكراد” الى جانب الدولة الناشئة حيث تعاونوا مع السلطان في معركة ” كالدرن” في عام 1514 والتي انتهت بانتصار السلطان العثماني الذي نكس بالعهد الذي قطعه لهم بنيل حقوقهم ومن ثم قام بضم المناطق التي سكنها الـ”كراد” الى السلطنة العثمانية بموجب اتفاقية ” ذهاب ” 1639 والمعروفة اليوم بــ “كردستان الغربية ” كان ما جرى كفيل بإدراك ال”أكراد ” أن ليس من مصلحتهم كمجموع أن يتعاونوا مع العثمانيين في حربهم ضد الصفويين التي دامت ما يقارب من القرنين ، لكنهم وبسبب ولائهم لشيوخهم ، وتحديدا شيوخ قبائلهم ، وتحت راية الاسلام، الذي حاربوه وعانوا من مآسيه ، التي لم تعنِ لهم شيئا ، تعاونوا مع العثمانيين في هذه الحرب ودفعوا آلاف الضحايا في سبيل انتصار المذهب السني ( العثماني ) على المذهب الصفوي (الشيعي ) وخرجوا منها صفر اليدين إلا شيوخهم التي ذهبت الأموال التي دفعها العثمانييون لهم لقاء اشتراكهم في هذه الحرب ،كما ولم يتعظ المجموع ال”كردي من ذلك ، وبتحريضٍ من شيوخهم أيضا ، ذهبوا بعيدا في تعاونهم مع العثمانيين فحاربوا روسيا القيصرية و اليونان والفرنسيين والبريطانيين ، وطوال المرحلة الواقعة بين 1514 و1914 ، أي طوال أربعة قرون كان التعاون العثماني ، تحت راية الاسلام ، مع ال “أكراد” وثيقا جدا ، بحيث بات ال”أكراد” وقودا دائم ، لكل ما كان يصب في مصلحة العثمانيين ، وبلغ ذروته في المجازر التي ارتكبها ال “أكراد” بحق الأرمن والسريان والآشورين والكلدان في الحرب العالمية الأولى بتحريض من ألمانيا عبر أداتها ” الرجل المريض ” ومن متناقضات التاريخ ، ووفق مصالح شيوخهم ، تعاون ال”أكراد ” والأرمن في صراع مع الأتراك في عام 1925 ،هكذا و بعد معاهدة “سيفر” التي أقرت بوجوب قيام دولة للأرمن وال”أكراد” والتي بقيت أملاً قد يتحقق، لكن وبعد معركة “ازمير” تحديدا ، ألغى كمال أتاتورك ما جاءت به المعاهدة المذكورة في الدستور الذي أقره في عام 1922 بإشارته ورفضه للاعتراف بأية أقلية عرقية في دولته الحديثة معتبرا أن كل “كردي” تركي باعتباره مسلماً سنيّاً ،بحيث أُطلق عليهم مصطلح ” أتراك الجبل ” هذا الدستور الذي وافقت عليه مختلف القبائل والعشائر ال”كردية” الواقعة تحت سيطرة السلطة التركية ، وهكذا عاد ال”أكراد ” لنقطة الصفر التي حاربوها لمدة تزيد على الأربعة عشرة قرنا .
والجدير بالذكر في هذه العجالة التاريخية ، أن ال”أكراد” قد رفضوا عمليا حملة التتريك التي ابتدأت مع أتاتورك واستمرت حتى أردوغان حيث انتفض ال”أكراد” ست وثلاثون مرة عليها اعتبارا من 1923 وحتى تاريخه وذهب ضحيتها ما يقارب المئة ألف “كردي” واختفاء سبعة عشر الفا وتم ترحيل أكثر من سبع مائة الف “كردي” من جنوب تركيا الى غربها “استنبول” تحديدا وإخلاء 3200 قرية ، حيث يعيش ال”أكراد” حاليا تحت قانون أمني شديد للغاية يُحرم على ال”أكراد ” سماع موسيقاهم أو التحدث بلغتهم أو القيام بأيٍ من شعائرهم ،هذا القانون المسمى بقانون ” حماة القرى ” .
ومع ذلك ، فجديرٌ بنا للحقيقة والتاريخ ، أن نذكر وقفة الرئيس الراحل حافظ الأسد مع ال”أكراد ” بدئا من عام 1974 بتأسيس حزب ” العمال الكردستاني ” بقيادة عبدالله أوجلان الصديق الحميم للرئيس الراحل والذي أعلن أكثر من مرة “أن ال”أكراد” هم البوابة الشمالية الشرقية لسورية الطبيعية التي تأبى أن تفتح بوجه الغزاة..” وكان ظهور هذا الحزب في عام1978 وبدء نشاطه ضد الدولة التركية السبب المباشر لتهديد تركية عام1997 الجمهورية العربية السورية حيث حشدت تركية جيوشها على الحدود الشمالية ، مما استدعى خروج أوجلان من سورية الى روسيا طالبا اللجوء وبعد وصوله لمطار موسكو رفضت روسيا الاتحادية بقيادة (يالستين ) طلبه ليتوجه بعدها الى السودان حيث اعتقل في الطائرة المُقلة له بتعاون روسي ـ تركي ـ صهيوني ، لكن ذلك لم يمنع الحزب من استمراره بالمقاومة بدعم شبه مباشر من سورية ..
الخلاصة :
ينطبق كل ما تقدم على مختلف المجموعات ” العربية والكردية والآشورية والسريانية والكلدانية والأرمني والشركسية والتركمانية.. كذلك الدينية ـ المذهبية سنية ، درزية ، علوية ، اسماعيلية ، مسيحية ، أرتوذكسية ، بروستانتية ، كاثوليكية ، مورانية .. المنتشرة على مدى سورية الطبيعية والتي تنسب لنفسها مصطلح ” أقلية” وإن كان بنسب متفاوتة ، هذا المصطلح الذي يقارب في مدلولاته السياسية مصطلح “الأكثرية ” ، حيث كلاهما يعنيان بما لا يقبل الشك ، العداء للآخر و رفضه ، على الرغم من ادعاء كل من “الأكثرية” و”الأقلية ” السعي لإقامة نظام ديموقراطيرايته والحرية والعلمانية وغيرها من الشعارات التي لم يفقه حتى الكثير من المثقفين مدلولاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، طالما أنها تستند لمفهوم الأكثرية والأقلية ، ذلك أنه ،ومن واقع الحال ، لا يستند أيٌ منهما لوقائع يقرها علم الاجتماع السياسي ، فالادعاء بالأصل الواحد أو النسب الواحد أو الجذر العرقي الواحد ، ادعاء قام عليه البرهان العلمي بأنه لم توجد حتى تاريخه مجموعات عرقية صافية نقية ولو نسبيا ،وعليه كان قول ابن خلدون رائد علم الاجتماع : ” النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر ” ، فالمجموع البشري لأية مجموعة من هذا القبيل ما هي في واقع الحال التاريخي إلا مجموعة خليط سلالي أو مزيج سلالي تشكل بعوامل عدة أبرزها كانت الحروب والصراعات وما رافقها من دخول المجموعة إياها في وضع سياسي ـ اجتماعي سمح بشكل أو بآخر قيام شكل من أشكال التمازج السلالي ، اضافة للإرتحالات الطوعية أو الاجبارية من مكان الى آخر ، على ما كان يذهب اليه الأشوريون والكلدانيون في سورية الطبيعية في غزواتهم للمدى الحيوي الطبيعي لقيام دولهم وضمانا لها من التمرد والثورة طالما بقيت المجموعة في الأرض التي تقطنها ، وكانت هذه سياسة مختلف الدول والامبراطوريات التي قامت في سورية الطبيعية تحديدا ، والتي كان أبرزها “السبي الآشوري للعبرانيين ” من فلسطين والذي تناقلته مختلف المصادر التاريخية كحالة خُصَّ بها اليهود ، بينما كانت في واقع الحال خطة سياسية لأي غاز ولمختلف الحروب لتأمين المدى الحيوي للدولة الناشئة ، يضاف لما تقدم أيضا أن الادعاء الديني المذهبي أو الطائفي لأية مجموعة تدعيه هو أيضا مخالف كل المخالفة لمبدأ الدين ذاته الذي تبقى صفته الرئيسية الانتشار والتوسع مها قيل غير ذلك طالما أنه دين أو مذهب يدعو لصلاح السلوك البشري مهما يكن في ادعاءاته هذه من التباس في المفهوم ، فالدين ، بجوهره انتشاري ، ومن ثم توارثي ، أي أن الدين بمختلف مشتقاته ينتقل ، بالوراثة ، اذ لم يختر أي منا انتماءه الديني ، لكن وبعامل التربية والوسط ، يتمنطق العقل ـ الفكر ، بما تربى ونشأ عليه ، بينما الحقيقة هي أنه لا يختار المرء “دينه ” كما يقول أنطون سعادة في مؤلفه الرائع “نشؤ الأمم ” ـ وطنه ـ إلا بقدر ما يختار أمه وأبيه ” ..
ولا بد لنا من تذييل هذه العجالة التاريخية بالقول ، أن مصطلح ” أكثرية ” و “أقلية” هو مصطلح استعماري يقوم على مبدأ ” فرّقْ تسد ” ، نضيف ، أنه ، وبما اختصت به مقالتنا هذه ، أن ال”أكراد” لم يلحظوا حتى تاريخه أن قيام دولتهم في “كردستان” ينقصها الكثير من مقومات الحياة والاستمرار ، ذلك أنها دولة “برّية ” ليس لها من منفذ جوي أو أرضي أو بحري ، بل ومحاطة بدول تناصبها العداء وترفض قيامها بشتى الوسائل الممكنة والمتاحة ، ليس هذا وحسب بل ولأنها تتناقض ومبدأ الوحدة الطبيعية للأمة التي تنتمي إليها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على من يود الاستزادة حول موضوع الأكثرية والأقلية العودة لمقالتنا المنشورة على موقعنا الرسمي وعلى الرابط :

التعصب بين الواقع والحقيقة