جدلية العلاقة بين المرأة والرجل ـ دراسة اجتماعية نفسية

جورج يوسف معماري

جدلية العلاقة بين المرأة والرجل

مقدمة:

هو بحثٌ صادم، لأنه بحثٌ في المقدسات، في المحرّمات، في المرفوض المرغوب، في المكبوت، في طلسمٍ مدركة أسراره غير المصرّح فيها علنًا، خوفًا أو رعبًا، من أن تفهم على نحو ما فينا ومنا وما نحن عليه، هو كذلك لأنه بحث في العادة السرية التي نمارسها وتحول بيننا وبينها خيالاتٌ وأشباحٌ وأوهامٌ تدفعنا إليها وتمنعنا عنها، هو كذلك لأنه الغرف المُعتمة التي نسكنها وتسكننا، ونحول، نحن وسوانا، دون فتح أبوابها ونوافذها للحيلولة دونها ونور الحقيقة الفاضحة لمحتوياتها العفنة والصدئة والمتحلّلة، والتي ما زلنا نرزح تحت وطأة رائحتها الكريهة والمقيتة، هو كذلك لأنه بحث عن رائحة الحقيقة العطرة والزكية، ألا وهي الجرأة في مواجهة الذات والذات الأخرى، والخروج من سجن العادات والتقاليد القاتلة والمميتة والتي تزداد مع تقدم العمر قسوةً وطغيانًا وجورًا كارتدادٍ لما عانيناه في حياتنا من ممالأة لما كنّا نرفضه ونمقته ونكرهه، والذي انتهى بنا لهذه الحسرة التي تواكبنا حتى أواخر دقائق حياتنا ونبضات قلوبنا، تُسائلنا وتلحُّ في تساؤلاتها: وماذا بعد؟ وقد كان الحصاد مُرًّا بما فيه الكفاية.. هو بحثٌ في هذا الألم الداخلي العميق والذي دائمًا ما نتأوه به بما ليس منه، كما الورود على قبرٍ تحول من فيه إلى رميم.. ليبقى السؤال الخلاصة: ماذا يهمّني وقد ربحتُ العالم وخسرتُ نفسي؟!!

وهو كذلك أخيرًا، لأنه بحثٌ غيرُ مكتملٍ بما فيه الكفاية، لحاجته الماسة للنقد والتوجيه والتصويب من قبل من يجد في نفسه الجرأة على طرح السؤال وإبداء الملاحظة وتقديم المعلومة الموضوعية، هو كذلك أيضًا، لأنّ على من يجد به خدشًا للحياء وخرقًا للمقدّس والمُحَرَّم، الاكتفاء باللجوء لميزة /الحظر/، تاركًا لمن شاء فرصة لا يراها مناسبة له.

في العنوان:

ينطلق هذا البحث ويعتمد القواعد الخمس التالية:

1- يأخذ مصطلح “الجدلية” بالمفهوم الماركسي للكلمة بالمطلق، من حيث صراع الأضداد والتناقض ونفي النفي، دون اعتماد المنهج الجدلي /الديالكتيكي/ في التحليل والتركيب، وصولًا للنتائج المترتبة على ذلك..

2- تتقدم المرأة على الرجل – كما في العنوان- من حيث كونها المتحول في علاقتها بالرجل، بينما يأتي الرجل كـ/تابعٍ/ لها ودائرٍ في فلكها، حيث ينصبُّ البحث على المرأة دون الرجل، لما يمثله المنحنى البياني للمرأة من تعقيد في نقاطٍ عدة تبلغ درجة الالتفاف على الذات، بل وقد يأخذ هذا المنحنى سياقا تراجعيًّا في سياق التقدم العمري، بينما يبقى المنحنى البياني للرجل أقرب ما يكون للخط المستقيم مع بعض المتعرجات التي قد تكون مجرد استثناءات في مختلف مراحله العمرية، دون أن يعني هذا سمة سلبية بالنسبة للمرأة، إنما يأتي هذا التعرج نتيجة /شفرة الجسد/ التي تبدو أنها أكثر تعقيدًا من الرجل بكثير، ذلك أنها تجعل من كل امرأة نسخة متفردة عن المرأة الأخرى متباعدة عنها إلى هذا الحدِّ أو ذاك، حيث إن ما يجمعهما يبقى الخط العام، أو العنوان الرئيس ليس إلا، إذ إنه في الخاص أو التفصيل لـ/شفرة الجسد/ يتداخل البيولوجي (الحيوي) والفيزيولوجي (الوظيفي) والسيكولوجي (النفسي) بعضه مع بعض، حيث يصعب حتى على المرأة ذاتها تحديد أيها المؤثر في هذا السلوك أو ذاك، خاصة إذا ما تباين السيسيولوجي (الاجتماعي) بين المرأة والأخرى، حيث يبدو أنه من المحال مقاربة امرأة بأخرى..

3- نعتمد أيضًا وننطلق من مصطلح “القطبية” بين المرأة والرجل، للدلالة على السلب والإيجاب لدى كلٍ منهما بالمعنى (الفيزيائي) أو الفيزيولوجي تحديدًا، وللدلالة على سببية تنافرهما أو تجاذبهما..

4- يبقى العرض في الإطار العام دون التخصيص، ذلك أن الخاص يبقى شذوذًا عن القاعدة، بحيث لا يمكن اعتبار الشذوذ عن القاعدة، قاعدة.

5- يُفضي بنا اعتمادنا للمرأة متحوّلًا، لاعتماد الشرائح العمرية نقاطًا رئيسية للبحث، إذ لا يمكن الحديث عن المرأة على وجه العموم دون تحديد الشريحة العمرية التي تنتمي لها، لما في أيّ منها من تباينات تكون قواعد انطلاق لشرائح عمرية لاحقة أو تكون قواعد نمطية لسلوك تمليه المرأة على الأخرى (كمربية لابنتها)، مستفيدة من تجاربها الخاصة التي تسبغ عليها سمة العام، المتكرر، في كل زمان ومكان..

تمهيد:

لا يمكن اعتبار ما نعتقد ونفهمه ونتصوره عن المرأة والرجل مقياسًا للحقيقة، بقدر ما هو رؤية أحادية الجانب، لا يصح معها تقييم ما ينتهي إليه البحث، إذًا يبقى هذا البحث بالتحديد وكما أشرنا إليه أعلاه، بحثًا في العام دون الخاص، ففي التقاليد والعادات التي يمكن ملاحظتها لدى الشعوب أو المجتمعات الأخرى، نجد أن ما نعتمده من قواعد حياتية لا يتطابق مع تلك الشعوب أو المجتمعات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما يجيز الشرع المحمدي زواج الرجل بأربع نساء، معتبرًا كما المسيحي زواج الأخ بامرأة أخيه -وهو على قيد الحياة- زنى، نرى العكس تمامًا لدى قبائل كثيرة في هضبة التيبت تجيز زواج العائلة بأكملها من امرأة واحدة ضمانًا لاستمرارية الحياة وعدم تفشي الفقر.. وفي إحدى القبائل الإفريقية نجد أنه على خلاف ما كان يجري في بعض الفرق الهندوسية من ضرورة حرق المرأة حيّة مع رجلها المتوفى راضيةً أم صاغرة، نجد في قبائل كثيرة في إفريقيا، أن على المرأة التي يتوفى زوجها أن تنتحي جانبًا خارج نطاق القبيلة، ليبتني لها رجال القبيلة كوخًا تستقبل به مُعزّيها من الرجال، حيث يبيت كل ليلة رجلٌ واحدٌ من رجال القبيلة معها معزّيًا إياها بفقدان زوجها.. وعلى الرغم من أن الشرق المتوسطي يعتزُّ بكرم ضيافته ومعزّته للضيف، لكن نجد أنه لا يقبل أن يقدّم زوجته لتنام مع ضيفه مُدْفئةً إيّاه في ليل جليدي كما هي الحال في ولاية ألاسكا شمال الولايات المتحدة الأمريكية…

مدخل:

نماذج حيّة من مجتمعنا، تقدم لنا موجزًا لما نحن فيه ونعانيه، وعلى مستويات عدة، وإن كنتُ أقدمها كمدخل للبحث، فما ذلك إلا للدلالة على ذلك النقص المريع والمفزع في المعرفة والثقافة الجنسية والجهل المطبق المقترن بالخوف وحتى الرعب أحيانًا مما نعانيه ولما نحن بصدد بحثه…

1- ففي واحدة من قرى عكار في لبنان، وقد نزلتُ ضيفًا على عائلة كريمة، فوجئتُ بتمنع الابنة الكبرى من مصافحتي بعدما مددتُ يدي لها، فما كان مني إلا تجاهل اللحظة والانخراط في أدب الزيارة ومن ثم تناولنا الغداء وكان لا بدّ -حيث لم يكن في المنزل مغسلة أو تمديدات للمياه الحلوة- من خروج الابنة الكبرى لصبِّ الماء على يدي لغسلهما وقد كنت محرجًا للغاية، فإذا بالابنة تفاجئني معتذرة عمّا بدر منها قائلة: إن والدتها قد أوعزت لها ألاَّ تصافح ذكرًا كائنًا من كان لأنها قد تحمل (تحبل) منه لمجرد ملامسة يده. لملمتُ بعضي على بعضي واعتذرت عن الاستمرار في زيارتي متذرّعًا بموعدٍ آخر…

2- نتيجة عملي لحين في السياسة، كنت على صداقة مع أحد أعمدتها الأمنيين في بيروت، وكانت تربطني به صداقة لم تبرح مصداقيتها مدى ذلك الوقت، جاءني في يومٍ ضاربًا كفًّا بكف، قائلًا: “كنا رحنا بداهية اليوم”، فتساءلت عن سبب ذلك فقصَّ عليَّ ما يلي:

قال، كما تعلم فإن عملي يقتضي مني الانتقال المستمر بين الحين والآخر، وقد انتقلت مؤخرًا لشقة في شارع كاراكاس، ولم تطل إقامتي فيها أكثر من أسبوع حتى لاحظتُ وجود امرأة على الشرفة المقابلة كانت تراقبني باستمرار وبالكاد كانت تبرح الشرفة طوال فترة وجودي في الشقة، فارتبت في أمرها ورحت أرقب تحركاتها مخافة أن تكون تابعة لدائرةٍ استخبارية ما، حتى إنني كلّفت أحد مرافقيّ بالبقاء في الشقة ومراقبتها عن بعد دون إشعارها بذلك.. وكانت تقاريره تفيد أنها لا تخرج البتة إلى الشرفة بعيد خروجي منها وتأكّدها من عدم وجودي فيها، وتمرُّ الأيام حتى كان صباح وإذ بها تقف على الشرفة ملوّحة بيدها لأردَّ لها السلام ولتؤشر لي برغبتها في المجيء لطرفي، فدعوتها متوجّسًا منها ومن تصرفها هذا، وقلت لنفسي سأحاول فهم ماذا تريد وما إذا كانت تعمل لدى أية جهة استخباراتية أخرى، وما أن طرقت الباب وتأكدت أنها بمفردها، فتحتُ لها الباب مرحّبًا بها وأجلستها في صالة الشقة وتوجهت إلى المطبخ لتقديم واجب الضيافة، وما أن عدت حتى وجدتها على غير ما قدِمَتْ به فقد نزعت جلبابها وأفرجت عن صدر مكتنز وزنود لم أرَ مثيلًا لها يومًا، وبادرتني قائلة أنت خلاصي الوحيد والأخير واقتربت مني والتفّت يداها حول عنقي وأنا مازلت في حالة من الاستغراب والدهشة وعقد لساني، واقتربت منّي وقبلتني وقبلتها تلك القبلة المشؤومة والتي غابت على أثرها عن الوعي وتراخى كل ما فيها مغمضةً عينيها مودّعة هذه الدنيا، فجنّ جنوني وهرعت إلى الهاتف متصلًا بأحد الأطباء من أصدقائي طالبًا منه المجيء بالسرعة القصوى فالأمر خطير وخطيرٌ جدًّا، كانت دقائق حسبتها من عمري سنينًا، حتى طرق الباب مستفسرًا فقدْتُه إلى حيث الفتاة قائلًا: أقسم بالله لم تكن أكثر من قبلة وكما تراها “راحت فيّا” ماتت الفتاة، قام الطبيب بفحصها وضحك قهقهةً وقال ليس بها شيء إنها في غيبوبة القبلة الأولى، وبعد أن استنشقها بعض المنشطات قامت معتذرة عن الإرباك الذي سبّبته لي وقالت ظللتُ حتى عمر الثلاثين وأنا أنتظر هذه القبلة وقد كانت كارثةً عليك…

3- مكّنني عملي الهندسي من التواصل مع شرائح عدة من شرائح مجتمعنا، ففي واحدة من المشروعات الخاصة، كانت استراحة الظهيرة تقودنا إلى صالة كبيرة يلتقي فيها العاملون لمدة نصف ساعة، يتبادلون فيها مختلف الأحاديث المتعلقة بالعمل على وجه الخصوص، لكنها كانت -الأحاديث- تنحو بين الحين والآخر لتأخذ مناحي أخرى، منها العام ومنها الخاص، حتى كان يوم سألني فيه أحد المهندسين حديثي التخرج عن رأيي في أن تشاهد أخته أفلام (سكس) وقد كانت تلحّ عليه في ذلك، متابعًا: هل من مانع في ذلك، أجبته: لا ليس هناك من مانع في أن تشاهد أنت أو شقيقتك أفلامًا من هذا النوع، لكنني أنصح بعدم لزوم ذلك لما يترتب على مشاهدة هذا النوع من نتائج لا تبدو سليمة على المدى الطويل، حيث يؤدي ذلك لتحريض بيولوجي وسيكولوجي لا تحمد عقباه، بل وقد تكون نتائجه كارثية في كثير من الأحيان، مستطردًا في حديثي عن الجنس ومختلف إشكالياته، وتحديدًا بالنسبة للمرأة، حيث أشرت في سياق الحديث لبلوغ المرأة ذروة النشوة باتّباع طرق عدة تكون هي الفاعل بها لا الرجل الذي يكون في حالات من هذا النوع مجرّد مساعد أو محرّضٍ لبلوغ المرأة ذروة النشوة.. كان إلى جانبي رجل قد بلغ الخمسين أو أكثر، وقد لاحظته منصتًا وبعمق لما أطرحه على المهندس الشاب، وبعد أن انتهيت، ونحن في طريق العودة للعمل فاجأني (أبو رسمي) وهو اسمه الذي كنا نناديه به، بسؤاله لي قائلًا: أستاذ هل ما تفضّلتَ به يعني أن المرأة تبلغ النشوة كما الرجل؟ فالتفتُّ إليه مستغربًا سؤاله ومستوضحًا منه: كم ولد عندك يا أبا رسمي؟ أجابني: أحد عشر ولدًا.. قلت وبعد هذا الكم الهائل من الأولاد تسألني هل تبلغ المرأة ذروة النشوة كما الرجل، يا أبا رسمي تبلغ المرأة ذروة النشوة أكثر بكثير من الرجل، وقد تصل في الجلسة الواحدة تبعًا للرجل لسبع أو عشر مرات وتستمر في التصاعد حتى تبلغ في أحيان أخرى العشرين والثلاثين، كل ذلك إذا ما وجدت الرجل الذي يتقن فن الجنس.. فما كان من أبي رسمي إلا أن صفع جبينه صفعة قوية مردّدًا /الآن قد فهمت لماذا كانت أم رسمي تشتمني كلما انتهيت من مضاجعتها وتلعن أبي والخلّفوني مناشدة إياي بالبقاء لجانبها ولو لدقائق مستنجدة مستغيثة في كثير من الأحيان… كنت حمار/، ابتسمتُ في سري مودّعًا أبا رسمي..

4- من ذكريات العمل الهندسي أيضًا، فاجأني أحد العاملين بالمشروع طلبه إجازة بلا راتب لمدة عشرين يومًا، وقد استغربت طلبه متسائلًا عن السبب، فأجابني بأنه يريد أن يتزوج ولم يكن قد بلغ العشرين من العمر، فاستغربت استعجاله في موضوع كهذا، فقال إن والديه يريدان ذلك لضبطه وليتحمل مسؤولية عائلته وهو ما يزال شابًّا، ضحكت وقلت له. سأعطيك عشرة أيام مني براتب كامل هدية لعروسك وخمسة أخرى بنصف راتب هدية لزواجك أما الخمسة الأخرى فستكون بلا راتب، وهذا من حق الشركة عليك، شكرني فرحًا ومضت الأيام.. وفي إحدى جولاتي في المشروع فوجئت به مسلّمًا عليَّ قائلًا: شكرًا لك أستاذ كانت أيامًا من العمر والله يا أستاذ.. فوجئتُ به وهو يتحدث معي بهذه اللهجة غير المعتادة، مستذكرًا ملامحه وقد غابت عن ذهني طوال تلك المدة، ألست أنت العريس؟ أجاب نعم يا أستاذ وقد أخبرت العروس بهديتك لها عشرة أيام إجازة براتب كامل.. ابتسمت له وقلت: وكيف تسير الأمور؟ قال كلما اقتربت من عروستي حاولت الهرب مني لكنني ألقي القبض عليها وأطرحها أرضًا وأضاجعها وهي من شدة قوتي ورجولتي تصرخ وأحيانًا يصل صراخها لبيت الجيران.. ضحكتُ مقهقهًا وكدت أقع على الأرض لشدة ما ضحكت، وقلت له اتبعني إلى المكتب حتى لا تصبح كما أبي رسمي الذي أنجب أحد عشر ولدًا وهو مغمض العقل والقلب والعينين..

في المكتب، قلت له يا رجل أنت تقتل عروسك، تذبحها كلما شئتَ النوم معها، هي تصرخ من الألم وليس من رجولتك وفحولتك، أنت لا تقتلها وحسب بقدر ما تجعلها تلعن الساعة التي تزوجتك بها، رحت أقدّم النصيحة تلو الأخرى لهذا العامل البائس في زواجه ورحمةً بتلك الطفلة المغلوب على أمرها، قائلًا: عليك في كل مرة تريد أن تنام مع زوجتك أن تتغزل بها صباحًا وتطربها ببعضٍ من الكلمات الرقيقة واللطيفة، وتودّعها بقبلة ومن ثم حين عودتك إلى البيت تحمل بيدك وردة أو هدية، لا يهمُّ ثمنها، قد تكون قطعة شوكولا أو علكة، المهم أن تذكّرها بأنك لم تنسَها فترة غيابك عن المنزل، من ثم عند العشاء تجالسها وتطري على ما أعدّته لك من مأكل وعلى جودة طبخه ومن ثم تلاطفها بكلمة أو لمسة أو قبلة وتحكي لها كيف كنت تراها قبل زواجكما أو تسمعها بعضًا من أغنيات تحبّها هي وتعانقها و.. عليك أن تلهي تفكيرك وأنت معها بالفراش بكثير من القضايا غير الجنس مما يسمح لك بمرافقتها بمسيرة النشوة حتى تبلغها أنت وهي في آن واحد… نظر إليّ عاملي الكريم شذرًا وقال: “يا أستاذ إيه أنا فاضي لهيك شغل أنا بالكاد بوصل للبيت باكل لقمة وبحط راسي وبنام وهي بتكون تعبانة كمان بتنام معي”، قلتُ: صدقتَ، فقسوة الحياة في أحيان كثيرة تلهينا عما يجب أن نستمتع به…

لا يقتصر ما مرَّ آنفًا على مجتمعنا وحسب، بل يتجاوزه لمجتمعات أكثر تقدّمًا وانفتاحًا وإباحية للعلاقات الجنسية، ففي دراسة أجرتها إحدى المجلات الأمريكية المتخصصة في مجال المرأة حول بلوغ المرأة ذروة النشوة الجنسية، كانت النتائج صاعقة بالنسبة للدارسين، إذ تبين أن نسبة تتجاوز الـ35 بالمئة من النساء موضوع الاختبار لم يعرفن هذه النشوة مدى حياتهن الزوجية، بينما أجابت 25 بالمئة بأنهن تمتعن بها أحيانًا متباعدة، وأجابت نسبة 30 بالمئة أنهن عرفنها بعد مرور من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة بعد الزواج، وكانت ما نسبته 10 بالمئة فقط هنَّ من عرفنها منذ اليوم الأول من الزواج، وفي توجّه المجلة لفتيات لم يرتبطن بعلاقة زوجية برجل كانت نسبة 95 بالمئة تميل إلى المداعبة من ممارسة الجنس مع الطرف الآخر..

لا بَّدَّ، لنا بداية من لفت النظر لكون هذا الموضوع بالذات يختلف – أكان بالنسبة للمرأة أو الرجل- وفق الشريحة العمرية التي تؤخذ كعيّنة للبحث، ولا يمكن التعميم في هذا المجال. لذا سوف نعمد في السياق لبحث الشرائح العمرية التالية:

1- الشريحة العمرية الأولى من 4 سنوات وحتى 12 سنة.

2- الشريحة العمرية الثانية من 12 سنة وحتى 22 سنة، وسوف نتوسع في هذه الشريحة قدر الإمكان لأهميتها، كونها الشريحة التي تصاغ فيها الشيفرة الجسدية للمرأة تحديدًا.

3- الشريحة العمرية الثالثة من 22 سنة وحتى 35 سنة.

4- الشريحة العمرية الرابعة والممتدة من 35 وحتى 50.

5- الشريحة العمرية الأخيرة من 50 سنة فما فوق، وهذه أيضًا سنسهب في رسم كثير من أسرارها التي ما تزال مجهولة الهوية بالنسبة للكثيرين.

الشريحة العمرية الأولى- مرحلة ما قبل البلوغ:

وهي الفترة العمرية الممتدة بين 4- 12 سنة، وهي المرحلة التي تكون فروقاتها مقتصرة، بالنسبة للأنثى أم الذكر، على الفطرة أو غريزة الأنثى والذكر، وهي مرحلة تميل إلى التقليد والأخذ ممن حولها -أب وأم وإخوة ورفقة وأقارب- مختلف العادات والسلوكيات التي تشكل الضابط لمختلف التوَجُّهات، وغالبًا ما لا نجد تلك الفروقات الكبيرة بين البنت والولد إلا فيما تمثّله اختيارات النشاط الذي يقوم به كلاهما، فتختار الأنثى دميةً تهتم بمظهرها مثلًا؛ متشبهةً بوالدتها من حيث الوظيفة التي تمارسها الأم في العائلة والمجتمع، بينما تكون من حيث العاطفة مُحبّة لأبيها أكثر من والدتها، في محاولةً منها لأخذ مكانة الأم أمام الأب، مؤكدة له أنه يمكنها القيام بمختلف الأدوار التي تمارسها الوالدة، بتقليدها في أكثر من دور، هنا نجد فارقًا بينها وبين أخيها الذي ينحو منحى النشاط المتمثل بوالده إلى حدٍّ ما، فيميل للكرة أو السيارة أو أدوات النجارة مثلًا أو الميكانيكية أو غيرها من الأدوات التي تتمثل في مهنة تكون بالنسبة له مثيرة للاهتمام، علمًا أنه قد يفضّل والدته على أبيه، وهذه مسألة ليست فطرية بقدر ما هي تربوية، فالأنثى -المرأة، الأم- تميل لتفضيل الذكر على الأنثى، كيفما كانت وعلى أي مستوىً وصلته، ويبدو أنها فطرية بالنسبة للأم وليست للولد، فالأم تجعل جلَّ اهتمامها منصبٌّ على الولد أكثر من البنت؛ التي تخضع لمختلف النواهي المستمدة في الأساس من القواعد والقوانين الدينية والطبقية وتجربة الأم الشخصية، وهذا بحد ذاته ما يشكل الفارق التربوي الأول بين البنت والولد ويأتي على قدر متابعة الأم للبنت، خاصة عندما تميل البنت لتشكيل فريق مع مجموعة من الأولاد إن في المدرسة أو في الشارع (الحارة) كتشكيل فريق كرة سلة يكون فيها الأولاد فريقًا مقابل فريق البنات، أو تجمّعٍ موسيقيّ أو فنيّ كالرسم أو ما شاكل من نشاطات قد تشترك فيها البنات مع الأولاد، وهذا ما يجعل من البنت في علاقتها مع والدتها نديَّةً أكثر منها وديَّة نظرًا لما تشكّله هذه النواهي من تقييد لمجمل نشاطات أو رغبات البنت، وعلى ما يبدو أن هذه النواهي هي ما تشكل القاعدة التي تتمايز فيها البنت عن الولد وتدفع بالبنت -على مدى قناعتها بصوابيّة رأي الأم- وهذه مسألة بالغة الأهمية- ذلك أنها تعكس مدى تفهُّم الأم للأسلوب الذي يجب أن تتبعه مع ابنتها في تشكيل القناعة التي تريدها في ذهنية البنت، مما يؤدي بطبيعة الحال لرسم حدود بينها وبين الأولاد كافة، باستثناء الولد المرغوب فيه شكلًا وإلى حدٍّ ما، تعاملًا… بينما يُترك الولد على ما هو عليه في نشاطاته، بل وتنحو الأم لتوطيد مفهوم الرجولة لديه وأنه مطالب ببسط سيطرته على من حوله من أقرانه، وقد تضيف بعضًا من التوجهات الأخلاقية على سلوكياته بما يعزز المنحى المشار إليه، كالخروج من دائرة الحياء أو الخجل وضرورة الرد على أية إساءة قد يتعرض لها، بينما نجد عكس هذا التوجه بالنسبة للبنت، فهي والحال من الضروري أن تبدو أكثر حياءً أمام الغريب والقريب، وأن تكون أقلّ كلامًا ومناقشة وإبداءً للرأي و… يضاف لمجمل ما تقدم ما تشكّله المشاهدات اليومية لما يجري في المنزل بين أفراد العائلة، حيث تتقبل الفتاة الفوارق الشكلية بينها وبين أخيها وكذلك الولد الذي يشعر بتفوقه عنها “بزائدته اللحمية” على ما ذهبت إليه إحدى الأديبات السوريات بقولها /يتفاخر الرجال على النساء بزائدة لحمية هي في المحك العملي لا معنى لها..”، متناسية أنها تتمتع بثلاث زوائد لحمية هي البظر والثديين.. واستطرادًا، هي /رأي الكاتبة السورية/ شكل من أشكال /شيفرة الجسد/ عند المرأة في تجاهل ما هي عليه من إمكانيات تحول بينها وبين التعبير عنها كثير من الطقوس الأنثوية.

جدير بالتنويه هنا، أن نلفت النظر للـ/اسم/ الذي نطلقه على الطفل من حيث التأثير المسلكي عليه، مع بعض الاستثناءات بالطبع، فاسم مثل (لهفة) سيختلف في مؤثراته عن اسم (وردة) أو (سماح) أو(نضال) أو (حنان)..

في هذه المرحلة، يكون النشاط العقلي في أوجه، كما أشارت إحدى الدراسات التجريبية في /مدرسة النوابغ/، حيث أشارت في إحدى فقراتها لعبارة بمنتهى الروعة، حيث جاء فيها /.. يحلّون معادلات من الدرجة الثانية ويعملونها في الحفّاضات/، ومن ثم يبدأ النشاط العقلي بالتراجع مع تقدّم الأيام والسنين..

كان لا بد لنا من التعريج على هذا الموضوع، للدلالة على أن البنت أو الولد في هذا العمر يكون أشدُّ نشاطًا ذهنيًّا من والديه، لذا نراه يراقبهما دون فهم معنى مراقبته، لكنها مراقبة تترسخ في ذهنه مكوِّنة اللّبنة الأولى للقواعد المعرفية، بمعنى الأوعية الذهنية التي تستوعب ما يلي من معلومات وتجارب، فكثيرًا من المناقشات والمجادلات أو المشاجرات والعبارات التي يتم تداولها في البيت أو المدرسة أو الشارع تجد لها مكانًا في الذهن تُحشر به حشرًا، حتى إذا ما حان الوقت ونضجت الظروف والأمكنة لانفلاتها من عقالها، انفلتت غير آبهة بشيء.. لذا نجد أننا، غالبًا، ما نتصرف تصرفاتٍ قد لا نجد مبررات لها فيما حولنا من أشخاص أو أمكنة أو ظروف، مما يثير فينا التساؤل المستمر والمحير: لمَ تصرّفتُ هكذا؟ وغالبًا ما نجد تفسيره في بعض مراحل طفولتنا، لكننا غالبًا أيضًا، ما نفتقد الجواب على السؤال لأننا غالبًا، أيضًا، ما ننسى ما مرَّ معنا في تلك المرحلة، القابعة على الدوام في عقلنا الباطن أو العقل الغريزي..

أشرنا لذلك، للتأكيد على أن هذه المرحلة أو هذه الشريحة العمرية ذات أهمية بالغة في تكوين سلوكياتنا فيما بعد، والتي تعود في أغلبها لهذه المرحلة، والتي غالبًا، أيضًا، ما يمرُّ بها المربي، لكنه، وقد نسيَ طفولته، يمارس على أولاده ما كَمُنَ في ذهنيَّته من تلك المرحلة، أو قد يمارس فيها المربي على أطفاله كل العبثية التي تنطلق من أن الأطفال لا يفقهون ما نعنيه من الكلمة أو الموقف أو السلوك و.. مما يؤكد المقولة الجامعة لممارسات كل المربين -خاصة في مجتمعنا- والتي تقول /منربي أولادنا بفشة خلق/، بمعنى، أنه ووفق أمزجتنا اللحظية يكون الموقف مما يقوم به الطفل أمامنا، فقد نغفر للطفل مجمل ما يرتكبه من أخطاء في حالة انفراج أساريرنا، فإذا ما تعكّرت صببنا جام غضبنا عليه لأقل هفوة قد يرتكبها..

ولا شك، أننا، في هذه الفوضى الضاربة أطنابها في مسيرتنا التربوية، ننسى قاعدة تربوية ذات أهمية بالغة في هذا المضمار تقول /الأب قيمة والأم مسلك/، وهي مقولتي الخاصة المستمدة من تجربتي الحياتية، والتي تعني أنّ على الوالدين في هذه المرحلة بالذات أن يدعم كلٌّ منهما الآخر في حقل ما يسعيان لإنتاجه في صيرورة الأطفال نساءً ورجالًا، حتى لا يخرج المثال المسلكي إلى الخارج، فيتقمص كلٌّ من البنت والولد شخصية أخرى، قد تضرب بعرض الحائط ما نسعى إليه، كأن يتمثل أيٌّ منهما بطلًا لفيلم ذا نوعية سيئة أو شخصية من المحيط/ الجار أو الصديق أو البقال أو.. وهي مقولة قد تحتاج للشرح تفصيلًا في السياق، إن أمكن ذلك..

ولا شك أيضًا أننا في هذه المرحلة نفتقر لما يمكن تسميته بالثقافة الجنسية في هذه السويّة العمرية المبكرة، إذ لا توجد لدينا، نحن المربين، الثقافة اللازمة لمثل هكذا تربية، مما يؤثر على الأولاد سلبًا، إذ نترك لهم تشكيل ثقافتهم الجنسية -شئنا أم أبينا- بناءً على تجاربهم الشخصية وتقوُّلات أصدقائهم وما قد يترسب في أذهانهم مما يحدث أو يجري أمامهم -وهو كثير للغاية- مما يطيح بمختلف الوجهات التي نكون قد بذلنا جهدًا مضنيًا في محاولة ترسيخها في ذهنيّتهم، فالجنس، يبقى من المقدسات بل والمحرمات التي لا يمكن تداولها بين الكبار أمام الصغار، والمشكلة أن هذه الثقافة، ونظرًا لأهميتها لدى الأطفال تبقى الحجر الأساس في توطيد الثقة بينهم وبين آبائهم، لكن افتقار المربي للوسائل والمعرفة يجعله قاصرًا عن القيام في مهمته هذه، والتي يمكن أن تكون في أبسط صورها، حيث لا بد منها في هذه المرحلة والتي يمكن لها أن تبدأ بشرح كيفية التلاقح في النبات، كانتقال حبيبات الطلع من النباتات الذكرية أو الخنثوية والتي يمكن تشبيهها بالرجل إلى مياسم النباتات الأنثوية والتي يمكن تشبيهها بالمرأة، على أن تستمر هذه المداخلات بين الآباء طوال الفترة العمرية الممتدة بين الرابعة والثامنة، حيث من الممكن البدء بتلقين الأولاد كيفية التلاقح بين الحيوانات، بدءًا من الأسماك، حيث تكون هذه النوعية هي الأقرب للفهم عند بلوغهم سن الثامنة، ومن ثم ننتقل بمستويات هذه الثقافة لنصل لكيفية التلاقح بين الثدييات، حيث تكون الشريحة المدروسة قد بلغت الثانية عشرة.

نماذج ثلاثة سأقدمها لتأكيد أهمية هذه المرحلة في مسيرتنا الحياتية وكيف أننا نتحرك بوحيها دون وعي، لأنها هي بالذات، تشكلت في اللاوعي فينا، دون وعي!!

إن أهمية المرحلة العمرية بين الرابعة والثانية عشرة، تكمن في أنها تحدد لنا جملة من مُسْتَقْبِلات /أوعية/ حياتنا، فقد أميل إلى هذا اللون دون ذاك، كما هذا الأكل دون ذاك، أو هذا النوع من النساء أو الرجال دون ذاك أيضًا، أو حتى هذا النمط من الجمال دون ذاك، أو.. أو..

هذا الميل أو هذا الرفض أو هذا القبول، لا شك في أنه تشكّل لدينا في هذه المرحلة بالذات، فهي الفترة الزمنية التي تتشكل فيها الخطوط العامة ولكن الرئيسية في مسيرتنا الحياتية، والتي غالبًا ما نتساءل عن مسببات هذا السلوك دون أن نعي أن الإجابة على تساؤلنا، وهو الكامن تحت رماد تلك الفترة الطفولية التي مررنا بها..

الأمثلة على ذلك كثيرة:

“نشوة القتل”: التفسير العلمي لتلذذ السفّاحين بجرائمهم

هل يمكن أن يبعث القتل لدى القاتل مشاعر اللّذة والسعادة؟ وهل الشرّ جزء من الكائن البشري؟ بعض العلماء يجيبون على هذه الأسئلة بنعم، ويفسّرون كيف يتحول المرء من إنسان محب للآخرين وللسلام إلى قاتل متوحش.   

هل يمكنني أن أقتل شخصًا عمدًا؟ أو أن أقطع رأس رهينة؟ أو أن أطلق النار على رجال ونساء وأطفال؟ من نشأ وترعرع في بيئة مسالمة، فإنه سيجيب عن تلك الأسئلة بالرفض، وبشكل قاطع. وبالنسبة للكثير من الناس، فمن المحال أن يفكّروا بصفة عفوية في استخدام الأسلحة. وقد أظهرت استطلاعات للرأي، التي قام بها الجيش الأمريكي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أن نحو نصف الجنود فقط قاموا بتسديد بنادقهم على جنود العدو. ولكن النسبة تصل إلى 95 بالمائة لدى الجيل الحالي من الجنود.

ويتمّ التدرب على عملية إطلاق النار عبر جهاز الكمبيوتر، وذلك لتجاوز الرادع الأخلاقي لدى كل واحد منا. “الناس الأصحاء نسبيًّا لديهم خوف كبير من أن يلحقوا الأذى بأناس آخرين”، على ما يقول المختص في علم الأحياء العصبية يواخيم باور: “بفضل نظام الخلايا العصبية المرآتية الموجودة في المخ، فإن الآلام التي يشعر بها الآخرون هي أيضًا نفس الآلام التي نشعر بها أيضًا”. الخلايا العصبية المرآتية (سميت بهذا الاسم لتشابه وظيفتها مع عمل المرآة، حيث تنقل الصورة): هي خلايا عصبية تجعل منا أناسا نتآزر مع الآخرين في محنهم ونشعر بآلامهم.

من تلميذ إلى جندي مقاتل

البعض يفسّر سبب وحشية مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” بتعرضهم لصدمات نفسية قوية….

ولكن وجود مناطق التوتر والنزاعات المسلحة في العالم يؤكد أن هناك أناسًا في العالم يفتقدون لهذه الخصلة الإنسانية. فقد زار توماس ألبيرت أماكن يبدو أن الناس فيها قد نسوا المشاعر التي تثيرها عملية إلحاق الأذى بأناس آخرين أو قتلهم. كما أنه تحدث مع مقاتلين يعدّ القتل من بين أنشطتهم اليومية. والتقى بجنود أطفال أياديهم ملطخة بالدماء. توماس ألبيرت على ثقة بأن كل واحد منا يمكن أن يتحول إلى قاتل. “لقد اكتشفنا في قرية بإحدى مناطق التوتر أنه تم اختطاف فصل دراسي بأكمله”، ويضيف قائلًا: “جزء من الأطفال لقي مصرعه، فيما تحوّل تقريبًا كل المتبقين إلى مقاتلين”.

ويروي ألبيرت أن بعض الأطفال قد كشفوا له أن عملية القتل تصيبهم بحالة من السُّكر والانتشاء. ويفسّر هذه الظاهرة مستعينًا بالتشبيه بين عملية القتل والجري لمسافات طويلة، عندما يفرز الجسد الأفيونات. “من لم يقطع مسافة 20 كيلومترًا جريًا، فلن يعرف هذا الشعور. بيد أن مثل هذه المشاعر موجودة في جسد كل واحد منّا”، ويضيف قائلًا: “كل من لديه تجربة في القتال يصف حالات الثمالة هذه، أي إنها تقريبًا لحظات تثير النشوة لدى شخص قام بقتل شخص آخر”. إن الصدمات النفسية تلحق الضرر بالمخ.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هناك في المخ البشري من رادع، إذا ما كان الإنسان العادي الذي يتمتع بصحة جيدة لم يولد ليقتل؟ هناك تفسيرات تبين إلى أي مدى يتأثر المخ بعمليات العنف المحيطة به. ويبدو أن الجنود الأطفال قد تعرّضوا لصدمات نفسية بشكل ممنهج: وذلك من خلال اغتصاب أمهاتهم أو إعدام أحد من أفراد عائلاتهم أمام أعينهم. ومن خلال هذه الصدمة النفسية يتراجع مدى تأثير الرادع الأخلاقي في أدمغتهم.

ووفقًا ليواخيم باور، فإنها نفس العملية التي يعرض لها مثلًا مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية”. ويقول: “هناك عملية وحشية معيّنة تمّ اصطحابهم إليها”. ويضيف قائلًا: “ثم هناك شيء ما يتأذى في المخ ونصل إلى نقطة محددة، حيث تفرز مشاعر النشوة. إنها ظواهر سيكوباتية أو (اعتلال نفسي)* راجع الملحق رقم(1)، يمكن إنتاجها لدى الجنود الأطفال والتي ليست من التصرفات العادية للإنسان الطبيعي”. فالعنف ظاهرة لا تقتصر على ثقافة معينة.

وقد يؤثر الانتماء الثقافي على اختيار الأسلحة وطريقة القتال والقتل. ولكن هناك قواسم مشتركة على الصعيد البشري في عمليات الاعتداء بالعنف والقتل، على ما يقول توماس ألبيرت: “لقد رأيت في أوغندا كيف يقوم المتمردون بقطع أنوف وآذان وشفاه ضحاياهم- ونفس الأمر عايشته في أفغانستان أيضًا”.

ويذهب ألبيرت في أبحاثه أيضًا لمعرفة ما إذا كانت هناك أمور أو لحظات معينة تثير لدى البعض غريزة القتل على غرار رائحة الدم مثلًا. وخلال أبحاثه اكتشف أن مصنّعي المواد الغذائية مثلًا يستخدمون رائحة الدم في بعض منتجات اللحوم على غرار السجق حتى تبدو للمستهلكين بأنها طازجة. ويقول: “وانطلاقًا من هذا الاكتشاف فإن رائحة الدم تعتبر أمرًا مقبولًا لدى الناس”. فهل هذا يعني أن بداخل الإنسان يختفي حيوان متوحش ومفترس؟

الأبحاث العلمية ترى أن الإنسان في الواقع محبّ للسلام والتعايش مع الآخرين في الأمن والأمان،­ ما لم تحوله الصدمات النفسية إلى قاتل.

إليزابيت باثوري: (ملكة الدم)

ربما لم تحظَ امرأة في التاريخ، بمثل ما حظيت به هذه المرأة، الجمال والعلم والسلطة والمال، وكانت قد تلقّت من العلوم ما يكفي، ما نشير إليه هو أنها كانت تتقن أربع لغات من لغات عصرها، حيث ولدت في عام 1560، متمتعة بمكانة اجتماعية عزَّ نظيرها بين نساء عصرها، فقد انتمت إلى عائلة حكمت إمارة ترانسلفانية بشكل شبه مستقل في مملكة المجر، ومع ذلك فقد كانت سليلة عائلة شابها الكثير من الانحرافات، ومن هذه العائلة كان الجدّ (دراكولا) الذي ذاع صيته كمصاص دماء، أما عمّتها فكانت مثلية وأخوها مدمن خمر وعمّها كان معتقدًا أنّه عبدٌ للشيطان ووالداها كانا يعانيان من اضطراب عقلي، ولعل إقدام والدها على قتل طفلٍ أمامها وتقطيع أوصاله، وهي في عمر التاسعة، كان له الأثر الأكبر في تحولها إلى سفاحة لم يعرف التاريخ لها مثيلًا، فقد حظيت هذه المرأة بجمال أخاذ لم يترك لها مجالًا لتتخطى الحادية عشرة من عمرها، إذ خُطبت وهي في الحادية عشرة من عمرها لشاب ينتمي للطبقة الأرستقراطية (آل نادوشدي)، وفي الثالثة عشرة أنجبت طفلًا من عشيق لها كان ينتمي لعائلة دون مستواها الأرستقراطي، فقام الخطيب بإخصائه وإلقائه للكلاب لتأكله حيًّا، أما الوليد وكان طفلًا فلم يعرف عنه شيئًا بعد ذلك، وفي الرابعة عشرة من عمرها تزوجت من خطيبها (نادوشدي) الذي كان يتفنن بتعذيب الأسرى الأتراك، وقد علّمها الكثير من ذلك الفن الرهيب، الذي أتقنته فيما بعد، وابتكرت طرقًا جديدة في التعذيب بعد أن غادرها زوجها لضرورات عمله، حيث عاشت وحيدة في إحدى قلاع نادوشدي وأخذت تميل بعد ذلك لخادماتها اللواتي كنَّ يُمارسن معها الجنس، لتقوم بعد ذلك بتقطيع وتمزيق لحمهنّ؛ يساعدها في جرائمها خادمها الأعرج ومربيتها “آنا درافوليا”، حيث كانت تقوم بتجويع الفتيات الصغيرات لأكثر من أسبوع ومن ثم تغرس الدبابيس في شفاههن وتحت أظافرهن وتحرق أثداءهن وما بين الفخذين لتقتلهن بعد أن تشبع رغباتها منهن، لكن الحدث الذي غيَّر مجرى هذا التعذيب، فقد كان إحدى خادماتها التي شدّت ودون قصد شعرها وهي تمشطها فما كان من الكونتيسة إلا أن ضربتها لتسيل الدماء من وجه الخادمة على كفّها ولتكتشف أن المنطقة الملطخة بدم الخادمة قد باتت أنضر وأنعم، فاعتقدت أن الدم هو الذي سيحافظ على شبابها ونضارة وجهها ونعومة جلدها، وقد أيّدتها حاشيتها بما اعتقدت، حتى إن مربّيتها نسجت لها قصة تتلخص بأميرة كانت تستحم بدماء الفتيات العذراوات لتحافظ على جاذبيتها حتى مماتها، فراحت تطلب من خادمها التقاط الفتيات والفتيان من القرى المجاورة لقلعتها، وهكذا فقد أقدمت هذه المرأة على قتل أكثر من ستمائة وخمسين طفلًا وطفلة في أبشع أشكال القتل على الإطلاق، حيث كانت تقوم بقطع أوردة وشرايين ضحاياها وتعلقهن فوق حوض الاستحمام لتستحم بالدم بعد أن تكون الضحية قد فقدت حياتها، لكنها وبعد فترة وجدت أن دماء اللقيطات ليس بالدم الذي يفي بالغرض، فاتجهت إلى الدم الملكي، حيث استقدمت إلى قلعتها بعضًا من أميرات عصرها لتقوم بعد ذلك بتجويعهن وقتلهن والاستحمام بدمائهن، وقد احتوى السجل الخاص بها والذي اعتمد في محاكمتها على خمس وعشرين أميرة كان مصيرهن القتل، ومع مرور الزمن حامت الشائعات حول القلعة، حيث اختفت الكثير من الفتيات هناك، مما دفع بأحد القساوسة للبحث في الموضوع مقتفيًا آثار من فُقدوا، وانتهى لاتهام الكونتيسة بارتكاب الجرائم التي أدّت لاختفاء الكثير من الفتيات، فقامت السلطات المجرية في عام 1610 بمداهمة القلعة وقتل حرّاسها، باحثة في القلعة عن جرائم الكونتيسة، فوجدت من الأدلة ما يكفي لتجريمها مع أربعة من خدمها، أُعدم ثلاثة منهم وحكم على الرابعة بالسجن مدى الحياة، أما الكونتيسة فلم تحاكم ولم تحضر حتى جلسات المحاكمة، وقد اكتفت المحكمة بقرار سجنها بقلعتها وفي غرفة نومها، حيث سدّت جميع منافذها ولم يتبقَّ سوى فتحة بأسفل جدار الممر لتمرير الطعام، عاشت إليزابيت في سجنها ثلاث سنوات وتوفيت في عام 1614 عن عمر قارب الرابعة والخمسين.

بيلي غونيس

“حُبُّ المال”

لم تكن البداية لتنبئ كيف هي النهاية، والتي ظلّت لغزًا حيَّر الباحثين عن حلٍّ له، فبيلي غونيس، كانت صغرى أخواتها (1859)، ممتلئة حيوية ونشاطًا، خرجت من مراهقتها حاملًا بطفل لم يسعفه طيشها لرؤية النور، إذ وفي إحدى حفلاتها الماجنة، كانت ضحية شاب أوسعها ضربًا لدرجة الإجهاض، نُقلت بعدها للمشفى، حيث تعافت بعد ذلك، لكن الحادثة لم تمرّ مرورًا عابرًا، إذ تركت بصماتها على مسيرة حياتها، فقررت الهجرة إلى أمريكا بعد أن عملت سنوات ثلاث كعاملة في إحدى المزارع في النرويج، 1881 لتستقرَّ بداية إلى جانب إحدى شقيقاتها والتي استشعرت هوس بيلي المالي، والذي استحوذ على تفكيرها لدرجة الجنون، فلم تكن تدّخر أسلوبًا في سبيل الحصول عليه، فقد عملت كخادمة بداية جامعةً ما قُدّر لها من المال، والذي على قلّته كان سببًا في زواجها من “مادز سورينسون” 1884 الذي اتفق معها على افتتاح مخبز للحلويات في شيكاغو، حيث كانت تقيم، كانت وسيلتها لجمع المال هي شركات التأمين، بداية عملت على التأمين على مخبزها، الذي احترق وفق ادعائها بأن انفجارًا وقع في قنديل الكاز الذي كانت تضيء به المخبز، وعلى الرغم من أن ادعاءها لم يتمّ التثبت منه، إلا أنها قبضت المبلغ المؤمن به على المتجر.. لقد ساهمت شركات التأمين في مُضي بيلي إلى مبتغاها، فبعد أن أمّنت على أولادها الأربعة لدى تلك الشركات، قامت بتسميم ولدين منهما، مدّعيةً أنهما توفّيا نتيجة إصابتهما بالحمى المترافقة بالإسهال والتقيؤ وهي ذات أعراض التسمم.. واستمرت في أسلوبها هذا، ففي عام 1900 توفي زوجها نتيجة إصابته باحتشاء في القلب على الرغم من أن أقاربه أفادوا بأنه لم يكن يعاني من أي أمراض أو اعتلالات صحية، واستلمت من شركة التأمين مبلغ 8500 دولار، تمكّنت من خلاله من شراء مزرعة في مقاطعة أنديانا الأمريكية لتنتقل إليها مع من تبقى من أولادها..

في ولاية “لابورتي” حيث كانت تقيم، تعرفت على “بيتر غونيس” 1902، والذي كان مالكًا لمزرعة ضخمة و لديه ابنتان من زواج سابق، توفيت إحداهما بعد أسبوع واحد من زواجه من بيلي ليتبعها بيتر قبل نهاية سنة زواجه الأولى، حيث اتُّهمت بيلي بقتله بناءً على شهادة ابنته، والتي تراجعت عن شهادتها لتُبرّأ بيلي من جريمة القتل وترث مزرعة بيتر الكبيرة ولتنال بعد سنوات أربع ممن أوقعت بها بتهمة جريمة القتل، مدّعيةً أنها انتقلت لمدينة شيكاغو للدراسة، لكن الحقيقة أنها كانت قد قتلتها ودفنتها في مزرعة والدها..

كانت بيلي قد بلغت السادسة والأربعين من العمر عندما نشرت في واحدة من كبريات الصحف إعلانًا تضمن /أرملة جميلة تمتلك مزرعة كبيرة في أجمل مناطق ولاية “لابورتي” ترغب بالزواج من رجل يضاهيها في المستوى المادي والاجتماعي، لا تقبل الرسائل، ويفضل القدوم للمزرعة للتعارف../، كان هذا الإعلان بداية مرحلة جديدة من حياة بيلي، حيث تقاطر الرجال الطامعون بثروة بيلي، لكن واحدًا منهم لم يعد للظهور بعد زيارته للمزرعة، وكانوا في غالبيتهم يأتون إليها حاملين ثروتهم نقدًا أو شيكات كانت تصرفها قبل أن يتساءل أحدٌ عن مصير المالك.. لم ينجُ منها سوى “جورج أندرسون” الذي راوده الشك بنوايا بيلي عند سؤالها له عما أحضره من ثروته، فأجابها بأن عليه العودة لدياره لجلب ثروته، وحيث إنه لم يُعجَب ببيلي، فقد بات ليلته منتظرًا فجرها، وما إن سها حتى استيقظ من نومه على رؤية بيلي وقد أمسكت شمعة بيد وبيدها الأخرى لفافة من قطن اشتمَّ منها رائحة الكلوروفورم المخدّر فراح يصرخ قافزًا من سريره، مما أخاف بيلي لتخرج من الغرفة وليهرول هو مرتديًا ثيابه، جامعًا ما جلبه من مال وليقفز من نافذة الغرفة تاركًا بيلي ومزرعتها، حيث اختفى أثره بعد ذلك..

كانت بيلي قد استأجرت عاملًا لإدارة مزرعتها، هو “راي لامفر” والذي هام بها وتستّر على جرائمها، بل وشاركها في دفنها، كان حب “راي” لبيلي جارفًا حتى بلغ درجة مضايقتها وتهديدها بكشف مختلف جرائمها، فضاقت به ذرعًا وقامت بفصله من عمله وسارعت إلى محاميها مدّعيةً أنها أصبحت تخشى من “راي” على حياتها وحياة بناتها وابنها الذي أنجبته من “بيتر غونيس” (زوجها الثاني) وزادت على ذلك -بعد أن سدّدت مختلف مستحقات الغير وسحبت مختلف إيداعاتها من البنوك- بكتابة وصية لدى محاميها توصي بثروتها لأبنائها إذا ما أصابها مكروه..

في صباح الثامن من أيلول عام 1809، كانت النيران قد أتت على المزرعة وما فيها، عدا عاملها الجديد الذي حلَّ محل “لامغري” والذي بدوره هرع إلى البلدة طالبًا المساعدة، كانت المزرعة قد أصبحت رمادًا عندما اكتشف المحققون ثلاث جثث لأطفال بيلي ولجثة امرأة مقطوعة الرأس تقارب بيلي في الطول وفي ضخامة الجسم، لكن الذين عرفوا بيلي ادّعوا أنها ليست هي.. مما أثار شكوك المحققين ليُلقى القبض على راي؛ وليعترف الأخير بأنها خدعته بعد أن أوهمته بالهرب سويًّا من “لابورتي” إلى جهة يجهلها.. وليعترف بمختلف جرائمها التي بلغت اثنتين وأربعين جثة منتشرة في أرجاء تلك المزرعة..

لقد اعترف “راي” بأن بيلي كانت تحمل جثث الرجال وكأنهم أطفال، ثم تعمل على تقطيع أوصالهم ورميها للخنازير الجائعة في مزرعتها ومن ثم تدفن مع “راي” بقاياها.. كما اعترف راي بأن المرأة المقطوعة الرأس تعود لامرأة كانت قد استقدمها بيلي للعمل كمدبرة للمنزل، لكنها وفي ذات اليوم الذي قدمت فيه المرأة قامت بقتلها بعد أن خدَّرت أطفالها وقتلتهم خنقًا ومدّدتهم إلى جانب المرأة المقطوعة الرأس وأضرمت النار في مزرعتها.. “راي”هذا كان قد حُكم بعقوبة السجن المؤبد لتستره ومساعدته لبيلي في جرائمها، لكنه لم يكمل سنة حكمه الأولى إذ توفي بعد أن أنهكه المرض..

في العام ذاته، كانت ثروة بيلي قد بلغت 250000 دولار، وهي ثروة لم تبلغها أية امرأة في ذلك الوقت، كثيرون قالوا إنهم رأوها متنقلة بين المدن الأمريكية بعد ذلك، حتى إن الشرطة قد شكّكت في حقيقة امرأة اتّهمت بتسميم أحد الرجال على أنها هي بيلي، وتدعى أستير، لكن أستير كانت قد توفيت قبل الانتهاء من محاكمتها في عام 1931، حيث كانت بيلي قد بلغت 72 عامًا والتي ما تزال قصتها محور بحث من قبل مختلف الباحثين، حتى إنه كان قد أجري فحص D.N.A لمختلف الجثث في محاولة لمعرفة ما إذا كانت المرأة المقطوعة الرأس هي بيلي أم لا، وكانت النتائج سلبية.

ثلاث حكايات -واقعية- حدثت، أعرف أبطالها معرفة وثيقة، هي جانب مما ألمحنا إليه أعلاه… ويبقى المبدأ /أن الاستثناء ليس قاعدة/ وأن العام لا يلغي الخاص الذي يمكنه في المحصلة أن يشير، بتكراريته، إلى ذاك العام:

1- نشأت (و) في عائلة تمتد في جذورها لعائلتين إقطاعيَّتين بكل ما في الكلمة من معنى، كان الأب سكّيرًا وكانت الأم عاملة بصمت وقبول بقسمتها من هذه الحياة، لقد أحبّت زوجها وتزوجته عن حبٍّ معاندة كل من التقاها محذّرًا ومنبّهًا من هذا الزواج غير المتكافئ سلوكيًا، أنجبت أولادًا أربعة، وعملت في الخياطة لتعيل أسرتها، بينما كان الزوج غارقًا في خمرته لا يستفيق منها إلا ليعود إليها ثانية.. واستمرت الأيام حتى بلغت (و) سن الثامنة عشرة وكانت كوالدتها غاية في الجمال والتهذيب، وقد كانت في الصف الثالث الثانوي حين تقدم لخطبتها شاب، ومن عائلة إقطاعية كعائلتي والدها ووالدتها، وقبلت به (و) بعد تردّد خطيبًا، وكل ما مرَّ بها في المدة الفاصلة بين الخطبة والزواج كان طبيعيًّا، وكان العرس في سوية العائلات الإقطاعية الثلاث، مما جعله مثالًا بين الأعراس في المنطقة التي تنتمي لها (و)، هكذا انتقلت مع عريسها من بلدتها إلى شهر العسل الموعود، حيث ستنتقل في اليوم التالي لإحدى البلدان الأوروبية لقضاء هذا الشهر، وكان لا بد من قضاء ليلتها الأولى في أحد الفنادق الفخمة، كانت احتفالات العرس مرهقة لها ولعريسها الذي بادرها بطلب الدخول للحمام للاستحمام من عناء السفر، فطلبت منه أن يكون الأول بدخول الحمام، فلبّى رغبتها ودخل ليخرج باحثًا عنها في الجناح الذي استقرّا به، فوجدها في ركن إحدى الغرف ترتعد خائفة مرتعشة وعيناها جاحظتان حتى كادتا تخرجان من محجريهما، فاقترب منها متسائلًا عما رأت أو حدث معها، فما كان منها إلا أن صرخت بأعلى صوتها وبشكل جنوني محاولةً الهرب منه، وكلما حاول منعها كانت تزداد خوفًا ورعبًا وصراخًا، حتى اعتقدت إدارة الفندق أن في الأمر التباسًا، فطلبت الشرطة التي باشرت التحقيق، فأبرز العريس جميع المستندات التي تثبت زواجه منها شرعًا وقانونًا طالبًا إيداعها المشفى حتى الصباح، حيث حملها بمرافقة الشرطة إلى بيت أهلها الذين راعهم النبأ، حيث كانت على ما هي عليه من رعب وخوف وفزع من كل من حاول الاقتراب منها.. واتّصلوا بطبيب نفسي شهير لمعاينتها والتي استمرت لأكثر من ستة أشهر، كانت معاملات الطلاق قد انتهت وكانت خلاصة تقرير الطبيب ما يلي:

في سنّ الرابعة من عمرها كانت قد استيقظت على صراخ والدتها ووالدها، لكنها وبخوف قبعت في فراشها حتى بات صراخ والدتها مكبوتًا فخرجت من غرفتها لتجد والدها وقد أمسك بشعر والدتها ولفّه لطوله على يده جارًّا إياها لفراشه ممزقًا ثوبها ومعريًّا إياها ومضاجعًا لها دون أن يلحظ وجود ابنته التي غادرت الغرفة مسرعة وآوت لفراشها وتوسّدت خوفها غافية به حتى ليلة زواجها، حيث استيقظت على مشهد والدتها ممزقة الثياب مدمّاة الوجه، معتقدة أنها ستحلُّ مكانها في المشهد ذاته بمجرد اقتراب عريسها منها، وقد تلبّسها ذلك الخوف في هذه الليلة التي تحلم بها كل فتاة..

تابعت (و) حياتها رافضة الزواج كارهة لكل الرجال على الرغم من لطافتها وحسن معشرها ودماثة خلقها وجمالها المميز..

2- على مدى سنواتٍ خمس من علاقة حميمية، معه، لم تلحظ (س) سوى دماثة خلقه وسيرته الذاتية الحسنة بل والممتازة، والتي كتبتها هي في ذاكرتها نتيجة مواكبتها له على مدى هذه السنوات وبشكل يومي، فما كانا ليفترقا سوى ساعات النوم أو لبعض الاهتمامات الشخصية، والتي كانت في غالبيتها بين أصدقائهما المشتركين، كانا قد تعاهدا على الزواج بمجرد أن تكتمل تفاصيله المادية، وكانت تصرُّ عليه أن يكون شهر العسل على شاطئ البحر فهي ابنة قرية ولم تكن قد شاهدت البحر سوى في الأفلام، وكان على وعده لها بعدما استتبت لهما أمور الزواج، وتوجّها معًا لتلك المدينة الموعودة على شاطئ البحر، لم تكن لتبرح الشاطئ، فقد راعها أفقه وزرقة مائه وهديره في الليل الذي كان يدفعها لتتمسك بزوجها الشاب ضامنة له بكل ما كان الخوف يدفعها للالتصاق به كمنقذ لها من ذاك الضجيج الصاخب الذي كان ينفذ لغرفتهما ليلًا.. وكان لا بدَّ والحال من زيارة المرفأ، حيث السفن الكبيرة المحملة بشتى أنواع البضائع المستوردة والمصدَّرَة.. هكذا توجّها في اليوم الثالث من زواجهما للمرفأ وما أن دخلاه حتى حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد انهار زوجها الشاب مغشيًّا عليه وتجمّع البعض على صراخها مهدئين من روعها مساعدين لها للانتقال لأقرب مشفى، حيث تمّت معاينته وطمأنها الطبيب المشرف عليه، إذ إن مختلف أجهزته تعمل ولم يلحظ الطبيب أي قصور فيها وإن حالته ستتحسن بأقل من ساعة، حيث يمكنهما مغادرة المشفى، وفعلًا صحا الشاب من غيبوبته معتذرًا عما سبّبه لها من إرباك وإزعاج.. لكنه وما إن دخلت عليهما رئيسة الممرضات حاملة استمارة معاينته حتى عاد لما كان عليه؛ غائبًا من جديد عن الوعي، مستدعية الطبيب لمعاينته والذي فوجئ بالحالة التي بلغها وقد كان قد اطمأنَّ على سلامة وضعيته الصحية آمرًا بإمكانية خروجه من المشفى، لكنه وقد عاودته الحالة أمر ببقائه وبقاء زوجته إلى جانبه، مستغربًا ومستفسرًا من رئيسة الممرضات عما استدعى حدوث هذه الحالة التي مرّ بها، وبعد أن استكمل الطبيب مختلف الإجراءات التي استعاد بها الشاب وعيه، حاول الطبيب الاستفسار منه عن السبب الذي أعاده لحالة الغيبوبة، ولم يستطع الشاب معرفة ذلك واكتفى بالقول إنه لم يشعر بذلك إلا عندما عاد وصحا من غيبوبته، مستغربًا هذه الحالة هو أيضًا، كان الطبيب قد شكَّ في أن تكون لديه معرفة برئيسة الممرضات، فاستدعاها في محاولة منه لمعرفة ما إذا جمعتهما صدفة أو لقاء أو معرفة سابقة، حيث أنكرت أية معرفة لها به.. كان الطبيب قد أعاد بينه وبين نفسه الحالة إلى سابقة نفسية، إذ إن الوضع الصحي للشاب لا يشكو من أي قصور وظيفي، فالوضعية التي يعالجها لا شك أنها مقتصرة على الناحية النفسية المرتبطة بشيء ما له علاقة بالأنثى تحديدًا، لكن ما هو؟ سؤالٌ دفع بالطبيب للطلب من الممرضات أن يدخلن واحدة تلوَ الأخرى متذرعات بمختلف الأعمال التي يمكن أن يقمن بها كالتنظيف وقياس الضغط أو الحرارة أو ما شاكل، ولم يلحظ أي تغييرات ذات أهمية على الشاب الذي راح يحادث الممرضات مشيدًا بزوجته العطوف الحنونة الرائعة، والتي عكَّر عليها شهر العسل الذي حلمَتْ به طوال علاقتهما، كان الطبيب يراقب الشاب عبر الكاميرا الموجّهة إليه، ومن عيادته طلب من رئيسة الممرضات الدخول مجدّدًا لغرفة الشاب، الذي ما إن رآها حتى عاد لغيبوبته من جديد، وبعد إجراء اللازم، عاد الشاب لوعيه، واستدعى الطبيب رئيسة الممرضات ملحًّا عليها بالسؤال فيما إذا كانت على علاقة به، فأنكرت ذلك غاضبة وتاركة لأخرى دورها بعدما طلبت إجازة طويلة.. هكذا راح الطبيب يراقب الشاب غير آبهٍ برئيسة الممرضات التي استبدلها بأخرى مطمئنًّا لخياره، لكنه وقد فوجئ للمرة الرابعة بطلب المساعدة في إنقاذ الشاب من غيبوبته، ولما كانت مراقبته قد قادته أنه وبمجرد دخول رئيسة الممرضات الثانية قد عاودته الغيبوبة، مما دفعه للربط بين لباسها ومعاودة الحالة للشاب، إذ إن هذه الحالة لا تترافق مع دخول الممرضات وكذلك بشخصية رئيسة الممرضات التي كانت ترتدي اللباس الأزرق والأبيض على خلاف الممرضات اللواتي كنَّ يرتدين الأبيض والزهري، رابطًا مجمل الحدث بالمكان الذي يقارب لباس رئيسة الممرضات الأبيض والأزرق، وهو المرفأ، حيث البحّارة بلباسهم الأبيض والأزرق المتعارف عليه عالميًّا، فما كان من الطبيب المختص إلا أن طلب من الجميع مغادرة الغرفة بمن فيهم زوجته، ومستغرقًا معه بحديث طويل امتد لساعات، بدءًا من زواجه وعودة لطفولته، وكان الشاب يجيبه على مختلف تساؤلاته حتى وصلا معًا إلى:

أنه وفي الخامسة من عمره وقد كان والده بحّارًا، كان يترك والدته معه لأشهر وحيدة لحين عودته، والتي كانت على علاقة ببحّار آخر كان يأتي لمنزلهما كلما سنحت له الفرصة، حيث كان يختلي بوالدته لساعات بينما هو في الغرفة الأخرى وحيدًا بين ألعابه، وغالبًا ما كان افتقاده لوالدته يدفعه لطرق الباب عليهما، دون أن تفتحه له طالبة منه العودة لغرفته.. وأنهى حديثه قائلًا، كان يسرق مني والدتي لساعاتٍ كانت بالنسبة لي شهورًا من اليتم.. بالطبع كان على الطبيب أن يوضح للشاب أن حالته الصحية مرتبطة حكمًا بهذا الحدث، فهو بدخوله المرفأ عاودته حالة الخوف التي كانت تواكبه كلما جاء عشيق والدته، لكن الاختلاف هو أن عقله الباطني قد قاده لسحب الحادث من والدته إلى زوجته التي يحبّ، متخوّفًا من أن يسرقها -وفقًا لتعبير الشاب- منه أحد البحارة دون أن يعي ذلك، حيث إن غيبوبته ما هي إلا محاولة من العقل الواعي لرفض ما كان يمليه عليه عقله الباطن المثقل بهموم تلك المرحلة العمرية الغضة..

3- (ر) هي حالة مختلفة عما سبق، فهي لا تحب الحلوى أيًّا كانت، وتحديدًا السكاكر، لفتت نظري واهتمامي منذ أن علمت أنها وطيلة فترة زواجها لم تقدم لأيٍّ كان قطعة حلوى أو سكرة تعبيرًا عن شكر أو امتنان أو ثناءٍ حتى لأولادها، وهي ترفض وجود أي من أنواع السكاكر والحلوى في منزلها، إذ يصيبها التقيؤ لمجرد رؤيتها.. كانت معلوماتي تفيد أن النساء على وجه العموم يملن إلى تناول الحلويات، بينما يميل الذكور إلى تناول اللحوم..

من هنا كانت (ر) تشكل هاجسًا لديّ لتفسير هذه الظاهرة الفريدة من نوعها بين النساء، حتى كانت تلك المناسبة التي روت لي -ودون قصد منها أو سؤال مني- امرأة خالها تلك الواقعة، التي جاءت ردًّا على ذلك الهاجس الذي رافقني كلما التقيت بـ(ر) أو تحدّث أحدٌ بما يمتّ لها بصلة أو حتى إن ذُكِر اسم مقارب لاسمها. قالت امرأة الخال: كنا نسكن في العاصمة وكانت (ر) طفلة في الرابعة من عمرها، ساعة قدِمَتْ لطرفنا مع والدتها، حيث قمتُ بواجب الضيافة مقدّمة الحلوى وبعض السكاكر للأم والابنة التي فوجئت بما قُدِّم لها وراحت تطلب المزيد، فأنبتها والدتها لخروجها على أصول الضيافة، حتى إنها نظرًا لإلحاح (ر) قامت بضربها، فَعَلا صراخها مما استوجب تدخل الخال والذي كان خارجًا ولم يشهد ما كان قد جرى، فهرول مستفسرًا مؤنّبًا شقيقته على أسلوب الضرب؛ مهدّئًا من روع الطفلة ومقدّمًا علبة الحلوى كاملة لها كما علبة السكاكر، وغرقت (ر) بتناول قطعة من هنا وأخرى من هناك، مبذّرةً مسرفة في الأكل ورمي البقايا من حولها، دون أن تتمكن الأم من ردعها أو توجيه تحذيراتها لها، فما كان من (ر) إلا أن تقيّأت كل ما تناولته مما استدعى معاينة الطبيب لها وإعطاءها الأدوية لتهدئة وضع معدتها المضطرب.. وقبعت في الفراش بعد ذلك لعدة أيام..

هكذا قدمت لي زوجة الخال ما حلَّ لغز (ر) بالنسبة لي شخصيًّا.

2- الشريحة العمرية الثانية من 12 سنة وحتى 22 سنة

هي المرحلة الأشدُّ تعقيدًا والأكثر دقةً ولطافةً ورهافة، ذلك أنها المرحلة التي ترسم معالم شخصيتنا مدى الحياة، وكلّ ما يطرأ عليها من تغيرات تبقى طفيفة إلى أبعد حدّ، هي ماء يتّخذ شكل الأوعية الذهنية التي تشكلت لدينا -والتي سبق أن ألمحنا لتشكّلها في المرحلة السابقة-، لكنه ماءٌ إما أن يكون مقطّرًا أو صافيًا أو عكرًا أو آسنًا.. تبعًا لما يترسّخ من مفاهيم ورؤى مبنية على ما تلتقطه هذه المرحلة من معلومات معرفية وتجارب شخصية في علاقة الخاص بالعام، المقبول والمرفوض، الخطأ والصواب، الحق والباطل، الخير والشر، الخطيئة والرذيلة والشرف والفضيلة، الوفاء والإخلاص والجحود ونكران الجميل..، وهي في مجملها تدور حول ثلاثية: الجنس- العاطفة- الثورة والتمرد..

الغريب في هذه المرحلة، أن الأبناء يعيدون تجربة الآباء بكل مرارتها وقلقها وارتباكها، ومع ذلك فإن الذين مرّوا بها -الآباء- وتركت آثارها في نفسيتهم، تناسوا آلامها وتساؤلاتها، فكأنهم بذلك ينتقمون منها بأبنائهم، فيضفون على ما أثارته من هموم هالةً من القداسة والمحرمات تحول دونهم ومصارحة أبنائهم بما تحمله من مخاطر وتدفع بالأبناء لمعاودة ذات التجربة، دون أية مساهمة من آبائهم في تخفيف معاناتهم، مع العلم أن ساعة من المصارحة بين جيلين تكفي لتجاوز سنين من المعاناة بكل ما تتركه من آثار سلبية؛ ستكون معاناة الآباء منها كبيرة وكثيرة، وتجنّبهم حصادًا مُرًّا في مختلف الأحوال، وهذه هي الخلاصة التي يمكن الخلوص إليها من مؤثرات هذه المرحلة..

بداية، يشكل التطور البيولوجي والفيزيولوجي -الجنسي- المدخل الفعلي للعاطفة، والتي تكون بدورها مدخلًا للتمرّد والثورة أو ما يُسمى بـ/صراع الأجيال/ والتي -العاطفة- على شدّة اندفاعها يكون اصطدامها بالواقع، وتاليًا ردّة الفعل -التمرّد- تتخذ منحىً متهورًا مدمّرًا في أغلب الأحيان أو هادئًا متّزنًا في بعضها إذا ما توفّر الدليل السليم والصحيح لها.

الآثار المترتبة على الفوارق الجنسية بين الجنسين

1- سنّ البلوغ: (الجنس)

ما نقصده بسن البلوغ هو قدرة كلا الجنسين على التلاقح، هذا في الإطار العام، ذلك أن المؤثرات الوراثية بيولوجيًّا كما البيئات الطبيعية -حارة، باردة، معتدلة-، تؤثر على سنّ البلوغ، حيث يبدأ في الأولى بين التاسعة والثانية عشرة، بينما يمتد في الثانية بين السادسة عشرة والثامنة عشرة، ويتراوح في المعتدلة بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة، ما يهمّنا في هذا المجال أنها تبدأ لدى الفتى بردّة الفعل الفيزيولوجي الطبيعي للاحتقان الناتج عن إفراز الخصيتين للحيوانات المنوية، وهو ما اتفق على تسميته علميًّا بظاهرة “الاحتلام” /وهي القذف أثناء النوم/، وهي أيضًا الشارة الطبيعية الأولى للدلالة على القدرة على الإنجاب لدى الفتى، وتقوده فيما بعد لممارسة العادة السرية، تؤازرها ظاهرة الاحتلام على القدر الذي تكون فيه ممارسة العادة السرية منضبطة أو منتظمة تبعًا لمستوى وعي الفتى لمضارها النفسية ومن ثم البنيوية..

لكنَّ هذه الظاهرة لا تمرّ على الفتاة بهذه البساطة، فهي معقّدة في نتائجها الأولية، والتي تشكّل الصدمة النفسية الأولى للفتاة وتطبعها بطابعها مدى العمر، خاصة إذا ما كانت الفتاة لا تستند في مواجهتها على ما يهدّئ من روعها، كتهيئة الأم لها أو الأخت الكبرى أو الصديقات المقربات لها، عبر جملة الأحاديث التي تشير لهذا الحدث، الذي يعتبر منعطفًا شديد القسوة بالنسبة لها، ذلك أن ما يسبقه من آلام ومن وهن ومن ثَمَّ الحيض كلها عوامل تقلق الفتاة، خاصة إذا لم تكن لديها المعرفة لأسباب ما تعانيه، مما يؤدي لردّة فعل نفسية قوية لديها، وتكون شدتها على اختلاف البيئة الاجتماعية بين متشدّدة أو معتدلة أو متحررة، وقد تكون آثارها النفسية شديدة للغاية إذا ما وُجدت الفتاة في بيئة تضع حدودًا صارمة بين الجنسين، وحتى ينكشف لها الأمر على حقيقته، بطريقة أو بأخرى، تكون الآثار النفسية قد حفرت في الذهن أخاديد يصعب التئامها مع الأيام.. هكذا تتشكّل الأحرف الأولى لأبجدية /الشيفرة الجسدية/ لدى الأنثى على وجه العموم، الخوف، التكتم، الحذر وتحاشي الاختلاط مع مختلف الفئات الاجتماعية، رائحة الطمث، -حيث تكون على أشدها في المراحل الأولى نظرًا لضرورة تطهير الرحم من مختلف مفرزاته، وتكون بالتالي شديدة السُّميَّة-، اللجوء للتبرج (المكياج) لإخفاء اصفرار الوجه، وتبعاته أيضًا، من الوجهة الاجتماعية.

(1)- العادة السرية التي تمارسها الفتاة، وإن لم تكن في تعداد ممارسة الفتى لها، فهي ولا شك، وإن كانت تمارس على فترات متباعدة، تترك آثارها النفسية المؤثرة على ذهنها، الاضطراب، القلق، الخجل، الحياء، من حيث المفاهيم الاجتماعية السائدة، باعتبارها عيبًا أو خطيئة أو ذنبا أو.. هنا يتشكل ما يمكن تسميته بالسرّ الجسدي لدى الفتاة، إذ إن عليها الظهور بما ليست هي عليه، وإخفاء ما يمكن من آثار العادة السرية النفسية والجسدية..

بصورة عامة، يمرّ كلٌّ من الفتى والفتاة بما سبق، لكنه يبقى ذا تأثيرات أقل لدى الفتى من الفتاة لأسباب شتى، أبرزها وأهمها، ما يمنحه المجتمع للفتى من صلاحيات واسعة في مجتمع ذكوري تاريخيًّا، إضافة لعدم وجود مخاطر جسدية لديه، على عكس الفتاة التي تحول التقاليد والعادات الاجتماعية دونها وكل ما هو طبيعي، فتترك وحيدة شاردة في تجاربها الشخصية تبني عليها المجهول المخيف والمرعب في كثير من الأحيان، فممارسة العادة السرية مقرونة عندها بالكثير من المحاذير، أبرزها الخوف من إيذاء غشاء بكارتها -علمًا أن غشاء البكارة يبتعد في الحد الأدنى عن البظر بمقدار 2.5سم- أثناء مداعبتها له، وما قد يترتب على إيذاء غشاء البكارة من عقاب اجتماعي كرفض الزواج منها وما يتبعه من نظرة اجتماعية دونية لها..

(2)- ما تقدم ليس سوى غيض من فيض، سوف تكون له تبعاته مستقبلًا في أية علاقة بين الجنسين، وتحديدًا الفتاة التي -بنتيجة ما تقدم- سوف تعتبر جسدها سرًّا منً الأسرار وطلسمًا لا يجوز لأيٍّ كان حلَّ طلاسمه، حتى للزوج، فهذه مسألة مقدسة محرَّمة “ممنوعة من الصرف”، حتى إنها في كثير من الأحيان تحول دون الأنثى وما ترغبه من ممارسات جنسية في علاقة “شرعية” مع الزوج، فهي عيب وحرام وقلة حياء وخجل وفجور وخروج على المألوف، الذي يجعل من المرأة على وجه العموم تعتقد أنها مجرد وعاء لإفراغ رغبة الزوج دون أن تكون لها أية إرادة أو رغبة أو رأي في هذا الوضع أو ذاك في العلاقة الجنسية، بل وقد تلجأ لإضفاء قيم من المثالية أو العاطفية على هذه العلاقة، وإن تكن غير مؤمنة بها في كل الأحوال، متمنّعة عن كل ما هو مرغوب منها مرفوض من المجتمع، إنه -أخدود- عميق تمَّ حفره في هذه السنوات المبكرة من عمر الفتاة.

(3)- وهذا في حدّ ذاته ما يضفي على العلاقة الجنسية لدى المرأة مواصفات لا تمتّ لحقيقة هذه العلاقة بصلة، كأن تعتبرها علاقة سامية خالية من “شوائب” الرغبة والمتعة والتحرر من كل ما هو حسّي أو جسدي، مما يحول دونها ودون بلوغها أو محاولة بلوغها ذروة النشوة في كثير من الأحيان، كما سيأتي لاحقًا. ولا شك في أن هذه المرحلة تترك آثارها على كل امرأة على حدة، حيث يمكن اعتبار أن كل امرأة مفردة خاصة لها حروفها ومدلولاتها ومعانيها الخاصة، والتي تختلف فيها عن الأخرى، مما يسقط والى الأبد مقولة /كل النساء تتساوى في الفراش/، لأنها تبقى عنوانًا للجهل والتخلف لمجتمع ذكوري لا يفقه سوى علاقات غريزية، حيوانية لا معنى لها..

ومع ذلك، فإن ما بين الاحتلام والعادة السرية تترسخ “مجاهيل” كثيرة، تدفع بكل من الفتى والفتاة لمعاناة بالغة الأهمية في صيرورتهما رجالًا ونساء أكفياء، ذلك أن الجنس مقولة محرَّمةٌ مقدسةٌ، لا يمكن البوح بها مهما تكن الأسباب والأعذار والدوافع و.. حتى بين الأم وابنتها أو الأب وابنه أو الزوج وزوجته والعكس صحيح أيضًا..

إن سقوط هذه القدسية عن الجنس مسألة بالغة الأهمية اليوم، إذ إن على الآباء فسح المجال رحبًا وواسعًا قدر الإمكان للبحث في موضوعاته عائليًّا واجتماعيًّا وبشراكة كلا الجنسين، ذلك أنه يحول دون جنوح الكثير منّا نحو ما لا تحمد عقباه، إن على الصعيد الجسدي أو النفسي أو حتى الاجتماعي، فالتكتم على موضوع كهذا -على أي مستوى كان- إنما يقود في مجتمع كمجتمعنا إلى -السفاح أو المثلية أو الماسوشية أو السادية-، وهذه أمراض نفسية اجتماعية يصعب كثيرًا التخلّص منها وتكون وصمة عار على ممارسيها أيًّا كانوا، رجالًا أو نساءً، حتى في مجتمع باتت معالمه واضحة للجميع، وبات التستر على أيٍّ من مطالبه ضحكٌ على الذات وعلى الآخرين أيضًا..

إن أبرز ما يدفع إليه ما تقدم، كان وما يزال /الزواج المبكر/ هذا إذا لم يكن اللجوء للختان (كيّ البظر عند الفتاة أو بتره) الحلّ للحيلولة دون النتائج السلبية لهذه المرحلة، وهذه العادة السيئة يبقى دافعها الحقيقي الحيلولة دون الوقوع فريسة الممارسات الجنسية -خارج الإطار الشرعي!!- لكلا الجنسين، والتي، يجد كل من الفتى والفتاة، مهما بالغنا في تشدّدنا، متّسعًا من الوقت لممارستها بعيدًا عن أعين الجميع، ولهذا تبقى مثل هذه المفاهيم والمحاولات مفاهيم خاطئة، بل وفاشلة فيما تسعى إليه، لأبعد الحدود، ذلك أنها تأتي بنتائج عكسية تمامًا، وتنتهي في أغلب الأحيان -في الزواج المبكر- للطلاق أو لنشأة جيل مشوّه من الناحيتين الجسدية (4)- والنفسية، كما ويؤثر من جهة ثانية لنشوء جيل مشوّه تربويًّا لنقص تجربة كلا الطرفين -الفتى والفتاة- في التربية ومتطلباتها..

————————————————————-

(1)- تاريخيًّا، يرجح في هذا المجال أن تكون الدورة الشهرية هي السبب المباشر للتبرج، وليس محاولة الأنثى إبراز أنوثتها كما جرت العادة..

(2)- تلجأ الفتيات في كثير من البلدان إلى إجراء عمل جراحي لإزالة غشاء البكارة، باعتباره مثيرًا للقرف أثناء ممارسة الجنس للمرة الأولى، بينما نجده في بلدان الشرق المتوسطي رمزًا للشرف!، وهذه مسألة لا معنى لها في الحقيقة، إذ إن الفتاة يمكن لها ممارسة الجنس دون الإيلاج عبر كثير من الطرق، أبرزها ما يسمى (بالجنس الفموي) وغيره من طرق، قد نتطرق لها في سياق البحث، وعليه فإن وجود غشاء البكارة من عدمه لا يعني بأية حال المقولة الذائعة الصيت (ما باس تما غير إمّا)..

(3)- في مقابلة صحفية مع إحدى السيدات كان ختامها وردًّا على سؤال الصحفية: وكرامتكِ؟! أجابت السيدة: وأيُّ كرامة لك وقد تجرَّدتِ من كل ملابسك أمامه.. إجابة تختصر كل ما نعنيه بـ/شيفرة الجسد/ عند المرأة.

(4)- بيّنت دراسة جديدة سبب التشوّه الوراثي، والذي قد يحدث عن نشوء المادة الوراثية، وأن العطل يحدث عند انقسام الخلايا المنوية لدى المراهقين، وأن ذلك قد يعود إلى أن تشكُّل السائل المنوي قبيل البلوغ لا يكون في أفضل أشكاله. فقبيل انقسام الخلايا المنوية عليها أن تتناسخ الشريط الوراثي (دي إن إيه) الذي قد يحدث له انزلاق خلال ذلك، وينجم عن هذا مصفوفة جينية أقصر أو أطول من تلك التي يتألف منها الشريط الجيني العادي، وتنتقل هذه الإصابة الوراثية من الأب إلى ابنه مسببةً للأخير أمراضًا متعلّقة بالتشوهات الجينية.

العاطفة “نشوءًا وارتقاءً”:

يشكّل التطوّر الفيزيولوجي (الوظيفي)، التربة الصالحة لنمو العاطفة لدى كل كائن حيّ، حيوانًا كان أم إنسانًا، في الحيوان يلعب التطور الفيزيولوجي دورًا في التوجّه الغرائزي، الذي قد يميّز حيوانًا عن آخر، كالفارق بين ملكة النحل والنحلة العاملة، لكنه في الإنسان، يشكّل العامل الأهم في التكوين النفسي، حيث يشكّل التربة الخصبة لنمو العاطفة وتاليًا للتمايز بين الأفراد، أي نمو الخصائص التي تتفرع منها مختلف المواصفات التي يتمتع بها هذا الفرد أو ذاك، إذ لولا هذا التطور الوظيفي، لكان الإنسان-الفرد، كأي عاملة في خلية نحل.. فانصراف العاملات في خلية النحل مثلًا للعمل الدؤوب والمتواصل مدى الحياة، ليس سوى تعبير عن الأثر الذي يتركه انعدام الدافع الجنسي لديها، بينما يُنصِّب الجنس ملكة النحل على عرشها دون منازع، وما قتل البيوض التي تحمل جهازًا تناسليًّا في مملكة النحل، سوى التعبير الغريزي الأمثل للحيلولة دون الفوضى التي قد تسود الخلية نتيجة تنازع السلطة بين المؤهلات للتلاقح وبين الملكة، وتاليًا نشوء ما يعكر صفو هذه الخلية، ويمكن القول إن تأثير الجنس يدفع من جهة أخرى لتنصيب العاملات كافة في موقع المسؤولية دون الذكور الذين تقتصر مهمتهم جميعا -دون ذكر واحد فقط- على تلقيح الملكة، بل وكونهم الفريسة السهلة للدبابير التي تهاجم العاملات، وهذا بحد ذاته لأكبر دليل على ما نذهب إليه في هذا البحث، أي إن الجنس، كان وما يزال وسيبقى المحرك الفعلي لكل الخصائص التي يتمتع بها الإنسان، بل والحامل لكل المشاكل الاجتماعية بمختلف تصنيفاتها وتلاوينها، إن لم يكن الدافع لها أو التربة التي تنمو فيها مختلف المشاكل الاجتماعية وفي مختلف التجمعات الإنسانية، كلٌّ على نسبة تحررها من مختلف معوقات الفعل الجنسي، حيث يمكننا تصوّر الجنس كتربة تنمو في طبقاتها جذور شجرة العاطفة وأغصانها، تلك الخصائص التي يتميز بها كل فرد عن آخر.

هنا، لا بد لنا من التنويه إلى أن ما نقصده في (العاطفة) هو كل ما يمتّ للإنسان بصلة من الوجهة النفسية البحت، دونما تلك الخصائص البيويولوجية (الحيوية)- الفيزيولوجية (الوظيفية) الأخرى والمرتبطة أساسًا بالجين الوراثي، إذ ليس الذكاء مثلًا مرتبطًا بالعاطفة، لكن الخجل مرتبط بالعاطفة حكمًا كما ارتباطه بعديد من العوامل الاجتماعية الأخرى، لكنّ منبته العاطفة تحديدًا، كذلك بقية الأحاسيس والمشاعر التي تكون في أغلبها وليدة جملة العلاقات الاجتماعية التي تدور بمجملها حول محور الجنس المعلن منه أو المخفي بشكل أو بآخر.

ما تقدّم يقودنا لفهم سلوكية الفتى والفتاة في مرحلة المراهقة، التي تبدأ منذ اللحظة الأولى للنضج الجنسي، وتاليًا لفهم نزوعات كليهما للآخر، كذلك الأمر بالنسبة لموقفهما من الأهل والأقارب والأصدقاء ومختلف ما يتطلب منهما من علاقات تتطلب هذا المنحى السلوكي أو ذاك.. فالمحور الذي تدور حوله حياة المراهق -فتى أو فتاة- هو محاولته المتكررة لإرضاء الدافع الجنسي عبر الإشباع العاطفي من خلال العلاقات التي يقيمها مع من حوله، بالطبع هذا الإشباع يبقى مقترنًا بنسبة ما هي عليه جملة النواميس والأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة بتزمّتها وتشدّدها أو تحرّرها وانفتاحها، وتاليًا بالموقف من الأعراف والتقاليد و…، والمرتبط بالدرجة الأولى بنسبة الإشباع العاطفي الذي تمليه عليه الغريزة الجنسية، بوعي منه أو دون وعي..

ترتقي العاطفة مع تطور وعي المراهق وتقدمه في المعرفة نتيجة تجاربه الخاصة والمعلومات التي اكتسبها من أصدقائه أو قراءاته الخاصة، وتكتسي في المرحلة المتقدمة من المراهقة سماتٍ كثيرة كالموقف من القرابة والصداقة والحب والعشق والزمالة المدرسية أو الرياضية ومختلف النشطات الاجتماعية الأخرى.. ولعل أبرز ما يمكننا تقديمه كدليل على مختلف الأفكار المطروحة أعلاه، هو جملة الأساطير التي قدمها الإنسان منذ القدم، (والتي سبق وسردتها كمقدمة لهذا البحث)، حيث يمكن القول إن الجنس يبقى عند المرأة هو المتحول الذي تستتبعه مختلف رؤى المرأة عن ذاتها وعمن حولها بل إنه -وبشكل لا شعوري- يرسم جملة المناحي التي يمكن للمرأة أن تسلكها في مستقبل الأيام /وفق الشرائح العمرية/، أما بالنسبة للرجل، فالجنس يرسم خطًّا مستقيمًا في مختلف مراحل حياته، يبقى هاجسه والمحرك لكل تصرفاته وسلوكياته، في أي صورة اجتماعية ظهر بها، ذلك أن المرأة تبقى بالنسبة له، المحرّض والمحفّز والمستفزّ، وفي ذات الوقت المُحبِط لأي توجّه من توجّهاته الحياتية، الموجّه، بل والقائد الذي لا ينصاع الرجل لغيره طواعية.. ولتبقى مقولة /وراء كل رجل عظيم امرأة/ خير مثال لما تقدم، ذلك أن التطور الفيزيولوجي لديه يبقى على حاله حتى مماته، بمعنى آخر، لا يمرّ الذكر بذات المراحل المترافقة بنمو الجهاز التناسلي الذي تمر به الأنثى (الحيض وانقطاعه شهريًّا، ولا بالفترة الزمنية التي تنتهي فيها فعاليته -سنّ اليأس-)..

ولا بدَّ لنا في هذا المجال من التذكير بالدافع الحقيقي لانفصال الأميرة ديانا عن أمير ويلز، والفضيحة التي لاحقت الرئيس الأمريكي بيل كلنتون رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم نتيجة علاقته بالعاملة في البيت الأبيض مونيكا، مما يقودنا بطبيعة الحال لفهم علاقة الجنس والمال بالسياسة الدولية.

————————————————————–

(5)- كل الذين ساهموا في فضيحة كلينتون كانوا يهودًا، بدءًا من مونيكا وانتهاءً بليندا تريب عاملة الهاتف التي كانت تتنصت على مكالمات كلينتون- مونيكا، وما نهاية الأميرة ديانا المأسوية سوى شكل بالغ القسوة لأثر السياسة في مختلف العلاقات التي يمكن أن تدخل في هذا النطاق.. يشار في هذا المجال لعلاقة الرئيس الأمريكي كندي بالممثلة الشهيرة مارلين مونرو…

بداية، يشكّل الجنس المحور الذي تدور حوله حياة الفتاة والفتى العاطفية، وقد يعيه كلٌّ منهما وقد لايعيه، لكنه يبقى البوصلة التي تحدّد لهما سَمْتَ مستقبلهما على وجه العموم، ذلك أن التطور الفيزيولوجي في الجهاز التناسلي في هذه المرحلة العمرية يدفع بطريقة أو بأخرى لبروز عاطفة لا تمت بصلة للألفة الناتجة عن الحياة الاجتماعية المعاشة -وإن تكن هي المقدمة لمعركة العاطفة والتي غالبًا ما تنحو، وفق البيئة ومدى تشدّدها أو انفتاحها- لعلاقات غرامية بدائية، حيث يكون الانجذاب للآخر هو المحرك بالدرجة الأولى، ولعلّ السؤال الأول الذي يقلق بال الفتاة وليس الفتى هو: هل أنا جذابة بما فيه الكفاية للفت النظر؟ بداية يتمحور السؤال حول الشكل هل أنا جميلة لأكون مقبولة لدى الآخرين؟، لذلك فالتمايز الشكلي يكون هو المؤشر الأول لبروز العاطفة المرتبطة بالجنس، لكنه بذات الوقت يضع كليهما في حالة قلقة للغاية، فيلجأ كلاهما للتزيّن وبيان الخصائص الجسدية والسمات التي يراها أنها تمايزه عن الآخرين، وتحديدًا لمن يشكّل محور الاهتمام، لكنه يبقى عند الفتاة من أبرز اهتماماتها، فالمكانة التي تكتسبها للوهلة الأولى هي مدى الجمالية التي تتحلى بها، ومن ثم الخصال والصفات الأخرى والتي تكون بطريقة أو بأخرى تعمل على المفصل الرئيس- الجنس، مهما بدت بعيدة عنه في الظاهر، وهذه مسألة قد تكون موعاة بالنسبة للفتاة والفتى باعتبارها الهاجس الباطني لكليهما من حيث بروز الشخصية المتميزة عن الآخرين، ولا بدَّ لنا في هذا السياق، من التعريج على مسألة مهمّة بالنسبة للفتاة تحديدًا، وهي أنه في سياق الدورة الشهرية يكون الجموح العاطفي على أشدّه في الأسبوع الثاني من انقطاع الطمث، حيث تكون البويضة- العروس قد استكملت نضجها وأصبحت قابلة للإلقاح، مما يعني أن غالب اختيارات الفتاة للشريك- الحبيب، تكون في هذه الفترة من كل شهر، مما يفيد أيضًا أن الاختيار هو غريزي بالدرجة الأولى وليس اختيارًا عقليًّا، أي إنه اختيار يتجاوز كل ما يمكن أن تبنى عليه علاقات تحمل طابعًا عاطفيًّا بحتًا، فهي استجابة لمحرضات فيزيولوجية مترافقة مع الدورة الشهرية، وعندما نقول إن الاختيار ليس عقليًّا أو لا يحمل طابعًا عاطفيًّا، فهذا يعني أنه اختيار عشوائي تمليه الصدفة في الزمان والمكان المتاحين، كما ويعني أيضًا أنه يتجاوز كل العادات والتقاليد والأعراف، فلا يعترف بالفوارق العمرية ولا حتى بتلك الاجتماعية الطبقية والثقافية وحتى الجمالية، وقد لا نجد أي نوع من أنواع التوافق حتى الشكلي، كأن تحب الفتاة الجميلة شابًّا بشعًا أو أقصر منها أو لا يحترمها أو… الخ، كما ويترافق هذا النوع من العواطف باندفاع شديد لا يقبل مهادنة أو نقاشًا أو أي شكل من أشكال القبول بما قد يتعارض معه، ويكون المقدمة للثورة على المجتمع بمختلف معتقداته وتقاليده وعاداته، والتي قد تقف -على نسبة تزمتها أو تحررها- من هذا الجموح العاطفي موقفًا سلبيًّا، حيث تكون النتائج في أغلب الأحيان كارثية على الفتاة فتترك من التأزّمات العاطفية ما لا تندمل جروحه مع مرور الزمن، وتلعب دورًا لا مرئيًّا في مختلف تصرفاتها الذاتية النفسية والاجتماعية… كل هذه الخصائص لا يمر بها الفتى، فالجنس بالنسبة له محور تدور حوله مختلف تصرفاته وتقتصر العاطفة عنده على إشباع حاجاته الجنسية، فكل ما يمتلكه يعمل وفق ما يمليه هذا الجانب الغرائزي، على ألا يعني ما تقدم انعدامًا للعاطفة لديه، فقد تكون دافعًا لكثير من المشكلات -خاصة وأن محفزات العمل الجنسي لديه أشدُّ عنفًا من الفتاة وأكثر إلحاحًا- إن حال موقف ما دونه ودون هذه العاطفة فهو وإن كانت عاطفته مستندة لحاجة الإشباع الجنسي فهذا لا يعني بأية حال انعدامها لديه، بل على العكس من ذلك قد تكون أشدّ إلحاحًا عليه من الفتاة، ذلك أنه لا يعاني ما تعانيه من الوجهة الجنسية نوعًا ما وإلى حدٍّ ما من خلال تحرّره من كثير من الأعراف التي تنصبُّ بمجملها -بالعادة- على الفتاة…

بالطبع لا يجب أن يغرب عن البال، أن الجانب الجنسي من العاطفة لا يعني أن العاطفة بمختلف فروعها متجذّرة بالجنس، ولكنها -تبقى بشتى أشكالها على تماس معه-، أو هي تلتقي ببعض مفاصلها به، بشكل أو بآخر، ولهذا السبب نجد أن مختلف القوانين الاجتماعية تدور في مجملها حول كوابح هذه العلاقة (المحرمات) والتي تكاد تكون مطلقة في مختلف المجتمعات عمومًا، على الرغم من وجود شذوذات لها (السحاق أو المثلية أو سفاح القربى)، فليست مفاهيم مصطلحات /أخ أو أخت، أم أو أب، خال عم جد ست… الخ/ خاليةً من مصطلح جنسي أو من مفهوم جنسي، مدمج كمحرم داخل هذا المفهوم..

يمكننا القول بناء على ما تقدم، إنه وإن كان الجذر العاطفي مستغرقًا في تربة الجنس، فللعاطفة امتدادات أخرى، أهمها كون الإنسان -بأية مرتبة وُجد بها- يبقى كائنًا اجتماعيًّا، ولهذه الكينونة أبعادها العاطفية، منشؤها الاجتماعي، التآلف الأسري بداية والعائلي ثانيًا والمحلي (القرية- الحي، الوسط،…) ثالثًا، كما ومع سعة الاطلاع والمعرفة يستقيم التآلف فيغدو نوعًا من الثقافة التي تدفع بكلٍّ من الفتى والفتاة لعقلنة مشروعهما العاطفي، إذ ينصرف كلاهما لنشاطات اجتماعية أخرى، رياضية أو فنية أو دراسية أو سياسية أو اجتماعية -كالعمل في منظمات إنسانية-، وعلى مستوى ونوعية هذه الثقافة تغدو الثورة على كل ما يعترض هذا المشروع ضرورية…

3- التمرد والثورة:

هي معركة تاريخية، كانت وما تزال قائمة، منذ بدء البشرية في محاولة لعقلنة مشروعها الاجتماعي، وقد عُرفت تحت عناوين شتى، كان أبرزها “صراع الأجيال”، حيث الجبهة الصادّة الأعراف والتقاليد والعادات، المستمدة في مجملها من الدين، والذي انحصرت مهمته في مستتبعات الجنس وتحديدًا عند المرأة، ونادرًا ما تطرّق الدين للأخلاق الاجتماعية (المناقب) كالحرية والواجب والحق والخير والجمال.. في المقابل كانت الجبهة المهاجمة هي النشء الجديد، الذي نشأ بطبيعة الحال في رحم الجبهة الصادّة، التي شكّلت بشكل أو بآخر مختلف مفهوماته عن الحياة والكون، لكنه، وبعامل الحياة، التطور، فإنه يجد على الدوام ما لا يفي بالحاجة فيما نشأ عليه، فالمرحلة العمرية (12- 22) تحمل في طياتها الكثير من التطورات الفيزيولوجية كنتيجة لتطورات الحالة البيولوجية، والتي تنعكس سيكولوجيًّا على الفتى والفتاة كما أسلفنا، وليبقى الصراع قائمًا ما دام الآباء لا يجدون متّسعًا لشرح تجربتهم الشخصية لأبنائهم!! بالطبع تحت ضغط المفاهيم التي تعتبر الجنس من المحرمات، وليبقى التمرد والثورة هو الحل الوحيد أمام الجيل الجديد، والذي يبقى أيضًا -من حيث النتائج- رهنًا بالحالة التي تستقيم فيها المواجهة، فيخنع البعض للأمر المفعول ويستسلم البعض الآخر للأعراف والتقاليد الاجتماعية والبعض الثالث ينكسر ويتحطم على صخرة تمرّده، بينما يتمكّن البعض الأخير من التوفيق بين طموحاته والأعراف عبر مختلف النشاطات (الرياضية والفنية والاجتماعية والدراسية.. الخ)، التي تمتصُّ بعض تلك النتائج الفيزيولوجية (الجنس) والسيكولوجية (العاطفية).

يبدأ التمرد مبكرًا وفي نهاية الشريحة العمرية الأولى بأشكال مختلفة، بداية، كتعبير عن التمايز الشخصي، الذي ينصبُّ على الاختيار الشكلي لما يتذوّقه الطفل من الطعام، مثلًا أو لباسه ونوعيته شكلًا ولونًا ثانيًا ورفقته، ومن ثم النشاطات التي يمكنه القيام بها كما المواهب التي يرى أنه يتمتع بها، وفي مختلف الحالات يكون محابيًا للشخصية التي يعتبرها مثاله الأعلى والتي يستمدُّ منها قوة الدعم (اللوجستي) لقيامه بهذا دون ذاك، هذا النوع من التمرّد يعتبر إيجابيًّا إذا لم ينحُ منحى الكذب، والذي يعتبر أبرز ما يميز هذه الشريحة، وهو نوعٌ من عدم الإفصاح عن الرغبة أو الدافع للفعل المعني، مردّه في هذه الشريحة الخوف من العقاب، وهذا النوع من التمرّد يتحمل الآباء مسؤوليته قبل أي شيء آخر، وهو دليل على انعدام الثقة والاحترام لرغبات هذه الشريحة، فمختلف هذه الرغبات تخضع للكثير من النواهي الدالّة دلالة فاضحة على انعدام الثقة بين الأبناء والآباء، فليس للطفل حق الاختيار كما ليس من حقه تحقيق رغبة ما كائنًا ما كانت هذه الرغبة -خاصة إذا ما تعارضت هذه الرغبة مع ما يأمله الآباء من أولادهم أو ما تعارض مع النواميس الاجتماعية السائدة- أو ليس من حقه الإفصاح عن رأيه في أية مسألة مطروحة للنقاش أو إبداء الرأي.. كل ما عليه هو الرضوخ رضوخًا تامًّا لما يُملى عليه من أوامر ونواهٍ مردّها في مختلف الأحوال دينيٌّ بحت، كما الأعراف والتقاليد والعادات التي تؤطر الوسط الذي ينشأ فيه الطفل..

في المُجمل، يشكّل ما تقدّم القاعدة التي تحدّد المنحى الذي قد ينحوه الفتى والفتاة في الشريحة العمرية الثانية من مختلف شؤون حياته، فيرتد على ذاته كاظمًا مختلف تطلعاته ورغباته؛ خافيًا ما يجول في نفسه عن أبويه، وتحديدًا فيما يتعلّق بالمُحَرَّمِ المطلق، الجنس، فيعاني ما يعانيه نتيجة فقدان الصراحة بينه وبين أبويه وحتى إخوته الذين يكبرونه، والتي قد تكون تجربتهم قد نضجت ويمكنه الإفادة منها، لكن انعدام الثقة بين مختلف عناصر العائلة -والتي تبقى غير واضحة المعالم بين أفراد الأسرة الواحدة- في حال من هذا النوع كفيلة بتوجّهه إلى أصدقائه لكن وبحذرٍ شديد، فالثقة التي افتقدها في أسرته يعمّمها على وسطه، ونادرًا ما يجد من يُسرُّ له بمكنوناته، وخاصة الفتاة التي تحول مختلف المفاهيم المنبثقة من الأعراف والعادات التي عشعشت في فكرها من التداول في أيٍّ منها مع كائن من كان، هي عالم خاص معقد مرتبك مضطرب حذر متوجس.. الخ، عالمٌ له مواصفاته الخاصة التي لا يملك مفاتيحها سواه.

يلعب الجنس في مختلف الحالات المتقدمة الدور الفاعل والمحرّض، فمتطلباته تفوق قدرة الفتى والفتاة على المقاومة، فيكتشف كلٌّ منهما العادة السرية تلقائيًّا، لكنَّ ممارستها تبقى محفوفة بالمخاطر، التي لابدَّ من تقبّلها بما تتركه من آثار نفسية إيجابية آنيًّا وسلبية على المدى الطويل، نتيجة حشو فكر الفتى والفتاة بمختلف المفاهيم الخاطئة، الدينية تحديدًا، هي المرفوض المقبول، والمكروه المحبب، والممنوع المرغوب.. خاصة وأنه يترافق مع الميل للجنس الآخر، عبر العاطفة، تدخل المعاناة فيها درجة بالغة الخطورة على حياة كلٍّ من الفتى والفتاة، مما يدفع للثورة، بما تعنيه من رفض الواقع بكل معانيه وأشكاله وضروراته وموجباته ومحاذيره وعواقبه الشخصية والاجتماعية، والتي تختلف ها هنا بين الفتى والفتاة، حيث يمكن للأول الحدّ من مؤثراتها السلبية بما أعطي له -في مجتمع ذكوري النزوع- من حقوق، بينما لا تجد الفتاة منفذًا لها، فمختلف المفاهيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية تنصبُّ عليها وتقف حائلًا بينها وبين ما ترغبه وتمليه عليها تطورات جسدها الفيزيولوجية، لينشأ من حالة كهذه كائنٌ له شيفرته الخاصة المستقلة كل الاستقلال عن أخرياتها، وهنا بالتحديد تتمايز المرأة عن النساء الأخريات، فكل امرأة كيانٌ له خصائصه وخصوصيته التي وإن التقت في الإطار العام مع الأخرى، تبقى ذات خاصية، هي مفردة لغوية، لا تأخذ معناها إلا في السياق العام للنصّ الاجتماعي.

هكذا تأخذ الثورة، عند المرأة، أبعادها وتتخذ الانقلابية أسلوبًا والرفض الذاتي الداخلي نهجًا والسكوت منحىً ومتّجهًا في كل المسائل والقضايا التي تتعرض لها أو تُعرض عليها، لتظهر للملأ على غير حقيقة ما تعانيه، في الخفاء والسرية تُمارس كل الفضائل وفق معايير خاصة وأشكال مختلفة لا تنكشف إلا من حيث تناقضاتها، كل ما نشأنا عليه له معاييره الخفية الخاصة بنا، مبرراته كثيرة ومساحاته أوسع بكثير مما نتصوره، وأساليبه مبتكرة، تمليها الظروف والأشخاص والأمكنة، هكذا تسقط مختلف النواهي وتنتهك كل الأعراف والتقاليد والقيم والفضائل التي يعتقد البعض أنها تمثل الواقع الحق أو الصحيح الذي نشأنا في ظلاله، دون أن يتيح لنفسه فرصة التأمل به بهدف فهمه أو إعادة النظر حتى في مفرداته، وفي هذا عظة للآباء، تقول بضرورة الوضوح والصراحة مهما كانت غير مقبولة ومرفوضة، ومهما بدت الحقيقة وقحة صَفِقة صلْفة فستبقى الضمان الضامن لمستقبل تجد فيه المرأة كيانها وشخصيتها وتهدئة لنفسيتها المضطربة والقلقة والتي سنراها واضحة المعالم في الشرائح العمرية اللاحقة..

إن أبرز ما تفضي إليه هذه المرحلة هو المثلية (اللواط والسحاق)، وكلاهما يحول دون الزواج بهدف الإنجاب، يُضاف إلى ما تقدّم الماسوشية والسادية أو ممارسة العنف الجنسي مع الآخر أو مع الذات، وهذا ما يحول دون استمرارية الارتباط في الحالات الأكثر شيوعًا، والطلاق أبرزها، وما يثير الاستغراب في موضوعنا حول هذه الشريحة العمرية هي أننا نعيد ما سبق لنا أن رفضناه وتمرّدنا وثُرنا عليه، وكان ذاك هاجسنا الوحيد وخلَّفَ ما خلَّفَ من الآثار الكارثية في نفسيتنا، فيما قد نتلمّسه أو ما خفيت علينا أسبابه، والتي تعود في معظمها لفقدان الثقة بالذات أولًا وبالآخرين ثانيًا، ومردّ كل ما تقدم للقيم التي نشأنا على قواعدها والتي بطبيعة الحال تحول دون قيم التصالح مع الذات والتي بدونها يستحيل بناء جيلٍ لديه من الجرأة الأدبية ما يكفي لانتقاد الذات فيما ترغبه وترفضه والتصريح به، بل وعلى العكس من ذلك تمامًا نستمر في جَلْد الذات على مذبح الأعراف والتقاليد والتي ثبت بطلانها لنا قبل غيرنا، وأولادنا هم نتاج ما تقدم أولًا وأخيرًا.

الشريحة العمرية الثالثة (22- 35)

تمهيد

في هذه الشريحة يبدأ التطبيق الفعلي لكل ما اكتسبناه وبات يشكّل مختلف سمات شخصيتنا، فنحن، على نحوٍ ما، صورة حاضرٍ تقمّص الماضي بكل سلبياته ولم نتّعظ مما عانيناه في تغيير نظرتنا إلى أنفسنا وللآخرين معًا..

لربما كان الهاجس الوحيد، عن المرأة، في نطاق هذه الشريحة هو الإنجاب تأكيدًا لأنوثتها، وإن يكن الجنس دافعه المضمر -خاصة في مجتمعنا- لكنه ليس غايته، فالبحث عن شريكٍ يتمتع بالمواصفات التي نراها جديرة بتحقيق ما نطمح إليه، يبقى الشغل الشاغل لها، مضمرًا كان أم معلنًا، وقد يكون من النادر جدًّا، أن تعزف امرأة ما تلقائيًّا عن الزواج وتاليًا البحث عن الشريك، على عكس الرجل الذي نجده في الغالب عَازفًا عن الزواج باعتباره -الرجل- العامل الاقتصادي الأهم في الأسرة، وتختلف على العموم مواصفات الشريك بين الرجل والمرأة تبعًا للبيئة التي نشأا بها، وهي تتباين بين امرأة وأخرى وإن كان الشكل والمستوى المادي هما كفتا الميزان، واللتان في المجمل يبقى تساويهما طموح المرأة أيًّا كانت البيئة المنتمية لها، المكانة الاجتماعية والثقافة تليان ما تقدم، في العام تبدو المواصفات الأربع المتقدمة هي الشروط الجوهرية ونسبيّتها تتراجع مع التقدم في العمر، الشذوذات كثيرة في هذا السياق لكنها ليست القاعدة العامة للزواج، في الشذوذات، يلعب الجنس والعاطفة والثورة الدور المحوري، نتيجة تلك العلاقات التي انتهت إلى الفشل في سنّ الزواج، فالزواج المبكر، على سبيل المثال، يدفع بكلا الشريكين لإعادة النظر بما أقدما عليه مرغمين بحكم الأعراف والتقاليد والعادات، ونادرًا ما يحول مصير الأبناء دون افتراق الشريكين بشكل أو بآخر، وفي الغالب ما تتحمل المرأة المسؤولية عمّا أنجبت بحكم الأمومة التي لا تبدو القاعدة المعمول بها في مثل الحالات التي يكون بها الرجل طاغيًا بحكم ما ورثه من حقوق ذكورية في مجتمع ذكوري، فنجد المرأة هنا كافرة بالأمومة ومستتبعاتها منتقمة من الرجل في تحمّل مسؤولياته تجاه من أنجبهم وتحجيمًا لإمكانية زواجه من أخرى، والأبناء هم الضحية الأولى والأخيرة للزواج المبكر، فإضافة لتربية تنقصها الخبرة يجيء الطلاق وتشرّد الأطفال أو انصياعهم لامرأة أخرى أو رجل آخر ليزيد من شذوذهم الاجتماعي.. في العلاقات التي تسبق سنّ الزواج، والتي تنتهي في الغالب لفقدان المرأة بكارتها، يكون الزواج تحت ضغط الظروف الاجتماعية، لكنّه زواج لا ديمومة له في غالب الأحيان، وهو يأتي كتبرئة للمرأة من أخطاء الماضي، وليحمل في طياته مناحي سلبية؛ أقلّها شذوذ المرأة عن السياق العام للقوانين الاجتماعية.. المثليون (اللواطيون والسحاقيات)، في الغالب لا يتزوجون، مبرّرين ذلك برفض العلاقات الزوجية بما تحمله من تبعات لا طاقة لهم بها.. وتتفاوت نسبة ما تقدم بالمجمل تبعًا للبيئة الاجتماعية بين منغلقة ومنفتحة..

تعاني المرأة، دون الرجل، في هذه الشريحة من تهمة “العنوسة”، لذا فهي في عجلة من أمرها في موضوعة الزواج، صحيح أن لها شروطها، لكنها شروطٌ ليست صارمة إلى الحدّ الذي يحول دون الزواج، تبقى العنوسة (هاجسًا باطنيًّا) يؤرقها ما دامت خارج اهتمام الرجل، الرجل هنا عامل أمان، وفي أية علاقة تقيمها المرأة مع الرجل في هذه المرحلة تبقى بهدف الزواج (باعتبار الزواج كما أسلفنا امتحانًا لأنوثة المرأة في الإنجاب، وهذه مسألة سنوليها بعض الاهتمام في الحديث عن المرأة العاقر..).

يقترن (الهاجس الباطني) بالمظهر، لذا تبدو المرأة أشدّ اهتمامًا بمظهرها من أي شأن آخر، وتبذل المرأة المقبلة على الزواج قصارى جهدها بالظهور بالشكل اللائق، المظهر هنا يعكس ثقافة المرأة الذكورية، بمعنى آخر، كيف ترى المرأة الرجل لجهة كونه زوجًا، تختلف الرؤية هنا بين امرأة وأخرى تبعًا لما اكتسبته من خبرة في الشريحة العمرية السابقة ولما تلقّته من ثقافة اجتماعية وبمقاييس علمية؛ تبعًا لاجتهاداتها الخاصة، وهي تدرك حدسيًّا أن الجنس محور علاقتها بالرجل، وهو ما يوليه اهتمامه بالعلاقة التي يقيمها مع أية امرأة كانت، قدسية الجسد عند المرأة قد تحول كثيرًا من تحقيق طموحات الرجل الجنسية، لكنه مع ذلك يتلقط بعضًا من شارات شيفرة الجسد لدى المرأة، وهو إن تمكن منها، تمكن من المرأة التي أمامه، في شيفرة الجسد، شارات قد تبدو جلية لكنها في واقع الحال تخفي الكثير من توجهات المرأة البيولوجية والفيزيولوجية والسيكولوجية، في العموم تبدو المرأة ذات البرود الجنسي النسبي أكثر اهتمامًا بإبراز مفاتنها، بينما تلك التي تتمتع بشبق جنسي أعلى من حدّي تحاول إخفاءه بمختلف الوسائل التي تمتّ للأنوثة بصلة، وتتساوى في هذه الحال مع تلك التي ترفض كونها أنثى بالتمظهر بمظهر رجولي نسبيًا.

سنّ الزواج:

———————-

بدءًا من العمر 22 تكون المرأة دون الرجل مهيّأة للزواج بشكل عام، وحتى الثامنة والعشرين تكون قد بلغت ذروة نضوجها العقلي -الذي في غالب الأحيان يكون سابقًا للرجل في موضوعة الزواج-، لذا يُفضّل أن يكون الفارق العمري بين الأنثى والذكر لا يقل عن خمس سنوات ولا يزيد عن ثماني سنوات، والأسباب هنا كثيرة، أهمها عزوف المرأة بعد الإنجاب عن الممارسات الجنسية نتيجة تأكيد أنوثتها بالإنجاب، على ألا يعني هذا الأمر عزوفًا كليًّا، لكنه يبقى نسبيًّا مع تقدم الأنثى بالعمر، خاصة عند بلوغها الخمسين أو الستين من العمر، حيث ترفض رفضًا شبه مطلق الممارسات الجنسية، بينما يبقى الرجل على ذات النسق باندفاعه الجنسي، مما يحيل الحياة الزوجية لجحيم لأسباب شتى، سنأتي على ذكرها وفق الشرائح العمرية، لذا كان الفارق العمري ضروريًّا لتجاوز هذه الإشكالية مع تقدم المرأة بالعمر، إذ يتوافق العدّ التنازلي للرغبة الجنسية مع العدّ التنازلي أيضًا للرجل..

الزواج:

————–

في مختلف الأحوال التي يتم فيها أسلوب الزواج، فإن كل ما سبقت الإشارة إليه سيكون في دائرة الامتحان اليومي لكل من الرجل والمرأة، سوف تظهر المرأة على حقيقتها نسبيًّا، بينما الرجل يظهر كما هو في المطلق، ومع مرور الزمن تبدأ مختلف السمات الشخصية بالظهور رويدًا رويدًا، وتبعًا لقدرة كل من الطرفين على التكيف مع الآخر، تمضي الحياة الزوجية إلى ما سوف تنتهي إليه من تناقضات أو تماهي أحد الشريكين مع الآخر، وغالبًا ما تكون المرأة هي المتماهية في الرجل، بالطبع بشكل نسبي تبعًا لما اكتسبته من تجربة وثقافة سبق أن ألمحنا لها، لكنها في المجمل تبقى على خصوصيتها مَخْفيَّةً، مراهنة في ذلك على مستقبل الإنجاب، فالأولاد بالنسبة لها يشكلون المستقبل الذي سوف تتحقق به شخصيتها كما انتهت إليها، بينما يمضي الرجل إلى غايته مطمئنًّا لسلطته التي منحها له المجتمع..

لكن وحتى تستقيم العلاقة الزوجية، لا بدَّ لكلا الطرفين من اعتبار أن ارتباط أحدهما بالآخر -بأية حال كان به هذا الارتباط- ما هو سوى سنّة طبيعية تقتضي نشأة جيل يتفوق على كلا الأبوين، في مختلف سماتهما وخصائصهما ومواصفاتهما، معتمدين في ذلك على إعطاء أولادهما ذخيرة ما اكتسباه من خبرات -على مختلف الأصعدة والمستويات- وثقافة تفيد الغاية المنشودة، وحتى يتحقق ذلك لابدَّ من اعتبار قاعدة /الأم مسلك والأب قدوة/، هي القاعدة الأهم في العلاقات الزوجية إذا ما استثنينا الشذوذ.

بمعنى أن الأم هي التي تغرس في أطفالها القيم التي تحدّد مسارهم في الحياة، متّخذةً من الأب القوة التي تجسّد ذاك المسار، والمرأة- الأم، التي تتمتع بذكاء نسبي عليها أن تدرك أن أنوثتها التي اكتملت في الإنجاب تنضج في رسم المسار الذي تريد لأبنائها سلوكه وبلوغ غايتها من الإنجاب، الذي يتعدّى في هذه الحال مختلف القيم والمفاهيم التي عملت الظروف والأوضاع والمناسبات والأشخاص (أب، أم، قريب، صديق، حبيب..) على توطيدها في نفسيتها، المرأة التي تتمتع بذكاء نسبي تدرك أن عليها أن تتخطى مختلف العقبات التي تحول دون الاستفادة مما كانت عليه في سنّ أبنائها، فتتذكر ما كانت بحاجة إليه وتقدّمه لأبنائها طواعية، وفي مختلف شؤون الحياة وبشكل رئيس على صعيد المحرمات.. وحتى يتمّ لها ذلك عليها أن تدرك أنه ومهما تكن مواصفات الرجل الذي ارتبطت به -مهما تكن كيفيّته وإشكالاته- يبقى لها القدوة التي تبني على قاعدتها صرح مستقبل أبنائها، فتمتنع على سبيل المثال عن كل ما يمكن له أن يسيء لرجلها مهما تكن خصائصه ومواصفاته التي اتضحت لها في مسيرتها الزوجية وإن تكن مخالفة لقناعاتها الذاتية، فالأب القدوة، بالنسبة للمرأة- الأم، يخرج عن كونه رجلًا تمارس معه مختلف شؤون حياتها الخاصة والعامة، إلى كونه جملة القيم التي تعمل على غرسها في أطفالها.. وإلا فهي ترتكب خطأها التاريخي في توجيه أطفالها لقدوة أخرى يمكن أن تكون أيًّا آخر، في العائلة أو المدرسة أو الشارع أو حتى شخصية سينمائية أو اجتماعية أو ثقافية أو.. وعليها بالتالي ألا تعوّل كثيرًا على الأبناء فيكون حصادها مرًّا بما فيه الكفاية..

العلاقات الزوجية:

——————————-

نعود ونذكّر بما سبق أن أشرنا إليه في حلقات سابقة، كيف أجابت تلك المرأة المسنّة على سؤال الصحفية: وكرامتك؟! أجابت السيدة: “وأيُّ كرامة لكِ وقد تجرَّدتِ من كل ملابسك أمامه..”، وعلى الرغم من أن الإجابة تعكس مدى تأثير “قدسية الجسد” عند المرأة، فإنه من جهة أخرى يعكس القاعدة الأهم في العلاقات الزوجية، حيث لا معنى لإخفاء مختلف وجهات النظر مهما تكن مخجلة أو وقحة بين الشريكين، فالحياة الزوجية اليومية تفترض علاقات لا تشوبها الخفايا.. وتبدو الأغراض واضحة في مجمل ما يعانيه الزوجان في علاقاتهما بعضهما مع بعض أو مع الآخرين، وعلى كل حال يبقى ما تقدّم نسبيًّا وعلى سوية المرأة لا الرجل، الاجتماعية والثقافية وتحديدًا نظرة المرأة لنفسها وشخصيتها وثقتها بمكانتها عند الرجل، هذه النظرة تبقى رهنًا بشخصية الرجل ومستوى علاقته بالشريك، وتحديدًا في العلاقة الجنسية بينهما ومدى الصراحة التي يمكن اعتمادها في أيّ حوارٍ بينهما بناءً على سوية هذه العلاقة، والدور الأبرز هنا في هذه العلاقة للرجل كـ”تابع” لـ”متحوّل” هو المرأة، هنا في هذه العلاقة بين الزوجين تكون المرأة هي القائد والموجّه ويكون الرجل الجندي الذي ينفذ ثم يعترض!.

مهما حاول أيٌّ من الشريكين إخفاء خصائصه التي يراها سلبية -وقد تكون غير ذلك- فإنه بشكل مباشر أو غير مباشر، سيجد نفسه مضطرًا للإفصاح عنها، والخصائص التي اكتسبها في المرحلتين السابقتين ستظهر، إن لم يكن بشكل معلن فبشكل ضمني مضمر عبر السلوك اليومي الذي تسقط فيه مختلف الأقنعة التي مهما بدت مقنعة في السابق فلن تجد لها متّسعًا ها هنا.. ومهما بلغ تسلّط الرجل وتكتّم المرأة، فإن مجرى الحياة سيفصح عن مكنونات أيٍّ من الشريكين، العلاقة الزوجية يحكمها في مراحلها الأولى من الزواج رضا الطرفين بعضهما عن بعض، إذ يحاول كلا الشريكين إرضاء الشريك، حتى على حسابه الشخصي، هذا الرضا يبقى مؤقتًا، خاصة إذا ما كانت العلاقة الجنسية غير مكتملة، بمعنى أن تكون هذه العلاقة محكومة من قبل رغبة الرجل دون المرأة، في حالٍ من هذا النوع سيكون خروج المرأة عن المألوف ضروريًّا وفي أحيان كثيرة ثوريًّا، بمعنى أنها ستكون مشاكسة بطريقة ما، مهما بدت خانعة، راضية، قابلة للأمر المفعول، فردّة الفعل هنا أقرب ما تكون إلى اللاإرادية، وقد لا تكون المرأة مدركة أنها تردّ الفعل الجنسي غير المكتمل، بطريقة غير مكتملة أيضًا، فإذا ما استمرت الحال على تفرّد الرجل وتكتّم المرأة فإن الزواج مصيره الفشل مهما حاول أحد الشريكين استيعاب الآخر في القضايا اليومية المعلنة حول أعباء الحياة، مادية كانت أم معنوية، والمشكلة تكمن أولًا وأخيرًا في مدى الصراحة والوضوح بين الشريكين..

المشكلة هنا متعددة الجوانب، فإما أن يكون الرجل لا خبرة له فيما يتعلق بالجنس، وهذه هي الحالة السائدة بين الرجال، فمعظمهم لا يدركون أن العلاقة الجنسية “فن” قبل أن تكون مجرد عملية فيزيولوجية، وأنها تشاركية ثانيًا، كما وأن المرأة هي التي تقود الفعل الجنسي وليس الرجل، هي المتحوّل وهو التابع، فعليه مواكبة المرأة في مراحلها المتعددة لبلوغ النشوة الجنسية والتي هي بيت القصيد.

المنحنى البياني التالي، يبيّن المسار الذي تسير به العملية الجنسية بين الشريكين في حالات ثلاث:

جدلية العلاقة

الذروتان (1 و2):

—————————–

يبيّن المنحنى البياني (1) وصول الرجل لذروة النشوة بعد فترة وجيزة من ملامسته للزوجة وفي أحيان كثيرة قبل الإيلاج، أو بعده بقليل، وقبل أن تكون المرأة قد بلغت الدرجة الأولى من التهيئة النفسية للدخول في العلاقة أو المرحلة الأولى من المداعبة، وبهذه الحالة تكون النتائج وخيمة على كلٍّ منهما، حيث يدرك الرجل أنه ليس في المستوى الزوجي المطلوب، مما يؤدي به للإحباط من العملية الجنسية بوجه عام، وتاليًا تعويض ذلك بسلوك يومي مغاير حتى لطبيعته النفسية، بينما نجد أن المنحنى (2) يستمر بعد ذلك لفترة أطول بكثير من بلوغ الرجل حدّ الذروة، إذ تستمر تقلصات الرحم لدى المرأة والتي قد تدفع بها لممارسة العادة السرية من جديد أو للبكاء والعضّ على النواجذ لما انتهت إليه في هذا الزواج المشؤوم، والذي لا شك أنه سينعكس على السلوك اليومي العنفي لها..

المشكلة هنا تعود لقصور الثقافة الجنسية لدى الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، وتاليًا كيفية معالجة هذه الحالة، فما من مشكلة إلا ولها حلولها النفسية والبيولوجية والفيزيولوجية إذا ما عُرفت العوامل والأسباب المؤدية لها، هذه المشكلة هي ما تعاني منها كل نساء العالم على وجه العموم ، وهذه هي العقبة الكأداء في الحيلولة دون استمرار الزواج أو تعميم صورته الحالية التي يعرفها الجميع والتي تجعل من الزواج مشكلة عامة أو البلاء الذي لا بدَّ منه، أو على النحو الذي يشير إليه المثل المكسيكي الذي يقول (الزواج هو الحرب الوحيدة التي ينام فيها الأعداء في سرير واحد)، هذه هي باختصار صورة الزواج، لكنه في واقع الحال يأخذ صورته هذه من رؤية قاصرة لا يمكن من خلالها تحديد ماهية المشكلة التي تجعله على هذا النحو، فإذعان المرأة لواقع الحال يقوم في حقيقته على رغبتها الضمنية والمضمرة في الإنجاب، وهو امتحانها الأهم حتى ولو كان على حساب سعادتها ورغبتها وحقّها في الاستمتاع بعلاقتها الزوجية مع الرجل الذي “اختارته” كشريك لها، وكما أسلفنا فإن ما حملته من مرحلتيها الأوليين يجعلها ترى أن البحث حتى في هذه الرغبة يبدو لها غير أخلاقي، خاصة إذا كانت هي أيضًا لا تتمتع بالخبرة الجنسية، إذا استثنينا خبرتها من ممارسة العادة السرية التي عانت منها الأمرّين، وما زالت تعاني من أخلاقياتها التي تحظّر البحث في “المحرم- المقدس”، سأكتفي بالإشارة إلى هذه الحالة أو الوضع العام الذي تعاني منه المرأة بالمثال التالي والمستمد من الواقع المعاش (بدوي نايم مع مرتو يقول لها: ولك شبك قولي “آه آخ” ليه ساكتة متل الحيط، فترد عليه الزوجة قائلة وعليش قول آه أوه إيه مانك عم توجعني..)، هذه ليست نكتة إنها حال المرأة التي تعتبر أن العلاقة الزوجية واجب زوجي لا أكثر ولا أقل، هكذا حال سيفجّر المكبوت (العاطفة) عند المرأة وبطريقة غير مباشرة ودون وعي منها، ستشعر بأنها بحاجة لرجل آخر، وستدرك أنها منجذبة أيضًا لرجل ما، يحقق لها ما لا تدركه وما لا تعيه وما قد لا تربطه بالجنس، وقد يكون -تبعًا لثقافتها ودرجة وعيها لذاتيَّتها واحتياجاتها النفسية- الشعور بالوحدة والقلق والحيرة حول زواجها والغاية التي كانت تتوقعها منه، وقد تضفي نوعًا من المثالية على علاقتها بزوجها (على نسق حواء في أسطورة الخلق المستقل)، حيث المرأة مجرد وعاء إفراغ تكتسب عبره رضا الزوج.. وفي أية حال كانت عليها المرأة، فإن العلاقة الزوجية تبقى في حال من الرتابة المملة، فالجنس ليس مجرد عملية فيزيولوجية، إنه في حقيقته عملٌ إبداعي لخلق انسجام متجدد متناغم في مواجهة ما قد يعترض الحياة الزوجية من أعباء، هو إذكاء لديناميكية وحيوية الحياة الزوجية، وتماهي كلٍّ من الشريكين مع الآخر، بل والأكثر من ذلك لهفة وشوق وعشق للشريك مهما كانت عليه حالته النفسية أو المادية واستيعاب مفرزات أيٍّ من الحالتين..

من الصعوبة بمكان الخروج من الوضعية آنفة الذكر، إذ لم تتجرأ المرأة على التصريح مما تعانيه في علاقتها الزوجية، وعليها أن تدرك أن من واجبها التصريح بذلك، لأن استمرار الحال على ما هو عليه يدفع بالرجل أيضًا للشعور بأن زواجه ليس بالزواج الناجح، إن أدرك هو أسباب ذلك أم لم يدرك، فتأوّهات المرأة التلقائية يضفي شعورًا بالارتياح لدى الرجل لجهة رجولته، بل ويزيد من توهُّجه الجنسي الذي يبدو -في الحال المعاكسة- مشكوكًا به، وفي حالات كثيرة يضفي السكوت عن المشاركة الصوتية، نوعًا من الشك في الزوجة من أنها لا تستجيب نتيجة برودة عاطفتها بالنسبة له سلبًا وإيجابًا، وقد يفقد استمتاعه بممارسة العمل الجنسي مع زوجته، حيث يدفعه هذا الشعور للبحث عن أخرى تسدّ النقص الذي يعانيه مع الزوجة، حيث الأخرى ستكون حكمًا أكثر صراحة وحرية في ممارستها الجنسية، فهي غير مقيّدة أخلاقيًّا بالمكبوت الاجتماعي طالما أن علاقتها بالرجل غير “شرعية” وخارجة بما هي عليه على مختلف الطقوس والأعراف والتقاليد والقوانين الاجتماعية السائدة، إنها “ليليت” الزوجة الأولى لـ”آدم”، الرافضة للهيمنة الذكورية في العمل الجنسي تحديدًا، والتي تتقبل على قاعدة رفضها، مختلف المترتب عليه ومستوياته.

إن ضرورة أن تكون الثقافة الجنسية لدى الشريكين ذات مستوى يسمح لهما بالزواج بعد موافقتهما، ضرورة لا بدَّ منها وتاليًا اعتماد مبدأ الصراحة والوضوح وعدم الاختباء وراء أقنعة ستسقط على أية حال، لكن سقوطها لن يكون دون نتائج سلبية على وجه العموم، هذه الضرورة تسمح للشريكين معًا في إيجاد الوضعية المثلى لممارسة العلاقات الزوجية بشكل يجعل من أدائها فنًّا وعلمًا وثقافة، وتاليًا معالجة مختلف الأسباب التي تحول دون نجاح الزواج وإتمام مهمته الأولى والأخيرة، ألا وهي إنتاج جيل يتفوق عليهما ذكاء وقدرة على مواجهة الواقع بكل إشكالياته…

إن أول ما يتبادر للذهن في أن يكون ما تقدم عائدٌ لـ”سرعة القذف” عند الرجل أو لبرودٍ جنسي تعاني منه المرأة أو لوضعية لا تريح المرأة أو الرجل:

(1)- سرعة القذف عند الرجل:

في مختلف الأحوال، فإن سرعة القذف وإن كانت تعود لعوامل عدّة نفسية وحيوية ووظيفية واجتماعية، فإن معظم الرجال لا يأبهون لنتائجها السيئة على مستقبل زواجهم، لأسباب شتى، أولها بالطبع ضحالة ثقافتهم الجنسية ومن ثم اعتقادهم بأن المرأة مجرّد متاع لإفراغ شهوتهم، وتاليًا ليست شريكًا في هذا التماهي الذي هو صلب الحياة الزوجية، ولا شك أن سكوت المرأة عن هذه الحال يساهم مساهمة فعَّالة في تقرير ما تقدم كحقيقة يجب تقبّلها بأية حال، فالمحرّم- المقدّس، ما يزال فاعلًا فعله في تدمير كل ما يمكن بناؤه من خلال الحياة الزوجية من حيث هي سعادة ومحبة ونشئًا جديدًا، ولا شك أيضًا في أن المرأة تساهم في ذلك مساهمة عليها تحمّل نتائجها ما دامت تعتقد أن البحث في المحرَّم- المقدّس، عيب وخطأ، علمًا أن المرأة هي الوحيدة القادرة على الحيلولة دون القذف السريع بأساليب سوف نأتي على ذكرها في السياق.

فمن الوجهة النفسية، قد تعود هذه العاهة، لمرحلة ما بعد البلوغ، والأثر النفسي الذي يجعل من ممارسة العادة السرية أمرًا مرفوضًا وإن كان مرغوبًا يحبّ إتمامه بالسرعة الكلية قبل افتضاحه من قبل أيٍّ كان، فهي في هذه الحال عادة يمكن الإقلاع عنها، وقد تعود أيضًا لتكرار العادة السرية يوميًّا لأكثر من مرة أو اثنتين أو ثلاث.. وبالطبع مع الأخذ بعين الاعتبار المعتقدات آنفة الذكر أعلاه..

ويمكن أن تعود سرعة القذف لعوامل أخرى، أهمها على الصعيد النفسي عدم الارتياح للعلاقة الحميمية مع الزوجة لأسباب شتى، سلوكيتها المنفرة؛ إخفاقها في إدارة الشؤون المنزلية، نظافتها الجسدية.. الخ، كما أن المكان له آثاره في ذلك، كأن تكون غرفة نوم الوالدين هي غرفة نوم الأبناء أو أحد أفراد عائلة الرجل أو المرأة أو إحدى العائلتين.. وقد تعود في بعض أسبابها إلى الإرهاق الذي يعاني منه الرجل في عمله، ولهذا تأثير كبير في رغبته بإنهاء العلاقة بأسرع وقت للتفرغ للنوم أو الراحة، وقد تعود سرعة القذف لأسباب تتعلق برفض الزوجة المستمر لإقامة علاقة جنسية، وتاليًا لتباعد فترات الجماع، وهذه مسألة لها تداعياتها المستقبلية -كما سيجيء في السياق العمري للمرأة كمتحوّل-، إضافة لكل ما تقدم قد تكون عائدة لخاصة ينفرد بها الرجل عن المرأة وهي خاصية “الاستثارة البصرية” عند الرجل، الذي يُستثار يوميًّا لمجرد رؤية أية امرأة، وقد يُستثار لمجرد التفكير بالمرأة، على العكس، فالمرأة لا تتمتع بهذه الخاصية، وهي خاصية عليها -المرأة- أن تدرك مآلها في مثل هذا الفارق…

ومن الوجهة البيولوجية، قد تؤدي بعض الأمراض والأدوية التي يتناولها الرجل للتداوي، لسرعة القذف، وهناك بعض الأمراض التي قد تصيب الرجل كمرض السكري أو إصابات في النخاع الشوكي أو لتواجد بعض الأورام لديه كأكياس الدم والتهابات في الخصيتين. كذلك الالتهاب المزمن للبروستاتا أو اضطرابات هرمونية في الغدة الدرقية، جميعها أمراض قد تؤدي لسرعة القذف..

ومن الوجهة الفيزيولوجية، إصابة الرجل بضعف الانتصاب وقد يعاني من نقص في مفرزات السيرتونين التي تعمل على تأخير سرعة القذف أو التحسس الشديد للعضو الذكري، إضافة لتعرضه المستمر وخاصة في العمل لتأثير “الاستثارة البصرية”..

من الوجهة الاجتماعية، تبقى المعتقدات حول العلاقات الحميمية بين الزوج والزوجة ذات تأثير فعال في هذه العاهة، على سبيل المثال كالمعتقد القائل إن على المرأة أن تدور حول سرير الزوجية سبع مرات وهي تكرر القول بما معناه “ألديك حاجة أقضيها لك..”، وقد تفرض بعض هذه المعتقدات بعض الخجل عند الرجل في ممارسته للعلاقة الحميمية..

يبقى كل ما تقدم غيضًا من فيض في الأسباب التي تحول دون استمتاع المرأة في علاقتها الزوجية، ولها في هذا المجال تأثير فعَّال في الحدّ من المشكلات المترتبة على سرعة القذف، وعليها تقع مهمة معالجتها بشكل أساسي عبر:

1- سنكرر القول إن الصراحة والوضوح بين الشريكين هو الحل الأمثل لممارسة الحلول لمختلف المشكلات التي قد تنتجها الحياة الزوجية على مختلف الأصعدة، وتحديدًا هنا في العلاقة الحميمية بينهما، وتقع على عاتق الزوجة مسؤولية المبادرة لحلّ هذه المشكلة، طالما أنها المعنية الأولى والأخيرة بها، وطالما أن الزوج هو المعني وإن بنسبة أقل بها دون سواه -بالطبع على السوية التي تكون عليها ثقافته الجنسية-، وطالما أنهما دون سواهما من تنعكس عليهما نتائجها السلبية في شتى المجالات، لذا يبدو واضحًا أن على المرأة أن تتطرق للموضوع بإيضاح أنّ سرعة القذف لا تجعلها تبلغ ذروة نشوتها، وأنّ على الرجل معالجة هذا الموضوع لدى الطبيب المختص، يجب أن يحمل أسلوب الطرح خصائصه لبلوغ المرتجى منه بحيث لا يشعر الرجل بأن زوجته تعنّفه لعاهة في ممارسته، ولنقص يعانيه، بل على الأسلوب أن يتميّز بنوع من الحب واللطافة وحتى الفكاهة، مما يجعل الرجل مرتاحًا للتطرق لموضوع يهمّه، ألا وهو حبّ زوجته له ومشاركتها بما يستمتع هو به، كل ما تقدم تحت عنوان عريض “ما من مشكلة إلا ولها حلّ”، وأن علينا سويّة بلوغ ذلك، وبالطبع في الزمان والمكان المناسبين، واللذين يمكن للمرأة تحديدهما بكل بساطة.

2- في حال تمنّع الرجل عن عرض الحالة على طبيبه المختص، فإن على المرأة تولّي المهمة إذا ما أرادت لزواجها أن يستمر وينجح في تربية نشء يتفوق على والديه بخصائصه وميزاته، كما وتبدو المهمة ملحّة أكثر عندما تريد المرأة الاحتفاظ بزوجها بعيدًا عن الانحراف واللجوء لامرأة أخرى، إن تبسيط المشكلة والحل بما يقنع الرجل هو الأسلوب الذي لا بدَّ منه في هذه الحال..

3- على المرأة، في حال إصرار الرجل على موقفه، تقع عليها -تبعًا لثقافتها وشخصيتها ومكانتها عند الرجل- مهمّة زيارة الطبيب- الطبيبة المختصة وعرض الحالة واستلهام ما عليها القيام به، إن لجهة أسلوب الإقناع أو لجهة طرق المعالجة لمعرفة الأسباب الكامنة وراء المشكلة..

4- يمكن للمرأة أن تبتكر هي بذاتها طرقًا للحلّ أو حتى المعالجة، كأن تقوم باقتناء الكتب التي تتناول هكذا موضوعات وتحاول قراءتها قبل النوم، وهي في فراش الزوجية، وقد يكون من المفيد في حال من هذا النوع محاولتها سؤال زوجها عن المعنى من هذه المفردة أو هذه الجملة، في محاولة منها لإشراك زوجها في تناول الموضوع وأخذه على محمل الجدّ، فشعور الزوج بأنه المرشد لزوجته يجعله يتقبل البحث والنقاش والتداول مع زوجته في الشؤون التي تهمهما، وتاليًا الخروج بحلّ لما يعانيانه..

يبقى أيضًا كل ما تقدم ليس كل ما في الموضوع، لكنه مجرد نقاط علاّم على طريق معالجة بعض المشاكل الناتجة عن علاقة مستجدة لكلا الشريكين، الزوج والزوجة، كما وأنه مجرد وجهات نظر أو مقترحات “نظرية” في مجملها، ذلك أن ما يحول بينها وبين تنفيذها عوامل عدة، أبرزها على الإطلاق، أن المرأة بحدّ ذاتها غير قادرة على القيام بها -خاصة في مجتمعنا- لما ورثته من أسطورة المرأة العفيفة، الفاضلة.. الخ، مع قناعتها التامة بأن عفّتها أو أخلاقها لن تعني شيئًا وهي تعاني ما تعانيه.

(2)- البرود الجنسي عند المرأة:

كما أن معظم الرجال لديهم -على نسبٍ متفاوتة- عاهة “سرعة القذف”، فإن النساء -والمتزوجات على وجه الخصوص- لديهنَّ برودة جنسية، وبطبيعة الحال على نسبٍ متفاوتة أيضًا، وعلى عكس الرجل، الذي قد يصل لذروة النشوة خلال دقائق معدودات، تحتاج المرأة للدخول في أجواء العلاقة الزوجية لمدة لا تقل عن خمس عشرة دقيقة، وفي أحيان كثيرة إلى عشرين دقيقة، كما وتحتاج لأكثر من عشر دقائق من المداعبة لتدخل في العملية الجنسية، حيث تستمر هذه العملية لمدة تزيد على خمس عشرة دقيقة لبلوغ المرأة ذروة النشوة، فالذروتان (1 و2) تحاكيان الحالة الأعم بالنسبة للرجال والنساء على حدّ سواء، فالفاصل الزمني بين الذروتين يعود لأسباب عدة، أبرزها البرودة الجنسية عند المرأة، ووضعية الجماع والمكان والزمان.. الخ.

وكما عند الرجال، فللبرودة الجنسية عند المرأة عوامل عدّة، منها النفسية والاجتماعية والفيزيولوجية، وتدخل في هذا المجال بدرجة كبيرة سويّة العلاقة بينها وبين الرجل ومدى الصراحة والتفاهم والحب المتبادل بينهما، كذلك الشعور بأنها شريك لا مجرّد مفعول به، وعاء للإفراغ..

كما وأن القلق غير المعالج أو الاكتئاب والضغط والتوتر العصبي من الحمل والصراع عن الجنس، أو غير ذلك من جوانب العلاقة، يمكن أن يقلل من الاستجابة الجنسية. الإجهاد العاطفي أو النفسي، وخاصة فيما يتعلق بعلاقتك مع الشريك أو وجود تاريخ من الاعتداء الجنسي..

أشرنا فيما تقدّم لرؤية المرأة لذاتها، وها نحن نكرر أن نظرة المرأة لذاتها بالغة الأهمية في العمل الجنسي، فالثقة بالنفس وإثبات أنها شريك واكتساب ثقة الرجل في هذا المجال لها أهمية بالغة في تكامل العمل الجنسي بين الزوجين، ولا مناحة في أن التربية التي نشأت عليها المرأة لها أثر في إيضاح ما تقدم للرجل تحديدًا، فالخجل والحياء وقدسية الجسد لامعنى لها هنا، والمرأة التي تمتنع عن إبراز رغبتها الجنسية، سوف تخسر زوجها أولًا وأخيرًا، وأن السمة العامة للرجال في علاقاتهم خارج إطار الزوجية مردّها لهذه الصفات التي تحول دون بلوغ الزوجين معًا ذروة النشوة..

نعود ونؤكد على أن مقولتنا في /أن المرأة هي المتحول والرجل هو التابع/، تضع على عاتق المرأة مهمة بالغة الأهمية، ألا وهي أنها هي القائد في العمل الجنسي، بل والموجّه والمرشد والمعلم، فإذا ما تخلّت عن مهامها، لأي سبب كان، فعليها تحمل النتائج المترتبة على ذلك، وأولها الخيانة الزوجية، وقد تكون خيانة مزدوجة، فالمرأة -كما سبقت الإشارة- التي لا تستمتع بعلاقة زوجية ستجد ضالتها في رجل آخر، فإن تمنّعت عن هذه أيضًا فلتقرأ السلام على ذروة النشوة وألا تعكس ذلك في تصرفاتها على صعيد الزوج أو الأولاد أو الأسرة والعائلة بشكل عام، وأن تعي أنها السبب الأول والأخير فيما تعانيه من حالات عصبية متعددة الأشكال والنتائج..

هذا على الصعيد النفسي، أما على الصعيد الاجتماعي، فعودٌ على بدء، فالأسطورة، أيًّا كانت، التي تلقفتها في دائرة علاقاتها في المرحلة العمرية السابقة تبقى هي الموجه لها في مختلف علاقاتها الزوجية والعادات والأعراف والتقاليد، العمود الفقري في تلك الأسطورة تبقى هي المعوِّق الوحيد بصدد نجاح الحياة الزوجية، فالزواج يجمع، في مختلف حالاته، أشخاصًا من بيئات مختلفة، لها مواصفاتها، عند الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، وعليهما مسؤولية التكيّف مع الوضع المستجد الذي أراداه سويًّا، مهما اختلفت أطر زواجهما منطلقًا وكيفية، فالوضع المستجد يفترض التكيّف، والتكيّف يعني التغيّر والتبدّل والانتقال من حال إلى حال، وكما يصحّ هذا على الرجل يصحّ على المرأة أيضًا، لكن المرأة تحديدًا في مجتمعاتنا تقع عليها مهمة صعبة لا يعانيها الرجل، ألا وهي القدرة أو الإمكانية في الإفصاح عن مكنوناتها الذاتية، وما تحاول إخفاءه اليوم، ستفصح عنه في المرحلة العمرية التالية، حيث يكون القطار قد فاتها..

وكما هي الحال في مجتمعاتنا، حيث الرجال -لضعف في الثقافة الجنسية والاجتماعية- لا يأبهون إلا متأخرين لحالة زوجاتهم، فإن عليهم، رغم ذلك، المبادرة في حلّ المشكلة التي يعانون منها مع نسائهم، هذا إذا ما أرادوا أن ينجح زواجهم ورغبوا في أن تكون حياتهم ملؤها السعادة وراحة البال وتخريج جيل يتفوق عليهما علمًا وثقافة وفنًّا.. لذا فإن على الرجل الذي يشعر أن زوجته لا تتفاعل معه في العملية الجنسية السؤال والبحث في كيفية الخروج من هذه الحال التي تودي به في كثير من الأحيان للتهلكة ودمار الأسرة، ففي الوضع الاجتماعي الذي نعايشه، وإن كانت المرأة هي المعنية بالأمر، على الرجل المساهمة في تعبيد الطريق لها لمصارحته وتحطيم “طلسم” الكبت الجنسي لديها، على اعتبار أن الجنس محرّم وأنه يمسّ الطهارة والعفة والحياء والخجل، كل تلك المفاهيم يجب، ونكرر يجب أن تسقط في مقولة الزواج الناجح، والعلاقات الزوجية تابع لمتحول هو الجنس والذي نعتبره الركن الأساس في نجاح الزواج، إذ تهون من خلاله كل تلك الصعاب التي تعترض الحياة الزوجية، لأنه الشريان الذي يضخّ في كل مرة دماءً جديدة في مختلف صعد ومستويات العلاقة الزوجية، هو فن، كما سبقت الإشارة، وعلم وتفاعل وشراكة وتكامل..

أما على الصعيد البيولوجي -الحيوي-، والفيزيولوجي -الوظيفي- فقد تكون البرودة الجنسية عند المرأة مردّها مرضي، كالإصابة بالسرطان (في الغالب قد لا يكون السرطان من الأمراض التي تقلّل من الرغبة الجنسية، إلا في بعض حالاته، لكن البرودة الجنسية قد تكون ظاهرة من ظواهر الكشف المبكر للسرطان) أو القصور الكلوي أو خلل في الغدة الدرقية أو السكري أو التصلب المتعدد أو بعض أمراض القلب أو التهابات في المثانة أو تناول بعض الأدوية التي تقلل من الرغبة الجنسية، يضاف لما تقدم انخفاض مستويات هرمون الأستروجين بعد انقطاع الطمث قد تؤدي إلى تغيرات في الأنسجة التناسلية والقدرة على الاستجابة الجنسية، وانخفاض هرمون الأستروجين يؤدي إلى انخفاض تدفق الدم إلى منطقة الحوض، والذي يمكن أن يؤدي إلى الحاجة لمزيد من الوقت للإثارة والوصول إلى النشوة الجنسية، وكذلك الإحساس يكون أقل في المنطقة التناسلية، إضافة إلى أن بطانة المهبل تصبح أقلّ سمكًا وأقل مرونة، وهذه العوامل يمكن أن تؤدي إلى ألم أثناء الجماع (عسر الجماع)، وانخفاض الرغبة الجنسية يحدث أيضًا عند انخفاض مستويات الهرمونات.

وتحول مستويات الهرمون في الجسم أيضًا بعد الولادة وأثناء الرضاعة الطبيعية، يمكن أن يؤدي إلى جفاف المهبل ويمكن أن يؤثر على الرغبة في ممارسة الجنس.

(3) وضعيات العلاقة الجنسية

في واقع الحال، لا تؤخذ وضعيات العلاقة الحميمية بين الشريكين مأخذ الأهمية، مع أنها من أهم العوامل والأسباب التي تعود إليها مختلف الإشكالات في هذه العلاقة، والأسباب المؤدية لعدم الاهتمام بها يعود للبعد النفسي الذي تتمحور حوله المفهومات الجنسية لدى الشريكين، أول تلك المفهومات هو أنهما ليسا شريكين، وثانيهما أن الوضعية -أيًّا كانت- هي شأن أخلاقي قد يؤثر في رؤية أيٍّ منهما للآخر، وثالثهما ضعف الثقافة الجنسية، وعلى هذه الأخيرة تقوم مدلولات وضعية الجماع التي تكون سببًا في سرعة القذف أو البرود الجنسي وفي اعتلال العلاقة الزوجية بمختلف أبعادها، وتكرارًا، لعدم الصراحة والوضوح والجرأة بين الشريكين، واعتبارها -بمفهوم المرأة تحديدًا- واجبًا زوجيًّا ووسيلة للإنجاب، مع أنها غير ما تقدم بالمطلق، وقد ألمحنا آنفًا لكونها لا علاقة لها أو صلة بكل ما له علاقة بالأخلاق والعفّة والطهارة والنجاسة وأيضًا مفهومات الدعارة، الجنس كما أسلفنا بين الشريكين فن وعلم واحترام متبادل وثقة بأن كلًّا منهما يودّ إرضاء الآخر بهدف ديمومة الحيوية والديناميكية لحياتهما معًا في مسألة تعود إليها استمرارية هذه العلاقة الحميمية أطول فترة ممكنة للتفرغ لنشأة جيل يتفوق على كليهما انفتاحًا ووضوحًا واتّقادًا ذهنيًّا..

ولكل من الوضعيات التالي ذكرها، غاية بحد ذاتها، فهي لا تقتصر على المتعة وحسب، وإنما تتعداها لتحقيق الرغبة في الإنجاب من عدمه، يضاف لما تقدم تلك الوضعيات التي تأخذ بعين الاعتبار الحالات التي تكون فيها المرأة في أشهر الحمل الأولى أو الأخيرة حيث المحاذير كثيرة، حيث تكون الوضعية في العلاقة الحميمية هادفة لحماية الحمل تحديدًا، وللحيلولة من كونه حائلًا بين الزوج وزوجته..

ما سيلي نماذج عن تلك الوضعيات والتي تتفرع عنها حوالي المئة وضعية أخرى، كلٌّ منها له غايته وهدفه.

  • الوضعية شبه العامة في العلاقة الزوجية

هذه هي الوضعية السائدة في العلاقة الزوجية، حيث إن المرأة لا تعتقد أنها تمارس الجنس بطريقة غير مألوفة، وأنها تتفق ومركبها النفسي- البيئة التي نشأت فيها، لكن هذه الوضعية قد لا تناسب الزوج وفيها الكثير من العيوب، أبرزها أنها لا تسمح بإيلاج القضيب بما يتناسب وعمق المهبل، حتى وأنها تساهم إلى حدٍّ ما في سرعة القذف.

  • الوضعية الثانية:

هذه الوضعية هي التي يمكن لها أن تنال رضا الشريكين، باعتبارها توفّر الكثير من الجهد ولا تؤثر على سرعة القذف، كما وتساهم مساهمة فعالة في الإيلاج حتى عمق المهبل أو نهايته والمسماة (G.spot)، وهي منطقة خشنة تقع في عمق المهبل (5- 7سم) عن الشفرين، وهي النقطة التي تشعر المرأة باللذة والمتعة وتختصر المدى الزمني لبلوغها ذروة النشوة.. وتحول دون خروج السائل المنوي كنتيجة لانقباضات الرحم، وتاليًا ترفع من نسبة حصول الحمل…

(3) الوضعية الثالثة:

وهي الوضعية التي تزيد من ثقة المرأة بنفسها وتؤكد لها أنها بمكانة الفارس الذي يعتلي صهوة جواده في مبارزة يستقيم بها الفعل والفاعل والمفعول به، بل والقيام بالدور المناط بها فعليًا، من حيث أنها القائد والموجّه والمرشد في العمل الجنسي، أكثر من ذلك تعتبر هذه الوضعية؛ الوضعية المثالية، والتي تؤخر بشكل حاسم سرعة القذف عند الرجل، حيث يمكن للمرأة أن تعيد ذروة نشوتها مرارًا وتكرارًا- تتمكن المرأة في هذه الوضعية من أن تبلغ ذروة النشوة لعشر مرات في اللقاء الواحد، وتساعد الزوج على مداعبة مختلف المناطق الحساسة في جسد المرأة مما يساعد على اختصار المسافة الزمنية لبلوغها ذروة النشوة..

تكرر ذات المواصفات السابقة على مختلف الوضعيات المختارة أدناه.

الوضعية الرابعة

الوضعية الخامسة

الوضعية السادسة

الوضعية السابعة

هذه الوضعية تفضّل حين تكون المرأة حاملًا، لا فرق في الأشهر الأولى من الحمل أو الأخيرة، فلحجم الرحم علاقة مباشرة بثبات الحمل من عدمه، ففي الوضعيات السابقة يمكن للحمل أن يتعرض للإجهاض نتيجة الضغط على الرحم..

من المهم، في ختام العلاقات الزوجية، أن نشير لعاهة (ضعف الانتصاب) عند الرجل، وهي العاهة التي تقف حائلًا أمام استمرار الزواج، مهما كانت عوامل استمراره الأخرى إيجابية (ماديًّا واجتماعيًّا)، مما يؤكد أن الجنس يبقى المؤشر الفعلي لنجاح العلاقة الزوجية، إلا في حالات نادرة تقتصر على الجهل التام بمقومات هذه العلاقة، وأبرزها أن المرأة ليست شريكًا بقدر ما هي حاضنة لمنويات الرجل للإنجاب، وقد تكون هذه هي السمة البارزة لنساء العالم الثالث وفي المجتمعات التي تلجأ لختان الإناث تحديدًا..

كما في عاهة سرعة القذف، كذلك يبقى ضعف الانتصاب يعود بعوامله لعدة أسباب بيولوجية وفيزيولوجية وسيكولوجية- سيسيولوجية، والتي يمكن معالجتها إذا ما توفرت لها مقومات ذلك، وأبرزها، بل وأهمها، الثقافة الجنسية لدى الشريكين وبالدرجة الأولى من حيث أنهما شريكان لا من حيث كونهما مجرد رجل وامرأة..

بين المرأة والرجل:

يجب ألا يغيب عن تفكيرنا أن مقولتنا /المرأة متحول والرجل تابع/ هي المقولة الأساس التي يقوم عليها هذا البحث، وكما هو واضح أن الرجل لا يعاني ما تعانيه المرأة في مختلف الشرائح العمرية السابقة، فالمنحنى البياني لمختلف الشرائح العمرية للرجل يبقى على حاله كخط مستقيم، تشوبه في أحايين بعض التعرجات أو التشوهات تبعًا للوضع النفسي والمادي الذي يمرّ به، لكنها تبقى تشوهات آنية مرحلية ظرفية لا يلبث المنحنى أن يعود لسابق عهده، بينما نجد المنحنى البياني للمرأة من النادر -حتى في الشرائح العمرية المتقدمة ما فوق الخامسة والخمسين- أن يستقر بل يبقى على اضطرابه وتموجاته واختلالاته في مختلف الشرائح العمرية، والسبب أو العامل الأساس في ذلك يعود إلى مقولتنا الثانية وهي /قدسية الجسد/، والتي تبقى هاجسًا رئيسيًّا عند المرأة وعنوانًا لأنوثتها مهما تقدمت عمريًّا، هذه القدسية لا نجدها عند الرجل… ومن أبرز أمثلتها -كما سبق أن عرضناه – في مأساة (“أوديب ملكًا، كيف أن هذه القدسية، دفعت بـ”جوكاستا” -الأم والزوجة- للانتحار، بينما جاء فقء “أوديب” -الابن والزوج- لعينيه حزنًا على “جوكاستا” وليس لعلاقته بأمه كزوجة أحبّها وأخلص لها)..

بين المرأة المتزوجة وغير المتزوجة، فارق كبير، بينما لا نجد هذا الفارق عند الرجل، بين المرأة العاقر والرجل العقيم فارق لا يشكل عند الأخير أمرًا ذا أهمية، بينما نجده عند المرأة الحدث الأهم في حياتها والهاجس الذي لا يبارحها (في جلسة عشعشت فيها الهواجس، تلفظت امرأة عاقر بما يلي: “ليتني أسمع صوتًا لمولودي فقط وأموت من بعدها”…)، بين الرجل الطالق والمرأة المطلقة فارق كبير، لا يعني هذا الأمر للرجل أي معنى، بل على العكس، قد يعتبره حدثًا إيجابيًّا من حيث كونه أصبح محط أنظار المرأة بكل تشظياته، هذه الإيجابية تنقلب لسلبية قاتلة عند المرأة، (قالت لي إحداهن: تعرف… أنني أشعر عندما ألتقي بمن يعرف أنني مطلقة بأنني مجرّدة من ثيابي أو عارية كما ساعة ولادتي)..

هذه الفوارق بين عنصري بحثنا تدفعنا مرغمين للبحث في عواملها ونتائجها، خاصة لدى الشريحة العمرية الثالثة والتي نعتبرها المرحلة العمرية الحاسمة لكل إشكاليات العلاقة بين المرأة والرجل:

بين المرأة المتزوجة والعزباء:

كما سبق أن أشرنا، إلى أن المتزوج، عدا مسؤولياته الزوجية ومهامه وهمومه المادية، لا يختلف عن الرجل العازب، والذي قد يعاني ذات المهام والمسؤوليات والهموم بالنسبة لعائلته -أبوه، أمه، أخوته وأخواته- لكنه لا يختلف عن المتزوج لا اجتماعيًّا ولا حتى نفسيًّا، هذا اللااختلاف، لا نجده بين المتزوجة والعزباء، هنا الخلاف يبدو حديًّا، فهاجس الزواج للإنجاب يبقى هو المحرك الرئيس لتوجهات العزباء والعبء النفسي الوحيد الذي تعانيه المرأة، مهما تكن الأعباء الأخرى حاسمة في توجهاتها ومواقفها.. لذا تبقى مصرَّةً على إبراز مفاتنها -النفسية والمادية- والتي تزداد إلحاحًا بتقدمها العمري، مترافقة مع تدني المواصفات التي تفرضها على الرجل ليكون في المستوى المفترض للاقتران به، ماديًّا ونفسيًّا وحتى عمريًّا، فالعنوسة -بما تعنيه من حرمانها من الإنجاب وامتحان خصوبتها- تبقى، أيضًا، هاجسًا لا يبارح مخيلتها، مشكّلًا الرعب الحقيقي لها بنتائجه النفسية -الاضطراب والقلق والتوتر والنظرة التشاؤمية للحياة-، فالنظرة الاجتماعية المقترنة بالسؤال: “لماذا لم تتزوجي حتى الآن؟” يبقى السؤال المحرج الذي لا تجد له جوابًا!! والذي يحول أو يَحِدُّ من انخراطها في السياق الاجتماعي المتاح، تتخذ هذه المواصفة حَدّيتها الأكثر صعوبة في المجتمعات المنغلقة والمتزمتة والتي ترى أن “همّ البنات للممات”، حيث تعاني المرأة من الشعور بالمرارة من حيث كونها عبئًا على المعيل أيًّا كان.. في المجتمعات الأكثر انفتاحًا، خرجت المرأة من قمقم العادات والتقاليد والأعراف إلى مفهوم “الأم العزباء”، والذي أفضى إليه تطور كون المرأة قادرة على الإنجاب والقيام بالمسؤوليات الملقاة عليها؛ التربوية وتبعاتها المادية دون مساءلتها عن ماهيّة الأب، المسألة هنا محاولة لافتراض أن الزوج عقيم، والمرأة معنية بالإنجاب لضرورات أبرزها الصحة النفسية، وغالبًا ما تُخرج، هذه المواصفة المرأة من دائرة الرعب المشار إليها..

على أن المرأة المتزوجة أيضًا تبقى في ذات الدائرة من الهواجس، ففي البداية يكون الإنجاب هاجسها الأكبر، وهذا ما يجعلها، في بداية الحياة الزوجية طيِّعة راضية، لكنها مع البوادر الأولى للحمل، تبدو أكثر استقرارًا وتبدأ رويدًا رويدًا في الإفصاح عن معالمها الشخصية، على أية حال كانت بها، ولا يعد الجنس هاجسًا -كما الحال عند الرجل فهاجسه الوحيد يبقى الجنس- والذي على المرأة أن تعيه وعيًا تامًّا، لأنه يبقى الأساس الذي يقوم عليه استمرار الزواج واستقرار الأسرة التي تريد المرأة تكوينها أو بناءها،

تعاني المرأة المتزوجة من مشكلة الطلاق، التي تضعها نصب أعينها حيال أي تصرف قد ينتهي بها إليه، لذا نراها تميل في حالات عدة إلى كتم مشاعرها وكبت رفضها لمختلف مواقف الرجل ذات العلاقة بالأسرة والأولاد والرضوخ لمعالجة المستوى المادي، خاصة إذا كان دخل الرجل لا يتناسب وتكاليف المعيشة واحتياجات الأسرة، مما يضطرها للبحث عن عمل للمساهمة في تلك التكاليف وسدّ الاحتياجات، إضافة لأعباء الأسرة لجهة العمل المنزلي وتربية الأطفال وتعليمهم في حالات كثيرة، خاصة في مراحلهم الأولى، وقد تتقبل قرار الرجل بعدم الحاجة للعمل رغم ثقتها بضرورته.. يتشابك كل ما تقدم بعلاقتها الحميمية مع الزوج، خاصة إذا كان الرجل يعاني من ضعف الثقافة الجنسية /سرعة القذف وضعف الانتصاب/، وهاتان قضيتان لاشك أنهما تقرران مواقفها بالنسبة لما سبق ذكره، فنراها تفضل الطلاق على الاستمرار بالوضعية السابقة، متحمّلة عواقبها التي تبقى هاجسها الأهم، في الحالات المعاكسة، نجد المرأة متقبلة للعنف الزوجي النفسي والمادي “العلاقات النسائية المتعددة، الإدمان على الكحول، وقد تتقبل إدمانه على المخدرات، وفي أحيان كثيرة تتقبل عنفه الجسدي (الضرب) على الطلاق”، (في مقابلة صحفية تساءلت الصحفية عن السبب الذي يدفع بامرأة لتقبّل كل ما تقدم أجابت: بكرا بيكبروا لولاد وحينها يكون الانتقام شديدًا)، وقد تعاني مرارة إنجاب الإناث دون الذكور، والمتعلقة أساسًا بالزوج والذي يحدد هو جنس المولود، على عكس الشائع، والذي يدفع بالرجل للزواج بأخرى بهدف إنجاب الذكور، لكن النتيجة تبقى كما هي، إناث فقط، مما يزيد من احتمالات الطلاق لهذا السبب.

بين المرأة العاقر والمرأة العانس، وحدة في المصير، فكلاهما لم تتحقق من خصوبتها، لم تنجب، وهذه المسألة الشائكة والمدمرة للمرأة نفسيًّا بالتحديد، يمكن تجنّبها بكثير من الوسائل، إذا ما امتلكت المرأة الجرأة والثقافة الجنسية والاجتماعية التي تسعفها في مثل حالات كهذه، فبداية، قد لا تكون هي السبب في عدم الإنجاب، بل يمكن أن يكون الزوج هو السبب، فالدلائل العلمية تشير إلى مناصفة بن الرجل والمرأة في حالات عدم الإنجاب (45 بالمئة تعود للرجل و45 بالمئة تعود للمرأة)، يبقى هناك 10 بالمئة حالات نادرة يستحيل فيها الإنجاب وتتناصفها أيضًا المرأة مع الرجل، وعلى المرأة التي تعتقد أنها عاقر مراجعة الطبيب المختص لمعرفة سبب عدم الإنجاب، وعليها أن تدفع بزوجها دفعًا لمشاركتها الفحوصات التي تخضع لها وأن يخضع لها هو أيضًا، وقد تبين الفحوصات أنها لا تنجب أو أنه لا ينجب، لكن يمكنهما الخضوع لكثير من الوسائل التي تحقق لهما غايتهما من الزواج، كزرع نطفة للرجل في رحم المرأة -فيما إذا كان عدم الإنجاب نتيجة نقص في عدد الحيوانات المنوية، والتي يجب أن تزيد على خمسة عشر مليون نطفة، تندفع نحو البويضة كل ثلاث دقائق مع كل نبضة من نبضات قناة فالوب وبمعدل ثمانين ألف نطفة في كل دفقة-، كما ويمكن أن يتعلق الأمر بحجم السائل المنوي عند الرجل والذي يجب ألا يقل عن 2سم مكعب ويتراوح ما بين 4- 6سم مكعب، وفي حال المرأة العاقر يمكن زرع بويضة في رحم المرأة في الحالات التي يتعذر عليهما فيها الإنجاب، فقد بيّنت الدراسات الحديثة أن نسبة نجاح الحمل الطبيعي لا تزيد على 23 بالمئة، بينما تزيد نسبة نجاح حمل طفل الأنابيب على 41 بالمئة، وتكون نسبة نجاح الحمل بعد زرع بويضة في رحم المرأة (التلقيح الصناعي) من 10 بالمئة إلى 15 بالمئة، تبعًا لعمر المرأة، وفي المحصلة، إذا ما كان سبب عدم الإنجاب هو تلك النسبة المتبقية من مناصفة المرأة للرجل في حالات عدم الإنجاب، يمكن للزوجين تبنّي أيَّ طفلٍ (ذكرًا أم أنثى) وفق رغبتهما، ودفْق ما لديهما من عاطفة في الوليد المُتَبَنّى، لقد رفض /ستيف جوبز/ مؤسس شركة آبل، والنابغة في علوم المعلوماتية- والده البيولوجي /عبد الفتاح جون جندلي/ السوري الجنسية متمسّكًا بأبيه المتبنّي له /بول جوبز/ وأمه كلارا جوبز مفضّلًا إيّاها عن أمه البيولوجية /جوان كارول شبيل/.

– الشريحة العمرية الرابعة والممتدة من 35 وحتى 50

————————————————————–يمكن لنا أن نطلق على هذه المرحلة تسمية (المرحلة الذروة)، ذلك أنها المرحلة الذي يبدو فيها واضحًا كلَّ الوضوح مدى افتراق المرأة عن الرجل، فهي مرحلة النضج الذكوري التام، وفيها يتألق الرجل بكل ما لديه من إمكانيات بيولوجية وفيزيولوجية وسيكولوجية، فهو في عرين الرجولة، يمتلك الحاضر بكلِّ قوته، وهو محطُّ أنظار مَنْ حوله، وتحديدًا المرأة، التي تبدو على نقيضٍ تام في هذه المرحلة العمرية، فهي الذروة التي يبدأ فيها المنحنى البيولوجي والفيزيولوجي والسيكولوجي بالانحدار، فبالنسبة للمرأة المتزوجة، تعتبر هذه المرحلة، مرحلة إتمام المهمة الحياتية التي انتهت بالإنجاب، وما عليها في هذه الحال سوى صرف مختلف مناحي طاقتها على أولادها، فهم الثمرة الوحيدة التي أنتجتها وانتهت إليها، ولم يعد الرجل ليشكّل مستقبلها، فهو في هذه المرحلة، عامل اقتصادي، يُمكِّنها من تحقيق آمالها بأولاد يشكلون هم المستقبل لها، لكنها تدرك في قرارة ذاتها أنها تراهن على مستقبل، ليس بإمكانها التمسك به، فهو مستقبلٌ مفترضٌ بالنسبة لها، لكنها تأبى بقناعتها ذلك، وتصرُّ على استثمار أسرتها -الرجل والأولاد- أفضل استثمار تراه تبعًا للمستوى الثقافي الذي تمتلكه، إذ تحاول أن تملي على صغارها قراراتها في كل صغيرة وكبيرة، محاولة إملاء ذلك على رجلها والذي تحاول، بغريزتها، تهميش دوره في كلِّ ما تعتبره ميدانًا لها، لا ينافسها به أحد، فهي “بيضة القبان” كما يُقال، فمرضاة الرجل لم تعد كما كانت، خاصة إذا كانت تجربتها معه قد كشفت لها نقاط الضعف التي يعانيها، بما لا يعني أنها، وبمختلف محاولاتها تهميشه، عدم التمسك به، فهو العامل الاقتصادي الذي يشكل العمود الفقري لقيامها بمهمتها وتحقيق غايتها، تتمسك به وقد تغار عليه وقد يثيرها منه أي تصرف مشكوك به، تُقدّم له، بشروط الرضا، الجنس، فخًّا يقع فيه باستمرار..، تتفنن بأدائها المنزلي بغية جذبه للقيام بمهامه، محاولة تثبيت مقولة الأم والزوجة المُثلى التي لن يجد من يقارعها في ميدانه،.. كل ما تقدم، تقوم به المرأة، دون وعي تام لنتائجه المتوخاة، لكنه فعلٌ باستدلالٍ غريزي يعزز من مكانتها في الأسرة، طموحها، لم يعد رجلًا تستظل به، لم يعد مطلبًا فيزيولوجيًّا- جنسيًّا، حتى ولا عاطفيًّا، فالرتابة التي ألفتها في أسرتها، تملي عليها القيام بما هي قانعة به، غير مهتمةٍ بقناعة أي فرد من أفراد الأسرة، تبدو سطوتها مبنية على العادة التي ألفها كلٌ من الرجل والأبناء، تولي عنايتها بمظهرها، بما لا يوحي بما يختلج في دواخلها من أنها تعدت مرحلة الإغراء والجذب الذكوري لها، تجمُّلها، يفي بغرض أنها ما زالت على أنوثتها المعهودة، تتقبل من زوجها إطراءه، لكنها تمتعض من تساؤلات الأولاد، تدرك أنها تشيخ من الداخل، يحدوها الأمل بألا يكتشف ذلك الزوج تحديدًا، تبدو حسّاسة في هذه المرحلة من كل ما يوحي لها بما هي عليه أو أن القطار قد فاتها،.. ما تقدم لا يقبل التعميم، فلكل قاعدة شذوذ، لكنه القاعدة الأكثر عمومية، قد تختلف النساء في بعض جزئيات ما تقدم، لكنهنَّ، يبقين في السياق العام ذاته،..

يتباين، ما تقدم، بين المتزوجة والعاقر، فالمتزوجة العاقر، لها منحى يختلف جذريًّا عما تقدم، ففي هذه المرحلة تبدو المتزوجة العاقر أكثر دماثة ولطافة، تولي عنايتها بأنوثتها حدَّ الإفراط في أكثر الأحيان، يبقى الزوج خشبة الخلاص من كل ما يعتريها من تخوّف مستقبلي، تواقة للجنس، فلعل وعسى تحظى بمولود ينتشلها مما هي عليه من قلق واضطراب واكتئاب داخلي، تبقى على صلتها بالزوج على ما هي عليه قبل الزواج، مرضاته غاية، سعادته غاية لا تدرك، مختلف تصرفاتها بعيدة كل البعد عن استفزازات الغريزة، عقلانية إلى الحدّ الذي يُبقي غيرتها في نطاقها غير الظاهر من الأخريات، خاصة من أنجبن أولادًا، شغلها الشاغل يبقى الزوج، الأنوثة والجمال والإغراء، له وحده، هذا في حال أنها العاقر التي لاتنجب، تنقلب الأمور رأسًا على عقب في الحال المعاكسة، إذا كان الزوج هو العاقر، تبرر لنفسها أيًّا من تصرفاتها، ليس من مصدرٍ للعزاء سوى ما تأمله من رجل آخر يكون مصدرًا لتأكيد خصوبتها، الزوج في هذه الحالة، مصدر البلاء الذي عليه أن يتحمل كل انفعالاتها مهما بدت مزعجة، قد تحدّ العادات والتقاليد الاجتماعية الكثير من رغباتها، كقبول آخر من الزواج منها، بهدف الإنجاب، ليس إلّا..

للمطلقة شأن آخر وهي تمخر هذه المرحلة العمرية، فهي مزيج مما تقدم تتفاوت نسبه لكنها تبقى في حدوده، همّها الأول والأخير أن تحظى بزواج آخر تستعيد به مكانتها الاجتماعية، في دواخلها، نكاية بالرجل الذي طلقها أو العكس، إن كانت قد أنجبت، فالمراهنة على الأولاد في المستقبل كواحدة من نتائج تهميش الرجل، يبقى الجنس دافعًا قويًّا لتأكيد أنوثتها، وهو الوسيلة الوحيدة التي تكافح بها للحصول على زوج آخر، يبقى لتعدد علاقاتها الجنسية اختيار الأفضل لها من الرجال الذين تقيم معهم تلك العلاقات، غالبًا ما تحظى به، محققًا لها ما تريد، تفقد في ذلك كل ما سبق لها أن تاقت إليه في الرجل من المستوى المادي أو المكانة الاجتماعية أو الميزات الشخصية، قد تراعي بعض ما دفع لطلاقها من الأول، لكنها في نهاية الأمر تبقى تواقة للسيطرة والتهميش، خاصة إذا ما أنجبت من الثاني، تعمل جاهدة على إيصال كل ما يتعلق بها إلى الأول، فهو المنافس الوحيد للثاني، تبقى ردود أفعاله تحريضًا للثاني على الاهتمام بها، في السياق العام، تبقى المطلقة العاقر، أكثر لطافة وعقلانية، تولي أنوثتها اهتمامًا بالغ الأثر في علاقتها مع الرجل الثاني، يبقى العقم، دافعًا للجنس، وهو سلاح ذو حدين، جذب الرجل وافتراض الإنجاب، العقم، ليس خيارًا، إنه واقع يعلمه ويتفهمه ويتقبله الرجل الثاني، لكنه على أية حال يبقى دافعًا لسلوك قويم لدى المرأة، العلاقة الجنسية بينها وبينه تبلغ ذروتها المثالية التي غالبًا ما تفتقدها المرأة غير العاقر والمطلقة، فهي حتى في علاقاتها الجنسية، حذرة بما فيه الكفاية، لكنها إن حظيت برجل، تبقى مسيرتها الذاتية على ما هي عليه مع بعض الاستثناءات، نعيد ونكرر، لا يقبل ما تقدم التعميم، لكنه يبقى السياق الأكثر عمومية..

العانس، وهو تعبير مجازي في كثير من متجهاته، يبقى البحث عن الرجل الهم الأول والأخير لها، فهي لم تمتحن أنوثتها بعد، قد تكون العنوسة ظاهرية، فكثيرٌ ممن فقدنَ بكارتهنَّ لا يُقبلنَ على الزواج خشية افتضاح ذلك، ونادرًا ما يَحْظّيْنَ برجل، فإن وجد، مرجّحًا حبّه لها على بكارتها، كانت المرأة المثالية التي لا غبار على مسلكيتها العامة والخاصة، عطوفة، محبة، رحْبَةُ الصدر، تتقبل ما هي عليه في مختلف الأحوال، فإن أنجبت، طرأ بعض التغير على علاقتها بالرجل، لكنها تُبقي على عقلانية العلاقة بينها وبينه، محقّقة عبر الجنس مختلف طموحاتها، مُعَوِّضَةً ما فاتها في هذا المضمار، تولي مظهرها من العناية ما يرضي الذوق العام، ولا يوحي بمكنوناتها، تبقى على هذه الحال حتى بلوغ “سنّ اليأس”..

ما تقدم، على الرجل أن يوليه جلَّ عنايته، فإن أتقن ذلك، كان زواجه ناجحًا، وغالبًا ما يفوت أغلب الرجال ذلك، حيث ينقلب الزواج إلى جحيم لا يتقبله كلا الطرفين، لكنه أمرٌ واقع، عليهما تقبّله على علّاته، المعني الأول والأخير في هذا المجال هو الرجل، ذلك أنه لا يعاني ما تعانيه الزوجة، وعليه تقع مسؤولية مراعاة مكنونات الزوجة، فهما غير متكافئين في هذه الحال، السياق العام للزواج يقتضي من الرجل بُعدَ النظر، والتفهم التام والكامل لما تمرُّ به الزوجة، وإلا بات عليه تحمل نتائج غبائه، وإن كان أقلها عقوق الأولاد، وفي حالات نادرة إلى حدٍّ ما الزوجة، فأغلب النساء اللواتي يُقمنَ علاقات خارج نطاق الزواج، يدفعهُنَّ إلى ذلك غباء الرجل ولا مبالاته بما يعانين من أزمات، حيث تكون تلك العلاقات فتحة ضوء في نفق الزوجية أو انتقامًا من الرجل، في أغلب الأحيان، وسدًّا للنقص الذي يتملكه فكرًا وممارسة، وتحديدًا على المستوى الجنسي الذي لا يأخذ بعين الاعتبار أن المرأة شريك وليست وعاء قضاء شهوة، في هذه الحال، يكون المثل المكسيكي هو النتيجة الوحيدة لما تقدم /الزواج هو الحرب الوحيدة التي ينام فيها الأعداء في فراشٍ واحد/..

قد يلعب الفارق العمري في هذه المرحلة دوره التام والمطلق في صيرورة الزواج، جحيمًا أو جنة، ما تقدم بمجمله قد يعود في مختلف صوره لتقارب عمري الزوج والزوجة، حيث الفوارق حديّة، فما تمرّ به المرأة غير ما يصبو إليه الرجل، وعلى مختلف الأصعدة الزوجية، بين ذروة الرجولة، وجبروتها وطغيانها، نجد قاع الأنوثة وضعفها واستسلامها غير الظاهري.

خيبة الأمل، القنوط، الاكتئاب، القلق، الاضطراب، اليأس.. الفارق العمري، يُلَطِّفُ إلى حدٍّ بعيد ما تقدم، يبدو الرجل فيه مستوعبًا مختلف تصرفات الزوجة، ومتوافقًا معها، مهما بلغ غباء الرجل، فالفارق العمري بينه وبين الزوجة له مردوده الإيجابي، ولا يعكس، مهما تكن عليه المرأة، مطلقة، عانسًا، عاقرًا، يبقى الرجل هو “بيضة القبان”، ذلك أنه وكما يقول المثل: /الرجال مثل النبيذ، يلزمهم الوقت للنضوج/..

.. إن دراسة معمَّقة للتاريخ البشري في صيرورة إذلال المرأة قد تلقي الضوء على هذه القدسية للجسد، والتي عانت منها المرأة مختلف ما حلَّ بها من مهانة وإذلال وامتهان..

ليليت السومرية، لم تكن مجرد أسطورة، كانت واقعًا سبق مرحلة الزواج الفردي واقتسام العمل بين الرجل والمرأة، الذي أعطى للرجل سلطات لم يكن يحلم بها..، قبل هذه الحقبة التاريخية من التطور البشري، كانت المرأة هي السائدة في كل شؤون الحياة اليومية والعامة، حتى إن أولادها كانوا من تابعيتها وليس من تابعية الرجل الذي تختاره هي، فهي الأم التي توالدت من خلالها كل القبائل البدائية، وهي مصدر الحياة، كما هي مصدر الدلالة على القرابة بين الأجيال المتلاحقة، لم يكن الرجل في هذه الحقبة التاريخية ليعني شيئًا، أو له علاقة في كل ما تهتم به، كان عليه تحصيل القوت وكفاه ذلك، فإن لم يكن في المستوى المطلوب، طردته من دارها وتزوجت بآخر.. كان لا بدَّ له في هذه الحال من السعي للتحرر من ربقة المرأة، فكانت ليليت، التعبير الأكمل عن كل ما تاق إليه وتحديدًا في سيطرته على المرأة والحيلولة دون طرده أو خيانته، وفي محاولته التحرر من سيطرتها نسج من خياله واقعه الذي كان يعيشه، وبثّه في أسطورة دينية خادعة فكانت ليليت هي الحرة*(1)، لكنها الشيطانة التي تغوي الرجال بهدف الانتقام منهم وقتلهم في نهاية المطاف، ليليت كانت أسطورة دينية طغت على مختلف أمم الأرض، وأصبحت بذلك المرأة المرفوضة اجتماعيًّا وأخلاقيًّا ودينيًّا.. هو ذا ما أطلق عليه علماء الغرب (الإثم الكنعاني) الذي أنتج “عبرانيًّا” أسطورة الخلق عبر تحوير ليليت إلى “حواء” الذليلة الخانعة الراضية بقسوة الرجل وجبروته وفظاظته.. ولم تجرؤ ديانة على مخالفة ما جاء به هذا (الإثم الكنعاني)، فقد تحول إلى قناعة لدى مختلف شرائح المجتمع وأجياله، وبات سنّة من سنن الطبيعة البشرية يتلبّس تقاليد وعادات المجتمع أيًّا كانت مراحله الزمنية وحتى تاريخنا الحاضر، لقد حاول ملوك جبابرة أدركوا أهمية المرأة ودورها الاجتماعي الفذّ في المجتمع، أن يُعَدّلوا على الأقل من جور تلك الديانات على المرأة، فلم يُفلحوا في ذلك، رغم ما قدموه في هذا السبيل،*(2) فقناعة المرأة تحديدًا بما جاءت به الديانات، كانت تؤوب بها دائمًا إلى حظيرة الطاعة والخنوع، حملت المسيحية كما المحمدية “حواء” على ظهرها وسعت لها وقدمت شتى المبررات لذاك الحمل الثقيل، الذي أخرج أربعة أخماس المجتمع من دائرة الإنتاج الحضاري*(3)، في مقابل الرضا الاجتماعي- الديني، تنازلت المرأة عن حقها في الحياة الكريمة، الحرة، المستقلة، الرائدة..

لم تكن ليليت كما تخيلها الرجل، شريرة، قاتلة، غاوية، كانت في حقيقة الأمر مساوية له، لا فرق بينها وبينه، مساوية له في الحقوق والواجبات، كلٌّ في اختصاصه، البيت والأسرة ملكيتها الخاصة، ما يجنيه الرجل خارج البيت ملكية لها وخاضع لإدارتها..، العامل الاقتصادي الذي كان وراء موقف الرجل من المرأة، فهو مَنْ ينتجه، فسعى أن يكون ملكيته، خاصته، وقد يكون أعطاها بعضًا منه، وأبقى الآخر في جعبته، تحسّبًا لما قد تتخذه المرأة من قرارات (وهذا ما تمارسه بعض النسوة اليوم في محاولتها ضمان صيرورتها مطلقة)، من جملتها طرده.. هذا (الآخر) المخزون في مكانٍ ما راح ينمو مع الزمن، وقد يكون قد تناقله سرًّا مع غيره من الرجال، فأصبح عادة يتبعها الذكور، ومن المحتمل أن يكون قد تبادله سرًّا مع أمثاله، فبدؤوا بتبادله بين بعضهم البعض، وتبادلوا ملكيته بفائض مادي، يزيد بعض الشيء على قيمته الأصلية، فكانت تجارة مربحة، سمحت له، على حساب أسرته، بالتضييق على امرأته، مما ساهم بإفقارها، والحيلولة دون قيامها بالدور المناط بها، كانت الحاجة ما دفعها للتنازل رويدًا رويدًا عن حريتها، عن حقّها في أن تكون مساوية له، كان أطفالها العبء العاطفي الذي أوصلها لممارسة ضغط من نوع آخر على الرجل بغية الحيلولة دون تقتيره عليها وعلى أطفالها، فكان الجنس الوسيلة الوحيدة التي تحول دونه ودون ما راح يمارسه بصدد أسرته، فأدرك أنها بذلك تغويه للحصول على ما تريد وما قد يخرجه مما يحرره منها، فكانت “ليليت” هي التعبير عن حالة التناقض التي يعيشها..، ولينسجم مع مختلف نزواته (الملكية والجنس) كانت “حواء” التي تقنع بكل ما هو ذكوري..، فتحقق للرجل ما أراده، خاصة وأن العلاقة الزوجية تحديدًا، كانت تدفع لذلك، وقناعة المرأة التي أخرجتها من طور مشاعيّة العلاقات الجنسية، دفعت بها لقناعة أخرى، أن تختص برجل واحد، وتاليًا لقدسية جسدها..، أعود وأذكر بإجابة تلك المرأة الأمريكية على سؤال الصحفية: وكرامتك؟! قالت: “وأي كرامة لك بعد أن تكوني قد جُرِّدتِ من كل ثيابك أمام الرجل..

فقدت المرأة حريتها في “حواء”، وباتت أسيرة جسدها تحار فيه وكيف تخفيه، بات عقدتها الأولى والأخيرة، منذ الطفولة حتى الشيخوخة، تتساوى في ذلك كل النساء وعلى مختلف أعمارهنَّ، بين غضٍّ بضٍّ ومترهلٍ متهدلٍ، يبقى الجسد بالنسبة للمرأة لغزًا من ألغاز أنوثتها، يحدّدها، يغلّفها، يقولبها، كل المقاييس والقيم والمفاهيم والمعتقدات والتقاليد والعادات مرتبطة بالجسد بطريقة ما، تخشى إغراءاته في صباها، حتى لتخشى على نفسها إن نظرت إليه في المرآة، وتأبى، بحسرة، أن تراه متهدّلًا مترهّلًا في شيخوختها، تلتفُّ على نفسها في مرحلة ما بعد الخمسين، وتزداد تشبّثًا بقدسيته التي تضحي بالنسبة لها كشفًا عن عورة عمرها، السرُّ الدفين الذي تأبى افتضاحه أمام أي كائنٍ كان، عقدتها التي لا تجد لها حلًا، وكلما تقدمت بالعمر ازدادت قدسية جسدها بالنسبة لها، وتعلقت بها وغدت أيقونتها، التي لا تفارقها حتى في أحلامها، في نومها وصحوها، يبقى الحكاية بين حقيقته وأسطورته، بين “ليليت وحواء”، وفي محاولاتها التاريخية للانعتاق من هذه العقدة القاتلة وحلِّ لغزها، كانت تصطدم بما خلفته “ليليت” من نبذٍ اجتماعي وما ارتضته حواء من قبولٍ اجتماعيٍّ لها بالتنازل عن حريتها وريادتها الاجتماعية، مختلف حركات تحرير المرأة كانت تصطدم بقدسية الجسد، فهي تحاول التحرر من قيود المجتمع، لكنها تبقى أسيرة الجسد، موجة لا تثور إلا لترتمي في أحضان ذاتها، حرية المرأة مرتبطةٌ جذريًّا بمدى تحررها من قدسية الجسد، معادلة ما لم تصل إلى حلٍّ منطقي ترضى به ويرضي المجتمع، سوف تُبقي المرأة في دائرة فارغة من المحاولات التي لا تنتهي…

حرية الرجل التي سعى إليها، في نهاية الأمر كانت قيدًا في حقيقتها وجوهرها، فالمرأة بالنسبة له حاجة وغاية في آن معًا، جسدها يعني له الكثير، هو لغز حياته، يستثيره كلما تخيله أو تصوره أو تلمسه، ينحني أمامه، يصلي له، يقدسه، يعبده،.. هكذا كانت حريته طريقًا لعبوديته، وما دام الأمر كذلك، فلا مجال لحلِّ إشكالية هذه الجدلية، بين المرأة والرجل، ما دام كلٌّ منهما متمسكًا في عُقَدِهِ، لذا فالتحرر من ربقة قيد “حواء” إلى حرية “ليليت” عند الرجل والمرأة، هو السبيل الوحيد لحلِّ هذا اللغز التاريخي، وتاليًا حلّ لمختلف المشاكل والإرهاصات الناتجة عنه.

انتهى .

على هامش البحث :

الاعتلال النفسي

النطق      /‏saɪˈkɒpəθi/‏

معلومات عامة

الاختصاص      الطب النفسي، علم النفس السريري

الأنواع     الاعتلال النفسي

الأسباب

الأسباب    وراثية وبيئية

عوامل الخطر    تاريخ العائلة والفقر وإهمال الوالدين

المظهر السريري

الأعراض  الجرأة ونقص التعاطف والميل إلى العنف والتلاعب الاندفاع

الإدارة

المآل سيئ

حالات مشابهة   الاعتلال الاجتماعي

النرجسية

الميكافيلية (علم النفس) الشخصية الميكافيلية

اضطراب الشخصية الحدية

السادية

اضطراب ثنائي القطب (هوس)

الوبائيات

انتشار المرض  1% من مجموع السكان

يُعد الاعتلال النفسي (بالإنكليزية: Psychopathy)‏، الذي يُعتبر أحيانًا مرادفًا للاعتلال الاجتماعي، اضطرابًا في الشخصية يتسم بالاستمرار في السلوك المعادي للمجتمع وضعف التعاطف والندم والسمات الجريئة وغير المقيدة والأنانية. تم استخدام مفاهيم مختلفة من الاعتلال النفسي عبر التاريخ، وهي متداخلة جزئيًا فقط وقد تكون متناقضة في بعض الأحيان.

إن هيرفي إم كليكلي، وهو طبيب نفسي أمريكي، قد أثر على معايير التشخيص الأولية لرد فعل/ اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM)، كما فعل عالم النفس الأمريكي جورج إي بارتريدج. قدم الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض والتصنيف الدولي للأمراض (ICD) لاحقًا تشخيص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD) واضطراب الشخصية غير الاجتماعية (DPD) على التوالي، مشيرًا إلى أن هذه التشخيصات تمت الإشارة إليها (أو تشمل ما يشار إليه) على أنها اعتلال نفسي أو اعتلال اجتماعي. كان الدافع وراء إنشاء اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع واضطراب الشخصية غير الاجتماعية هو حقيقة أن العديد من السمات الكلاسيكية للاعتلال النفسي كان من المستحيل قياسها بشكل موضوعي. قام عالم النفس الكندي روبرت دي هير في وقت لاحق بإعادة تعميم بناء الاعتلال النفسي في علم الإجرام بواسطة استخدام قائمة تدقيق هير للاعتلال النفسي.

على الرغم من أن منظمة الطب النفسي أو منظمة علم النفس لا تحظر التشخيص تحت عنوان “الاعتلال العقلي”، فإن تقييمات خصائص الاعتلال النفسي تستخدم على نطاق واسع ضمن أطر العدالة الجنائية في بعض الدول وقد يكون لها عواقب مهمة بالنسبة للأفراد. تعد دراسة الاعتلال النفسي مجالًا نشطًا للبحث، ويستخدم المصطلح أيضًا من قبل عامة الناس والصحافة الشعبية وفي الصور الخيالية. في حين أن المصطلح يستخدم غالبًا في الاستخدام الشائع إلى جانب “مهبول” و”مجنون” و”مريض عقليًا”، إلا أن هناك فرقًا قاطعًا بين الذهان والاعتلال النفسي.

——————————————–

*(1)- قصيدة للشاعرة (جومانة حداد) ترسم بها ليليت على صورتها ومثالها

أنا ليليت إلهةُ اللّيلَين العائدةُ من منفاها.

أنا ليليت العائدة من سجن النسيان الأبيض،

لبوءة السيّد وإلهة اللّيلَين.

أجمعُ ما لا يُجمع في كأس وأشربه لأنّي الكاهنة والهيكل.

لا أترك ثمالةً لأحد كي لا يُظنَّ ارتويت.

 أتجامعُ وأتكاثرُ بذاتي لأصنع شعبًا من ذريتي،

ثم أقتلُ عشّاقي كي أفسح للذين لم يعرفوني.

أنا ليليت المرأةُ الغابة. لم أعرف انتظارًا يُرجى لكنّي عرفتُ الأسُود وأصناف الوحوش الأصيلة.

 ألقّح جميع أنحائي لأصنع الحكاية،

 أجمع الأصوات في رحمي ليكتمل عدد العبيد.

 آكل جسدي كي لا أُعيَّر بالجوع وأشرب مائي كي لا أشكو عطشًا. ضفائري طويلة من أجل الشتاء وحقائبي غير مسقوفة. لا يرويني شيء ولا يشبعني شيء، وأعود لأكون لبوءة الضائعين في الأرض.

حارسةُ البئر أنا وملتقى الأضداد. القبلات على جسدي ندوبُ الذين حاولوا. من ناي الفخذين يطلع غنائي ومن غنائي تذهب اللعنة مياهًا في الأرض.

أنا لعنةُ اللعنة التي سبقتْ

مضلِّلةُ الزوارق كي لا تستتبّ عاصفة

أسمائي لترصّع ألسنتكم إن كان بكم عطش

اتبعوني مثلما تتبع اللمسةُ القبلة

وخذوني مثل ليلٍ على صدر أمّه.

أنا ليليت سرُّ الأصابع حين تلحّ. أشقُّ الطريق وأكشفُ الأحلام وأشرّعُ مدن الذكورة أمام طوفاني. لا أجمع اثنين من كل جنس بل أكونهما كي يرجع النسل نقيًّا من كل طهر.

أنا آيةُ التفاح. كتبتني الكتب وإن لم تقرؤوني. اللذة الفالتة الزوجة العاقة اكتمال الشبق الذي يصنع الدمار العظيم. قميصي نافذةٌ على الجنون. كلّ من يسمعني يستحق القتل وكل من لا يسمعني يقتله تبكيت ندمه.

أنا ليليت قمرُ الداخل

التيه بوصلتي ومقامي الهجرة

ليس من ساعٍ يقرع بابي

ليس من بيتٍ يفضي إلى نافذتي

وليس من نافذة إلا وهم نافذة.

لستُ الحرون ولا الفرس السهلة بل ارتجافُ الإغراء الأول.

لستُ الحرون ولا الفرس السهلة بل اندحارُ الندم الأخير.

أنا التي حُبِل بها تحت برج التلمّظ

التي وطأتُها لتزداد

التي لسانُها قفيرُ نحل

التي فطيرةٌ لتُلتَهم ولكن لتظلّ

التي جوعٌ ليصرخ

التي كي تحفظ التيه.

أنا غرورُ النهدين

صغيران لينموا ويضحكا

ليطالبا ويؤكلا

نهداي مالحان

شاهقان لا أبلغهما

قبِّلوهما عنّي.

السراجان ليومئا بضوءين

الصغيران ليُغفَر لهما حين يعبثان.

أنا الملاكُ الماجنة. فرس آدم الأولى ومفسدة إبليس. خيال الجنس المكبوت وصرخته الأصفى. الحيية لأنّي حورية البركان والغيور لأني وسواس الرعونة الجميل. لم تحتملني الجنّة الأولى فطُردتُ لأرمي فتنةً في الأرض وأدبّر في المخادع أحوال رعيتي.

قدرُ العارفين إلهةُ الليلَين. إلفة النوم واليقظة. أنا الجنين الشاعر. أهلكتُ نفسي فوجدتُها. أعودُ من منفاي لأكون عروس الأيام السبعة وخراب الحياة المقبلة.

أنا اللبوءةُ المغوية أعودُ لأهتك الأسرى وأملك الأرض. أعودُ لأصحّح ضلوع آدم وأحرّر الرجال من حواءاتهم.

أنا ليليت العائدةُ من منفاها لأرثَ موتَ الأم التي أنجبتُها.

——————————————–

جمعهم الحب والقتل وقصصهم ألهمت الأفلام.. أشهر الثنائيات الإجرامية

أكثر من فيلم تناول قصة حياة بوني وكلايد، وكان لقاؤهما بمثابة المغامرة ووقعا سريعًا في الحب (مواقع التواصل)

8/4/2019

فريدة أحمد

تذخر حكايات العشاق غالبًا بجوانب طيبة مثل الكرم والرومانسية أو العطاء، لكن هناك ثنائيات أذهلت العالم بتقاسمها أسوأ ما يمكن للبشر ارتكابه.

وحظيت أميركا بنصيب لا بأس به من الثنائيات المجرمة، تقابلا ووقعا في الحب والسرقة والقتل معًا، لعل أشهرهم ريموند ومارثا، تشارلز وكاريل، بوني وكلايد، هنا نعرض نماذج لأشهر الثنائيات عشقًا وقتلًا في تاريخ أميركا.

كلايد وبوني ارتكبا 13 جريمة قتل

منذ أيام قليلة بدأت شبكة “نيتفليكس” الأميركية عرض فيلم جديد عن أشهر هؤلاء الثنائيات “بوني وكلايد” بعنوان “The Highwaymen” للمخرج جون لي هانكوك.

وعلى عكس الأفلام التي تناولت قصة الثنائي يحاول الفيلم نزع الرومانسية عن أفعالهما من خلال سرد الأحداث من وجهة نظر الشرطيين اللذين أنهيا سلسلة جرائمهما، خاصة أن الثنائي “بوني وكلايد” قد نالا قدرًا سابقًا من الإعجاب والتمجيد ربما لم يحظ به مجرم من قبل.

السيارة التي قتلا فيها ما زالت معروضة في كازينو لاس فيغاس بولاية نيفادا، وقد تلقت تلك السيارة 107 رصاصات في أقل من دقيقتين لتنهي حياة كلايد بارو وبوني باركر أشهر ثنائي في تاريخ أميركا عشقًا وقتلًا خلال 21 شهرًا قضياها معًا.

كان لقاء كلايد وبوني الأول في عام 1930 وقت الكساد الكبير في تكساس، وكان كلايد في الـ21 من عمره، في حين كانت بوني في الـ19، ولم يمنعها زواجها من روي ثورنتون أحد مجرمي تكساس من الوقوع في حب كلايد.

بوني كانت تكتب الشعر وأوصت في آخر قصيدة لها بأن تدفن بجوار كلايد بعد موتهما (مواقع التواصل)

كان لقاء بوني وكلايد بمثابة المغامرة، وقعا سريعًا في الحب، وعلى عكس علاقتها بزوجها التي انقطعت بعد سجنه أرسلت بوني مسدسًا إلى حبيبها داخل السجن بعد تورطه في عملية سرقة، لتساعده على الهرب ولكن تم القبض عليه بعدها بأيام، حسب تحقيقات مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي)، وبعد الإفراج عنه بدأت قصة حبهما الممزوجة بالقتل والسرقة تحظى بتغطية إعلامية كبيرة، حتى أصبحت أخبارهما وجرائمهما على صفحات الجرائد يوميًّا.

فسّر الجميع أن وقوع بوني في الحب هو ما جعلها تتجه لحياة الإجرام، وساعدت الصور التي وجدتها الشرطة في مخبأ سري لهما على خلق الأسطورة عنهما وعن جرائمهما.

ويعتقد أن بوني وكلايد قد ارتكبا 13 جريمة قتل وعدة عمليات سطو مسلح وسرقة بنوك ومحطات البنزين، حسب نيويورك تايمز.

كانت عصابة بوني وكلايد تضم خمسة أشخاص، حسب تحقيقات “أف بي آي”، من بينهم باك بارو شقيق كلايد، الذي قتل أثناء إحدى المطاردات، وكانت العصابة تعتمد على سرقة السيارات وتنفيذ جرائم السطو والسرقة متنقلين بها عبر الولايات.

وأفادت التحريات التي جمعها “أف بي آي” بأنهم تورطوا في سرقة بنوك وسطو مسلح على المحلات وقتل ضابطي شرطة في جوبلين بولاية ميسوري واختطاف رجل وامرأة في ريف لويزيانا، أطلق كلايد سراحهما بالقرب من والدو في تكساس، كما قتل كلايد رجلًا في هيلزبورو في تكساس، وقتل عمدة وجرح آخر في سترينغ تاون بأوكلاهوما، وخطف نائبًا في كارلسباد بنيو مكسيكو، كما ارتكبت العصابة جريمة قتل وسرقة في أبيلين وشيرمان بتكساس، وجريمة قتل أخرى في دالاس بتكساس، واختطف رئيس الشرطة في ولنغتون بتكساس، وارتكبت جريمة قتل في جوبلين وكولومبيا.

سرعة وتتابع جرائمهما جعل “أف بي آي” يجمع أدلة عبر الولايات عن السيارات المسروقة ويتبعها، وينضم مع شرطيين سابقين من تكساس لمطاردتهما عبر الولايات، وفي مايو/ أيار 1934 قتل الثنائي بعد تعرضهما لعدد كبير من طلقات ضباط شرطة في كمين أعدوه لهما على الطريق السريع بولاية لويزيانا، وفيه أفرغ ستة ضباط أسلحتهم الآلية والبنادق والمسدسات على السيارة، نحو 107 رصاصات تم إطلاقها في أقل من دقيقتين، وقد اخترقت 17 رصاصة جسد كلايد، و26 لبوني متضمنة عدد طلقات في الرأس لكل منهما.

كانت بوني تكتب الشعر، وأوصت في آخر قصيدة لها بأن تدفن بجوار كلايد بعد موتهما، ورفضت عائلة بوني أن تدفن ابنتها مع كلايد الذي حضر جنازته عدد كبير يقدر بالآلاف، في حين أبقت عائلة بوني الجنازة للعائلة والأصدقاء فقط.

الصورة الحقيقية لبوني وكلايد (تواصل اجتماعي)

تشارلز وكاريل.. قصتهما ألهمت الأفلام

في عام 1956 تعرف تشارلز ستارك على كاريل آن فيجت، أحبّا بعضهما بجنون، وقوبلت هذه العلاقة بالرفض من عائلة كاريل، مما جعل الثنائي يقتلان “الأم وزوجها مع ابنتهما الصغيرة”، وعاشا في المنزل ستة أيام مع الجثث عام 1958.

وبعدما استرعى غياب الأسرة الجيران، قام الثنائي بالهرب وبداية رحلة القتل التي استهدفت 10 أشخاص خلال شهرين فقط.

لم تكن تلك أول جرائم تشارلز، فقبل قتل العائلة بعام واحد اقتحم تشارلز محطة وقود وسرقها ثم أجبر صاحبها على قيادة السيارة بعيدًا عن المحطة وقتله، كان تشارلز ضحية تنمّر من زملائه في المدرسة بسبب تلعثمه في الكلام، مما جعله يترك المدرسة وعمره 16 عامًا، وبسبب فقر عائلته اضطر إلى البدء في أعمال متواضعة، من بينها جمع القمامة.

قبض على الثنائي بعد أن اشتبه فيهما أحد ضباط الشرطة، ونفّذ حكم الإعدام بالكرسي الكهربائي في تشارلز، في حين ادّعت كاريل أنها كانت رهينة طوال هذه المدة ولم تقتل أحدًا، لم تصدق المحكمة روايتها وحكم عليها بالسجن مدى الحياة، ثم أطلق سراحها بعد قضاء 17 عامًا لحسن السلوك، حسب ديلي ميل، وألهمت قصتهما عددًا كبيرًا من الأفلام، مثل فيلم “Bad lands” إنتاج عام 1973.

ثنائيات جمعها الحب والقتل (بيكسابي)

ريموند ومارثا.. “قتلة القلوب الوحيدة”

اكتسب ريموند فيرنانديز ومارثا بيك اسم “قتلة القلوب الوحيدة” بعدما ألقي القبض عليهما، لأنهما كانا يقابلان ضحاياهما من النساء العازبات بنفس الطريقة التي تقابلا بها من خلال الإعلانات الشخصية في قسم “القلوب الوحيدة” بإحدى الصحف، وكان الهدف هو خداعهم وسرقة أموالهم ثم قتلهم.

جسّدت الممثلة المكسيكية سلمى حايك دور “مارثا” في فيلم بعنوان “Lonely Hearts“، والتي كانت دائمًا تلعب دور شقيقة “ريموند” عندما يقابل ضحاياه، وكانت تقيم معهما بحجة أنها وحيدة، ولكن بسبب غيرتها الشديدة قتلت إحدى السيدات بمطرقة أثناء وجودها مع ريموند.

يعتقد أنهما قتلا ما يقارب 20 امرأة خلال عامين، وألقي القبض عليهما بعدما قتلا أرملة وابنتها البالغة عامين، وأقاما في منزلها بعد دفنهما فيه.

حكم على الثنائي بالإعدام بالكرسي الكهربائي، وكانت آخر كلمات صاح بها العاشقان -حسب ديلي نيوز- “أنا أحب مارثا”، في حين أنهت مارثا حياتها قائلة “قصتي هي قصة حب”.

—————————————————

.. أكثر النساء إجرامًا في التاريخ

كلارا ماوروفا آكلة لحم أطفالها أحياء (مواقع التواصل الاجتماعي)

الرقة والدلال واللين صفات توصف بها النساء عادة، حتى أطلق عليهن الجنس اللطيف، لكن في تاريخ البشرية نماذج إجرامية نسائية تفوق في قسوتها أعتى المجرمين، حتى إن البعض ليشك أن مرتكبي هذه الجرائم بشر من الأساس.

وانا برازا.. سفاحة العجائز

هي قاتلة متسلسلة، اختصت بقتل السيدات العجائز في المكسيك. ولدت “وانا برازا” وسط عائلة مفككة، فالأم كانت مدمنة كحوليات ودائمة السكر.

احترفت “برازا” المصارعة المكسيكية، وكان لقبها داخل الحلبة هو “سيدة الصمت”، وعملت لاحقًا في إحدى المنظمات الحكومية التي ترعى العجائز، ومنذ نهاية تسعينيات القرن الماضي بدأت رحلتها كقاتلة متسلسلة للعجائز، مستغلة عملها الحكومي في اكتساب ثقة ضحاياها.

كانت سلسلة الجرائم التي تستهدف العجائز مستمرة لسنوات حتى عام 2006، حين ألقت الشرطة القبض على “برازا”، كانت مهمة اكتشاف هوية القاتل صعبة على الشرطة، نظرًا لأن شهود العيان أخبروا الشرطة بمشاهدتهم لرجل يغادر منزل القتلى، وحسب صحيفة الغارديان البريطانية، فقد كان جسد “برازا” الضخم وعضلاتها التي كونتها بممارسة المصارعة المحترفة هي السبب وراء هذا الخلط.

بعد القبض على “برازا” تبين أنها المسؤولة عن مقتل ما يزيد على 24 سيدة، وهناك بعض المؤشرات التي تربطها بمقتل ما يزيد على عشرين سيدة أخرى، بينما اعترفت هي بارتكابها أربع جرائم قتل فقط، حكم عليها بعقوبة بلغت 759 عامًا، ولا تزال تقضي عقوبتها في السجن.

وانا برازا أثناء محاكماتها (مواقع التواصل)

أيقونة اغتيالات الجيش الأحمر

بريجيت مونهوبت، واحدة من أشهر المجرمات في العصر الحديث التي لا تزال على قيد الحياة وخارج أسوار السجن، كانت “بريجيت مونهوبت” عضوًا بارزًا في منظمة الجيش الأحمر في ألمانيا الغربية، والتي انضمت إليها عام 1971، وكانت مسؤولة عن العديد من الاغتيالات وحالات خطف لأعضاء بارزين في المجتمع الألماني، حتى أصبحت أيقونة للمنظمة بالنسبة لجيلها.

ألقي القبض عليها قرب مدينة فرانكفورت عام 1982، وحكم عليها بالسجن مدى الحياة، ولكن أفرج عنها بعد قضاء عقوبة مدتها 24 عامًا بإطلاق سراح مشروط لمدة خمس سنوات، لتعود مجدّدًا إلى الشوارع في عام 2007 وتثار بلبلة ضخمة وسط الشعب الألماني الذي وجد في العفو عن هذه القاتلة وإعطائها حريتها تهديدًا لسلامتهم، مع غضب عارم اجتاح أهالي ضحاياها، خاصة لكونها لم تبدِ أيَّ ندم على ما فعلته.

كلارا ماوروفا آكلة لحم أطفالها

كان 2008 عامًا صادمًا، فقد عثر فيه وعن طريق المصادفة فقط على طفلين مخبّأين في سرداب منزل في جمهورية التشيك محبوسين داخل أقفاص حديدية، كان الطفلان عاريين تمامًا ويبدو عليهما آثار الإهمال والتعذيب الشديد، كما عثر على طفلة باكية لا يبدو عليها أي أثر للتعذيب، قالت إنها أخت الطفلين بالتبني.

بالتحقيق اكتشفت الشرطة أن والدة الطفلين هي كلارا ماوروفا مصابة بمرض نفسي، وكانت هي وأختها فرائس سهلة لصديقتهما باربورا سكارلوفا وأخيها اللذين ينتميان لطائفة دينية متطرفة تبيح أكل لحوم البشر، وأقنعا كلارا أن طفليها مرفّهان أكثر من المعتاد ويجب عليها أن تعكس هذا الأمر، فبدأت بمساعدة الشقيقتين بتعذيب الطفلين وحبسهما في أقفاص معدنية وحرمانهما من الطعام وتركهما عاريين في البرد، مع التعذيب المستمر والاعتداء الجنسي، ووصل الأمر إلى قطع لحم صغارها وهم أحياء، ثم تناول هذا اللحم أمامهما.

كلارا ماوروفا مع ابنيها (مواقع التواصل)

لم يكن أحد ليعلم بما يحدث داخل منزل الرعب ذلك، لولا المصادفة التي جعلت أحد الجيران يشتري جهاز مراقبة لحجرة طفله يتصل بالتلفاز، وكان هو نفسه الجهاز الذي تستعمله “ماوروفا” لمراقبة الطفلين أثناء غيابها عن القبو، فالتقط الجار صورة من جهاز مراقبتها، وفور استيعابه لما يحدث أبلغ الشرطة التي حضرت على الفور وألقت القبض على الأم وأختها وأرسلت الطفلين إلى المشفى ووضعت الطفلة المتبناة تحت الرعاية حتى تسليمها لأسرة بديلة لرعايتها.

لم تنتهِ المفاجآت عند هذا الحد، فبمراجعة السجلات لم تجد الشرطة أي أوراق هوية للطفلة المتبناة أو أوراق تثبت عملية التبني، ومع فرار الطفلة من العائلة البديلة، حققت الشرطة في أمر الطفلة بشكل أكثر جدية، لتكتشف أن الطفلة ليست طفلة كما ادّعت، بل هي نفسها باربورا صاحبة أفكار التعذيب الجهنمية، وأنّها مصابة بمرض نادر يجعل نموّها الجسدي متوقفًا عند عمر الـ13 تقريبًا، فاستغلت الأمر وأقنعت الجميع أنها طفلة، ألقت الشرطة القبض في النهاية عليها بعد فرارها إلى النرويج.

ثنائي تعذيب وقتل الأطفال

هذه المرة لم تكن المرأة وحدها بل كان معها زوجها، هما “مايرا هيندلي” و”إيان برادي” الزوجان البريطانيان اللذان ارتكبا معًا أول جريمة قتل لطفلة عمرها 16 عامًا في مدينة مانشستر عام 1963، ولتبدأ رحلتهما التي استمرت عامين تقريبًا قتلا فيها أربعة أطفال آخرين.

لم يكن أحد ليكتشف جرائم الزوجين البشعة لولا قرارهما بإشراك “ديفيد سميث” أخو “برادي” في عملية قتل ودفن الطفل الخامس، طاوعهما “سميث” مجبرًا، وفور خروجه من منزلهما أبلغ الشرطة التي ألقت القبض عليهما.

الزوجان “مايرا هيندلي” و”إيان برادي” (مواقع التواصل)

حوكم الزوجان بتهمة القتل والتعذيب والاعتداء الجنسي على الأطفال، الذين عثر على جثث أربعة منهم، بينما لم يعثر على جثة الطفل “كيث بينيت” الذي اعترفا بقتله ولكن لم يستطيعا تذكّر مكان جثته، حكم عليهما بالسجن مدى الحياة، ومما ساعد في زيادة حدة الغضب الشعبي عليهما كان الاستماع إلى تسجيل صوتي للدقائق الـ15 الأخيرة في حياة أصغر ضحاياهما، والذي كان عبارة عن صراخ جعل كل شخص في قاعة المحكمة يبكي.

توفيت “هيندلي” عام 2002 بسكتة قلبية، ولكنها قبل الوفاة كانت قد تركت خطابًا موجّهًا للمسؤولين تخبرهم فيها أنها كانت أسيرة لدى “برادي” الذي داوم على ضربها واغتصابها وإجبارها على ارتكاب هذه الجرائم معه، ولكنها توفيت قبل إرسال الخطاب فلم يهتم به أحد، إضافة إلى أنها قالت من قبل إن هذه الجرائم قرّبت بينها وبين زوجها بشكل غير مسبوق.

——————————————————–

هكذا تحولت بعض النساء إلى سفّاحات طليقات في ألمانيا

38 قاتلة متسلسلة في ألمانيا تمت إدانتهن بارتكاب 145 جريمة قتل إجمالًا، وما يزال هناك الكثير من الجرائم التي ارتكبتها قاتلات طليقات، لم تثبت إدانتهن أو لم يكتشفن بعد.

SymbolbildMordEhrenmord Messer

تعرفت جنيفر على رجل عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ونشأت بينهما صداقة تدريجيًّا، وبعد عدة شهور أباحت له بسرّها المظلم، وبعد وقت ليس بطويل، اعتقلت بتهمة قتل ثلاثة أطفال. ما لم تكن تعلمه جنيفر هو أن صديقها الجديد “رولاند” كان في الحقيقة محقّقًا سريًا يعمل لدى أحد المكاتب المحلية للشرطة الجنائية، وكان يسعى إلى الإيقاع بالقاتلة المتسلسلة بعد فشل إثبات التهم ضدها رغم كل جهود المحققين الجنائيين. جنيفر -اسم مستعار- واحدة من بين 38 قاتلة متسلسلة في ألمانيا تمت إدانتهن بارتكاب 145 جريمة قتل إجمالًا.

شتيفان هاربورت -52- عامًا، الخبير الألماني في جرائم القتل المتسلسلة، قيّم لأول مرة ملفات كل السفاحات الشهيرات في ألمانيا لإجراء دراسة شاملة استنادًا إلى بياناتهن. ووضع محقق الشرطة المتحدّر من مدينة دوسلدورف نتائج دراسته في كتاب جديد بعنوان “نساء قاتلات”.

تمكن هاربورت خلال إجرائه الدراسة من التحدث بنفسه مع أربع قاتلات متسلسلات في السجن. يقول هاربورت إن التحدث إلى هؤلاء النساء كان صعبًا، مقارنة بالقاتلين المتسلسلين من الرجال، وأضاف: “النساء كنّ يشعرن بالخجل من جرائمهن”. وخلص هاربورت في بحثه إلى الاستنتاج التالي: بينما يرتكب القتلة المتسلسلون من الرجال جرائمهم بدافع الطمع أو الجنس أو السطوة، تقتل النساء بدوافع أكثر براغماتية، تتعلق غالبًا بالرغبة في التخلص من المشكلات والنزاعات. فإذا نجحت هذه الإستراتيجية المتطرفة في الحل مرة، فإنهن يلجأن إليها مجددًا إذا لزم الأمر بعد أن كسرن بالفعل حاجز القتل لأول مرة. يقول هاربورت: “اكتشفت حالة واحدة فقط في سويسرا، حيث كانت امرأة تقتل بدافع الرغبة البحت في القتل. في ألمانيا لم أرصد أي حالة على هذا النحو منذ الحرب العالمية الثانية”. وحسب الدراسة، فإن القاتلات المتسلسلات يكنّ في المعتاد متزوجات وغير ملفتات، وليس لديهن سوابق جنائية، وعلاقتهن بضحاياهن إما شخصية أو مهنية، وبالتالي فإنهن ينفّذن جرائمهن إما في منزلهن أو في مكان عملهن، وذلك على عكس القاتلين المتسلسلين من الرجال.

مختارات

توجيه تهمة قتل واغتصاب طالبة ألمانية للاجئ أفغاني

“نشوة القتل”: التفسير العلمي لتلذّذ السفاحين بجرائمهم

حرق رأس سفاح هانوفر بعد حفظه لنحو قرن في جامعة ألمانية

يجدن الحل في القتل

يقول هاربورت: “في معظم الحالات تجد القاتلات أنفسهن في مأزق شخصي أو مهني، ويعتقدن أنه ليس بإمكانهن الخروج من هذا المأزق إلا بقتل الضحية”. وترى أستاذة العلوم الجنائية في جامعة غيسن الألمانية، بريتا بانبرغ، معقولية في هذا التحليل: “عندما تقتل نساء شركاء حياتهن على سبيل المثال، فإنهن نادرًا ما يفعلن ذلك بغرض أن يصبحن أرامل جشعات، بل لرغبتهن في التخلص من مشكلة”. ويختلف الأمر من وجهة نظر بانبرغ في حالات قتل المرضى على يد نساء، حيث تقول: “الدافع هنا يكون في الغالب السطوة”. واكتشف هاربورت أنه على عكس ضحايا القتلة المتسلسلين من الرجال، فإن ضحايا السفاحات يكنّ غالبًا إما صغارًا للغاية أو كبارًا للغاية. ويرجع ذلك إلى أن جرائم القتل المتسلسلة، التي يكون ضحاياها من الأطفال أو المرضى، كثيرًا ما ترتكبها نساء. وحسب الدراسة، فإن 18 بالمئة من جرائم القتل المتسلسلة التي صدرت أحكام بشأنها في ألمانيا، ارتكبتها نساء.

 وفي جرائم القتل أو الضرب الذي أفضى إلى موت بوجه عام، تبلغ نسبة النساء المدانات 12 بالمئة. وحسب الدراسة، فإن السفاحات المدانات يكشفن عقب ستة أعوام ونصف من ارتكابهن جريمة القتل الأولى في المتوسط، ويرتكبن خلال هذه الفترة ما يتراوح بين 4- 5 جرائم قتل. ووفقًا لذلك يرجح هاربورت وجود عدد كبير من الحالات التي لم تُكتشف بعد. ويقدّر هاربورت عدد هذه الحالات في ألمانيا بنحو 100 قاتلة متسلسلة. وفي بعض الحالات قتلت النساء أنفسهن بعدما وقعن تحت الاشتباه، بينما تمكنت أخريات من الإفلات من العقوبة بسبب عدم إثبات التهم ضدهن، وهناك أخريات لم تُكتشف جرائمهن تمامًا حتى الآن.

أُخريات لم تكتشفن بعد

يقول هاربورت: “أمام كل قاتلة متسلسلة كُشفت، هناك قاتلة أخرى لم تُكتشف بعد. هذا تقدير جاد… أرجح أن يكون في ألمانيا حاليًا 20 قاتلة متسلسلة غير معروفات وطليقات. أنا متأكد من أننا سنكون في استقبال مفاجأة أو اثنتين”. وتلقى هاربورت، الذي نشر نحو 20 كتابًا عن جرائم القتل المتسلسلة، انتقادات عندما ذكر عام 1999 أنه يقدّر عدد القاتلين المتسلسلين الطلقاء في ألمانيا بـ8 على الأقل. يقول هاربورت الآن: “فيما بعد اتضح أنه قد حقق خلال هذه الفترة مع 40 قاتلًا متسلسلًا. لقد كان تقديري منخفضًا جدًّا”. وفي أحد السجون بمنطقة نيدرراين تقبع على الأرجح حاليًا أسوأ قاتلة متسلسلة في ألمانيا بعدما أدانتها محكمة بتهمة قتل 18 شخصًا والشروع في قتل 17 آخرين. هذه السفاحة كانت تعمل في مجال رعاية المسنين، الذين وقعوا ضحية لجرائمها في ثمانينيات القرن الماضي بمدينة كولونيا.

وحسب الدراسة، تميل القاتلات إلى استخدام وسائل أكثر “لينًا” من الرجال في القتل. فبينما يلجأ القاتلون المتسلسلون إلى المسدس أو البلطة أو الهراوة في تنفيذ جرائمهم، تفضل السفاحات استخدام الوسادات أو السم. ومثل الرجال، فإن متوسط عمر القاتلات المتسلسلات في ألمانيا يتراوح بين 20- 40 عامًا، ويكنّ ألمانيات وحصلن على تعليم مدرسي أساسي أو متوسط، وينتمين إلى الطبقة الدنيا أو المتوسطة. يقول هاربورت: “القاتلات المتسلسلات هنّ أي شخص عادي”.

————————————————–

*(2) كانت أولى الثورات على ما جاءت به الديانات، هي ثورة حمورابي على الشرع، والذي أعطى للمرأة من الحقوق، ما لم تصل إليه (بريطانيا العظمى) -أقدم ديمقراطية عرفها التاريخ الحديث- إلا في عام 1939 تلاه (سرجون الآكادي) الذي جرد رجال الدين من كل حقوقهم الاجتماعية..

*(3) تدل إحصائيّات الولادة على أنه مقابل كل ولادة ذكر واحد هناك ولادة لأربع إناث، هذه الإحصائيات على مستوى العالم، حيث تدلُّ دلالةً لا جدال فيها على أن أمّنا الطبيعة، قد اختارت هامشًا واسعًا للمرأة مقابل هامش ضيق وضيق جدًّا للرجل، لكنه هامش -على ضيقه- دفع لصراعٍ قاسٍ ومرير بين النساء على الرجل، مما أكسبه ميِّزة أخرى..

https://al-akhbar.com/Weekend/15729https://www.facebook.com/186235948194388/photos/a.297234813761167/660057454145566/?type=3&theaterhttps://www.facebook.com/186235948194388/photos/a.297234813761167/677934632357848/?type=3&theaterhttps://www.facebook.com/186235948194388/photos/a.297234813761167/705508722933772/?type=3&theaterhttps://www.facebook.com/186235948194388/photos/a.297234813761167/975274455957196/?type=3&theaterhttps://www.facebook.com/186235948194388/photos/a.297234813761167/975851712566137/?type=3&theaterhttps://www.facebook.com/186235948194388/photos/a.297234813761167/1025198460964795/?type=3&theaterhttps://www.facebook.com/186235948194388/photos/a.297234813761167/1036857843132190/?type=3&theaterhttps://www.facebook.com/186235948194388/photos/a.297234813761167/1056726451145329/?type=3&theaterhttps://www.facebook.com/186235948194388/photos/a.297234813761167/1071756452975662/?type=3&theaterhttps://www.facebook.com/186235948194388/photos/a.297234813761167/1073513039466670/?type=3&theater