د. هيثم مناع (3)

مواطني العزيز

تحية سورية
يعلق مقدم برنامج / نقاش فرانس 24/ على ردك لتصفيق الدكتور طحان على توصيفك لوضعية المعارضة السورية قائلاً: / الشيء الذي فاجأني أنه عندما تلوم الدكنور طحان عندما لا يصفق لك عندما تندد باعتقال أطفال.. ثم أنت نددت بصراحة ـ استاذ هيثم ـ لم يعجبك موقف أنور مالك هناك وهو الذي ندد بالجرائم / فكأنني به يعترض على جملة من تناقضات وقعت بها ـ دون أن تدري ـ عندما تندد ببعض ما يرتكبه ( النظام ) دون التنديد بما ترتكبه (المعارضة) ، بمعنى ، أن اعتراض مقدم البرنامج لم يكن على الموضوع ، التصفيق من عدمه ، وإنما على النهج ، الأسلوب ، المنطق الذي تؤخذ به موضوعات مصيرية بهذا الحجم ، هذا الاعتراض يدفعني للقول أن مفردة امرأة أو مفردة طفل لا تغني عن كون التنديد ـ من أي طرف كان ـ هو مجرد وجهة نظر تظلُّميه ، أواتّهاميّة ، لتجريم هذا أو ذاك كائنٌ من كان ، بمعنى هل كون السجين امرأةً أم طفلاً يعفي هذا أو تلك من عقوبة السجن ؟ ويبرر الفعلة التي كانت سببا في اعتقالهم ، وهل قام ( النظام ) باعتقالهم عبثا أو انتقائية كما تذهب في ردك على الدكتور طحان ؟! / .. وقتها صفق وانا أقول لك صفق الاسلوب الانتقائي ، نحن لدينا صورة شاملة لتخليص البلد ..مش انتقائية هادا بعجبني هيثم وهادا ما بيعجبني ../ تجربتي الشخصية لا تدفعني للقول بما ذهبتَ إليه ، فالدولة لم تعتقل عشرة آلاف امرأة وأربعة آلاف طفل لمجرد كونهم نساء أو أطفال أو أنهم ينتمون لهذا الانتماء دون ذاك ، ففي وضعية كالتي نحن بها اليوم أو أمس ، وحتى مستقبلاً ، لا تفبل مقولة ـ كل مواطن برئ حتى تثبت إدانته ـ بل تقبل مقولة ـ كل مواطن متهم حتى تثبت براءته ـ من حق الدولة ، كدولة وجدت لتبقى ، أن تقيد حرية أيِّ مواطن تشك بمواطنيته ، ليس من منطلق الشك ،فحسب ، بقدر ما هو منطلق الوضع العام من حيث استشعار التآمر وما قد يجره هذا من عمالة وخيانة وارتزاق وما شاكل .. ، فمن حق الدولة في هذه الحال حماية مواطنيها من هذا الداء ، بتقيد حريتهم للحيلولة دون أذيّة أنفسهم أو أذيّة آخرين ..
تقول استاذي الكريم / لازم تصفقلي ان كنت سوري وحريص على الكرامة السورية والدم السوري وتصفق لي عندما أقول يجب الافراج عن أربعة آلاف طفل وأكثر من عشرة الاف امرأة في السجون .. / وللأسف ما تزال ” هيئة التنسيق عبر مختلف البيانات التي تصدرها بين الفينة والأخرى تعليقا على حدث او خبر أو… ، أقول ما تزال تطالب بالإفراج عن فلان أو علتان ، مذكرة إياي بمقولة طرحت أواسط السبعينيات في لبنان تقول / بالنقيق المطلبي / مقولة قد لا تعني أكثر من أن مطالبة الدولة شبيهة بنقيق الضفادع ، وهنا لا أتهكم على ما تقوم به الهيئة بقدر ما أشير لما في هذا الموضوع المطالبي من بعدٍ عن حقيقة وجوهر المطالبة من جهة وموضوع الاعتقال من الجهة الأخرى ، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم نتبين حتى تاريخه لما تمَّ اعتقال الخير ، ولماذا هو بالذات دون سواه مما يعني أن لدى الدولة ما يبرر اعتقاله وهو بذاته ما يمنع الهيئة ــ هيئة التنسيق ــ من التصريح بذلك اللإتهام الذي تعتمده الدولة لاعتقال هذا المواطن دون ذاك ، لم نتبين التهمة الموجهة للخير ، مما يعني أيضا أنه إذا كان لدى الدولة ما يبرر الاعتقال فإنها لن تستمع لأية مطالبات بالافراج عن الخير أو سواه ، فالدولة لم تعتقل أي مواطنٍ حتى الآن ليس في دائرة الشبهة ، وفي ظروف كالتي أوجدتها ((( تورة النكاح )) وعذرا للتسمية ، لم يعد خافيا على أحد ما أفرزته هذه (((الثورة ))) من عملاء وجواسيس وما قد يدخل في مثل هذه التصنيفات من تجار سلاح ومهربين وتجار مخدرات وخاطفين وطالبي فدية وقتلة ومغتصبين ، لاشك أن للمرأة دور فعال في مثل هكذا أوضاع ، دون أن نستثني الأطفال أيضا وووو.. كثير بكثير بكثير ، عشرة آلاف إمرأة وأربعة آلاف طفل ، من وجهة نظري ، يبقى عدد قليل اذ ما قيس بالمرتكب من جرائم استغلت حالة الفوضى وذهبت بعيدا في غيِّها حتى باتت قريبة من كل شخص كائن من كان ، امرأة أم طفلا أم رجلا أم شيخا أم .. ، هل تعلم سبدي الكريم أن هناك على أقل تعديل في كل من / المليحة ودوما وحرستا / سبع وعشرون ألف حالة اغتصاب / من قام بالاغتصاب ــ وهذا على سبيل المثال لا الحصر ــ أقول من قام بفعل الاغتصاب لم يكن وحيدا هناك من مهد له وهناك من دبر له وهناك من سهل له وهناك من اقتاد المغتصبة دون أن تدري الى وكر اغتصابها هناك معلومات يتم تناقلها وايصالها للمسلحين عبر النساء المتورطات ــ بأشكال شتى ــ مع المسلحين فالنساء أصبحن أداة ارهابية لا تقل ولوغا بالدم السوري من غيرها ، كذلك هم الأطفال الذين يُستخدمون لنقل المعلومات عن الحواجز العسكرية المنتشرة هنا وهناك على امتداد ساحة الوطن إن من حيث العدد والعتاد وحتى المناوبات ، كيف يتم تسخير الاطفال لأعمال ليست في مستوى الادراك ــ طبعاً للعاقل ــ دون الجاهل الذي قد يستبيح كل شيء في سبيل تحقيق مآربه الشيطانية…
من هنا أقول أن المهم ليس القول أن هناك حالات اعتقال تعسفي تقوم بها الدولة ، يمكن أن يكون ذلك متطابقا مع قلة قليلة يتم الافراج عنها لا حقا بعد بيان خروجها من دائرة الشك ، لكن لا يمكن تعميم ذلك على مختلف الحالات التي تقع تحت بند الاعتقال ، هل تعلم أن الكثير من المعتقلات كن يستخدمن انوثتهنَّ لإغراء الكثير من الجنود واستدراجهم الى حيث يذبحون ؟ هل تعلم أن أكثرهنَّ كن ينقلن السلاح تحت جلابيبهن ، كذلك الأحزمة الناسفة وكذلك مواد التفجير وعندما أقول الكثيرات لا أستثني الأطفال الذين كانوا العين التي تراقب وتحذر ، وأن الكثير من السيارات والعبوات الناسفة كانت تفخخ بمواد ينقلها لمكان التفجير أطفال ونساء ؟ ناهيك عمن كونهن يعملن لاستجرار النساء لاغتصابهن تحت مسميات عدة ؟ وهل تعلم .. أن سرقة أقدم كنيس يهودي من ريف دمشق تمَّ بالاستعانة بكثير من النساء والأطفال والعملاء والجواسيس الذين استشروا في الجسد السوري وهل … وهل وهل ..
أعود لما بأتُ به مقالتي الأخيرة إليك ، وهي المنهجية المتَّبعة في التبرير والإدانة والاتهام وما شاكل ، فأقول أن العام لا يلغي الخاص ، وأن العلاقة الجدلية بينهما لا يمكن التغافل عنها في سياق المنهج التحليلي أو اتركيبي كما وفي السياق لا يمكن للمعياري أن يلتهم الوصفي ، في منهجية موضوعية لما يحدث ، مهما تكن مسمياته ، لا يمكن إقامة الديموقراطية بأسلوب غير ديموقراطي ، ذلك أن الديموقراطية ليست قرارا تبدأ بقرار لتنتهي بقرار ، الديموقراطية ، وأنت الأدرى بها ، هي نسق حياة ، تربية سلوك ، منهج ، اليموقراطية يا سيدي الكريم ليست نظام حكم ، ليست قانونا أو دستورا أو .. إنها بكل بساطة ناموس طبيعي ، يفرز من حيث هو كذلك دولة ديموقراطية لأن هذه ليست مجرد انتخابات ، ليست شكلا يباع به الصوت الانتخابي ، ليست كل هذا ، إنها وكما يقول : جيوفاني سارتوري / الديمقراطية أكثر تقدماً وأشد تعقيداً من أي نظامٍ سياسي آخر .. /
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
جورج معماري