مسلمون أم إسلاميون

 

 

المتأمل في الذي تجري صياغته في أحداث الناصرة، يقف متسائلاً: مسلمون أم إسلاميون الذين افتعلوا ما جرى حتى الآن، والإسلام هو الدين الوحيد الذي يعترف جهاراً نهاراً بالدينات السماوية، مؤكداً باعترافه هذا، رفضه القاطع لإلغاء الأخر وتحديداً في موضوع يكاد لا يكون ولا يقوم إلاَّ بهذا النفي كمسوغ وحيد لوجوده واستمراريته.

والمسلمون، كما الإسلام، إذا ما أحسنوا تفهم دينهم في مناقبيته وقيمه، مسلِّمون بما أنزل الله في رسالات أنبيائه، دون ذلك، اختراق لوحدة الإسلام، في كونه رسالة كاملة متكاملة، دون ذلك تجزئة للوحدة الروحية التي جاء الإسلام لتوطيدها في المسلمين أولاً ودعوة للأديان الأخرى في أن تخرج من قوقعتها وذاتيتها، في اعتبارها لذاتها، محتوى الحقيقة، وما عداها باطل، الإسلام في هذا السياق، دعوة للانفتاح، للتفاعل، لتفهم الأخر، دون ذلك أيضاً، تجزئة الإسلام نصاً وروحاً كائن ما كان الاجتهاد المناقض لذلك، والمسوغ كل ما من شأنه الإساءة للإسلام، بإلصاق تهمة الاضطهاد به وهو الدين الذي لم يعرف الاضطهاد في تاريخه، وبديهي أن يكون السعي لهكذا إساءة دخول على الإسلام من باب لم يفتح إلاَّ بمحاولات تهديم الحدود والمحرمات والفرائض التي أوجبها الإسلام على المسلمين.

إذا كان المسلمون على نحو ما هو الإسلام، فما معنى الأحداث التي جرت في مدينة الناصرة والتي تحاول إعادة ما جرى في مصر والسودان والجزائر للأذهان كلما تنحت هذه جانباً أمام الأخطار المحدقة بالإسلام والمسلمين؟.

إن التناقض القائم بين الإسلام والمسلمين، في الأحداث المشابهة لما جرى في الناصرة، كفيل في بيان من هم المسلمون ومن هم المتأسلمون الذين ما فتئوا يشنون الحرب على الإسلام من داخله، بتهديمه وإظهاره أمام العالم ديناً عنفيِّاً، في تطرفه، في إلغائه للأخر، بنفيه ما جاء لترسيخه وتأكيده وتوطيده؟!.

إذا كان هؤلاء المتأسلمون، فإن المسلمين هم أولئك الذين ما زالوا في كدهم وجهدهم وبعلمهم بأصول دينهم وما جاء به، يدافعون عنه ويرفضون شتى المبررات  التي تُقَدم للنيل من الدين الحنيف، هؤلاء بمجموعهم ما يمكن تسميتهم مجازاً بـ «التيار الإسلامي» والذي هو من السعة بمكان، لا يتسع به لأولئك المتأسلمين الذين يحاولون أن يوهموا العالم، والعالم الإسلامي تحديداً، بأنهم المعبرون عن هذا التيار، وهو منهم براء، ذلك أنه التيار الذي ما زال يؤكد، مرة تلو الأخرى، أن الإسلام، هو دين المحبة والإخاء والألفة، دين الاعتراف بالأخر، لأنه الدين الوحيد الذي يضم بين دفتي قرأنه أكثر ما جاءت به الأديان السابقة.

 في أحداث الناصرة، كان المتأسلمون، المدية، التي حاولت من خلالها الدولة العبرية أن تقتطع من تاريخ طويل من الألفة والمحبة بين المسلمين والمسيحيين، حدثاً، يسوغ لها في المستقبل أن تضرب على وتره مزموراً للطعن بالاثنين معاً.

وإلاَّ فما معنى أن تسمح هذه الدولة للمتأسلمين ببناء جامع، يذكر بشكل أو بأخر بالحروب التي شنتها الدول الغربية، باسم الدين المسيحي على أرضنا، وفي ذات الوقت تمنع قيام المسلمين بترميم مسجد أخر؟!.

وما معنى أن تأتي هذه الموافقة بعدما أكدت المرجعيات الدينية في الناصرة، المسلمة والمسيحية، ريبتها مما يجري؟!.

وما معنى، أن تتحول النـزعات السياسية إلى نزوعات دينية، لمجرد أن فرداً من جهة سياسية تصدى لأخر من جهة لسياسية أخرى؟!.

وما معنى أن يتحول بناء جامع لشعار انتخابي لكسب أصوات المغرر بهم باسم الدين؟!.

لقد جاءت الموافقة العبرية، لتؤكد أولاً أنها صاحبة القرار الأول والأخير في كل ماله علاقة بأرض فلسطين، كما جاءت لتؤكد أن لا معنى لاتفاق المسلمين والمسيحيين ولا حتى «السلطة الفلسطينية» عندما تُقرر هي إشعال فتنة دينية، هدفها يبقى التأكيد على أن خروجها من هذه الأرض سيؤجج نار الاضطراب واللااستقرار، لا لشيء، إلاّ لأن الموكل إليهم هكذا أمر ليسوا في سوية ما أوكل لهم . وأن الشعب الذي تبسط عليه سيطرتها العسكرية، شعب لا يحكم إلا بهذه الطريقة.

فإذا كان هذا أولاً، فان الاستهداف الثاني من أحداث الناصرة، العمل على اختراق ما يلوح في الأفق من تفهم أوربي لمسألة «السلام العادل والشامل» بإظهار مسيحي فلسطين، أقلية تتهدها  أكثرية مسلمة، مما يستدعي تدخلاً للحؤول دون ذلك من الدولة العبرية بما يعني، أن على الأوربيين أن يتفهموا مسألة السلام بالشروط العبرية، من حيث هي مسألة ضمان أمن وحماية المسيحيين.

 إنها الفتنة باسم الدين للنيل من الدين بتحقيق مكاسب سياسية، لدولة ثيوقراطية، في الشكل والمضمون والاستهداف، إن دولة ثيوقراطية كهذه، لا يمكن لها أن تقوم إلاً في شرق أوسطي ثيوقراطي على صورتها ومثالها في دول ثيوقراطية تتوزع المنطقة في كيانات أعجز من أن تتكفل بوأد ذاتها وفي أجواء ثيوقراطية يلبد غيومها أولئك المتأسلمون الذين يحاولون أن يثأروا لإسرائيل من مسيحي المطران كبوتشي، أو أنهم يحاولون بالفعل لا بالقول، العمل على عكس ما جاء به القرآن الكريم من أن الأقرب للذين آمنوا هم النصارى، بالتأكيد على أن الأقرب للذين آمنوا هم اليهود الذين يؤيدون بناء جامع للمسلمين تحت لوائهم؟!!!.

جورج معماري

الثلاثاء 14 ديسمبر 1999 م