مآلات الوحدة في الحزب السوري القومي الاجتماعي

 

نُقِرُّ ، وفي بداية مقالتنا ، أنها لا تحمل في مضمونها طابع اقتراح حلولٍ لما يعانيه الحزب السوري القومي الاجتماعي ، بقدر ما هي ” صرخة في واد ” صُمَّتْ به عنها آذان مَنْ بيدهم القرار ، أو بالأحرى ، مَنْ ينفذون إملاءات الجهات التي عملت جاهدة لبلوغهم مرتبة اصدار القرار ، حيث بات الحزب بمجمل تشظياته ، مجرد حزب سياسي مغلوب على أمره وميؤوسٌ منه ، حزبٌ ، إن لم يتفيأ جناح ما ، لا يمكنه إيصال نائب واحد الى أي برلمان من برلمنات الأمة التي يدعو لوحدتها ، على الرغم من أن أعداد المنتسبين إليه في ازدياد مضطرد يوما بعد يوم وقد تكون قد فاقت الكثير من الأحزاب العاملة اليوم في ساحات أمته  ..،   وهو متشظي لدرجة بات من غير الممكن حصر تشظياته / الانتفاضة ، الروشة ، الأمانة ، 8 تموز ، تيار النهضة ، قسم ،..ولا ننسى في هذا المقام ” مديرية الميدان ” التي لم أعرف حتى اللحظة ما تدعو اليه وما تبتغيه من تعارضها مع غيرها من تلك التيارات ..الخ / .

كان لا بدَّ من هذه المقدمة الجارحة ، للتأكيد على أن هذه المقالة ليست اقتراحا للوحدة أو رأياً في الوحدة ، فكلاهما سيان بالنسبة “لقيادات” فقدت مبررات قيادتها أمام صرخات القوميين الاجتماعيين ( أن اتحدوا ) فالفرصة الذهبية  المتاحة لن تتكرر ، فلا تكونوا ” مهندسي خراب ، تقطعون الأشجار لتقطفوا الثمار “.

لقد أسقطت الحقائق التاريخية ، مختلف الاتجاهات الفكرية ـ السياسية  التي عملت على إقصاء الحزب عن ساحة نضاله ، كما قياداته المتعاقبة ،التي لم تكن يوما في مستوى عقيدتها فكرا ونهجا ،  أسقطت تلك الحقائق “الأممية الطبقية والدينية” ، كما تلك “العروبية” بمختلف تياراتها أو تلك التي تقوقعت في كياناتها فباتت في قمقم عجزها أو حتى تلك التي قامت على أركان “القبلية ـ العائلية” أو بالأحرى عرَّتها من لبوسها الشعبي الديموقراطي على نحو ما جاء به الانتداب الفرنسي ” الكتائب “او تلك التي جاء بها الاحتلال الأمريكي للعراق أو الاحتضان البريطاني للأردن… ، ولم يبقَ في ميدان الثقة سوى فكر سعادة الذي أثبت أنه الأقدر على فهم مجريات الأمور الفكرية والسياسية والاجتماعية التي عصفت بأمته قبل وبعد اغتياله والذي اشتركت به قوى كيانية وعربية ودولية كما قياداته التي حشدت أكثر من ستين ألفا من القوميين الذين استقبلوا سعادة في مطار بيروت ليسلك طريق دمشق ـ بيروت وحيدا معتقدا أن ثورته ستكون عارمة لو علمت تلك الألوف باعتقاله ، لكنها وللأسف كانت نائمة عن خطرٍ داهمٍ لزعيمها … فجاءت النتائج على النحو الذي نحياه اليوم .(1) *

ما يحول دون الوحدة ، عوامل كثيرة ، أبرزها : الشخصانية ، الفردية ، النفعية ، الانتهازية ، الوصولية ..الخ التي تعصف بمختلف تشظيات هذا الحزب ، والتي تعود بمجملها لضعف مخيف ومريع في فهم فكر سعادة من جهة ومجاهدة مختلف التشظيات لضم أكبر عدد من النفعيين الذين وجدوا في انتصار فكر سعادة ميدانا لنفعيتهم ، وبات الصراع بينهم محور حياتهم اليومية ، حتى داخل التشظي الواحد ،  فالقيادات ، لشخصانيتها ، باتت قبلة لمثل هذه التوجهات ، تسكت وبترقبٍ حذرٍ لمخاطرها المستقبلية عليها ، تغيريها بالمنصب والمردود المادي وتقف عاجزة عن لجمها رافعة سيف الدستور والنظام والشرعية مسلطة إياه على رقاب تابعيها متى تجاوزوا حدود سلطتها ..

لم يعد الفكر والنهج ومن ثم نظام الأشكال التي تحقق وحدة النهج مع الفكر من اهتمامات قيادات هذا الحزب ، لم يعد الحزب ـ مهما قيل غير ذلك ـ ، بوتقة صهر وبلورة وصقل ، بات ( طنجرة ) تترسب في داخلها مختلف عاهات المجتمع المتجلبب بالعباءة العثمانية الطراز ، تتستر عليها بغطائها ( القومي الاجتماعي )..

لم تتعظ ” القيادات ” من تجارب الحزب السابقة ، ستون ألفا يستقبلون سعادة ويمضي وحيدا الى الرملة البيضاء ، بعد أقل من عقد من الزمن يمضي كل من عبد المنعم دبوسي وبديع مخلوف الى خشبة الإعدام وقد سبقهما يونس عبد الرحيم ، والقيادات تتنازع الاتهام بالتآمر على الحزب ، وتصر على الصاق التهمة بالحزب وقد برأته منها مختلف الجهات المعنية … 

ينفرط عقد الحزب بمجرد تعرضه لأزمة داخلية كانت أم خارجية ، هذا ما حدث في 48 وفي 56 وفي 61 و74 و85 مما يدل دلالة واضحة على أن التراكم العضوي ، لا يفيد في شيء وتحديدا في الأزمات .. والأمثلة كثيرة لمن يريد ذلك .

اليوم ، تتنازع شرعية سعادة ، المتعاقدين معه ، كلٌ يدعي ملكية حقوقها ، وبمجملهم ، هم براء منها ، ألوف القوميين المؤمنين بسعادة تعاقدا على ” قضية تساوي وجودهم ” هم اليوم خار اطار أي “قيادة” والملتزمون بأيٍ منها هم إما أغرارا في الحزب أو نفعييون يتجاهلون الحقائق التي تقف في وجه منافعهم ، أقول ذلك ، دون استثناء لأحد سوى تلك الناشئة في أحضان واحدة من تلك التشظيات بعدما عُتِّمَ على تاريخ أشخاصها ، وتلبس لبوس سعادة عقيدةً (2)*

في الروشة قاتل ، لم تطاله بعد يد العدالة القومية الاجتماعية ، لكنها أبدا في انتظاره ، وهو يدرك ذلك بوضوح تام ، ويخاف منه ،ويهرب الى الأمام متمسكا بالقرار “القيادي” الذي لا يتجاوز حدود الروشة ، وفي دمشق مراوغ يتكئ في عجزه على نشئ جديد لم يفقه بعد ما آل إليه الحزب الذي انتمى إليه ، لكنه يُبقي سعادة نبراسه ومشعله الذي ينير دربه كلما تسارعت خطاه في فهم سعادة فكرا ونهجا ، أما الانتفاضة ، فتبدو على قلة عددها ، صاغرة لرئيس دائم الرئاسة ( على نسق خالد بكداش في الحزب الشيوعي ) أضاف لرئاسته مخالفة دستورية، بـ “توزيره” لكنه على الرغم من كل ما يشوب رئاسته ، أعتقد أنه الأفضل ممن يتولون الآن صدارة القرار ” الحزبي” ذلك أنه الأكثر فهما للعقيدة القومية الاجتماعية ..

(1)* ـ راجع https://www.georgemaamari.com/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%80-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8/

(2)* ـ كتب أحد الناشئة في تعليق له على اغتيال الأمينين بشير عبيد وكمال خير بك ،( أن أسعد حردان هبَّ لنجدة الأمينين حيث دارت معركة بين القوميين والمرابطون .. لكن الأوان كان قد فات..) وكنتُ أنا في مركز الحزب آن ئذٍ وأشهد أن أحدا لم يتحرك حينها وكان الجميع ينتظرون قرار الرئاسة التي كانت على اتصال دائم بياسر عرفات لتهدئة الوضع وعدم الدخول في معارك جانبية ، وهكذا كان الأمينين ضحية القرار السياسي ، وما زال مقتلهما وصمة عار في جبين الحزب ، لم يتخذ أيٌ من المسؤولينالمعنيين بالشأن العسكري قرارا بخوض المعركة تلبية لنداءات الأمينين المستغيثة والمتكررة حتى انتهيا تلك النهاية المشؤومة ، على غرار سعادة ويونس عبد الرحيم وبديع مخلوف وعبد المنعم دبوسي ، ذلك أن القرار المصيري في هذا الحزب كان على الدوام قرارا فرديا يستثني القيادات ، هكذا كان قرار ميشيل الديك ورفيقيه وهكذا كان قرار نبيل العلم ومحمد سليم وحبيب الشرتوني ، . 

يتبع

2 ـ إن أخطر شخصية مرت على الحزب السوري القومي الاجتماعيفي تاريخه  ، كانت “عصام المحايري ” هذه الشخصية التي أحاطها القوميون الاجتماعيون بهالة من النضالية ” تواترا ” ذلك أنها كانت وراء مختلف الأحداث العاصفة التي دمرت الحزب بدئا منالثامن من تموز واغتيال سعادة مرورا بـ 1954 احتلال مركز الحزب من قبل جورج عبد المسيح احتجاجا على انتخاب المحايري ، الى اغتيال عدنان المالكي الى مقتل وسيم زين الدين 1974 وحتى اغتيال العميد مجمد سليم 1985 وانتهاء بـ الانشقاق الشكلي عن الروشة ، هذه هي الأحداث التي خلفت ما نحياه اليوم من شتات فكري وتنظيميي و.. الخ كان المحايري ، وبحنكة الدمشقي ، يقف في الكواليس ، يحرض بلسان التغ ، متسائلا حيناً،  مرتاباً حينا آخر ، مشككا في ثالث ،مدللا في رابع .. يقبع خلف إجابات سامعيه ، لا يجيب ، يكتفي بهزِّ الراس حينا أو إطراقه في حين آخر ، يترك لسامعيه اختيار الشك أو الريبة او التساؤل ، طريقا لمقارعة خصومه ، أنا هنا لا أتجنى على هذه الشخصية ، إنما أقارب الأحداث من حيث قربها أو بُعدها عن المسؤوليات المركزية ، لم تتبوأ هذه الشخصية مسؤولية مركزية إلا وخلفت انشقاقا أو تمردا ضُرِّجَتْ دماء القوميين زواريبها ، ولمن يتساءل أقول :

في المؤتمر القومي الاجتماعي العام 1984 ، حذرت الأمين مروان فارس من امكانية انتخاب المحايري رئيسا للحزب ، وطالبته بترؤس المجلس الأعلى للحيلولة دون أي تحرك في حال انتخابه ، لبى الأمين فارس طلبي ، لكنه استقال بعد فترة لأسباب لا داعي لذكرها ، محمود عبد الخالق ، الأمي والذي لا يحمل شهادة دراسية ما ، على ما أعرف ، نصب لي كمينا لتهنئة المحايري بانتخابه رئيسا ، كان الحضور الأمناء مروان فارس ، نبيل العلم ، محمد سايم ، ليس مجالا لذكر الحديث الذي دار بيني وبينه ، لكن وفي نهاية اللقاء والذي لم يدم سوى دقائق ، قلت : أهنئك حضرة الرئيس بثقة اعضاءٍ من المجلس الأعلى ، وكانت على وزن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ” الانسحاب من أراضٍ عربية ” حيث انطلت العبارة على العرب أجمعين .. تبسم بخبث كل من مروان ومحمد ونبيل وخرجتُ مسرعا في العودة لدمشق .

أحد القوميين الاجتماعيين وفي حوار حول العلاقة بين المحايري وأسعد حردان قال ،: عندما اجتمعنا ب”vيلته”  في ضهور الشوير ، سألته عن مقتل العميد سليم فقال : بناءً على أوامر قيادية طالبتني باعتقاله أرسلت قوة عسكرية الى منزله فقاومها ، فقتل ، قلت لمحدثي : هكذا قالها وببرودة أعصاب ؟! أجابني نعم . (القومي الاجتماعي هذا  حي يرزق) ، المحايري كان رئيسا للحزب في تاريخ اغتيال الشهيد العميد محمد سليم ، وفق ما أدلى به حردان لمحدثي الآنف الذكر ، وكما ورد في اجابته ( حردان ) لإحدى المجلات اللبنانية ، فإن أوامر قيادية قد  صدرت ، لم يُفصح عنها حردان ، فهي إما من عصام المحايري أو من غازي كنعان ، الذي رفض العميد الشهيد طلبه بإبلاغه عن كل ما هو متعلق بالعمليات الفدائية الاستشهادية ، فأيهما هو الذي أصدر الأمر ؟ هذا منوط بمحكمة عسكرية حزبية سؤاله لحردان ،لكن المحايرى كان المسؤول عن كل مجريات القضية ، باعتباره رئيسا للحزب من جهة ولكونه قد أمَّن الغطاء القانوني لحردان لتنفيذ مؤامرة اغتيال الشيد العميد .

حردان هذا ، القابض على زمام السلطة الحزبية منذ الحادثة ، والذي يخشاه معظم القوميين الاجتماعيين في بيروت ، أعرفه ، يوم كان عاملا في شعبة الأمن وبعدما تسلم وكيلا للعميد الشهيد ، ويوم تسلم توزيع المحروقات في شتورة وجنى منها الملايين ، أقول أعرفه بكنزته البنية اللون ،والتي لم تكن لتفارقه ،  رفيقا معدما حاله كحالنا نحن العاملون في مختلف الوظائف الحزبية في ذلك الوقت .. ، اليوم ، وكما يقال ويشاع أنه يملك الملايين من الدولارات  ،تساؤلي : من أين لك هذا ؟ تساؤلٌ آخر ، من هي القيادات التي أصدرت أمرا باعتقال العميد الشهيد ؟ تساؤلٌ ثالث : من أنت ـ في حينها لتعتقل عميدكَ ؟ وتساؤلٌ يفرضه السياق ، الأوامر التي صدرت من تلك التي تدعي اصدارها ، هل كانت أوامر اعتقال أم قتل ؟ وفي السياق أيضا : ألم يكن أحرى بقيادات حزبية أن تستدعي الشهيد بطلب رسمي ؟ وهو المعروف ــ والذي أعرفه عنه تمام المعرفة ــ أنه انضباطي لدرجة الموت ، أم أن القيادات التي أصدرت أمرا ــ كما يدعي حردان ــ هي قيادات لا حزبية كنت وما زلت تأتمر بأمرها ؟!!

3 ـ عندما أقول أخطر شخصية ، فذاك لأتها اتبعت ذات النهج التاريخي لها في اقصاء من قام على أكتافهم التنظيم في الشام على مدى أربعين عاما من العمل السري الدؤوب ، لقد كانوا قلة ، عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، سهيل رستم ، إيليا المعري ، طلال خوري ، فاروق أديب ، خليل الخضري ،معزة الأشهب ،  وأنا ، وهناك الكثير منهم من فاتني ذكرهم  ، لقد اتكأ على النشئ الجديد ، عديم الخبرة في العمل الحزبي ، أمثال من يتصدرون اليوم المسؤوليات الحزبية ، فهو لا يتقن العمل إلا موجّْها لا محاورا ولا مداولا ، ولا يطيق من يجادله في الأمور والقضايا المصيرية ، لذلك كان يلجأ دائما لنشئ لا يناقشه ، يجاريه في مسارات تفكراته والتي هي دائما كما سبق وقلنا /  بحنكة الدمشقي ، يقف في الكواليس ، يحرض بلسان التغ ، متسائلا حيناً،  مرتاباً حينا آخر ، مشككا في ثالث ،مدللا في رابع .. يقبع خلف إجابات سامعيه ، لا يجيب ، يكتفي بهزِّ الراس حينا أو إطراقه في حين آخر../ دَعَمَ ـ والجهات التي تقف داعمة له “باصيل دحدوح ” في مواجهة إيليا المعري ، لم يكن باصيل ممن عملوا في الحزب طوال الفترة السرية ، لم يكن ذا خبرة سياسية ، كما تميز بها  إيليا أو الدكتور طلال ولا حتى بخبرة فاروق أو معزة أو خليل .. ، وأخصُّ هنا الدكتور طلال خوري ، فهو محللٌ سياسي من طراز ممتاز ، وإيليا المعري القومي الاجتماعي الصلب في عقيدته والمناقبي سهيل رستم … استقرَّ الوضع الحزبي في الشام بإقصاء من قام على أكتافهم التنظيم وتحملوا أعباء العمل السري و مخاطره على حياتهم.. وقد حالت مناقبيَّتهم من القيام بأي عمل يمكنه أن يؤذي تنظيما بذلوا من أجله كل غال ..  كانوا الأم الحقيقية التي أسلمت وليدها للأم المدعية حتى لا ينفذ القاضي حكمه بشق الوليد لنصفين يوزعان  على كلتاهما ..

وعندما أفلت زمام أمر باصيل من يده ، استعاض عنه بمحامٍ مغمور ” جوزيف سويد ”  ـــ الذي لم أسمع به طوال فترة عملي الحزبي والممتدة ما يزيد على النصف قرن ـــ ، حتى في مهنته ، واليوم وقد أقعده العمر عن دوره كلَّف أحد تلاميذه ، “زهير قشلان” في إدارة الأمور من وراء الكواليس ، كرئيس لمجلس العمد ، أذكر في هذا الصدد أنني وإيليا المعري وما قبل نهاية عقد الستينات ، قمنا بزيارته بمكتبه وكان قرب القصر العدلي في باب الجابية على ما أذكر، وقد تخونني الذاكرة ، لم أعد أذكر موضوع اللقاء ، لكنني وإيليا خرجنا من  محاولتنا اقناعه بمواكبة العمل الحزبي أشد إصرارا على العمل مهما تكن الصعاب بعدما رفض التعاون معنا  ..ذات النهج المتبع اليوم في الشام ، اتبع في بيروت عام 74 حيث دُفع بوسيم زين الدين بتحريض من عصام عبر، الأشقرين ( أسد ويوسف ) لترؤس حركة المنفذين لمواجهة القيادة الحزبية آن ذاك ، هكذا كان اتهامه لجورج عبد المسيح باغتيال المالكي ملصقا التهمة بالحزب وأوحى للقيادة في بيروت بطرده اذا لم يسلم نفسه لجلاد دمشق آنذاك ، أذكر ، وقد كنت طفلا كيف حضر لطرفنا جورج عبد المسيح هو وغسان جديد واختبئا مع والدي في احدى مغاور قلعة الحصن يرقبان الساحة والأخبار الواردة من دمشق حول الاغتيال في محاولة لاستعادة زمام المبادرة ، لكن الحزب كان قد زجَّ بمجمله في السجون وخلال فترة وجيزة وتلاشى القوميون الاجتماعيون من الساحة   .. وما يزال ” المحايري ”  مصرا على أن عبد المسيح كان وراء مقتل المالكي وقد برأته الدولة الشامية ومعه الحزب من هذه التهمة التي يتفق جميع الشهود على أنها مؤامرة على الحزب ، أدارتها المخابرات المركزية الأمريكية بالتنسيق التام مع عبد الناصر وأل سعود حيث كان الصراع على أشده بين كل من فرنسا وبريطانيا وأمريكا بعيد الحرب العالمية الثانية على اقتسام مناطق النفوذ في” الشرق الأوسط ” نظرا لأهميتها التي تبدو واضحة في كونها ” جهنم ” الكرة الأرضية اليوم ،خاصة بعد الحرب الكونية على سورية ..

الوضع الحزبي في الشام مستقر حتى تاريخه، على عكس ما هو عليه في بيروت حيث التشظيات بالجملة ، والروشة تعاني من أزمات داخلية كان آخرها احتلال المقر الدائم لها من قبل عميد الدفاع احتجاجا على اقالة عميد الداخلية وكان على الرئيس الناشف الانتظار خارجا حتى مجيء ((( النجار ))) ليفتح له باب الرئاسة ..

الروشة والمعروفة لدى البيروتيين خاصة بأنها “صخرة الانتحار ” لمن ضاقت بهم الدنيا ، كانت فعلا صخرة انتحار الحزب ، في الروشة تخندق حردان وبعض من مغموري العمل الحزبي وعلى رأسهم النفعيون ممن تنازلوا عن مواقفهم وانساقوا خلف مصالحهم ، أمثال ” محمود عبد الخالق ” وتوفيق مهنا وكُثر أيضا ، لكن من رفضوا الاذعان بقوا على تماس مع الروشة بطريقة ما من الطرق ، المتمردون كُثرٌ أيضا ، والحركات الداعية للوحدة تتوالد دون أن تتحد ، هكذا غدت الوحدة الخشبة التي صلب عليها الحزب ..

4 ـ يأخذ علينا البعض ، كيف أننا نتداول أسرارا ومواقف حزبية كان الأجدر بنا طرحها في / جلسة رسمية / وحين يباح لنا الكلام من قبل من يترأس هذه الجلسة ، ويتناسى هذا البعض أن الحزب بمجمله بات مضغة سائغة بأفواه من يتربصون به شرا وعدوانا ، إن مطالعة ما تنشره الصحف من أخبار الحزب والصراعات الدائرة فيه والمواضيع المطروحة والتشظيات التي يعاني منها القوميون الاجتماعيون في كامل أجزاء الأمة وبلاد الاغتراب ,…أمر ليندى له جبين كل قومي اجتماعي صادق مع نفسه أولاً وأخيراً ، هذا الوضع المخزي ، بكل محمولاته ، تقف منه قيادة الروشة موقف الأصم والأعمى والأبكم ، فهي لا تتجاسر على مواجهته سوى بالتهديد ، التهديد بالقتل أو الاغتيال ـ وهذه من مورثات الدعاية التي سادت بين القوميين الاجتماعيين بعد اغتيال العميد سليم وتوفيق الصفدي وحبيب كيروز وغيرهم ـ  أو الاقصاء أو التجاهل ، ويبدو هذا الأخير هو سلاحها المتبقي بين يديها ، ذلك أن حردان ، وإن كان قد دفع ببعض قوات الحزب العسكرية للمشاركة ( الأقل من رمزية )  في العمليات الجارية على الأرض الشامية بهدف تحسين مواقعه لدى القيادة الشامية ، فإن هذه الأخيرة ، قد باتت تدرك أن حردان حليف خاسر أو هو قد استنفذ المهمة الموكلة اليه وباتت تدرك أن الاستمرار بدعمه قد أفقدها الكثير من ميزات القوميين المعترف بشجاعتهم وصدقهم واخلاصهم من قبلها ، وباتت تبحث عن البديل ، وفي مواجهة ذلك ، يقف حردان موقف المراقب الحذر المتخوف مما قد يجري وما قد يسوق اليه تشظي الحزب كل هذا التشظي على مصيره الشخصي ،  والذي لم يعد يعني سوى أمرا واحدا لا يتعدى عليه أخر : إن الحزب نتيجة تسلط حردان وقبضه على موارده المالية وإثرائه على حساب الحزب وتطوع بعض ضعيفي الايمان القومي الاجتماعي وبعض الانتهازيين والوصوليين على خدمة ما يوطد قيادته المعلنة حينا والمبطنة حينا آخر ، لم يعد يمثل حزب سعادة المعروف بانضباطيته وتماسك صفوفه وحتى اندفاع اعضائه وتضحيتهم في سبيل قضيته ..

في حوار مع بعض القوميين الاجتماعيين المقربين ، وفي الحديث عن آخر مستجدات الوحدة الحزبية أفادني بوجود حركة تمرد في بيروت ضد حردان تحمل اسم / تيار حركة النهضة / والتي حاولت محاورة حردان في موضوع الوحدة فهددها بالاعتقال إن هي قَدِمَتْ للروشة ، فتراجعت عن ذلك .. أجبته أنها جهيضة قبل ولادتها ، وفعلا فقد جاء بيان إعلانها على الملاء مذكرا ببيانات حزب البعث التي غالبا ما تنتهي بتحية ثوار أفريقيا وأمريكا اللاتينية .. واحدٌ من المواطنين السوريين هو الدكتور ” مضر بركات ” وهو غير قومي اجتماعي ،  أشار في مقالة نشرها على موقعه الخاص حول الحزب ودوره في هذه الفرصة التاريخية  الذهبية المتاحة ، كان أكثر وضوحا وجرأة من بيان / تيار النهضة / يقول الدكتور مضر :

” الحزب السوري القومي الاجتماعي..:

 

1- الحزب السوري القومي هو الأقرب إلى الجماهير السورية التي وقفت مع الدولة خلال هذه الحرب، وهي عملياً جماهير التوجه (العلماني)، وهو الحزب الوحيد الذي يمتلك إمكانية اجتذاب عموم الجماهير والنخب الشعبية والنخب الثقافية والاقتصادية، رغم أنه تاريخياً لدى نشأته كان يمثل النخب الثقافية والبورجوازية.

 

2- هذا الحزب منتشر منذ تأسيسه بشكل واسع في سوريا ولبنان بشكل أساسي، وهو الحزب الأهم بالنسبة للسوريين في دول المهجر حول العالم، وله كذلك قواعد جماهيرية ناشطة بكثافة في كافة الدول التي تعتبر جزءاً من سوريا الطبيعية ومنها فلسطين المحتلة، ويمكن التذكير بشهيد الحزب السوري القومي في العملية الفدائية في فلسطين من أسبوعين.

 

3- لم يتمكن هذا الحزب من المشاركة فعلياً في الحياة السياسية في سوريا، ولو بشكل محدود، إلا مؤخراً خلال هذه الحرب، وقد كان هذا الحزب مستبعداً عملياً من قبل قيادات البعث حيث منعوه من ممارسة أي نشاط، لذلك كان نشاطه غير رسمي داخل سوريا، وقد كان الأقرب إلى عواطف الجماهير السورية واللبنانية من خلال مساهماته في قيادة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني للبنان في الثمانينات (قبل نشأة حزب الله وهذا النهج الجهادي في المقاومة) حيث كان معظم العناصر الذين قاموا بالعمليات الفدائية هم من كوادر هذا الحزب مثل سناء محيدلي و وجدي الصايغ، وكذلك حبيب الشرتوني الذي قام باغتيال بشير الجميل بعد توقيعه اتفاق 17 أيار مع الكيان الصهيوني.

 

4- لقد تمكنت قيادة حزب البعث خلال العقود الماضية من شق هذا الحزب وتشكيل تيارات داخلية فيه من خلال سيطرة المخابرات السورية على لبنان الذي كان يعتبر المعقل الرئيسي لقيادات الحزب السوري القومي الذين هربوا من سوريا وخرجوا من حياتها السياسية الرسمية بعد أن نجح البعثيون باتهامهم بقتل عدنان المالكي في أواخر الخمسينات من القرن الماضي.

 

5- إلى جانب أنه أحد الأحزاب التأسيسية في سوريا لمرحلة ما بعد جلاء الاستعمار الفرنسي، هناك ميزة هامة جداً يتمتع بها الحزب السوري القومي الاجتماعي وتحتسب له بخلاف الأحزاب السورية الأخرى، من حيث محافظته على مستوىً عالٍ من الانضباط الحزبي التنظيمي، رغم كل المآخذ التي تعتبر منعكس طبيعي لتقدم هذه الحزب بالعمر وغياب الرعيل المؤسس.

 

برأيي الشخصي..:

الحزب السوري القومي لديه فرصة كبيرة للنجاح في إقناع الجماهير السورية بقدرته على قيادة الدولة إذا تمكن من:

 

1- إعادة هيكلة قيادته التنظيمية ودمج الانشقاقات التي صنعتها المخابرات السورية سابقاً لخدمة أهداف حزب البعث.

 

2- التخلص من قياداته الفاسدة التي وصلت إلى مراكزها بمساعدة قيادات البعث وتوابعها من الشخصيات التي كانت تمثل الوصاية “الأمنية” التي تخدم الفساد وأهداف أشخاص منظومة الجبهة الوطنية التقدمية، وكذلك على السوري القومي التخلص من الشخصيات التي صنعها ونصّبها (حسين مخلوف ورامي مخلوف) في العشر سنوات الأخيرة، لأنهم غير مقبولين جماهيرياً ويعتبرون استمراراً لمنظومة الفساد في سوريا حيث كان يتم تحضيرهم بديلاً محتملاً للفاسدين البعثيين الذين كانوا سيسقطون إذا ما خرج البعث من الحكم.

 

3- أن يُبعد هذا الحزب نفسه عن نفوذ المال السياسي وأن يعيد إحياء نهج التقييم الذاتي والمحاسبة الحزبية كما كانت قبل اختراق الحزب من قبل أعدائه ومنافسيه.

 

4- أن يتمكن الحزب من وضع خطة فعالة لإدارة الاقتصاد السوري في المرحلة الحالية (اقتصاد معالجة مخرجات الحرب حتى الآن والتخطيط لنهج اقتصادي مستقبلي)، وأن يعمل هذا الحزب على طرح تصوره للنهج الاقتصادي السوري الذي يجب ان يرتكز على إحياء الاهتمام بالطبقة الكادحة وإعادة إحياء الطبقة الوسطى، …

أما بيان تيار النهضة فكان على النحو التالي :

” بيان حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية

 

عقدت حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية في فندق مسابكي – شتورة، إجتماعاً للهيئة العامة، بتاريخ 17 / 11 / 2018 ، حيث تم التداول بالاوضاع القائمة، وبضرورة إستعادة فعالية الحركة السورية القومية الاجتماعية على قاعدة ما أرساه لها سعاده، عقيدة ونهجاً، والعمل على إستنهاض القوى الحية في الأمة تصدياً لجميع المعوقات الداخلية من فساد وتخلف، وللمؤامرات التي تعترض تقدمها، وخلص الحاضرون إلى أنه :

 

إنطلاقاً من إجماع الهيئة العامة لحركة النهضة‌، وتأكيداً على ان هدف التحرك هو إعادة الحزب إلى سكة تحقيق نظرته وغايته، وعملاً بما تمليه العقيدة ويؤمن به الحاضرون مساوياً لوجودهم، لجهة أن “حق الصراع هو حق التقدم، وأن مقاومة أي إحتلال أو اغتصاب لأي جزء من أرضها هو واجب يساوي وجودنا.

 

ورداً على مختلف الحملات التي تستهدفنا إمعاناً في التفتيت والتشتيت، يعلن الحاضرون:

 

التأكيد على “إن الاستقلال الصحيح والسيادة الحقيقية لا يتمان ويستمران إلا على أساس وحدة اجتماعية صحيحة. وعلى أساس هذه الوحدة فقط يمكن إنشاء دولة قومية صحيحة وتشريع قومي اجتماعي مدني صحيح، فيه أساس عضوية الدولة الصحيحة وفيه يتأمن تساوي الحقوق لأبناء الأمة.”

وعلى أن تحصين وحدة الشعب على وحدة الأرض هو سبيل لتفعيل نهج المقاومة الشاملة، وعلى إختلاف وجوهها. ويؤكد الحاضرون على أن نهج المقاومة هو الطريق الأقصر لتحقيق مصلحة الأمة في تحرير الأرض من أرجاس العدوان، وفي تحرر الشعب من كل ما يعيق طموحه و إرادته للنهوض بالحياة إلى مراقيها وبناءً على ثوابتنا القومية الاجتماعية، نعلن، إنطلاقاً من إيماننا بحرية الوطن القومي حرصنا الشديد على حرية المعتقد، وحرية التعبير، وحرية البحث العلمي، و حرية الابداع الفني، رافضين قطعاً كل العصبيات المذهبية والطائفية، ساعين إلى بناء المجتمع على قواعد المساواة دون أي تمييز.

 

إن حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية تدعو جميع السوريين القوميين الاجتماعيين على قاعدة وحدة الروح للانخراط في العمل النضالي الجاد، لاستعادة دور حركتنا: حركة الذين “لا يقصدون في الحياة لعباً ” و خلص المجتمعون إلى انتخاب هيئة قيادية مؤقتة تحضر لمؤتمر قومي عام ، يعلن عنه خلال سنة من تاريخه.

 

و اكد المجتمعون على ضرورة عصرنة العمل تمكيناً للحركة لمواكبة مجريات الحداثة ، كون الانتشار و الحوكمة هما أبلغ المهام أمام القوميين الاجتماعيين اليوم.

 

كما تم التأكيد على محاربة النزعة الفردية بتعزيز عمل المؤسسات، وترسيخ مفاهيمها في الدستور والقوانين والسلوك، بما يجسد مفهوم: “القوميون الاجتماعيون هم مصدر السلطات “، ما يقضي على التسلط الفردي الذي لا ينتج عنه الا ما نعاينه ونعاني منه.

 

وتوجه الحاضرون بالتحية للشهداء القوميين الاجتماعيين، والاحياء منهم، في المقاومة الوطنية التي استطاعت كسر المشروع الصهيوني، وعلى الاخص الامينين نبيل العلم وحبيب الشرتوني، وإلى رفقائنا في الشام، في مواجهتهم، إلى جانب الجيش الشامي، الهجمة التكفيرية الارهابية والحرب الكونية التي تستهدف الامة جمعاء.

 

واذ يحي المجتمعون أبطال فلسطين، ولا سيما اهلنا في غزة، في مواجهاتهم الشجاعة للعدوان الصهيوني، يدينون بشدة اتفاقات الذل والعار من كامب دايفد وأسلو ووادي عربة وكل مساعي التطبيع العربية الجارية.

 

هذا وعقدت القيادة الموقتة، المنبثقة من الهيئة العامة، اجتماعها الاول بحضور كامل اعضائها، وذلك في مدينة طرابلس، نهار الخميس الواقع في 2018/11/22 ، حيث جرى تقييم اجتماع الهيئة العامة والروحية النضالية العالية التي سادت أجواء الاجتماع، وأهمية المداخلات التي ألقيت بهدف تعزيز العوامل الدافعة لحركة النهضة في صميم الشعب السوري كلّه، كما توقف المجتمعون أمام ردود الفعل الإيجابية التي وردت من مختلف أنحاء الوطن وعبر الحدود. ومن ثم تم انتخاب هيئة للقيادة الموقتة حيث انتخب الأمين يوسف زيدان رئيساً للحركة، والأمين ربيع زين الدين نائباً للرئيس، والرفيقة نبيلة غصن ناموساً. كما تم إنتخاب مسؤولي المصالح التالية: الإدارة، المالية، الاعلام، الثقافة، الدفاع، التربية، الاستراتيجية والتخطيط، التشريع، والعلاقات الخارجية، كما انتخب الأمين عارف فياض رئيساً للجنة التحضيرية للمؤتمر القومي العام، والذي سيجري اقامته في مهلة سنة من انعقاد الهيئة العامة واستجابه لإرادة القوميين الاجتماعيين المعبر عنها بـ”القوميين الاجتماعيين هم مصدر السلطات”.

 

وتوجه المجتمعون إلى القوميين الاجتماعيين في مختلف مواقفهم للإلتفاف حول المشروع الوحدوي لحركة النهضة السورية القومية الاجتماعية، وتم التأكيد على أن الحوار مع القوميين هو اللغة الوحيدة، لأنهم أبناء العقيدة أولا، والرواد الطبيعيون في عملية الاصلاح ثانيا، ودعوهم إلى الترفع عن الصغائر، والانصراف للحوار الرصين الهادف في أجواء من الاحترام ما يؤدي إلى العمل المجدي.

وقد تطرق المجتمعون إلى الوضع السياسي في الأمة وما تشهده ساحاتها من إنتصارات على قوى الإرهاب، مناشدين السلطات السياسية في كيانات الأمة إلى المزيد من الديمقراطية السياسية متلازمة مع الديمقراطية الاجتماعية، بما يحصن مشروع المواجهة مع العدو الصهيوني في فلسطين، وتوجهت القيادة إلى القوى السياسية الوطنية والديمقراطية في لبنان داعية وبالحاح إلى تشكيل جبهة وطنية متراصة في مواجهة نظام التمييز الذي زعزع الاستقرار السياسي وتسبب في دمار لبنان وغير كيان من كيانات الامة والعالم العربي. ”

ما تقدم فقط للمقارنة بين دعاة الوحدة وبين مواطن لا علاقة له بالحزب ، وهذا ما سنناقشه في مقالتنا هذه على التوالي ..

5 ـ عندما نقول أن الوحدة باتت الخشبة التي يصلب عليها الحزب ، فهذا القول لا يأتي من فراغ ، ومثالنا على ذلك أنه، في مقابل / الأمانة ـ الروشة / تقف “الانتفاضة ” بما لها وعليها ، فبعد نصف قرن ويزيد  من التقوقع على الذات تقف على مفترق طرق ، بين الاندماج في المجتمع / سياسة وثقافة / وبين البقاء في فلك بداية النصف الثاني من القرن العشرين ، فلقد بقيت هذه الحركة عاكفة على ذاتها طوال رئاسة /عبد المسيح/ لها وتاليا /أبي حيدر/  ، تبني ببطء شديد تلاميذة “عبد المسيح” كما كان يرى الحزب عقيدة ونهجا  وساحة سياسية ..

اليوم تعود الى الساحة بنهج جديد يقرر الاندماج في قضايا المجتمع كافة والتفاعل مع مختلف تياراته السياسة ، وكما / الأمانة ـ الروشة / فهي تعكف على النشيء الجديد تربية وثقافة ، لكنها والحق يقال تبذل ،جهودا كبيرة في بناء جيل هو أقرب ما يكون الى العقيدة القومية الاجتماعية من / الأمانة ـ الروشة / في محاولة منها للإبقاء على نهج ” عبد المسيح ” والاندماج في المجتمع في آن ..

في الحديث عن الانتفاضة ، تُنكأ جروح الخمسينات ، بدئا من اجتماع الأمناء في دمشق بعد اغتيال سعادة ، مرورا بأزمة / عبد المسيح ـ المحايري / الى مقتل المالكي وانقلاب 1956 وانتهاءً بإعلان انشقاقها عام 1957 ، لكنها تبقى الظاهرة المدانة تاريخيا ــ مهما تكن مبرراتها ــ لإنها فتحت باب الانشقاق على مصراعيه وباتت مثالا يُحتذى في الصراع على السلطة في ” المركز ” الذي بقي على صلة بـ “الشرعية ” المستمدة من سعادة ، وفقا للدستور الذي تم تعديله للمرة الأولى في 1952تعديلات / فؤاد أبي عجرم / ..

لم يكن “عبد المسيح ” على خلاف مع مختلف شخصيات الحزب المتصارعة على السلطة ، سياسيا ، كان الجميع متفقون على ضرورة معاداة الشيوعية ومحاربتها وتاليا الوقوف الى جانب من يعاديها ، ونقصد الغرب ، حيث وُصِمَتْ السياسة الحزبية بالسياسة” اليمينية” المنضوية في تحالفات سياسية أبرزها حلف بغداد واستمر بتعاونه مع نوري السعيد ــ الملك فيصل ـ وابن عمه الملك حسين لحين قيام انقلاب ” عبد الكريم قاسم “1958 الذي أطاح بالملكية وتم سحل ” نوري السعيد” في شوارع بغداد ،كما بقي على صلة ب” كميل شمعون” كاعترافٍ من الحزب بفضل شمعون برفع الحظر عنه مساهما مساهمة فعَّالة بالتصدي ” لثورة 1958″ التي قامت معارضةً لفكرة التجديد لكميل شمعون بتحريض من عبد الناصر الذي كان قد أعلن الوحدة مع الشام تحت مسمى / الجمهورية العربية المتحدة / هذا في بيروت ، في دمشق كان الوضع ما يزال على حاله ، حيث استثمر حزب البعث المشهد السياسي بادعائه أن المالكي هو عضو في الحزب فاكتسب جماهير دمشق بفوزه بالانتخابات آنذاك بــ (22) نائبا في البرلمان ..

في المحاكمات الجارية بدمشق في قضية مقتل المالكي ، يفاوض “عصام المحايري” “أكرم ديري”/ رئيس الشرطة العسكرية المكلف بإجراء التحقيقات الأولية بقضية المالكي /  بتسليمه “جورج عبد المسيح” كمتهم أول في هذه القضية ، يرفض “أكرم ديري” الطلب ، ويرد “جورج عبد المسيح” مبرئاً ساحته والحزب تاليا من التهمة في كتاب / الرد على الجراح / مفندا مجريات الحادثة لحظة بلحظة ، وتتبنى القيادة في بيروت مطالبة “المحايري” بضرورة تسليم عبد المسيح نفسه للسلطات الشامية ، ويرفض طلبها فيطرد “عبد المسيح” من الحزب معلنا قيام ” الانتفاضة ” التي تقف من (ثورة1958) موقفا محايداً كرد فعل مباشر على موقف “المركز ” منطوية على ذاتها موصدة مختلف الأبواب على محيطها ..

في محاولة للعودة ، تحاور ” الانتفاضة ” حردان في وحدة الحزب ، الدكتور ” ميلاد سبعلي ” يعلن ذلك في سرد لما جرى كشبه بيان مطروح على قاعدة ” الانتفاضة ” وعلى الملاء كــ ( عفى الله عما مضى )على نسق وحدة ( الطوائ ـ المركز) والتي وقفتُ ضدها معلنا ذلك في رسالة الى المجلس الأعلى مذيّلا إياها بالقول ( ولا يُخفى على القاعدة الحزبية أن هذه الوحدة تمت بضغط من القيادة الشامية وتاليا هي وحدة تقوم لمصلحة الكيان الشامي وليس بناءً على مصلحة حزبية ) تلك المقولة( عفى الله عما مضى ) غالبا ما كانت الداء الذي أوصل الحزب لحالة الانهيار التي هو عليها الآن ..

ما تزال ” مفاوضات الوحدة بين الروشة والانتفاضة بين أخذ ورد ، ” شد حبال ” أو “عض على الأصابع” فمن ذا الذي سيصرخ أولا ؟!

الوحدة تبدأ من / الصف عبر تشكيل لجان من مندوبي الفروع وليس من القيادة / هذا ما  تقوله الانتفاضة ،  ترد الروشة برفض مبطن لما تطالب به الانتفاضة / حيدر لم يستطع تسويق الأمر بين جماعته / أيضا ترد الانتفاضة / الكلام أننا نعرقل الوحدة استدعى لقاء في السفارة السورية في بيروت وقد دعى اليه السفير وليس نحن ..هدفنا من الوحدة : إعادة العقيدة للحزب ما يستدعي إعادة تأهيل الكادر البشري بعد أن اضطر تنظيم الروشة الى ادخال أعداد كبيرة من الأفراد الى الحزب ، أما نحن فاعتنينا أكثر في الشأن العقائدي ووضع خطة استراتيجية لمستقبل الحزب ضمن الأساس بعث النهضة بالأمة .. نريد أن تكون الوحدة مبنية على أساس صلب حتى لا تتكرر الوعود الهوائية .. بادرنا وقمنا بعد لقاء السفارة السورية بمحاولة للحوار، طلب جناح المحايري المزيد من الوقت، خاصة أنهم «في مرحلة إعادة هيكلة الوضع الداخلي، ويعملون على التثقيف السياسي». /   

نحن لسنا ضد الوحدة أيا كان من يعمل لها لكننا نرى ان ثمة ما يطفو على سطح “مفاوضات” الوحدة أولها أنها تتم بمبادرة شامية ترى ضرورة كون الحزب موحدا، عسى أن يكون بديلا أو محاورا ذكيا لمختلف التيارات الناشئة بعد الحرب الكونية على الدولة الشامية بل وقد ترى الدولة الشامية أن ليس هناك من حزب قد يتحمل أعباء المرحلة القادمة سوى الحزب السوري القومي الاجتماعي وتحديدا في ما يتعلق بالعلمانية والمدنية والديموقراطية في مواجهة التزمت الديني المذهبي ،  كمواصفات أساسية لدولة تجمع مختلف متطلبات العصرنة ، وهي مبادرة تشكر عليها ، لكنها وحدة تبقى على الصعيد الحزبي ــ كما كانت في 1980 ــ تعمل لمصلحة الشام دون المصلحة الحزبية الأساسية والجوهرية التي تتطلب المكاشفة والمصارحة بين الطرفين المتفاوضين ، وحتى تكون على هذه السوية لا بدَّ لها وأن تلج لموضوعات ذات صلة تاريخية تتمحور حول ما أدى لما نعيشه اليوم وما نحاور بعضنا بعضا إزاءه ،                                     إن وحدة تقوم على مقولة ( عفى الله عما مضى ) هي وحدة شكلية ما لم تَقُمْ على محاكمة تاريخية يتبين منها الخيط الأسود من الأبيض ، نقول محاكمة تاريخية لتاريخ الحزب مفاصل وأشخاص ، منعطفات مصيرية أدت في ما أدت إليه الى أن يكون الحزب أداة بيد من ليسوا قوميين اجتماعيين ، بما لا يعني أن تتوقف محاولات العمل الوحدوي حتى تتخذ تلك الوحدة مسارها في المجال العقدي والسياسي بعد استكمال ” المحاكمة التاريخية ” التي ندعوا لها  ، بل أن تسير والوحدة على خط موازٍ لها ،وأن تكون شرطا أساسيا من شروطها ، بل وشرطا جوهريا يعيد التاريخ الحزبي لنصابه ــ وقائع وأشخاص ــ وإلا فستكون كغيرها من المحاولات التي تنتهي بالحزب لدمار وانهيار أعمق مما تعرض له في السابق ، فمحادثات الوحدة بين الانتفاضة والروشة تغفل نقاطا جوهرية ، أبرزها على سبيل المثال لا الحصر : هل يمكن اعتبار تراث عبد المسيح الفكري ، بما فيه من كتابات حول قضية المالكي ، تراثا حزبيا يُدَرَّسُ في مختلف مجالات العمل الحزبي ؟ سؤالٌ يبدو بسيطا ، لكنه سؤالٌ يحمل في طياته تناقضات كثيرة ، أبرزها على سبيل المثال لا الحصر : هل يعترف الحزب بعبد المنعم دبوسي وبديع مخلوف ويونس عبد الرحيم ، شهداء قوميين اجتماعيين ، وهم وفق ما أفاد المحايري في ” مذكراته” عن اعتقاله بأنهما أقرا بتكليف جورج عبد المسيح لهم باغتيال المالكي ؟ ! يقول المحايري في مذكراته : “ ومع اصراري على عدم علاقة الحزب بالاغتيال، تمت مواجهتي مع بديع مخلوف وعبد المنعم دبوسي اللذين كانا يخضعان للاستجواب في تلك الاثناء. وفي هذه المواجهة التي رتبها أكرم ديري شخصياً قال لهما: “احكوا.. احكوا… ما زال يقول ليس لنا علاقة!!”. فاضطرا الى إعادة اعترافاتهما أمامي، التي تشير إلى دور لعبد المسيح واسكندر شاوي اللذين كانا يجتمعان اليهما في حلقة مع يونس عبد الرحيم، وان عبد المسيح طرح في أحد الاجتماعات مسألة اغتيال المالكي، وان يونس ابلغ كلاً منهما انه سيتولى التنفيذ،..”

يقول شمس الدين العجيلي نقلا عن عبد القادر العبيد ( إنني سمعت من زوجة عبد المنعم دبوسي قولها عن لسان زوجها “ إنني أعرف أنني سأموت.. لا تسامحيني ذرة واحدة إذا كان لي علم من قريب أو بعيد في هذه الجريمة، وأستطيع أن أقول ذلك عن صديقي بديع مخلوف بكل ثقة.. وأمام الله والناس). فأيهما الأصدق ؟ سؤال يبقى في ذمة التاريخ الحزبي ومحاكمته التي لا بد لها وأن تتبين الحقيقة ..

راجع العودة للوطن وازمة عبد المسيح https://www.georgemaamari.com/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%80-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8/

ما تقدم ليس أكثر من فتحة ضوء في نفق الوحدة ، فالوحدة الراسخة الجذور عليها أن تخوض غمار التاريخ الحزبي ، لأنه وبدون أدنى شك مصدرا من مصادر الاختلاف القومي الاجتماعي ، فسعادة المؤسس لم يكن في يوم محط خلاف بين القوميين ، الخلاف كان على الأشخاص والمواقف التاريخية الحزبية الداخلية والسياسية القومية والدولية ، والروايات التي كانت تُروى عن القادة والرفقاء ، على سبيل المثال لا الحصر أيضا ، هل كان فضل الله أبو منصور عميلا للمخابرات اللبنانية التي اكتشفت عبره محاولة 1960-1961 ؟ أم أن رياض درويش ، سائق الدكتور عبد الله سعادة كان الوحيد الذي أفشى سرَّ تحركات رئيسه ؟.

6 ـ …رداً على مختلف التساؤلات ، حول الهدف من مقالتنا هذه ، نقول ، ليست بأكثر من دعوة، مقدمة ، تمهيد ، نسق ، نمط ، لدراسة تاريخنا الحزبي دراسة نقدية ،  عبر منهج مقارن ، يقف أمام الحدث متأملاً ، متسائلاً ، مستفسراً ، لماذا كانت النتائج على هذا النحو دون ذاك  ،  وما هو الدور الحقيقي ، وليس المُشاع ، حول هذه الشخصية الحزبية أو تلك في ما حدث وأدى لهذه النتائج الكارثية التي حلَّتْ بالحزب والقوميين الاجتماعيين ، كم من العائلات القومية الاجتماعية شُردَتْ ، وتحملت من العذابات ما لا يطاق ويحتمل ؟ كم من الأبناء دُمر مستقبلهم ، دمارا كاملاً ، كم من القوميين قُتل ، بيد رفيق أو خائن ؟ كم من القوميين حملوا عاهات سجنهم وعذاباته مدى الحياة ؟ كم من القوميين الاجتماعين اعتكف ، واستنكف وفقد الأمل وخاب ظنه في ما كان يعتقد أنه طريق خلاص من كلِّ الذي ذكر آنفا ؟ حتى بات قولي مأثورا :

كأننا في مهبِّ الريح تخطفنا           يدُ المنونِ فلا نصرٌ ولا أملُ

فعندما نقول أننا لا نختلف على سعادة ، بكل ما جاء به ، فعلى ماذا نختلف إذن ؟ فالمبادئ واحدة بقيت كما وضعها الزعيم المؤسس ، والدستور واحد ، والنظام الداخلي واحد والعلم واحد ، فلماذا إذن هذه التنظيمات التي تدعي كلٌ منها ، أنها أصدق تعبيرا عن سعادة من الأخرى ؟ وإذا كانت عوامل تاريخية حالت دون وحدة الانتفاضة ــ على سبيل المثال ــ والمركز ، فما هي العوامل التي تحول دون وحدة تلك التي نشأت ردا على نهج الروشة التسلطي برداء الديموقراطية ؟ أليس الأجدر بها أن تتحد في مواجهة من تعتقد أنه اختطف الحزب وساقه لطريق الخنوع والاستكانة والقبول في الأمر الواقع ، الذي مهما قيل فيه غير ذلك ، يبقى مكابرة لا معنى لها وتبريراً يبقى فكرة ناقصة لا هي تقنع ولا يقتنع بها غير ذو المآرب التي لا يستطيع الإفصاح عنها فيلبسها لباس التبرير !!

ترى لو لم يكن الحزب مشبع بالانتهازيين والوصوليين والنفعيين ، والزحفطونيين ، هل كان حردان قد نفذ مطالب كنعان ودفع بالحزب لاقتتال داخلي نجني اليوم ثماره العفنة الساقطة على أرض الفساد والتآمر والتشكيك في مقدرة الحزب على بلوغ أهدافه وغاياته ؟ وتحوله لمضغة على ألسنة من يشمتون به ويسرهم بلوغه مرتبة فقدان القرار الداخلي والخارجي ، ماذا يمكن أن يقال عما يجري اليوم في الروشة ؟ يقيل رئيس الروشة عميد داخليته ، يحتج عميد دفاعه ويحتل مركزه ، يبقيه خارج مكتبه ساعات بانتظار (( النجار )) ليفتح باب الرئاسة ، ينتقل مركزه الى بلدته ” مغدوشة” فهي آمنة من تفلتات عمدة الدفاع وخشية أن يؤول به الحال الى أن يكون شهيدا ..

يجتمع المجلس الأعلى مرات عدة لبحث قرار ” رئاسة ” الحزب إقالة العميد !!  “برئاسة” حردان الذي يطرح تعديلا ” دستوريا” لتقصير مدد انتخابات مقررة في 2020 يرفض طلبه !!     يُصدر المجلس الأعلى قراره بمن حضر( 9 ) أعضاء وتغيب الباقون !! يحتج “الرئيس” قرارا غير “دستوري” يحتاج الى ( 12)  صوتا من أصل أعضاء المجلس ، يقرر ” الرئيس ” طعنا ” لمحكمة ” حزبية أقيلت بعد أن أصدرت قرارا بإعفاء!! حردان  من “رئاسة” الحزب ..

 ديموقراطية ” تعبيرية”  زائفة، ساقطة ، ما يزال العمل بمقولتي “لعبٌ بالدستور من الدستور على الدستور ” سارية المفعول حتى يومنا هذا ،..

الديموقراطية ، كائنة ما كانت ، تمثيلية ، تعبيرية ، انتخابية ، صندوق اقتراع ..الخ ، ليست نظاما سياسيا ،لأنها لا تأتي بقرار ، كما لا تنتهي بقرار ، هي نسق حياة ، تربية ، نشأة ، سلوك حياتي يومي ، مع الذات أولاً ومع الآخرين ثانياً ، مع الزوجة ، مع الأولاد ، مع الأصدقاء ،

الديموقراطية ، وضوح ، جلاء ، صراحة ، جرأة في مواجهة الآخرين بعد الذات ، كل ما في الديموقراطية ، يطفو على السطح ، الديموقراطية لا تجيد الغوص والتستر والإختفاء خلف مظاهر الأشكال ، إنها وكما يقول المعلم : نظام الأشكال التي تحقق الفكر في النهج ، الدولة القومية هي دولة ديموقراطية حتما ، الحتمية المفردة الوحيدة التي استخدمها سعادة في مختلف كتاباته وخطبه وأحاديثه كانت في الدولة القومية ، أبعد ما تقدم هل يمكننا القول” أن الحزب هو دولة الأمة السورية المصغرة ؟!!! ..

7 ـ .. تعاني الروشة ، على العكس من مثيلاتها ( الانتفاضة ـ الأمانة ) من أزمات متلاحقة ـ وإن تكن “الأمانة ” مقبلة على ما هي عليه الروشة ـ  فهي ” الروشة ” لا تنتهي من أزمة تشكيل معارضات لها خارجة على إرادتها ، حتى تفاجئ بأزمة داخلية ، وعلى ما يبدو أن السياسة التي تتبعها تبقى هي ذاتها ، سياسة “التجاهل” ، وقد لا تدري ،ـــــ لنقص فكري تعاني منه نتيجة تبعيتها لجهات لا تضمر للحزب خيرا ـــــ أن التجاهل سيلٌ تراكمي سيجرف كل ما تتمناه وعملت لأجله عقودا من تبعية أودت بقرار الحزب المستقل الضامن مصلحة الأمة .. فكأن التاريخ يعيد نفسه مذكرا أنه في الوقت الذي قدم فيه سعادة للأمة والعالم العربي ، فكرا متكاملا عقيدة ونظاما ، وحزبا متماسكا ، منضبطا ، مؤسساتيا ،و قرارا مستقلا صلبا بنزاهة مؤسسه ،تجاوز عدد منتسبيه الخمسون ألفا ، كان الحزب الشيوعي بمالئ ستالين وينتخب ” بكداش ” رئيسا مدى الحياة ، وكان الإخوان يتلبسون الدين بوحي من ( الانتجلانس سرفيس ) البريطانية ، وكان البعث يبحث في متاهات العروبة عن مرتكزاته الفكرية بين الأرسوزي وعفلق ، وكان مجموع منتسبي مختلف الأحزاب مجتمعة لا يتجاوز البضعة آلاف.. ، كان سعادة يصلب على خشبة الاغتيال ، ويسقط مخضبا بدمائه بعدما خذله المتعاقدون معه ، تقوَّل عبد المسيح عن لسانه : “أنا أموت أما حزبي فباقٍ ” باقٍ في صراعٍ على السلطة تائها بين الشخصانية والنفعية والعمالة للغرب الذي يحيك مؤامرة “المالكي” فينفرط عقد الحزب وينجح البعث في استغلال فرصته الذهبية ويستولي على الحكم في العراق والشام وعلى مدى نصف قرن يبقى البعث “رائد العروبة” جارّاً الأمة من كارثة الى أخرى ، يقف حزب سعادة  مستجديّاً منه مقعدا نيابيا هنا ويسلم قراره لمن يوليه منصبا وزاريا هناك و ليتشطى تشظيات لا قرار لها إلا بوحي أشخاصها وداعميهم ، وفي اسلوب يضاهي البعث في تملقه وانتهازيته ووصوليته …       

نحن اليوم على مفترق طرق ، فالفرصة الذهبية الوحيدة والمتاحة ،بعد اغتيال سعادة ، تجيء اليوم ، والكل ، أحزابا وأفراداً يقرّون بصوابية فكر سعادة ، بعدما انفرط عقد “القومية” العربية وبعدما تلاشت “أممية” الطبقة والدين سياسيا وسقطت فكريا  ــ وإن ما زالت ترسبات الأخير قائمة في مختلف الشرائح المجتمعية والسياسية والثقافية ــ  ، والحزب الذي أسسه سعادة ، يعاني من ويلات التمزق والتشظي وتعدد الاجتهادات الفكرية التي تطيح بالفكرة القومية الاجتماعية  الأساس عبر التشظي أولا واستغلال الجهل العام بالعقيدة والدستور والنظام والمؤسسات ،ثانيا ، والكل يدعي الاحاطة الفكرية بمقولات سعادة الفلسفية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية .. ، فيختلط على النشئ الجديد الماضي ــ بالترديد الببغائي لمقولات سعادة أو بالتاريخ السردي الذي يتجاوز كل ما هو راهن  ..ــ بالحاضر والمستقبل والذي لا يرى منه سوى ما تقدم ، الروشة ، الانتفاضة ، الأمانة ، حزب الأمة ( قسم)، تيار النهضة ، حركة أبو واجب الثانية ، حركة الثامن من تموز ، ..الخ فيضيع ــ النشئ الجديد ــ  في متاهات زواريب النفعية والوصولية والانتهازية و.. فينكفئ على ذاته متسائلا : أين نحن من قضية نذرنا حياتنا لنصرتها وانتصارها ؟

بعدما يزيد على الست سنوات ، تراوح “قسم ” في مكانها ، في 13 / 10 / 2013 تصدر بيانها الأول وبحضور شهود على المهزلة التي وصلنا إليها /  “حزب الله”، “التيار الوطني الحر” ، رئيس حركة الشعب ، وسايد فرنجية، الرئيسان السابقان للحزب القومي يوسف الأشقر ومسعد حجل، نقيب الصحافة محمد بعلبكي ووفد يمثل رئيس الحزب السوري القومي الإجتماعي وزير المصالحة في الحكومة السورية الدكتور علي حيدر../ ولست أدري ما حاجتنا لهذه الوفود والدعوات في قضية داخلية بحتة ،؟!!

تعلن “قسم ” ـــ قوميّون سوريّون موحدون ــ مبادرتها الى :

1 ـ حزبٌ واحدٌ ومؤسسات واحدة انطلاقا من حلٍّ للتنظيمات القائمة وانبثاق سلطة جديدة بعد إجراء التعديلات الدستورية الضرورية في الدستور والأنظمة .

2 ـ انتاج إدارة الكفاءة والشفافية وتفعيل مؤسسات المحاسبة والرقابة .

3 ـ الانخراط عمليا في منظومة المقاومة .

4 ـ إقامة جبهة وطنية عريضة تضم القوى الوطنية والمدنية في مواجهة قوى الظلامية والتخلف والاستبداد .

5 ـ الوقوف مع حركات المجتمع الشعبية الحقيقية الداعية الى العدالة والحرية والإصلاح والتغيير .

النقطتان الأولى والثانية هي ما نهتم به ، أما ما تبقى من نقاط فلا شأن لنا به فهو في السياق العام بعثي المنهج والتوجه على النحو الذي ينتهي الى / تحية الى الشعوب المناضلة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وتحية الى نلسون مانديلا ونكروما وغيفارا وباتريس لومببا .. /

على مدى ستة أعوام نودُّ أن نسأل ، ماذا تحقق من النقطتين الأولى والثانية ، على الرغم من أنهما جاءتا عامتين تحملان الكثير من الريبة والتشكيك ! فما هو المقصود من / حل جميع التنظيمات القائمة ؟ / هل هذا يعني العودة الى ” الروشة ” أم حل “الروشة” لمختلف تنظيماتها على شاكلة حل التنظيمات الأخرى ؟ و” قسم”  تعي جيدا استحالة هذا المطلب ، فحردان وتابعه قانصوه ، ليس بيدهما قرارا يفي بمطلب ” قسم ” عميلان مأجوران يُثريان على حساب الحزب ، قاتلٌ ملطخة يداه بدماء القوميين هل يسلم رقبته لجلاديه ، مطلبٌ يذكرني بمطالبة المحايري لعبد المسيح بتسليم نفسه للسراج !!

/ انبثاق سلطة جديدة ../ والسؤال كيف ؟ وقد حَلَّتْ مختلف التنظيمات نفسها !! أم أن المضمر ، إن لم يكن العودة لكنف ” الروشة ” الإبقاء على ” قسم” دون البقية باعتبارها الداعية للحل وانبثاق سلطة جديدة ؟ أم أن انبثاق السلطة الجديدة يأتي بعقد القومين الاجتماعين بمختلف توجهاتهم ، العامل منهم والمستنكف والمعتكف والمفصول والمطرود ( من مختلف التشظيات ) بقرارات جائرة اتخذتها هذه أو تلك ؟ ومن هو الذي يتولى أمر هذا الاجتماع العام والتنسيق بين أعضائه ودعاته .. تساؤلات كثيرة تتداعى وليس لها من إجابة !! أم أن الدعوة تبقى على نسق وسياق الواقع اللبناني تبادل منافع ومكاسب ، و” عفى الله عما مضى ” ؟ و “لا غالب ولا مغلوب “، فيتساوى العميل والمجرم وانتهازي والوصولي والرجعي والتقدمي والمؤمن والمتلبس للقومية الاجتماعية الصادق والكاذب ؟ فكأننا في يوم حشرٍ حيث الله هو الحاكم الأوحد  ..

في النقطة الثانية التباس أكثر من الأولى / انتاج../ من هو المنتج هنا ، هل هي المؤسسات ؟ وممن هي هذه المؤسسات ، من شكلها أو وافق على تشكيلها ؟ أهو المؤتمر العام الآنف الذكر ؟ خاصة وأن مهمتها تبقى في /  إدارة الكفاءة والشفافية / وهل هي كذلك من حيث الشفافية والكفاءة ؟ وهل تعتقد “قسم” أن مؤتمرا ــ كيوم حشر يحشر فيه المؤمنون والكفرة والملحدون / يمكن له أن ينتج إدارة كهذه ؟! وماذا تعني ” قسم” بــ ” تفعيل مؤسسات المحاسبة والرقابة ” هل سيرضى حردان أو سواه بالمحاسبة عما أقتُرف من آثام بحق الحزب والقوميين على مدى يقارب الربع قرن ؟ ومن هم أولئك الأبطال والجهابذة الذين ستوكل لهم مهمة كهذه ؟ ومن سيوافق على تقلدهم مقاليد المحاسبة ؟ .

حتى تاريخه ، لم يلبِ أحدٌ ممن استغاثت بهم ” قسم ” مطالبها  ، لم تَحِلَّ ، أيٌ من التشظيات نفسها متبعة تقوّلات ” قسم”  فلماذا هي باقية على قيد الحياة ؟  أم أن الزمن وفق “قسم”دواءٌ يعالج كل داء !!!

أشرنا آنفاً الى أن ” أمانة ” دمشق في طريقها الى ما ستؤول اليه “الروشة ” ولم تكن إشارتنا لتأتي من فراغ ، فمعظم مَنْ يتولون المسؤوليات في الإدارة التنفيذية ، أغرارٌ في الإدارة ، فكم بالأحرى في السياسة ، ما تبقى نفعييون انتهازييون وصولييون ، ولو لم يكون على هذه الحال ، لما انتهى بهم الحال مسؤولون عن الفوضى الضاربة أطانبها طولا وعرضا في مختلف وحداتها ، وليس هذا فقط ، فإن المسلكية التي يتمتعون بها ، لا تتناقض والقومية الاجتماعية فحسب ، بل تعيد سعادة الى خشبة الرملة البيضاء ( السوداء ) ليعدمونه من جديد مرات ومرات يومياً ولتخترق مسلكيتهم صدره كرصاصات يوسف شربل* ورياض الصلح ، ليس ما نقوله تجنيَّاً ، بل إن وقائعه لتخزي كل من يشعر ــ مجرد الشعور ــ بأنه من تلاميذة زعيم مفكر قائد عملاق.. ، قد تنجب الأمة مثيلا له كلَّ عدة قرون ..

1 ـ كتب أحدهم على الفيس قائلا : ” ذهبنا كهيئة مديرية للمشاركة في مأتم ..وعندما حاولنا الدخول الى ” الكنيسة ” طردونا وتهجموا علينا وكان ذلك يمكن له أن يقودنا لاشتباك بالأيدي وقد كان يتطور الى اشتباك في السلاح الذي كان بحوزتهم .. فآثرنا الخروج ..” والسؤال ــ وهذه واقعة ما زال عناصرها أحياء يرزقون ــ هل تمت مساءلة القائمين على ما جرى أسباباً ونتائج ، أم أنها مرت مرور الكرام ؟!!!

2 ـ يمنع مسؤول إذاعي إحدى الرفيقات من الدخول الى ندوة أو محاضرة إذاعية بسبب أنها محجبة !!!!!!!!!!!!!!! من منطلق ، مذهبي تلبس القومية الاجتماعية ، فقتل في سعادة مبادئه ونظرته للحياة والكون والفن ، سعادة لم يُقدم مدرحيته كفلسفة ” ما ورائية ” إنها فلسفة اجتماعية بحتة ، ومن له في ذلك اعتراض فليقد لنا حجته ، سعادة لم ينفِ على الفرد معتقده الشخصي ، لم يحظر أي معتقد شخصي يجد فيه الفرد راحته النفسية ، ما حذر منه سعادة ، كان شرطا للإلتزام كعضو في الحزب ، : أن لا يكون الحزب ساحة تبشير في هذا المعتقد أو ذاك ، ما تبقى فلا العقيدة ولا الحزب ولا السلوكية الحزبية النظامية تخوِّل أياً كان الحيلولة دون العضو ومعتقده الشخصي ، في الحزب ” بطل كوننا محمديين أو مسيحيين أو محمديين أو موحديين أو علويين أو اسماعيليين أو .. أو .. الخ كما بطل كوننا اقطاعيين وفلاحين وعمال ورأسماليين ، بطل كوننا ذا يشرة بيضاء أو سمراء ، بطل كوننا سريان أو كلدان أو عربا أو شركسا أو أرمنا أو أكرادا أو ..او..الخ بطل كوننا رجالا دون النساء ، بطل كون الحزب مقتصرا على جنس دون آخر ، على رجل دون امرأة ، كل من بلغ الثامنة عشرة ولم يتجاوز الأربعين ، تحق له عضوية الحزب ، لم يحدد سعادة أيا مما نمارسه اليوم شرطا لكون السوري عضوا في الحزب ، لم يحدد أن تكون مع ” الانتفاضة أو الروشة أو الأمانة أو تيار النهضة أو.. أو..الخ  ” لتكون عضوا في الحزب ، فالتعاقد مع سعادة ينفي أي تمييز بين قومي وآخر .. فبأي حقٍ يحول هذا المسؤول الاذاعي دون تلك الرفيقة والدورة الاذاعية ؟ بأي حق تصنف وحدة حزبية على أساس مذهبي ؟ والتصنيف المذهبي واقعة نخجل  لذكر أين وقعت ، هل تمت مساءلة هذا المسؤول الإذاعي عما ارتكبه بحق سعادة ؟ أو هل تمت مساءلة ذاك المسؤول الذي صنف وحدة حزبية مذهبيا ؟ تساؤلات تحمل الكثير من معاني الشذوذ العقدي الذي تحياه ” الآمانة ” والذي إن دل على شيء فإنما يدل على ما ذُكر آنفا ، نفعيّون انتهازيّون وصوليون ..الخ أينهم من سعادة وسمو روحه وفكره وقيادته وإدارته ، إنهم يمعنون به قتلا و تمزيقا ويرمون أشلاءه في مكب قذاراتهم . نكتفيبهذا القدر ، فلقد كنا وقحين أكثر مما ينبغي لكن ما ذكر يُخرج المرء عن طوره ،

غدا مع مسيرة ( الثامن من تموز ) .

  • يروي الرفيق “حسين الشيخ “وقلة من سمعوا باسمه ، وقد يكونوا أقل من أصابع اليد الواحدة ،كيف نفذ محاولة اغتيال ، وهو ابن السابعة عشر محاولة اغتيال المحامي يوسف شربل نائب رئيس مجلس القضاء الاعلى النائب العام التمييزي الذي وافق وجمع اللجنة في القصر الجمهوري واعطت قرارها برد الطلب، ـ العفو عن سعادة الذي تقدم به عبدالله قبرصي والآخرين الذين رفعوا الإلتماس الى رئيس الجمهورية بشارة الخوري الذي رفض توقيع قرار الاعدام فتولى ذلك رياض الصلح الذي استدعى رئيس مجلس القضاء الأعلى الى القصر الجمهوري ليبتَّ بطلب العفو ، فرفض رئيس المجلس عقده في القصر قائلا لرياض الصلح ، أعقد المجلس في مكان انعقاده الرسمي وليس ـ  فارا بعدها الى أفريقيا  ليعود ويروي لي كيف قام بالمحاولة ..

 

يتبع

9 ـ .. تصويب وتنويه : أوردنا في المقالة رقم (4) بيانا لحركة النهضة السورية القومية الاجتماعية ، فردت الحركة ، ببيانها التالي منوهة بأن معظم الحركات الرافضة لمسلكية الروشة المخالفة للعقيدة القومية الجتماعية ، باتت منضوية في حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية ،وإن كان البيان لم يُشرْ صراحة لذلك ،  لكنها ـ في ما لو صح ذلك ـ  خطوة مهمة في مواجهة الانحراف العقدي ـ الدستوري والنظامي مُتَضَمَناً في العقدي ـ وخطوة مهمة في وقف التشظي الذي يعاني منه الحزب من جهة وتوسيع نطاق المواجهة للانحراف المنوه عنه أعلاه ، من جهة أخرى..

وتاليا ، لم يعد مهما أن نولي / حركة الثامن من تموز / الاهتمام الدراسي لها ، علما أنها ــ من وجهة نظرنا على الأقل ـ كانت أجرأ الحركات التي واجهت الانحراف المنوه عنه ، بل وأشدها تمسكا بالعقيدة القومية الاجتماعية ، والذي قادها ، لجرأتها ، للانخراط في حركة النهضة متآزرة مع أخواتها في مواجهة التحدي ..

يبقى أن نؤكد تأييدنا الكامل والمطلق لحركة النهضة في مسارها الفكري ، كما سيلي ، وفي مداها الزمني ، الذي حددته في عام واحد ، بعده ، لكل حادث حديث ، لكننا ننوه منذ اللحظة ، أن تجاوز هذه المهلة الزمنية بمبررات ــ مهما تكن من الأهمية والموضوعية ــ يضعها أمام امتحان قاسٍ سنمعن فيه تشريحا بل وتجريحا وتشهيرا بأنها كانت تخديرا لقوى ، لو فعلت لغيرت في مسار النهضة ، وأنقذت ما كان قد تبقى ، فالفرصة المتاحة لهذه الحركة هي فرصة ذهبية في تاريخ الحزب ، خاصة والبحث الذي يجري اليوم هو عن / بديـــــــــــــــــــــــــــــــل لحردان / ، فهذا الأخير آيلٌ الى مصير مجهول نأمل أن تطاله يد القضاء الحزبي في القريب العاجل ، البحث عن بديل من داعمي حردان وليس من أي طرف آخر ، وعلى ما يبدو فإن الأحداث التي تعصف في الروشة حاليا هي المقدمة لهذا التغيير في الوجوه دون المسلكية الانحرافية المشار إليها في هذه المقالة ، والمراقب الممعن في التأمل لما يجري يدرك بداهة أن المطروح هو ” عميد “دفاع حردان بمواجهة “رئيس” الروشة، الذي باعتقادنا أنه أمام خيارين لا ثالث لهما ، فإما أن يتنحى تلقائيا  لكثرة العصي التي حالت دونه ودون برنامجه ، أو يجبر على الاستقالة تحت ضغوط داعمي حردان وأدواتهم داخل الحزب ..

في ما يلي ، بيان وميثاق حركة النهضة ، والذي سنوليه عنايتنا في المقالة (10) :

“”   بعدما بلغ التردي في اوضاعنا الحزبية القائمة، في ظل كل اليافطات المرفوعة بإسم الحزب، مبلغاً تجاوز حدود الترهل والتراجع الى ما ينذر بتلاشي الحزب الذي اراده سعاده، كان لا بد للسوريين القوميين الاجتماعيين، من الذين “لا يقصدون في الحياة لعبا”، ان يعاجلوا الى تنكب مسؤولياتهم تجاه ما عاهدوا الامة عليه في تعاقدهم على “الحقيقة التي تساوي وجودهم”. وما كان لهذه الدعوة – الميثاقية ان تكون لولا تمادي الواقع الحزبي الاليم الذي اغلق، في انحداره المتواصل وانحرافه المتمادي عن غاية “بعث نهضة تكفل تحقيق المبادىء، باب كل إصلاحٍ من الداخل، والذي طالما غفل المسؤولون عنه وفيه عن أن “النظامية الفكرية والروحية والمناقبية التي كانت العامل الاساسي في نشوء النهضة القومية الاجتماعية كادت تنعدم في دوائر الحزب العليا بعامل الاهمال واصبحت الحركة مهددة بالميعان العقدي والنظامي….” من المحاضرة الاولى 1948.

ولما كانت ثمة  حرب عالمية تشن على الأمة ممعنة  في تفتيتها، وهجمة شرسة تكاد تطيح بوجودها لصالح المشاريع المعادية الهادفة لاقتلاعنا من الجذور،

ولما كان هذا الوضع المقلق والبالغ الخطورة قد أدى إلى أن ينتفض  السوريون القوميون الاجتماعيون على نهج هذه التنظيمات والادارات المسيئة للحزب والنهضة والمعطلة للمؤسسات الدستورية، والى أن يتلاقوا على ما يجمعهم إيماناً  وإلتزاماً منهم  بفكر سعادة عقيدة ونهجاً ودستوراً وممارسةً مناقبيةً واخلاقيةً ويجمعوا  على إنقاذ الحزب وتحصينه بجعل السوريين القوميين الاجتماعيين هم المصدر الحقيقي للسلطات الحزبية وحمايتها من المنافع الخصوصية والفردية،

ولما اجمع السوريون القوميون الاجتماعيون على أن الخلاص لا يكون الا ضمن الاسس و القواعد التي تحقق اصلاحات دستورية، مع الارتكاز دائما  إلى دستور سعادة، تقضي على النزعة الفردية الهدامة، وتقوم الاعوجاج، وتلغي حالات التشرذم والترهل، ليعود الحزب فيكون حزب الامة ينهض فيه السوريون القوميون الاجتماعيون لانتصار القضية القومية، على اساس مشروع يرتكز على خطوات إصلاحية وإجرائية تنهض بالحزب وتفعل دوره وتوحده على الأسس النهضوية الصحيحة،

وبناء عليه قرر السوريون القوميون الاجتماعيون العودة الى دستور سعاده وانتخاب “هيئة قيادية مؤقتة” مباشرة من الهيئة العامة المؤلفة من السوريين القوميين الاجتماعيين، على أن تمنح هذه الهيئة مهلة أقصاها سنة واحدة لعقد مؤتمر قومي عام تعرض من خلاله مشاريع القوانين الدستورية التي تجعل من السوريين القوميين الاجتماعيين مصدرا وحيداً للسلطات وتُنشيء قضاءً حزبياً مستقلاً.

اقراراً بما تقدم فإن الموافقة على الميثاق تشكل وثيقة الالتزام في الهيئة العامة لحركة النهضة السورية القومية الاجتماعية. “”

الميثاق  :

“”  1-  الإلتزام التامّ والجادّ والعمليّ بنهج ســـــعاده، عقيدةً ودستوراً ونظاماً وممارسةً أخلاقيةً تكفل بعث النهضة.

2- العمل الدؤوب لتكون “حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية” حركـة الشـعب العامّـة.

3- اعتماد القواعد الدستورية التي أرساها ســــــــعاده وتكريسها في صياغة الدســتور الجديد تعزيزاً  لعمل السـلطات الثــلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، حتى تقوم كلٌ منها بدورها، باستقلاليةٍ وبتكاملٍ فيما بينها، لتحقيق المصالح القومية للأمة السورية.

4- التشدّد في ممارسة وصيانة أن يكون المعتنقون للنهضة والملتزمون بها، كما أراد ســعاده، هم مصدر السلطات. دون أية قيود أو شروط تنتقص من هذه القاعدة الدستورية.

5- مواجهة ومحاربة كل أشكال الفساد والعمل على تثبيت مفاهيم “الإنسان الجديد” لينهض بدوره في إقامة “النظام الجديد”، واعتماد الشفافية والكفاءة والنزاهة والرقابة والمحاسبة.

6- ترسيخ مفهوم “المقـاومة القـومية” وإطلاقها بأشكالها كافةً وفي كل الميادين، بوجه الأعداء الخارجيين والداخليين.

 

7- النضال من أجل إقامة “الـدولــة القــومية” كاملة السيادة، وترسيخ مفهوم المواطَنة. وصون الحريات العامّة وتثبيت العدالة الاجتماعية، انطلاقاً من المبادئ الإصلاحية التي وضعها سعاده، لتأمين وحدة الأمة السورية ووحدة المجتمع. “”

10 ــ … بعامل ” النظام ” يستتب الوضع الحزبي العام منذ أحداث 1985 وحتى عام 2013 حيث ظهور أولى الحركات الاعتراضية على النهج الحزبي وإن كانت الوحدة الحزبية التي تمت في عام 1998 لم تكن سوى نتيجة  “افلاس ” انعام رعد وتسرب الكثيرين ممن كانوا يحسبون عليه الى “مركز” الروشة بحثا عن لقمة عيش رخيصة ، حيث بيعت ” الشرعية ” بأبخس الأثمان وتمكن المحايري من الحزب مجددا ، بقوة الدعم التي قدمتها عمالة حردان ..

عراب ، كل ما جرى في الحزب ، كان المحايري ، فما ( من عرس إلا وكان له فيه قرص ) والمتتبع لما يحكى عن تاريخ الحزب ، يدرك بداهة ، أن ما نقوله ليس تجنيا على أحد ..

قلة من القوميين ، خاصة من النشئ الجديد ، من يتتبعون ما يقال ويكتب عن هذا التاريخ ، وضحالة ثقافتهم تغنيهم عن طلب المعرفة ، وعدم وجود مؤسسات صاهرة لخلفياتهم المتنوعة المشارب ،تحول دونهم وطلب البديل ، يضاف لما تقدم ، أن “المؤسسات” القائمة حاليا ليست هي المؤسسات التي اعتبرها سعادة ( أعظم أعماله بعد العقيدة ) ، بمعنى أنها ليست بتلك المبلورة لمفاهيم النهضة السورية القومية الاجتماعية ، كما أنها لم تكن في يوم من الأيام قادرة على صقل أعضائها من خلال العمل الحزبي الميداني ، فليس ، والحال هي هذه ، إلا أن ينكب العضو ، في مثل هكذا وضع ، على نفسه ، وبجهد ذاتي ، لتفهم حقيقة هذه النهضة التي أرست قواعد الفكر الحر الملتزم والقادر على تلمس ما بين السطور ووضع النقاط على الحروف ، وتبين الحقيقة المجردة لكل ما يجري على الساحة الحزبية تحديدا ..

هذا الوضع العام ، والمستوى الثقافي المتدني ، هو من سمح “لسياسة الاستقطاب ” أن تنمو تدريجيا وتثمر قادة زائفي الانتماء القومي ، هذا الزيف هو الذي أوصل الحزب ، وتاليا أعضاءه ، الى الدرك المنوه عنه ، ولولا ذلك لما كانت وحدة 1998 قد تمت ، ولا كان حردان قد تمكن بعمالته ، وضعف ثقافته الحزبية ، وسلوكيته الانتهازية ، وتهوره وتمرده ، أن يضحى ما هو عليه اليوم من الثراء والمكانة السياسية ( نائب و وزير ) على الرغم من معرفته الشخصية بأنه لا يستحق من حيث الامكانات الثقافية ، ما قادته اليه عمالته ..

كتب أحدهم ، وممن يحسبون أنفسهم قوميون اجتماعيون ، أنه في أحداث اغتيال الأمينين / بشير عبيد وكمال خير بك /، كان لحردان صولات وجولات في محاولته إنقاذهما من اغتيال ” المرابطون” لهما ، ولو لم أكن أنا شاهدا على ما كان يجري، لحظة بلحظة ، لكان ما قاله ذاك المدعي للقومية الاجتماعية قد وقع في نفسي موقع التبجيل والاحترام لعميل لم يشهد تاريخ الحزب بقحة وصفاقة عمالته ..

هناك أيضا من القومين الاجتماعيين من تصدى للدفاع عن حردان قائلا أنه خاض المعركة تلك وكان قائدا فذّاً في هذه المعركة ، وكان  يحسب له الف حساب إن هو تواجد في موقع عسكري !!!

مبررا بذلك عمالته وتزلمه لغازي كنعان وإثرائه على حساب الحزب بالسرقات التي ابتدأها بسرقة سيارة لأحد المواطنين بحجة أنه كتائبي وتلك الأموال التي اقتنصها يوم كان وزيرا لا يسمح لأية ( سيرلنكية ) بالموافقة على عملها في لبنان إلا بعد أن تدفع له مبلغا لنيل موافقته ،وافتعال احتراق وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لإخفاء لصوصيته ،  وأخيرا ما توَّج به أعماله الاجرامية باغتيال عميد الشهداء في الحزب الشهيد العميد محمد سليم ، غيض من فيض ، هذا الذي قيل ..

لولا هذه الثقافة المدرجة على لوائح الروشة لما كان تسرب للحزب هذا الرهط الكبير من منتفعي إدارته ولا كان قتالهم وتشرزمهم وتحول الحزب لمجمع لأعضاء لا يعرفون من الحزب سوى اسمه وقد يخطئون أيضا في التسمية ..  

هكذا استتب الأمر لحردان الذي تطالب مختلف المعارضات بتنحيته ومحاكمته على ما اقترفت يداه ، وإن كانت مطالبها ( المعارضات ) تشي بنوع من الحرص على عدم تسمية الأمور بعينها / فشرط الوضوح التعيين / قاعدة سعادة الذهبية الأولى في فلسفته الاجتماعية ، وعليها أن تسمي الأمور بأسمائها ..

كان لا بدَّ من هذه المقدمة لننتقل بعد ذلك لتفنيد ما جاء به بيان حركة النهضة وميثاقها ، باعتبارها تمثل وحدة مختلف الإعتراضات على نهج الروشة سلوكا وأشخاصا ، عسى أن تكون قيادتها في مستوى المسؤوليات الجسام التي تتنكب وعود القيام بها ..

11 ـ لو أن مختلف تشظيات الحزب ( انتفاضة ، روشة ، أمانة …) ، تعي وعيا مسؤولا ، ما تواجهه من تحديّات داخلية ، لما كانت قد استمرت في ما تنزع له ، لكن وللأسف الشديد هي لا تعي ما ترتكبه بحق هذا الحزب العظيم بعقيدته ومؤسسه ورجالاته الذين ضحوا في سبيله بكل غال ورخيص ، وإن كنت ــ على المستوى الشخصي تحديدا ــ أبرر لها ذلك ، فلأنني أعتقد أن مقولة سعادة / علينا أن نفهم فلسفة الحركة لندرك كيف يمكن أن نعالج الأمور. / تبرر لهم فعلتهم واستمراريتهم في هذا النهج المدمر للحزب ..

   بغض النظر عن كون / حركة النهضة ../ تمثل مختلف الإعتراضات على نهج (الانتفاضة و الروشة وتاليا الأمانة ) أم لا ، فهي تأتي على موضوعات لها وقع الانهيار التام والكامل للوضع الحزبي عامة ،فمن حيث توصيف الحالة الحزبية العامة ، لن يختلف أي من القوميين الاجتماعيين على أنه قد: (”  … بلغ التردي … مبلغاً تجاوز حدود الترهل والتراجع الى ما ينذر بتلاشي الحزب .. وما كان لهذه الدعوة – الميثاقية ان تكون لولا تمادي الواقع الحزبي الاليم الذي اغلق، في انحداره المتواصل وانحرافه المتمادي.. باب كل إصلاحٍ من الداخل.. ولما كان هذا الوضع المقلق والبالغ الخطورة قد أدى إلى أن ينتفض السوريون القوميون الاجتماعيون.. ويجمعوا على إنقاذ الحزب..)

في المبدأ العام ، فإن مما لا شك فيه ، أن مختلف الاعتراضات التي ـــ وإن اختلفت مسمياتها ـــ  تبقى منخرطة في توصيف/ حركة النهضة / من حيث ” الانتفاض والاجماع على انقاذ الحزب ..”لكن ما تعانيه هذه الاعتراضات يبقى مشكلة تعيق بلوغ غايتها ( انقاذ الحزب ) فهي حتى تاريخه ، لم تكن بقادرة على تجاوز خلافاتها ، التي تبدو شخصية أكثر منها خلافية في وجهات النظر في كيفية (انقاذ الحزب )وما لم تخرج من هذه الحالة ، فلن تكون بمستوى ما تطرحه من برامج أو رؤى، وتاليا فإننا نكون ( لا نهرب من دب إلا لنقع في جب ) ذلك أنه وعلى امتداد انتشار الحزب في الوطن وعبر الحدود ، ما تزال هناك اعتراضات لكل منها رأي في الأخرى ، أقول رأي في الأخرى، رأي، ليس في برنامجها المعلن بقدر ما هو رأي في  أشخاصها ، وأنه ، ومن وجهة نظرنا ، ما لم تعمل أي من هذه الاعتراضات ، على تفادي اختلافاتها مع الأخريات ، فإنه لمن الصعب التفكير عمليا ب ( انقاذ الحزب ) والذي يبقى شرطه الوحيد وحدة هذه الاعتراضات ، حتى مع استمرار قضاياها الخلافية !! والتي يمكن تجاوزها بمدى قدرة أي منها على استيعاب الأخرى وفي هذا امتحان أولي لما تتنكب أي منها من مهام لــ ( انقاذ الحزب )  ، هذا إذا صدق ( المنتفضون ) و(المجمعون ) على انقاذ الحزب من خاطفيه .. الوحدة هنا تبقى دليلا على ما تتمتع أي منها من ديناميكية استراتيجية تضع وحدة الصف المعترض هدفا أوليا لها ، قبل أي هدف آخر ، العمل لوحدة الصف المعترض يبقى المدماك الأول والأساس الذي يقوم عليه الهدف الأكبر ( انقاذ الحزب ) ، دون ذلك فإن الهدف ، أياً كان، وأياً كانت تسميته ، يبقى هدفا غير قابل للتحقق ، لأنه ، حتى في حال قبول التشكيلات/ المُعْتَرَضْ عليها / بما تطرحه واحدة من تلك الاعتراضات المثارة ضدها ، فإن الاعتراضات التي بقيت خارج القبول ، ستكون ، حالة  اعتراضية أمام هذا القبول وتاليا فستكون إحجى أبرز العقبات التي تحول دون انقاذ الحزب ، وتبقى الشعارات المطروحة ( شي عار ) على من طرحها ، الاتفاق على انقاذ الحزب يبقى ــ في حال لم تتوحد تلك المعارضات ــ شعارا يُهدَفُ منه غير انقاذ الحزب ، وهنا بيت القصيد ، فالمسألة ليست في ما نتوق إليه ، إنها في جوهرها ، بل وفي محورها النووي ، أين ومتى وكيف ؟ دون مطلب الوحدة ، تكون مختلف الاعتراضات في خلافاتها ، على نسق الخلافات التي هي بين الانتفاضة والروشة والأمانة الدمشقية ، فكما سبق ونوهنا مرارا وتكرارا ، ليست خلافاتنا في حقيقتها ، بل وفي مختلف أوجهها ، خلافات على سعادة ، عقيدة ودستورا ونظاما ، بقدر ما هي على أشخاص ومواقف..

  في لقاء ذكرني به أحد القوميين الاجتماعيين ، التقيت في بيروت جورج عبد المسيح ، صدفة ، في عام 1981 ، في ذاك اللقاء ، وبعد حوار طويل ، قلت لعبد المسيح ، ” خلافك مع المحايري ، أودى بالحزب” ، أجاب بهز الرأس دون إجابة ، وعلى ما أعتقده أنني نكأت عنده جروحا ما كانت قد اندملت ، كنت أشغل حينها مسؤولية مركزية ، فلما علمت رئاسة الحزب بلقائي ذاك ، وكنت أنا من أعلمها به ، قالت : قد تحال لمساءلة أمام المجلس الأعلى لخروجك على النظام وانت تشغل مسؤوليتك المركزية هذه… ، ما أثار حفيظة الرئاسة ،آن ذاك، إذن ،ليس موضوع اللقاء ، بل شخصيات اللقاء ،فالسؤال المطروح ،آن ذاك ، كان :كيف تلتقي بشخصية صدر بحقها قرار طرد ؟ أدركت في حينها أن الحزب ما زال يعاني من شخصنة قياداته  ، خاصة وأن العاملين في المركز ، ذلك الحين ،كانوا من الرعيل الأول في الحزب ، الياس جرجي ، كامل حسان ، عبدالله سعادة ، جبران جريج ، عبدالله قبرصي ، انعام رعد ، مصطفى عز الدين ..الخ ، في دمشق ، وبعد خروجي من السجن ،1995 ، على اثر حكم جائر عشر سنوات أشغال شاقة ، كنت ألتقي ببعض الرفقاء ، على مستوى شخصي ، ودون أية تداولات في الوضع الحزبي ، جاءني أحدهم متأسفا لعدم لقائي به ثانية ، قال : اتصل بي محمود عبد الخالق مهددا بإبلاغ الأمن الشامي بالاتصال بجورج معماري ، قلت : لك كامل الحرية ، لكن ليت الذي هددك ، يتصل بالأمن وينفذ وعده ، لأنه سيفاجئ بما سيقوله له الأمن اشامي !!

ما يشي به ، الوارد أعلاه ، هو ، أن الشخصانية لم تزل فاعلة في تمزيق البنية الحزبية ، من هنا ، كان الحزب ، يلفظ وباستمرار ، أفضل عناصره ، كانت القيادات لا تطيق من يقارعها الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان ، والواقعة بالموقف وتاليا المسؤولية عنها .. ، في حديث متلفز ، يروي أدونيس واحدا من أسباب خروجه على الحزب ، يقول ، كتبت مقالا في النهضة ، أنكر فيه يمينية الحزب ، وأؤكد ، أنه حزب يساري النزوع ، ثوري ، تغيري ، رافض لك شكل من أشكال التبعية ، مستقلٌ بقراره ، .. حاورني ( والقول لأدونيس ) انعام رعد وأسد الأشقر في ما كتبت ، معتبرين أن مقالتي خروج على فكر الحزب .. تبنيا ما كتبته بعد خروجهما من السجن على إثر المحاولة الانقالابية 1961 ـ 1962 ..

  في عام 1966 ، على ما أذكر ، نشرت إحدى الصحف اللبنانية ، مقالا عن الحزب عنونته بــ / خرِّيجون أم خوارج /  ـــ علقت حينها قائلا هم “خرِّيجون على الخوارج ” ـــ أعادت به طرح السؤال ، لماذا الحزب ، على الدوام ، يرفض مفكريه ؟ يرفض مبدعيه ، يرفض العين التي تقاوم المخرز ؟

ذكرت حينها تلك المجلة ، أسماء من خرجوا من الحزب ، أمثال ، جورج حكيم ـ عُيّن وزرا للمالية اللبنانية فور خروجه من الحزب ـ  ،غسان تويني ــ مات وهو لا يعرف أنه مازال عضواً في الحزب أم هو مفصول أو مطرود ــ  ،نقيب الصحافة اللبنانية محمد البعلبكي رئيس المجلس الأعلى الذي أقرَّ المحاولة الانقلابية رغم اعتراضه عليها والأمين منير خوري،والمنتخب لتسع دورات متتالية نقيبا للصحافة اللبنانية مصطفى سعد ، والذي شغل منصب منفذ عام صيدا ،ـــ بمجرد خروجه من الحزب ، تمَّ استيعابه ناصريا عروبياً ـــ ،هشام الشرابي ،خليل حاوي ،، سنية صالح، ، وأورخان ميسّر، في ما بعد ، أدونيس ، محمد الماغوط ، يوسف الخال  … دريد لحام ، رفيق سبيعي .. في الأردن وصفي التل رئيس وزراء الأردن ….  وغيرهم كُثر لم يعد لهم في الذاكرة الحزبية من مكان.. ليكونوا قوميين اجتماعيين حتى بعد خروجهم من كنف قياداته ؟ سؤال ، مطلوب من مختلف الاعتراضات أن تجيب عليه ، لتعي ، بأشخاصها ومواقفها من الأخريات ” الشقيقات ” ماذا يعني موقفها الراهن مما يجري ، ولتعي أيضا ن أن موقفها مهما كانت مبرراته الموضوعية ، يقف حجرة عثرة في طريق ما تعمل من أجله ..

12 ـ .. ” في التفاصيل يكمن الشيطان ” هكذا قيل ويقال عندما تبدو الشعارات المطروحة عامة تحتمل مختلف التأويلات والاجتهادات ومسالك وجهات النظر وأهداف هذا التأويل والغاية من هذا الاجتهاد ومتاهة زواريب وجهات النظر ،وبطبيعة الحال فالشيطان هو في الموقف الشخصي من هذه أو تلك تبعا لمدى ما يعكسه المكسب الشخصي من كونه مكسبا عاما أم لا ، بمعنى أن المكسب الشخصي لا بد له وأن يكون مكسبا عاما ، يتماهى فيه الخاص بالعام ، أو كما يقول المعلم بما معناه ، أنه يمكن أن تكون للقائد مكاسب شخصية ، لكنها في جوهرها مكاسب عامة ، بما يعني أيضا أن المصلحة مركبة في جانبيها الخاص او الفردي والعام لذلك هي غير المنفعة التي تتمحور في الفردي بشكل وقح جدا ..

عندما تتباين وجهات النظر حيال قضية ما ، يمكن القول أن هذا التباين ليس مجرد حساب لمصلحة خاصة ، يمكن أن يعود لعمق نظرة تجاه سطحية نظرة أخرى ، أو هو شكل من أشكال رؤية تنفرج زاويتها في مقابل زاوية أخرى حادة أو ضيقة ، فالمجتمعون حول طاولة يتوسطها موشور زجاجي ، ينكسر فيه الضوء ، يرى المجتمعون كلٌ من زاويته لونا للضوء مختلف عما يراه الأخرون ، كلٌ يدعي أنه يرى لونا مختلفا عن الآخر ، وهذا صحيح ، في الواقع ، فإن افتقر المجتمعون لإمكانية تبادل مواقعهم ، وتمسك كلٌ بمقعده ، كانت المشكلة ذاتية بحتة ، لكن ، إن هُمُ ، تبادلوا مواقعهم ، أقرَّ ، كلٌ منهم بصوابية رؤية الآخر للضوء المنكسر من الموشور ..

كان لا بدَّ من هذا التقديم للولوج لميثاق /حركة النهضة / فهو في المبدأ ، عاما ، كمختلف البيانات التي تتناول أهدافا تختصر مضامينها بخطوط عامة تكتنه التفاصيل التي تحتاج بطبيعة الحال لكثير من الشروحات تتمحور في الاجابة على /أين ومتى وكيف /، العام شرطٌ لازمٌ لكنه غيرُ كافٍ  ، التفاصيل شرط لازم كاف، وعليه ، فإن من المهم جدا قراءة ما بين سطور الميثاق ، لوضع النقاط على الحروف :  

ـ تؤكد النقطة الأولى من الميثاق على ضرورة / الالتزام والممارسة لمنهجية  العقيدة ./ بما يعني أن الواقع الحالي للحزب / مؤسسات وأعضاء / منفلتٌ من هذا الالتزام والممارسة لمنهجية عقدية ،  بالطبع بشكل نسبي ، يسمح ( للجنة الميثاقية ) بأن تنأى بنفسها عن ذلك ، لتكون ( التيرمومتر ) الذي يقيس مستوى ومدى / الالتزام والممارسة لمنهجية العقيدة / وفي هذا عبء كبير تتحمله في مرحلة يصعب فيها الفرز بين ملتزم وممارس لنهج العقيدة وبين منفلت ، ذلك أنه وعلى المستوى العام والخاص او الفردي لا بدَّ من وضع شروط وقواعد إحصائية او استقصائية لبلوغ حقيقة الوضع الراهن للإنفلات الذي يعاني منه الحزب ( مؤسسات وأعضاء ) بل ووضع آلية ذلك وآلية تجاوزه وأيضا آلية بلوغ المستوى الذي تنوي اللجنة بلوغه في مدى عام كمهلة زمنية لبلوغ ما نوهت عنه ، فلا يبقى قياس الالتزام والممارسة منفلتا أيضا من الضوابط والتي على أساسها تكون النتائج حقيقية لا لبس فيها وحتى لا تكون للمآرب الشخصية أدوات تتمكن من خلالها اقصاء من تشاء بحجة مدى / الالتزام والممارسة لمنهجية العقيدة / وحتى لا يكون ذلك سيفٌ تسلطه اللجنة على رقاب من يعترضون على نهجها كلجنة تقييمية للالتزام والانفلات على حدٍ سواء..

ما  نعتقده ، حول ما جاءت به النقطة الأولى من الميثاق ، أن المهلة الزمنية التي حددتها لا تفي لتحقيق الهدف منها ، خاصة وأنها لا تملك الامكانيات التي تتيح لها دراسة الواقع الحزبي إلا في عمومياته ، بمعنى أنه ( مطرح ما … )

ـ النقطة الثانية ، من وجهة نظرنا ، تبدو أهم من الأولى ، ذلك أنها تضع الإصبع في الجرح ، لتنكأه أم لتوقف نزفه ، سؤالٌ تبقى اجابته رهن بكيفية ذلك ، وهذا ما لم تحدده ( اللجنة الميثاقية ) فتحول الحزب لحركة شعبية مطمحٌ كان وما يزال الحزب قاصراعن ادراك وسائله ، لكنه قادرٌ على تحديد معوقاته، والتي تكمن في مدى انغلاق الحزب على نفسه أو انفتاحه المشروط أو غير المشروط ( كما هو الحال اليوم) على الشأن السياسي العام ، لكنه ، وفي المبدأ العام ، ولكي يكون الحزب / حركة الشعب / لا بدَّ له من اتخاذ ما نعتقد أنه حال دون هذا والحزب على مدى تاريخه ، ونقصد الانخراط في الحياة السياسية العامة والتي حتى تاريخه لم تجدِ نفعا ، لكنها تبقى شرطا لازما غير كافٍ لأية حركة سياسية ، الشرط اللازم والكافي لتكون حركة شعبية ، أن تنخرط في حركة الشعب ومطالبها لا في السلطة وتسلطها ، وهذا يعني رفض الحزب لأية مسؤولية سلطوية كائنة ما كانت هذه “السلطة ” وهذه بالذات ، وعبر تجربة الحزب الحالية ، أكان في الشام أو لبنان والى حدٍ ما في الأردن ، كانت سلطة مبحوحة الصوت ، لا معنى لها ولا قيمة ولا فائدة سوى تحريض النزوع الفردي لأعضاء الحزب بسلطة شكلية “إعلامية” لا أكثر ولا أقل تخدم الحزب على مستوى التعريف به  وتُظهره بمظهر الداعم لتفردات السلطة القائمة على انهاك الشعب في مطالب حياته اليومية بهدف عزله عن الشأن العام ..

من جهة ثانية ، وهنا بيت القصيد ،  أن يتحول الحزب لحركة شعبية ، يعني بالدرجة الأولى أن يكون مالكا لقراره السيادي المستقل ، وبما يعني رفض الحزب لأي دعم مادي خارجي ، مهما سوِّغت مبرراته ، وهذا بذاته ما كان يعاني منه الحزب على مدى تاريخه ، فإما أن تكون مستقلاً في قرارك السيادي المستقل معتمدا على مقوماتك الذاتية ، وإما أن تكون مرتهنا لداعمك ، هكذا أنخرط الحزب في حلف بغداد والتجأ للغرب ،في خمسينيات القرن الماضي ، ليتحول في ستينياته الى يسار معادٍ للغرب كرمى لعيني عرفات والحركة الوطنية والشام فدفع ثمن ذلك شهداء وتشتت أعضاؤه وباتت مؤسساته خرابا ، وذكراه نسيا منسيا ، وقبع في أربعينيات قرن مضى يجترُّ سعادة كلما وجد نفسه قاب قوسين أو أدنى من فقرٍ مدقعٍ لا فرار له منه ومن افلاسٍ شعبي قلَّ نظيره ..

تبقى وجهة نظرنا في هذا السياق ، جزئية ، فنحن لا نطرح مخرجا لكل ما تقدم ، لكننا حيال تجارب سياسية انتصرت ،علينا أخذ مقوماتها ومسلكيتها بعين الاعتبار حتى لا نخوض غمار تجربة ندفع ثمنها غاليا / فالتجربة مدرسة غالية الثمن لا يتعلم بها سوى الحمقى / وحتى لا نكون كذلك ، نرى أن تحولنا لحركة شعبية ، مسألة إن انتصرنا في معركتها كانت لنا مطالبنا الوطنية والقومية في متناول أيدينا ، خاصة في هذه المرحلة التي تتيح للحزب فرصته الذهبية النادرة ، أيضا في تاريخه ، ما نعتقده ، أنه وحتى يكون للحزب قراره المستقل ، كشرط لازم ، أن تكون قواعده منضبطة في منهجيته ،وهذا شرط كاف ، اذ ما تمَّ عزلها عن أي مطمح شخصي في السلطة ، وعلى هذا وذاك يمكن لنا أن نستشفَّ بعضا من ملامح تحولنا لحركة شعبية . عبر الاعتماد على مقوماتنا الذاتية ، فالحزب اليوم أقوى من أي يوم مضى هذه حقيقة لا بدَّ من الاعتراف بها ، لكنها قوة مشتَّتة على نحو ما ذهب اليه المثل القائل ( كتير الكارات قليل البارات ) فالتشظيات التي يعاني منها تنهكه وتبدد قواه في مماحكات شخصية تتحول في كثير من مناحيها الى مهاترات تنحى منحى الشتم والسباب ، وتكهنات “ما أنزل الله بها من سلطان “،

13 ـ .. على قاعدة عقدية / شرط الوضوح التعين / يمكن لنا أن ندرك  ما ذهب اليه  / المنطق اللغوي/ حيث  ” للمفردة ” معنىً ومدلولاً إما من حيث هي كذلك ( أي كمفردة ) أو في سياق ما تأتي  به في النص ، ولكل لغة منحىً في هذا المجال ، أي لكل لغة ميزاتها وخصائصها و.. الخ ، نحن ، وفي سياق البحث ،نحاول أن نتلمس مدلول المفردة ، ومعناها ، في كلا الوجهين ، بمعنى أننا لا نطرح رأيا في ما يجب على / حركة النهضة / أو سواها ، العمل وفق ما نراه أو ما شابه ذلك ، نحن هنا نعيد تركيب المفردات وفق المعنى والمدلول ، حتى لا تُلقى الكلمات على عواهنها ، فتتيح لمن شاء أخذها بهذا المعنى دون ذاك أو هذا المدلول دون ذاك ، فعندما نقول /  لتكون .. حركة الشعب العامة / على سبيل المثال ، فمدلول “حركة” و”شعب ” كمفردة وفي السياق ، يعني تبني مطالب الشعب التي تحددها النهضة وليست تلك المطالب الغوغائية التي تتناثر هنا وهناك من منطلقات عدة ، طائفية ، طبقية ، عرقية ..الخ وتبني هكذا مطالب ، يعني عدم الانخراط في السلطة أو أي من تشكيلاتها لأننا بذلك نكون على تناقض ذاتي يجمع بين مطالب الشعب ومطالب السلطة ، التي تكون بطبيعتها ، قمعية ، وبما يعني أيضا التماهي في الشعب ، دون أن يعني أيضا ذلك تجاوز مطالب النهضة التي تقررها مصلحتها في الانتصار وقيادة مجموع الشعب الى حيث استقلالية قرار مصلحته ، وبما يعني أيضا ، عدم ارتهان القرار النهضوي لأي دعم مادي خارجي ..   

عندما نقول أن مقوماتنا الذاتية ضمان لنا ــ وهذا ما لا يختلف عليه اثنان ــ  فما تعنيه هو أنه كان على “اللجنة الميثاقية” أن تجيب على هذا السؤال ،أين ومتى وكيف ؟  وإن كنا نحاول تحديد ملامحه العامة، فنحن لا نتدخل في كيفية بلوغه من قبل اللجنة ، فقط نحن نشير الى أنه ، وفي مدى عام من عملها ، يمكن لها أن تضع خطوطه العريضة ، وإن أتاح لها نشاطها ، والمنضوين تحت لوائها ، يمكنها أن تضع تفصيلاته ” كمَّاً وكيفاً” في مدى عام ، فأن استطاعت ذلك ، ضمنت ، لما تسعى اليه استقلالية قرارها ، بل وحافظت على نزاهة مطلبها في أن تكون / حركة شعبية / وكذلك على نزاهة أعضائها و المنضوين  تحت شعاراتها ، بانعدام أي  نزوع فردي لأي مكسب شخصي في توقهم لأن يكون الحزب / حركة شعبية / كما يمكنها أن تضمن بقاء نقاء سعيها لتكون /حركة شعبية / فالامتيازات الخاصة ــ نتيجة سعيها ــ لا بدَّ وأن تحرك ، في أعضائها والساعين معها لهدف نبيل كهذا الهدف ، بعضاً من نزوع ٍــ في حال نجاحها ـ الى أنها المخلص وللمخلص امتيازاته ، والتي يمكن لها أن تكون الخشبة التي يُصلب عليها مطلبها في صيرورة الحزب / حركة شعبية/ هذا من الجانب المناقبي  ، ذلك أن من يتنكب مهمة كهذه ، لا بدَّ وأن يكون قد ربط / مصالحه بمصالح قومه وأن يشعر مع ابن مجتمعه ويهتمّ به ويودّ خيره، كما يودّ الخير لنفسه / أما من الوجهة الإجرائية ، فيمكن القول أن اعتماد مقوماتنا ضمان لنا يقتضي أن يوضع مبدأ / إن الدماء التي تجري في عروقنا .. / موضع التنفيذ ، وبالدرجة الأولى للقائمين عليه ، بمعنى ، أنه اذا كنا مؤمنين فعلا بهذا المبدأ ، ففي الحد الأدنى منه ، مؤمنين بأن للحزب علينا حق ،والحق واجب مساهمتنا فعليّاً في خيار استقلالية قرارنا ، أي مساهمتنا الفعلية في ميزانية الحزب التي تضمن له اضافة لما تقدم قيامه بتغطية نفقات خططه ، على اختلافها، ذاتيا ،بما يعني أيضا ، عدم الاكتفاء باشتراك طوعي ، سنوي أم شهري ، بل بضريبة تحدد نسبتها وفق مستوى دخل الفرد ـ العضو ، والأعباء التي يتحملها ، وما تتطلبه موازنة الحزب العامة ، وأي تهرب ضريبي !! يجب أن تكون عقوبته ما تُقرَّه المحكمة الحزبية ..

ما تقدم ، على اللجنة أن توكل العمل به لمجموعة من الاختصاصين / الاقتصاديين والحقوقيين /  ، وهذا ما يضيف إليها أعباء فوق أعباء ، وعلى من يتنكب ، مسؤولية مهمة بمستوى هذه المهمة التي / تساوي وجودنا ../  ، أن يكون في المستوى المطلوب ، وأن يترك مبررات الحيلولة دونه غير مأسوف عليها ، وإلى غير رجعة..

النقطة الثالثة الواردة في ميثاق حركة النهضة ، تشي بإشكالية ، كان يفترض باللجنة بيان  معالمها وبعض حلولها أو مخارجها / اعتماد القواعد الدستورية التي أرساها ســــــــعاده وتكريسها في صياغة الدســتور الجديد تعزيزاً لعمل السـلطات الثــلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، حتى تقوم كلٌ منها بدورها، باستقلاليةٍ وبتكاملٍ فيما بينها، لتحقيق المصالح القومية للأمة السورية./

بداية لم نتبين ما هي /القواعد الدستورية/ التي أرساها سعادة، وتاليا / تكريسها في صياغة / دستور جديد / يعمل على مبدأ فصل السلطات دون تناقضها ..

في واقع الحال ، ليس هناك من قواعد دستورية أقرَّها سعادة ، بمعنى ، كيف يمكن صياغة الدساتير والقوانين والأنظمة ، على ما ذهب اليه “منتسيكيو” في ” روح القوانين ” ، سعادة أقرَّ مبدأ ” مصلحة الأمة ” التي هي ، تبعا للواقع والحال والظرف متغيرة وباستمرار ، و”مصلحة الأمة ” مصطلح عام ، يحمل الكثير الكثير من المضامين الفلسفية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية ..الخ ، ” القواعد الدستورية “، ليست نصا ، هي مصلحة الأمة في تطورها ، وتاليا في تاريخيتها ، التي يمكن استخلاصها من تأريخ حركتها ، القواعد الدستورية هي  تاريخ نتبين من خلال مفاصله ومنعطفاته ومنزلقاته ، كيف كانت التعديلات الدستورية / لعب في الدستور من الدستور على الدستور / وكيف أنها بقيت صراعا على السلطة في الحزب ، بين السلطة ” التشريعية ” و”التنفيذية ” تتوسع هذه على حساب تلك تبعا “لكاريزما” الرئيس ، وكيف أنها لم تولي أي اهتمام للقواعد الحزبية / عمدات ، معتمديات، منفذيات ، مديريات ، مفوضيات / بقيت هذه على حالها منذ أن نشأ الحزب ، وحتى تاريخه ، لم تمسها في يوم يد التعديل ،مجالس المنفذيات والمديريات ، بقيت حبرا على ورق ، لم تولى ، على أهميتها ، أية قيمة ، القضاء كسلطة ، ظل إلعوبة بيد السلطتين الأخريتين ، يغيب زمانا ليعود في اللحظات التي لا بد لها من أن تنال من هذا الرئيس أو ذاك ، لم يعتمد في أي تعديل “دستوري” السؤال التالي : لماذا في كل سنوات عشر هناك أزمة ؟ سؤال بالغ الأهمية في وضع حدٍ لكيفية التعديل ومبتغاه ، منطلقا واسلوبا وغاية ، لم يتعظ القائمون على “التعديلات الدستورية ” في مراحل الحزب المختلفة من التجربة التاريخية لهذا التعديل أو ذاك ، بقيت قواعد اللعبة تعتمد جهل القواعد الحزبية بحقيقة ما يجري المتلبسة على الدوام مصطلحات فارغة المضمون ، ظلت ” رتبة الأمانة ” رتبة شكلية لم ينطلق منحها من مسببات وجودها حتى أضحت مجرد صون انتخابي ، تُمارس في منتديات خاصة بعمليات الانتخاب ، صوتا انتخابيا يباع ويشترى ، تمنح للمؤيد وتنزع عن المعترض ، سيف مسلطٌ على رقاب حامليها ، حال دونها ودون جوهرها ، لم تلحظ تلك التعديلات انتفاء عوامل وظروف حق العضو في إبداء الرأي ، بقيت هذه الحقوق على حالها منذ زمن الانتداب ، / حق ابداء الرأي في الجلسات الرسمية وحين يباح له الكلام / والأنكى / حين يباح له الكلام /، بمعنى أن المدير أو المنفذ إن لم يشأ أن تبدي رأيا فعلى رأيك السلام ، فإن خرجت به على الملأ  ، عُدَّ خروجا على النظام ، فصلا أو طردا وينتهي الى أن يستمر الوضع على ما هو عليه ..

ما تقدم يعني ، أن تؤخذ التجربة التاريخية للتعديلات كقواعد أرستها التجربة الحزبية ، على سبيل المثال لا الحصر  لايحق للسلطة التشريعية تعديل أي مادة دستورية إلا بعد مضي عشر أو خمسة عشرة سنة على اقرارها وبموجب قرائن تاريخية وشخصية تقرُّ صحتها من قبل المحكمة الحزبية العليا ، تبقى رتبة الأمانة رتبة فخرية يُكافئ عليها العضو لما أنجزه وفق ما صاغه سعادة بموجبات منحها ،لكل من بلغ من العمر الحزبي عشر أو خمسة عشرة سنة ، حق الانتخاب ، للعضو حق ابداء الرأي في أي من المجالس الحزبية ، كائنة ما كانت استهدافات هذه المجالس .. يمنع على عمدة الداخلية أو رئاسة الحزب أو المجلس الأعلى فصل أو طرد أي كان إلا بناء على قرار محكمة حزبية  محالة اليها أوراق العضو أصولا ، من أي كان من الرفقاء أو الهيئات الحزبية الأخرى.. لم نشأ الاستطراد حتى لا تؤخذ علينا الاطالة …

14 ـ .. ما جاءت به النقاط 4و5و6و7 ، من بيان /حركة النهضة / تبقى نقاطا مستقبلية يتوقف تطبيقها أو تنفيذها ، على مدى  نجاح هذه الحركة في مشروعها ، هذا المشروع الذي نأمل في أن لا ينتهي ليكون ( حزبا جديدا ) يضاف الى تشظٍيات الحزب القائمة ،وعندما نقول ” نجاح ” هذه الحركة، في مشروعها ، نعني تحقيق الوحدة الحزبية ، والتي تبقى هدفا لجميع القوميين الاجتماعين ، مهما تباينت وجهات نظرهم في ما آل إليه الحزب ، والنجاح ، هنا يعتمد بطبيعة الحال على مقولة / الفكر في النهج / فمما لا شك فيه أن التكتيك ( الكيفية والأسلوب ) الذي تعتمده في بلوغ غايتها ،يبقى الدليل على مدى عمق نظرة القائمين على المشروع لما أودى بالحزب لما يعانيه مجمل القوميين الاجتماعيين من حالات التشرزم والانكفاء عن العمل النهضوي وفقدان الثقة “بقيادات ” الحزب التي عبثت به دهرا من الزمن ..

النقطة الأخيرة التي علينا إيلاءها اهتمامنا هي ما انتهى إليه البيان ونقصد ” تمنح هذه الهيئة مهلة أقصاها سنة واحدة لعقد مؤتمر قومي عام تعرض من خلاله مشاريع القوانين الدستورية التي تجعل من السوريين القوميين الاجتماعيين مصدرا وحيداً للسلطات وتُنشيء قضاءً حزبياً مستقلاً..”

غالبا ما تكون مقررات المؤتمرات ( مُقَرَّةً ) قبل انعقادها ، هكذا تكون في العادة مؤتمرات “القمة العربية ” فالتوافق على البيان الختامي لها يكون هو القاعدة التي يشارك من خلاله  “الرؤساء والملوك والأمراء العرب ” وحتى لا يكون المؤتمر الذي تدعو إليه الحركة على ذات المنوال الذي كانت عليه مؤتمرات الحزب السابقة في مقرراتها والتي هي على نسق مؤتمرات “القمة العربية ” حيث يختلط الحابل بالنابل ويكون المؤتمر جامعا في الشكل لمختلف وجهات النظر وفي المضمون مُقرَراً مسبقا وفق ما يراه الداعون إليه ،على الحركة أن تحدد مجالاته ، العقدية ( الفكرية ) والدستورية ( الدستور ومقترحات تعديله ) والنظام الداخلي ( والمقترحات المتعلقة بصلاحياته وحقوقه وواجباته مؤسسات وأعضاء )  أيضا المقترحات الاقتصادية التي تحول دون الاعتماد على مصادر تمويل خارجية ، وتلك السياسية التي تُقِرُّ  حظر الاشتراك بأي من مجالات عمل السلطات الكيانية ـ هذا اذا كانت الحركة صادقة في ما تدعيه في تحوُّل الحزب لحركة شعبية ـ كما أن على اللجنة تحديد النقاط الواجب بحثها  منطلقاً  وكيفيةً للعمل على المستوى الشعبي بمختلف شرائحه المذهبية ـ الطائفية والطبقية والعرقية والثقافية والاقتصادية.. الخ ـ كل ما تقدم ، على اللجنة العمل عليه بصيغة جدول أعمال قابل للمقترحات المضافة اليه، موزعا على جميع القوميين الاجتماعيين في الوطن وعبر الحدود للإسهام في دراسات شاملة أو اختصاصية لبند من بنوده ، لنشرها ــ قبل انعقاد مؤتمرها بفترة زمنية تتيح دراسة هادئة معمقة  لأي من هذه الدراسات ــ من قبل المدعوين لحضور المؤتمر ، منخرطين في الحركة أو منضوين تحت أي تشكيل حزبي آخر ، على أن تأخذ اللجنة بعين الاعتبار مواصفات المدعوين ، فلا يأتي المؤتمر على كمٍ تختلط فيه الغوغاء بالمؤهلين لدراسة هكذا موضوعات مصيرية ، ولتكون في النتيجة هناك استمارات تعكس ما انتهت اليه مناقشات كل بند من بنود جدول الأعمال ، حيث يقترع على أي منها مجموع المدعوين للمؤتمر ، حيث ينتهي المؤتمر لمقررات تحظى بالإجماع القومي الاجتماعي ، بعد نشرها عليه وتلقي كافة وجهات النظر من أي من القوميين الاجتماعيين ، أكرر من أي من القوميين الاجتماعين ، مهما تكن صفته ومستواه العلمي والاجتماعي والثقافي العام ..

هكذا تكون المؤتمرات الفاعلة والهادفة لضمان مستقبل حزبي ينضوي في المجموع في سياق منسجم فاعل ..

في المؤتمر الذي عقد في ضهور الشوير عام 1984 ، كنت قد تقدمت بدراسة معمقة في تاريخ الحزب * تناولت فيها عقيدته ودستوره ونظامه الداخلي على قاعدة التجربة التاريخية المتكرر منها والذي قاد الحزب الى ما كان عليه ، وكانت مستندة الى تفاصيل لا يذكرها التاريخ الحزبي وتحليل لما استندتْ عليه حتى من الوجهة النفسية والفكرية والمجتمعية ,.. ، فأحيلت الى اللجنة المختصة بدراسة المقترحات المقدمة للمؤتمر ، فما كان من تلك اللجنة الى أن اختصرت الدراسة ــ وعلى ما أعتقد الدراسات الأخرى ــ بعبارة مقتضبة هي / يقترح الأمين جورج معماري تعديل الدستور / لقد أثارت هذه  العبارة في نفسي شجونا وشجون ، من أنه لا أمل مما نوليه عمرنا فداءً له !!

         

..ما نود التأكيد عليه هو أننا في نقدنا ( شرحنا ) لما تضمنه البيان والميثاق ، لا يجب أن يُفهم منه أننا لا نؤيد هذه الحركة في مجمل طروحاتها من منطلق كونها الجامعة لمجمل المواقف المعترضة على واقع الحزب الحالي ، ومن منطلق أن الوحدة هدف لنجاح الموقف المعترض، والذي نأمل من جميع المواقف الاعتراضية الأخرى السعي لتحقيقه بالصيغ التي تتجاوز بها مختلف وجهات النظر التي مهما بدت موضوعية وضرورية تبقى حجر العثرة في بلوغ الهدف لأي  منها ..

كلمة أخيرة في هذا السياق ، هناك حقيقة لا بدَّ من الاعتراف بها ألا وهي : أن من يحول دون وحدة الحزب هم ، داعمي تشظياته ،ماديا وسلطويّاً وإعلاميا ، بهدف قريب هو الإبقاء عليه ضعيفا مستضعفا ، يقتات على فتات موائدهم ، وبهدف بعيد هو التمهيد لما يحاك للأمة من مؤامرات تكون لها قبرا تحت الشمس ، وشاهدته تبقى : هنا يرقد من أراد للأمة السورية الحياة .

* ـ الجدير بالذكر هنا أن الوحيد الذي أثنى على هذه الدراسة هو الأمين عبدالله قبرصي ، حيث قال وعلى مسمع من جميع الحاضرين ، أنه لم يقرأ دراسة مماثلة لهذه الدراسة من حيث العمق ، حتى تاريخه ( 1984 ) ، هذه الدراسة ذهبت أدراج الرياح مع غيرها من الدراسات في( سرقة ) لم تقف حيالها القيادات الحزبية موقف المتأمل والدارس ولا حتى ( المعاتب ) للأمين حافظ صايغ الذي تركها في سيارته لتبيت ليلتها الأخيرة في أحضان الحزب ولتؤول من بعدها ، لأحضان مؤسسات استخباراتية عكفت بتمعن على دراسة ما جاء فيها وخططت لما آل اليه الحزب في ما بعد .    

من يحولون دون الوحدة ويكرسون الانقسام ، هم من نصَّبهم داعميهم من غير القومين رؤساء .